خلال حملته الانتخابية الرئاسية الأمريكية عام 2000، وعد جورج بوش بسياسة خارجية متواضعة، وهاجم بوش إدارة بيل كلينتون بسبب ما وصفه بالتدخل الشديد فى سياسات الدول الأخرى، وأكد بوش أنه إذا لم يتم الحد من انتشار القوات الأمريكية فى مهمات حول العالم فإن بلاده ستواجه مشكلة خطيرة، متعهداً بمنع حدوث ذلك. ولكن وعود بوش الانتخابية بدأت تختفى بعد فوزه بالرئاسة وتسلمه السلطة برفقة عصبة من المحافظين الجدد تحمل خططاً مختلفة تماماً عن تلك الوعود، فهم يؤمنون بأن العالم يبحث عن قائد وأمريكا هى القائد الحتمى ولذلك على الدول الأخرى أن تتوحد تحت هذه القيادة لإعادة تشكيل النظام العالمى الجديد، أما إذا فشلت أمريكا فى استغلال الفرصة لقيادة العالم وإعادة تشكيله فستنتشر الفوضى، كما أنهم يؤمنون بأن قوة أمريكا العسكرية هى أداة رئيسية لنجاحها فى قيادة العالم، وأن السلام الحقيقى هو الذى يأتى كنتيجة للانتصار فى الحروب، ولذلك يجب استخدام القوة العسكرية لصناعة نظام عالمى تسيطر عليه الولاياتالمتحدة. وسرعان ما جاءت هجمات 11 سبتمبر عام 2001 التى استغلها بوش والمحافظون الجدد لتعبئة الرأى العام الأمريكى لصالح شن حملة أمريكية على الإرهاب، وقسم بوش وعصبته العالم إلى خير مطلق وشر مطلق، أو بحسب كلماته «إما أن تكون معنا أو ضدنا». وبفعل الرغبة فى الانتقام والحزن والصدمة التى أصابت الأمريكيين بعد هجمات سبتمبر، أطلق بوش الحرب العالمية على الإرهاب بدعم أغلبية الأمريكيين والدول التى سنادته إما بدافع الخوف أو المصلحة المشتركة، وبعد أن وصفها بوش بأنها «حرب صليبية»، قام أنصاره بترويج «الإسلاموفوبيا» حول العالم. ووضع بوش وفريقه عدة أهداف لهذه الحرب، منها قطع الملاذ الآمن للإرهابيين، ومنعهم من إنشاء معسكرات تدريب، وقطع تدفق الدعم المالى للمنظمات الإرهابية، وإلقاء القبض على المشتبه بانتمائهم إلى منظمات إرهابية، والحصول على المعلومات بطرق مختلفة مثل الاستجواب والتنصت، وإقامة علاقات دبلوماسية قوية مع حكومات الدول التى تشكل جبهة للحرب ضد الإرهاب. وجاء غزو أفغانستان كأول جولة عسكرية فى الحرب على الإرهاب بعد أن اتهمت إدارة بوش تنظيم القاعدة بتنفيذ هجمات سبتمبر، وحظيت الجولة الأولى بتأييد عالمى شبه مطلق للولايات المتحدة وبدعم كبير مقارنة بالتشتت فى الآراء الذى صاحب غزو العراق أو الجولة العسكرية الثانية من الحرب على «الإرهاب». وأصبحت الاتهامات تطارد بوش بتحمل مسؤولية مقتل مئات الآلاف من الأشخاص فى حربى العراق وأفغانستان، وانتهاك اتفاقيات حقوق الإنسان، عبر عمليات اعتقال وتعذيب المشتبه فيهم، وكذلك انتهاك الحريات المدنية الأمريكية بعمليات المراقبة والتنصت، كما تم تحميل بوش مسؤولية الاستنزاف الكبير للاقتصاد الأمريكى أثناء الحرب على الإرهاب وتحويل أكبر فائض فى تاريخ الولاياتالمتحدة فى عهد بيل كلينتون إلى أكبر نقص فى الميزانية فى تاريخ الولاياتالمتحدة فى عهده، حيث بلغت تكاليف تلك الحرب تريليون دولار حسب معهد التقديرات الاستراتيجية والمالية الأمريكى، ومازال العد مستمراً، بالإضافة إلى اضطهاد الجاليات العربية والإسلامية فى الدول الغربية وتشويه صورة أمريكا حول العالم، أما الاتهام الأخطر فهو زيادة موجة التطرف والإرهاب حول العالم نتيجة الحرب التى شنها جورج بوش، حيث وقعت فى عام 2001 حوالى 531 عملية إرهابية حول العالم، وهو العدد الذى تضاعف كثيراً ليصل فى عام 2007 إلى 14 ألفاً و499 عملية إرهابية، وذلك حسب أرقام وزارة الخارجية الأمريكية والمركز الوطنى لمكافحة الإرهاب، فى حين أكد تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية أن الولاياتالمتحدة رغم الحرب الشرسة على الإرهاب لا تزال معرضة لمزيد من الهجمات، ويشير التقرير إلى أنه رغم التراجع الذى شهده تنظيم «القاعدة» بسبب القتال العنيف، إلا أنه استطاع أن يبعث من جديد وأن يطور قدراته التى تمكنه من الهجوم على الولاياتالمتحدة وتكرار هجمات سبتمبر. بينما يدافع الرئيس بوش عن نتائج حربه على الإرهاب بالتأكيد على أنه حافظ على أمن الولاياتالمتحدة التى لم تشهد أراضيها أى اعتداء إرهابى منذ هجمات سبتمبر 2001، ويرى بوش أن الحرب تؤدى إلى استنزاف طاقات الإرهابيين ومنعهم من تكوين كتل سياسية وعسكرية ذات نفوذ قوى، ويعتبر بوش أن نشر الديمقراطية، حتى وإن تم بالقوة، سيؤدى فى المدى البعيد إلى زيادة استقرار العالم والقضاء على الإرهاب، كما أنه يرى مبالغة كبيرة فى تقدير الخسائر البشرية للحرب على الإرهاب بين صفوف المدنيين، لأن أغلب المدنيين الذين يعيشون بالقرب من الإرهابيين متعاطفون معهم ويقدمون لهم الدعم المادى أو المعنوى. وبعد مرور أكثر من 7 سنوات منذ إطلاق الحرب على الإرهاب، يغادر بوش منصبه تاركاً لخلفه حرباً مفتوحة لا يبدو لها نهاية، ولكنه مازال يعتقد أن حكم التاريخ سيكون لصالحه، لأنه كان يعمل من أجل مصالح بلاده رغم أن العالم الآن يعتبرها خطايا.