كان أول احتكاك لى بقانون الطوارىء فى أواسط عام 89 عندما صدر بحقى قرار اعتقال فى عهد الوزير الأسبق اللواء / زكى بدر وكنت قد جاوزت الثامنة عشر من عمرى بقليل وذلك على خلفية انتمائى السياسى للحركة الإسلامية ولكننى استطعت الإفلات من قبضة مباحث أمن الدولة آنذاك لأواسط عام 90 وكان اللواء زكى بدر قد تم الإطاحة به وتولى بدلاً منه اللواء محمد عبد الحليم موسى ثم توالت الاعتقالات بعد ذلك إلى أن وصلنا إلى اعتقال عام 94 والذى ظل متواصلاً للعام 2006 أى لمدة اثنى عشر عاماً بالتمام والكمال رغم أننى لم أصنف يوماً كعضو فى خلايا مسلحة أو تنظيمات سرية أو ضبطت مقاوماً لأجهزة الأمن حتى بيدى العاريتين . هذه التجرية الطويلة قربتنى من قانون الطوارىء وقربته منى فهو الخصم والحكم والأداة التى استطاع بها مبارك أن يبسط بها سلطان حكمه على مدار ثلاثين سنة ، فورقة بسيطة من ضابط صغير كفيلة بإلقاء إنسان فى غياهب المعتقلات إلى أن يأكله النسيان أو يفترسه المرض . والذى لا يعرفه كثيرون أننا إذا ما تجاوزنا تفويض سلطة الحبس لوزير الداخلية وهو موظف عمومى فى نهاية المطاف دون القاضى الطبيعى ، فإن قانون الطوارىء به العديد من الضمانات التى تكفل حق المعتقل بداية من وجوب إبلاغه بأسباب اعتقاله مروراً بحقه فى إبلاغ ذويه ومحاميه بمكان احتجازه انتهاء بكيفية تظلمه من قرار اعتقاله والذى قد لا يستمر أكثر من شهرين على أقصى تقدير إذا سارت الإجراءات فى مسارها الطبيعى . ولكن المكتوب غير الحاصل على أرض الواقع فالخبرة الأمنية المصرية استطاع ذهنها أن يتفتق عن أساليب وحيل والتى بمقتضاها قد يمكث المعتقل عمره رهن السجن والاعتقال رغم أنه وفق الأوراق الرسمية قد خرج إلى الحرية ومارس حياته بشكل طبيعى كبقية الناس . فالمعتقل الذى كان يحصل على إفراج قضائى نهائى بدلاً من ذهابه إلى بيته كان يتم إيداعه أحد مراكز الحجز غير القانونية المنتشرة فى فرق الأمن وبعض أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة السابقة وذلك لعدة أيام تتراوح بين أسبوع إلى عشرة أيام ثم يعاد شحنه إلى المعتقل من جديد بقرار اعتقال جديد وذلك على أساس أن قد خرج إلى دنيا الناس ثم قام بممارسه نشاطه " الإرهابى "ومن ثم أصبح يمثل تهديداً على الأمن العام مما يستوجب اعتقاله وطبعاً المسكين قابع فى مكان احتجازه ولم يهدد حتى النملة التى تمر بجواره . هذه الحيلة أدت إلى اعتقال آلاف المصريين لمدد وصلت إلى ستة عشر سنة كاملة رغم أنهم وفق الأوراق الرسمية ينعمون بالحرية كل فترة ولكن نظراً لطاقات الشر الكامنة فيهم يعاودون تكدير السلم الاجتماعى . وهذه الخبرة الأمنية المصرية التى يراد منها اليوم أن تطبق قانون الطوارىء وفق معايير وضوابط تحفظ حقوق الإنسان وتكفل حقوق المعتقل القانونية ، لم يطرأ عليها تغيير جوهرى حتى الآن ولم تتشبع بعد بثقافة حقوق الإنسان ومعايير العدالة الفعلية . كما أن المجتمع المصرى ليس فى مقدوره حتى الآن مراقبة تصرفات الجهاز الأمنى ومحاسبتهم على أى تجاوز فى ملف حقوق الإنسان فقد اكتشفنا مدة بقائنا فى السجون أم مأساتنا لم يكن يعيها إلا فئة قليلة من عموم الشعب المصرى رغم فداحتها فذات مرة تقابلنا مع أحد أعضاء هيئة التدريس بكلية الحقوق بإحدى الجامعات المصرية وكان حضوره إلى سجن ليمان طرة ضمن أعضاء لجنة الامتحان الخاصة بالمعتقلين فسأل الحاضرين عن مدد اعتقالهم ففوجىء أنهم فى الاعتقال منذ سنوات فما كان من الرجل إلا أن استدعى خبرته القانونية وألقى علينا محاضرة فى كيفية التقدم بتظلم للقضاء والخطوات التى يمر بها فكتمنا ضحكاتنا فى أعماقنا احتراما لمنصبه وعندما فرغ من محاضرته القانونية أسمعناه محاضرة فى فقه الواقع وما يحدث فينا فبهت الرجل ولم يرد ويبدو أنه قد شعر حينها بالخجل . ففرق كبير أيها السادة بين ما هو مسطور وما هو حادث ونافذ .. ولا ينبئك مثل خبير [email protected]