عندما أعلن عن سقوط مبارك كنت أمام ماسبيرو مع المعتصمين أمامه ، كان الناس فى ذروة الفرح وكنت فى ذروة القلق رغم أننى كنت أول من دعا إلى سقوط مبارك منذ سنوات بعيدة ، وكان يجب أن أكون أسعد الناس ، وعدت إلى بيتى كى أفكر فى مشكلة مابعد مبارك ، ولكن القنوات الفضائية ظلت تطاردنى لسماع تعليقاتى ، وكانت تعليقات فاترة ، مؤيدة لسقوط مبارك دون أى حالة من الفرح الانفعالى ، وبينما أنا على الهواء قطعت إحدى القنوات على حديثى ودخل على مدير القناة ذات نفسه وقال لى : لماذا لاتتحدث بحماس يا أستاذ وتلهب الدنيا فهذا اليوم هو يومك ؟ قلت له : إننى أفكر الآن فى مستقبل مصر . أما مبارك فقد انتهى يوم جمعة الغضب عندما تفككت شرطته . وقد كان قلقى راجعا لرفض الاخوان المسلمين لاقتراح حزب العمل بتشكيل مجلس مؤقت من القضاة لقيادة المرحلة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات . وبالفعل فقد أدى عدم تمسكنا بالميدان حتى ضمان مسار الثورة إلى تولى العسكريين للحكم . والعسكريون ليسوا شركاء فى الثورة ، بل لقد استغلوا الثورة بالتفاهم مع الأمريكان للخلاص من مبارك وأسرته ، وليسير كل شىء كما هو بدون هذه الأسرة التى كانت تريد أن تورث جمال رئاسة الدولة ومن ثم مركز القائد الأعلى للقوات المسلحة . المجلس العسكرى الذى حكم مصر عاما ونصف العام هو مجلس حسنى مبارك بالتمام والكمال ، الطنطاوى رئيس دفاعه والسيسى رئيس المخابرات الحربية الخ. باختصار شديد قام المجلس بالحفاظ على مكونات نظام مبارك وتوجهاته الرئيسية ومعظم وزرائه وشخوصه فى ظل حكومتى شرف والجنزورى . وحافظوا على المحكمة الدستورية ورفضوا فكرة تطهير القضاة واعتبروها عيبا لايجوز أن يقال . وخطأ الاخوان أنهم ظنوا بعد نجاح مرسى أن الأمور ستسير سيرا حسنا بالتدريج ، وراهنوا على النموذج التركى . وقلنا لهم مرارا مصر غير تركيا . تركيا قام الغرب بدعم التجربة بالاستثمار والتعاون الاقتصادى وقد نشرت إحصاءات حول ذلك فى إحدى مقالاتى . مصر إذا قام فيها نظام سلامى لتغير وجه المنطقة تماما ، وانتهى النفوذ الأمريكى الصهيونى وأصبحت اسرائيل فى النزع الأخير. فهذا غير مسموح به إلا أن ننتزع حقنا انتزاعا فى الحرية والاستقلال . ليس هذا نوعا من لوم الاخوان فى وقت غير مناسب . بل هو من أجل الاتفاق على خطة الهجوم والانتصار . لايمكن التفاهم مع الأمريكان ، فهؤلاء القوم لايعرفون إلا لغة القوة والمصالح ، لايعرفون منطقا ولا الحجج المقنعة . بل يستهزئون بهذه العقلية الساذجة . نحن نفرض إرادتنا بقوتنا من أجل تحقيق استقلال مصر وإخراج أمريكا من المعادلة الداخلية . ولكن كيف ؟ أمريكا لاتخيفنا فى شىء ، فكل التلاعبات الاقتصادية قد حدثت بالفعل فى البورصة وسعر العملة وسحب الاستثمار ووقف السياحة الخ عسكريا : أمريكا هزمت فى العراق وافغانستان ولايمكن أن تفكر فى مواجهة 90 مليون مصرى ! إذن ماهى الورقة الحقيقية التى تحكم بها أمريكا مصر : إنها قيادة القوات المسلحة . إذا أنت سيطرت على القوات المسلحة فهذا أهم شىء لأنها هى القوة على الأرض . كما حدث فى 2011 ويتكرر الآن . بعد تفكك وعجز الشرطة . وطبعا لقد أنفقت الولاياتالمتحدة على مدار 3 عقود النفيس لشراء وتربية النخبة السياسية وكثير من الاعلاميين حتى لاتكون القوات المسلحة عارية من الغطاء السياسى . وجبهة الانقاذ مليئة بمثل هذه الأشكال . فكان البرادعى رجل أمريكا الأول ( الثانى ساويرس ) زعيم الليبرالية المفترض المبشر والملح الأكبر على التدخل العسكرى الانقلابى . والعجيب أن مثقفى المخابرات الذين طالما أدعوا أنهم أعداء ألداء لأمريكا واسرائيل هم