بعد مرور 5 سنوات على أحداث 11 سبتمبر في العام 2001م وما تلاها من إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إطلاقَ حربِه على ما زعم أنه "الإرهاب" توالت الانتقاداتُ الدوليةُ والاتهاماتُ الداخليةُ بالتضليل له بسبب هشاشة الأسس التي ارتكزت عليها سياستُه في تلك الحرب وعدم مصداقية الادعاءات التي قامت عليها تلك السياسة. فخلال الخمس السنوات الماضية ظلت إدارة بوش تزعم وتخدع العالم بأن حربها ضد الإرهاب يجب أن يخضع للقوة العسكرية، ولذلك قام باحتلال العراق ويخطط لضرب سوريا وإيران، وساعد الكيان الصهيوني في عدوانه على لبنان، مما حدا بالشعوب العربية أن تتحرك نحو المقاومة وتتمسك بعقيدتها وشرائعها أمام خطر الحروب الصليبية الجديدة التي تشنها الإدارة الأمريكية بقيادة بوش، وكان لنجاح حزب الله في حربه مع الكيان الصهيوني أثر طيب على نفوس المواطنين العرب الذين أحسوا أن النصر ممكن إذا أحسن الرد على المخططات الصهيوأمريكية.
السجون السرية ففيما يتعلق بقضية السجون السرية التي اعترف بوش مؤخرًا بإدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA" لها حول العالم لاستجواب المشتبه بأنهم "إرهابيون" انتقدت الصين إقامة الولاياتالمتحدة تلك السجون في الخارج واستخدامها أساليب متشددة في محاربة "الإرهاب"، ونقلت وكالات الأنباء عن المتحدث باسم الخارجية الصينية كين جانغ قوله إن بلاده "تؤمن" بأن جهود مكافحة "الإرهاب" يجب أن تتماشى مع ميثاق الأممالمتحدة والأعراف التي تحكم العلاقات الدولية. وفي السياق نفسه وجهت مستشارة ألمانيا أنجيل ميركيل انتقادًا للولايات المتحدة على خلفية تلك القضية، وقالت ميريكل إنه حتى في حملة الحرب على ما دعته "الإرهاب" فإنه يجب إيجاد طريقة ملائمة لاستخدامها دون تهديد ما أسمتها "المثل الرئيسية والأساسية"، كما أضافت أن استخدام مثل هذه السجون "غير مقبول من منطلق فهمي لحكم القانون"، وفيما رحَّب وزير الخارجية الهولندي بن بوت باعتراف بوش بوجود تلك السجون السرية فقد أعرب عن "أسفه" لعدم إبلاغ بلاده بهذا الأمر. وكان أعضاء في البرلمان الأوروبي قد طالبوا الخميس حكوماتِ بلادهم بكشف ما إذا وجدت سجون سرية تُديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على أراضي بلادهم، وطالب عضو البرلمان الأوروبي عن ألمانيا ولفجانج كريسل ديرفلر حكومات الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول التي تنوي الدخول في الكتلة الأوروبية بتوضيح ما إذا كانت "قد تورطت في مثل هذا الأمر".
الداخل الأمريكي وفي الداخل الأمريكي استمرت الانتقادات والاتهامات للرئيس الأمريكي بعد اعترافه بوجود السجون السرية؛ حيث اتهم منتقدو الرئيس الامريكي جورج بوش الرئيس بتضليل الشعب الأمريكي متعمّدًا، وذلك بخصوص أحد الأسباب الرئيسة المعلنة لشنِّ الحرب على العراق في العام 2003م، وهي علاقة النظام العراقي المخلوع بتنظيم القاعدة؛ حيث نفى تقرير استخباري أصدره مجلس الشيوخ مؤخرًا وجودَ تلك العلاقة، ووصف النائب الديمقراطي كارل ليفين التقرير بأنه "ضربة مدمرة " لمساعي الإدارة الأمريكية لإيجاد صلة بين الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين و"الإرهاب"، بينما علَّق الناطق باسم البيت الابيض توني سنو قائلاً إن "التقرير لا جديد فيه"!!
