على الرغم من ضعف قوتى وقلة حيلتى فقد تصديت لفساد وزارة الدخلية منذ أن تولى حكم مصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك، الذى لم يُنتهك القانون ولم يُضرب بأحكام القضاء عرض الحائط فى عهدٍ من العهود كما انتهك فى عهده. فقد تصديت لثلاثة من وزراء الدخلية الذين تولوا هذا المنصب فى عهده وهم (عبد الحليم موسى، وحسن الألفى، وحبيب العادلى). وقد سبقتنى جريدة «الشعب» وحزب «العمل» الذى أشرُف بالانتماء له فى التصدى للوزير الأسبق زكى بدر الذى كان يدعو إلى ضرب المعارضين لنظام مبارك الفاسد فى سويداء القلب، والذى تطاول على كل الرموز الشريفة فى مصر، وتمت إقالته بعد أن ضبطته صحيفة «الشعب» متلبسا بجريمته. وعندما تولى الوزارة بعده اللواء عبد الحليم موسى -والذى كان يقال عنه شيخ عرب طيب- زعم أنه لا يوجد فى عهده معتقلون فى سجون مصر، وكنت معتقلا فى سجن مزرعة طرة! فأرسلت إلى صحيفة «الشعب» من داخل السجن أننى معتقل، ومعى مائة وأربعة عشر معتقلا فى سجن مزرعة طرة فقط، فكتبت صحيفة «الشعب» وقتها «أيهما نصدق.. وزير الداخلية أم أحد المعتقلين؟». وبعد أن تولى بعده حسن الألفى الوزارة وانتهك القانون ولم يحترم أحكام القضاء كتبت عنه فى صحيفة «الشعب» فى 28/8/1997: «الوزير الذى أضاع هيبة الدولة»، قلت فى هذا المقال: «إن سجل هذا الوزير فى انتهاك الأحكام سجل أسود من الليل البهيم.. فكم من أحكام صدرت تبرئ ساحة آلاف المعتقلين الأبرياء الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن دون أن توجه له أدنى تهمة. ولكن هذا الوزير يتحايل هو وأجهزة أمنه على القانون ويعيدون اعتقالهم مرة أخرى بلا حياء ولا خوف من الله. وطالبت فى نهاية هذا المقال بإقالة الوزير الطاغية، ولم تمض سوى بضع شهور حتى وقعت مذبحة الأقصر التى أقيل على إثرها هذا الوزير. وتولى بعده اللواء حبيب العادلى، وكتبت إليه فور توليه تحية فى جريدة «الأخبار» بعنوان: «تحية إلى وزير الداخلية.. بالحب والعدل يسود الأمن». قلت له فيها: «إننا استبشرنا خيرا بتوليك الوزارة لأن اسمك حبيب العادلى، فأحِب الشعب واعدل معه حتى يحبك الشعب وتعود الثقة المفقودة بين الشعب والشرطة ويعود الأمن والأمان إلى بلادنا». ولكن سرعان ما انتهك القانون وضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، فكتبت فى صحيفة «الشعب» الغراء فى 10/2/1998 كلمة بعنوان (هل العادلى أفضل من الألفى؟!) قلت فيها: «إن سياسة النظام الفاشلة لا يكفى لتغييرها إقالة وزير وتعيين وزير آخر غيره؛ وذلك لأن اللواء العادلى ينتهك القانون ويضرب بأحكامه عرض الحائط كما كان يفعل اللواء حسن الألفى. فعلى سبيل المثال القضاء المصرى النزيه يصدر أحكاما يوميا بالإفراج عن مئات المعتقلين الذين امتلأت بهم السجون دون ذنب أتوه ولا إثم جنوه، ومع ذلك يعاد اعتقالهم بموافقة الوزير الجديد بمخالفة حتى قانون الطوارئ». وقد تم اعتقالى عدة مرات فى أعوام 93و95و98 بسبب دفاعى عن المعتقلين الذين يفرج عنهم، وتعيد وزارة الداخلية اعتقالهم بمخالفة قانون الطوارئ. ففى عام 1994 كنت معتقلا فى سجن مزرعة طرة، وكانت الحكومة تمهد لمد قانون الطوارئ ثلاث سنوات، فأرسلت إلى الدكتور أيمن نور مقالا بعنوان (المعتقلون بسجون مصر يطالبون بمد قانون الطوارئ عشر سنوات) وقد نشره فى صفحة الأسبوع السياسى التى يحررها كل أربعاء فى صحيفة «الوفد». ففوجئت فى اليوم التالى لنشرها بشاب ضخم كان معتقلا معى يقول لى: حسبنا الله ونعم الوكيل فيك. فتعجبت لأنى لا أعرفه وسألته: لماذا؟ فقال لى: أنا لا أصلى وليست لى أية صلة بكم، وكنت ذاهبا ل«أسهر فى شارع الهرم» واعتقلت بسبب قانون الطوارئ، وأنت تطالب بمده عشر سنوات!. فسألته: منذ متى وأنت معتقل؟ فقال: منذ ثلاث سنوات. فسألته: وكم عدد الإفراجات التى حصلت عليها خلال هذه المدة؟ فقال ثمانية أحكام بالإفراج. فقلت له: قانون الطوارئ ينص على أنه للمعتقل أن يتظلم من قرار اعتقاله بعد مرور شهر، فتحدد له جلسة خلال خمسة عشر يوما، فإذا حصل على إفراج فمن حق وزير الداخلية أن يعترض على قرار الإفراج خلال خمسة وعشرين يوما، وتحدد له جلسة أخرى خلال خمسة وعشرين يوما، فإذا أيدت المحكمة الحكم يكون واجب النفاذ فورا. ولذلك أنا أطالب بمد قانون الطوارئ حتى يتم الإفراج عنك وعن آلاف المعتقلين الذين يعاد اعتقالهم بالمخالفة لقانون الطوارئ. وقد كتبت بعد ذلك فى صحيفة «النهار» فى 4/6/2008 مقالا بعنوان (إلى الذين يطالبون بإلعاء قانون الطوارئ:هو فيه حد بيفهم فى مصر) أنكرت فيه على الذين يطالبون بإلغاء قانون الطوارئ، وقلت لهم إن قانون الطوارئ أفضل بكثير من أن نحكم بشريعة الغاب.
والذى جعلنى أكتب هذا المقال هو أن وزارة الداخلية لا تزال لا تحترم القانون ولا تنفذ أحكام القضاء. وقد أدانت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية فى 30/12/2012 وزارة الداخلية لرفضها تنفيذ الأحكام الصادرة بعودة ضباط الشرطة الملتحين إلى عملهم. وقالت فى حيثيات حكمها: إن وزارة الداخلية قد عادت سيرتها الأولى بتعمد عدم تنفيذ الأحكام القضائية واجبة النفاذ؛ وذلك بأن استشكلت فى تنفيذ الأحكام سالفة الذكر أمام محكمة تعلم علم اليقين أنها غير مختصة، بغية إطالة أمد النزاع وصولا إلى تعطيل آثار الحكم المستشكل فيه والصادر لصالح نفر من أبنائها. ولهذا السبب فإن المحكمة تقضى بتغريم المستشكلين -وزير الداخلية ومساعده لقطاع شئون الضباط بصفتهما- مبلغ ثمانمائة جنيه، عملا بحكم المادة 35 من قانون المرافعات المدنية. فمتى تحترم الداخلية أحكام القضاء إذا لم تحترمه الآن؟. *أمين حزب العمل بالمنيا