تعتبر محافظة مطروح ثانى أكبر محافظات الجمهورية مساحةً بعد الوادى الجديد، وتقع فى الشمال الغربى بطول 450 كم حتى الحدود الليبية وتمتد جنوبا فى الصحراء بعمق 400 كم، وتبلغ مساحتها الكلية 166563كم2. فى أولى رحلاتك لرصد أوضاع وأوجاع أبناء الأطراف «المدن الحدودية» بمطروح تجد أنها أشبه ما تكون ب«سجن بلا قضبان»؛ أدق وصف يمكن أن يتفتق عنه ذهنك، بمجرد أن تطأ قدماك هذه المدن. حينما يطمئن لك البدوى فلن يناقشك حتى إذا حاولت أن تقبض روحه.. هذه الطبيعة أعلمها علم اليقين.. «التجارة هى باب الرزق الوحيد المفضل لغالبة أبناء مطروح».. وذلك لأن جغرافيا المدينة جعلتها بلا رقعة صناعية، ولضعف الرقعة الزراعية. كما أن التشديد الأمنى حد من مهنة الصيد وحظره فى عديد من الشواطئ خاصة فترة الليل، ومن ثم لم يكن أمام أكثر من 80% من سكان مطروح سوى العمل فى التجارة عبر المنفذ الحدودى مع ليبيا وبعيدا عن المنفذ أيضا. «جعلونى مهرّبا».. هذه العبارة هى لسان حال غالبية من يقطن مدن الصحراء، خاصة سيدى برانى والسلوم بمختلف أعمارهم، كما أنها جملة تفسيرية لإجابة موحدة «غير متفق عليها» تجسد واقعا أليما وتجاهلا غير مبرر لهؤلاء المصريين من قبل النظام، سواء البائد أم الحالى. فيم يتاجر أهل مطروح؟.. هذا كان سؤالى البدهى الثانى، فلا يوجد سوى منفذ حدودى يحتاج عبوره إلى تأشيرات وتصاريح وجمارك، وهو منفذ السلوم، فهل التجارة التى يقصدونها هى الاستيراد والتصدير. يقول حمد عيسى، أحد أبناء مطروح؛ التجارة لدينا تقوم على جلب البضائع من ليبيا، خاصة أن كافة أبناء محافظة مطروح كانوا يتمتعون بأحقية دخول الأراضى الليبية دون الحاجة إلى تأشيرة أو تصريح، فقط يدفعون رسم عبور يقدر بسبعة جنيهات مصرية، ومن ثم فهم يستطيعون دخول ليبيا وشراء البضائع والعودة بها إلى السلوم، ولكن موضوع التأشيرة أصبح كارثة، وسوف تحدث نوعا من البطالة المقنعة، خاصة بين شباب السلوم وسيدى برانى نظرا إلى عدم وجود مصدر رزق بديل. «البطالة أكبر مشكلات القلة المتعلمة».. بهذه الجملة انضم عبد الباسط بوذكرى، الذى يعمل موظفا والحاصل على ليسانس آداب؛ إلى حديثنا عن فئات المجتمع المطروحى، موضحا أن متعلمى مطروح يعانون البطالة بسبب حرص الدولة على منح الوظائف الشاغرة فى المدينة «أشخاصا» من خارج المحافظة، وهم أبناء المحافظات الأخرى، وخاصة محافظات الدلتا فى ظل نظام المخلوع مبارك. «زيارة واحدة تكفى للوقوف على تردى الحالة التعليمية فى بمطروح، خاصة بالسلوم وبرانى.. فبمجرد دخولك المدرسة تجد أطفالا مكتظين فى فناء متناهى الصغر، بينما الفصول خاوية على عروشها ومدير المدرسة مختفيا بين أكوام من الورق فى مشهد يعيدك إلى موظفى عصور أفلام الأبيض والأسود، بينما المدرسون كل يبكى على ليلاه فى أحاديث جانبية قطعتها. المستشفيات بمطروح.. مبنى وطبيب، والعلاج جواب تحويل إلى الإسكندرية.. هكذا تحدث أحد أطباء المستشفى، مؤكدا أنهم يخشون حتى إجراء عمليات الولادة خوفا من أى مضاعفات قد تواجه الحوامل، والتى لا يستطيعون اجتيازها، مثلا لعدم وجود بنك دم. وفى الفترة الأخيرة، بدأت أزمة رعى الغنم فى تكدير العلاقة ما بين قوات حرس الحدود وأبناء القبائل، فبفضل حقول الألغام التى تلتهم شمال الصحراء الغربية والشريط الحدودى مع ليبيا، ازدادت المدينة فقرا، خاصة بعد إغلاق الحدود المصرية الليبية فترة طويلة، باع فيها البعض أسقف المنازل، باعتبار أن العمل فى الجمرك ومنفذ السلوم، هو شريان الحياة الاقتصادية فى المحافظة، ونظرا إلى تدنى مستوى التعليم، وعدم اهتمام الدولة بالخدمات، فأصبح عمل الأهالى مقتصرا على نقل البضائع عبر الجمرك. وعلى الرغم من وعود الرئيس مرسى بالاهتمام بأبناء مطروح وحل مشكلاتهم وتعيين عدد من أبنائهم وإقامة مشروعات؛ فإنه أصبح كلاما وحبرا على ورق.. واقتنع الشباب بأن شيئا لم ينفذ.