الآن نجوم فضائيات الفلول الممولة خليجيا أى أمريكيا . قادة الانقاذ هم الغطاء السياسى أو القفاز المدنى للقوة العسكرية الخشنة القوات المسلحة . وأمريكا تريد القوات المسلحة ضامنة للتبعية ، وتريد فى نفس الوقت ديموقراطية أراجوزات مدنية ، حيث يتم تبادل الحكم بين أحزاب أمريكية الهوى . ولطالما حاولوا أن يقنعوا مبارك بأن يكون هناك حزب ثان كالوفد يتناوب السلطة مع الوطنى ولكن مبارك لم يكن صلبا إلا فى الدفاع عن نفسه فرفض دائما مثل هذه الاقتراحات . ولأن الأمريكان أناس عمليون ، فهم يؤمنون بالقوة المادية أولا ، ولذلك فهناك إجماع دائم فى واشنطن ، على استمرار المعونة العسكرية لمصر قبل وبعد الانقلاب . لأن قطع المعونة معناه فقد الورقة الرئيسية فى التحكم بمصر من الداخل . ومصر لاتستفيد من هذه المعونة العسكرية وهى مليار و300 مليون دولارسنويا ، فهى تأخذها فى صورة عينية : أسلحة . وفى إطار التحالف الاستراتيجى والعقائدى بين أمريكا واسرائيل فإن أمريكا لاتعطى الجيش المصرى إلا أسلحة أقل كفاءة وعددا مما لدى إسرائيل التى تأخذ سنويا معونات بأكثر من 3 مليارات دولار كحد ادنى ، ولكنها تحصل على أكثر من ذلك بكثير اقتصاديا وعسكريا مما يطول شرحه وهو معروف ومنشور. إذن نحن نضيع استقلال مصر بصورة عبثية ، فنحن يتم شراءنا ب 9 مليارات جنيه مصرى سنويا ، فى صورة معدات حديدية لاقيمة لها . ولكن كبار العسكريين الذين يسافرون لأمريكا يحصلون منها على عمولات ، ويسبحون فى الأموال الحرام ، وأشياء أخرى حرام . روى لى أحد الضباط المتقاعدين أن المسافرين للولايات المتحدة للحصول على دورات تدريبية أو للمباحثات العسكرية ، يتعرضون لإغراءات شديدة ، فهم يتعرضون لخلوات مع حسناوات وشرب الخمور مع احتمالات عالية لتصوير ذلك بالفيديو . والاغراء الأكبر هو عملات السلاح أو أى نوع من المكافآت تحت أى مسمى . وكشف لى ضابط متقاعد من الجيش والمخابرات عن معلومات بالغة الخطورة : حيث يتواجد مندوب مشتروات سلاح فى كثير من السفارات المصرية ( قد يكون الملحق العسكرى كما كان أبو غزالة أو غيره ) وأن هؤلاء المندوبين متورطون فى صفقات سلاح لا علاقة لها بمصر لترويج السلاح الأمريكى بما يخدم السياسات والمصالح الأمريكية وأن المخابرات المصرية على علم بهذه الشبكات . من ذلك توريد سلاح للنظام العراقى خلال حربه ضد إيران . وتوريد سلاح لحكومات أو متمردين فى إفريقيا ، بما يخدم السياسة الأمريكية وتحصل القوات المسلحة على عرقها فى عقد هذه الصفقات . مصر الشعب لاتستفيد من هذه المعاملات الشيطانية ، ولايدخل لها فلس واحد منها . وهذا عظيم لأنه مال حرام . ولكن هذا المال الحرام بكل أنواعه يقوم بدور خطير وهو شراء الذمة الوطنية والدينية للقشرة العليا للقوات المسلحة ، فتتحكم فى البلاد وفقا للمسار الأمريكى . وقد كانت ثورة 25 يناير فرصة ذهبية للخلاص من هذا الأسر الأمريكى ، خاصة فى المجال العسكرى . ولكن تذكرون ماذا حدث وأشرت إليه ، وقبل اقتراح مجلس رئاسى من القضاة ، كان مطروحا مجلس رئاسى مدنى مطعم بالعسكريين ولكن لم يتمسك الثوار به . ولكن كيف يمكن الخلاص من هذه القشرة الأمريكية العليا للجيش والمخابرات ، لايمكن بدون ثورة شعبية ، وبدون هذه الموجة الحالية التى يجب ألا تقع مرة أخرة أسيرة المساومات . لابد من تطهير الجيش قبل الشرطة والقضاء والاعلام وهذا قد يتطلب مزيدا من الشهداء السلميين . وإذا تم تطهير الجيش فسأكون مع الخروج الآمن شريطة أن نكون متأكدين من إخلاص القيادة الشابة الجديدة ولتكن من رتب المقدم والعقيد التى لم تلوث بعد بالعمولات . وكل العسكريين المحتجزين الآن بسبب