بوش والحروب وفيما يتعلق بإستراتيجية بوش في الحرب على العنف المسلَّح حول العالم نقلت جريدة (فيلت أم سونتاج) الألمانية في تقرير لها تنشره اليوم عن العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي جون مكين قوله إن معاملة الولاياتالمتحدة للسجناء في جوانتانامو والعراق ألحقت ضررًا شديدًا بصورتها في الخارج، مشيرًا إلى أنه قد جرى استخدامهما في "إثارة الشعور المناهض للأمريكيين". وتعليقًا على السياسة التي سماها بوش "نشر الديمقراطية" وارتكز عليها في إستراتيجيته الدولية ضد ما يقول إنه "الإرهاب" أكد السيناتور الأمريكي أن بوش "راهَن أكثر من اللازم" على الانتخابات كوسيلة لإحداث تغيير في الشرق الأوسط، وقال مكين إن الولاياتالمتحدة تحتاج الآن أن تكون "أكثر واقعيةً" فيما يتعلق برغبتها في تشجيع الديمقراطية وتقرير المصير الوطني. وشنت الإدارة الأمريكية حربَين في العراق وأفغانستان بدعوى تعقب من تقول إنهم "إرهابيون" والعمل على تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في هذين البلدين، إلا أنه بعد 5 سنوات في أفغانستان وما يزيد على ال3 سنوات في العراق تحوَّل البلدان إلى أكثر المناطق سوءًا على مستوى العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.
الديمقراطية في الوطن العربي وفي ما يتعلق بأجندة الديمقراطية في الوطن العربي والتي تدعو لها الإدارة الأمريكية على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس، قال روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: لا أستطيع القول إن الأجندة الأمريكية لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط قد ماتت، لكنها في مرحلة الإنعاش. وأعتقد أن الأجندة الديمقراطية لازالت تمثل توجها استراتيجيا للولايات المتحدة، لكن علينا إعادة التفكير في طريقة نشرها. هناك الآن نقد من قبل البعض للطريقة الولاياتالمتحدة في نشر الديمقراطية. فقد تحركنا في البداية بسرعة لمساندة الانتخابات في المنطقة مثل الانتخابات في العراق وفلسطين ومصر، باعتبار أن الانتخابات عنصر مهم في إستراتجيتنا، ولكن الواقع أن الانتخابات، وإن كانت عنصرا مهما، إلا أنها ليست الخطوة الأولى في مسألة نشر الديمقراطية. فقبل الذهاب لصندوق الانتخابات علينا أن نظل نبني المؤسسات جيلا كاملا، وهو ما يستلزم بعض الوقت. أما إمى هواثورن المتخصصة في شئون الشرق الأوسط فتقول: يبدو أن الحرب اللبنانية سيكون لها عواقب مركبة، أولا فيما يخص أجندة الرئيس بوش في نشر الديمقراطية، ومن الواضح أن القوى التي تنمو الآن في المنطقة هم المسلمون الشيعة في إيران والعراق، وحزب الله بلبنان، فهم حتى الآن المستفيدون من الوضع في المنطقة. وإيران حتى الآن هي الأقوى في المنطقة. وبالمثل فجماعات الشيعية في العراق و لبنان (حزب الله) قوية في الوقت الحاضر، ولكن هذا الوضع يمكن أن يتغير. الحكومة العراقية الآن ضعيفة، وستصبح أضعف خلال الشهور المقبلة. ومن المبكر التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل حزب الله. ففي الوقت الحاضر هم يبدون أقوياء جدا، لكن الوضع السياسي بلبنان يمكن أن ينقلب بسهولة. خاصة إذا استأنفت الحرب مع إسرائيل فان كثير من اللبنانيين من غير المساندين لحزب الله يحملونه مسئولية الدمار الذي حل بلبنان. فالوضع الداخلي بلبنان هش للغاية ومن الممكن أن يتحول بسهولة. وأيضا فإن الضغوط الدولية والإقليمية على سوريا يمكن أن تؤثر سلبا على حزب الله. ومن جانبه قال جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط - مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: لا أرى أننا يمكن أن نقيم نظاما ديمقراطيا في الشرق الأوسط وفي الوقت ذاته نتجاهل التيارات الإسلامية المعتدلة التي تريد المشاركة.