رفضهم للانقلاب يمكن أن يكونوا مرشحين للقيادة كعناصر موثوقة بالتجربة رغم أننا لانعرفها شخصيا . تطهير الجيش هو الأساس ياسادة حتى لانظل ندور فى حلقة أمريكية مفرغة . أقول قولى هذا وأن أتوجه إلى أن ينصر هذه الأمة ويحررها . قدمت نفسى دائما كجندى ، لم ينصرنى إلا أبناء حزب العمل . ولم أرد شيئا لنفسى إلا حسن الآخرة . وسأظل إن شاء الله . وصيتى قبل موتى المحتمل قريبا أحببت مصر أكثر من نفسى وأولادى وأسرتى . ولم أبك فى حياتى بعد البكاء فى الصلاة وأثناء تلاوة القرآن إلا للأغانى الوطنية التى صدرت فى عهد عبد الناصر وكانت مخلصة . وعندما كنت الوحيد فى السجن لأننى ضد مبارك ، وكل هذه النخبة حرة طليقة ، ألتفت النخبة وحولها الشعب حول البرادعى القادم من بارات الغرب . حتى الاسلاميين جمعوا التوقيعات له . بحث الناس عن الزعماء فى كل مكان وفى كل اتجاه وحدب وصوب ، ولم يفكروا فى حزب العمل الذى قال لهم إن أمريكا هى طاغوت العصر واسرائيل هى عدونا الأول . بل تدافع الناس حول شيوخ لم يقولوا كلمة حق عند سلطان جائر . ونحن لانريد زعامة ولانبحث عنها . وكل من وصل إلى السلطة لم يجد عندها إلا نارا موقدة . لكننا نريد أن ننتصر لديننا ونقيم دولة مصر المستقلة . أنا شخصيا لا أريد شيئا من حطام الدنيا وأحسب أن ذلك موقف أخوانى فى حزب العمل . إننا نقدم لكم وثيقة العدالة والاستقلال لإصلاح مسار الثورة فإذا تبناها الشعب ، فلا غاية أخرى لنا . نريد للشعب أن يختار قادته بنفسه ويتحملهم حين يخطئوا وينتخب غيرهم فى مواعيد الانتخابات حتى لاتدخل البلاد فى فوضى كتلك التى نحن فيها . اختاروا أى قيادة تشاؤون . وإذا عاد الرئيس مرسى إن شاء الله فسيكون بيننا وبينه هذه الوثيقة ، إذا تبناها فعلا سنكون جنوده ، وإذا رفضها سنكون معارضين شرفاء له . لطالما اتهمنى المنشقون عن حزب العمل واتهمتنى المخابرات وبعض النخبة بأننى شخصانى ، وديكتاتور داخل الحزب . فإذا كنت كذلك فإننى أستغفر الله إن كان هذا صحيحا . بالنسبة للتهمة الثانية : أنا أخضع دائما لرأى الأغلبية وكثيرا ما التزمت به عن غير اقتناع . أما التهمة الأولى ( الشخصانية ) يعلم الله أننى أكون متحمسا فقط لما أعتقده . وأرى أن مشكلة مصر لاتحل بالأشخاص الأفذاذ . وآفة الناس الآن أنها تبحث عن المخلص والمنقذ . وقد كفرت بكل المرشحين ال 13 للرئاسة ولاتجد غيرهم . وانا أقول لهم أن نجاة مصر تكون فى دولة المؤسسات وانسوا حكاية الرئيس العبقرى . فحتى إن وجد فسيموت عما قريب وستبقى مصر ! دولة المؤسسات هى الحل وهذا سبب تمسكنا بالرئيس الشرعى ، فمهما تكن الملاحظات عليه ، فنحن نريد برلمانا قويا ، وقضاءا مستقلا غير فاسد ، وأحزاب قوية وشعبا قويا ونقابات قوية وهيئات عامة وخاصة تعمل من أجل رفعة الوطن فى إطار خطة خمسية قومية مقرة . لقد تعرضت لأمور شخصية لأن هذه هى وصيتى للشعب المصرى ، رغم أنه فضل باسم يوسف الداعر عنى ، وفضل العميل البرادعى عنى ، وفضل قيادات إسلامية لم تجرؤ على مواجهة مبارك فى طغيانه عنى . وفضل أحزابا كثيرة عن حزب العمل الذى لايضم الآن أكثر من 10 آلاف عضو. أدعوكم للانضمام لحزب العمل . وصيتى علنية لأنه لم يبق فى العمر كثيرا ، وسأكرس مابقى من ساعات وأيام من عمرى حربا على المخابرات العامة والمخابرات الحربية وكبار قادة القوات المسلحة وكل خائن يلوذ بهم . اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا منافسة فى سلطان أو ابتغاء شىء من فضول الحكام ولكن لنرد المظالم عن دينك ونقيم المعطلة من حدودك وننصف المظلومين من عبادك . اللهم تقبلنا مع الشهداء الأبرار .. شهداء الحرس الجمهورى .