يصعب البدء فى المقال دون أن نعرض للوضع الأمنى المتردى وتصاعد أحداث التخريب والتحريق والقتل والبلطجة، وردود فعل الشرطة التى تحاول أحيانا الالتزام بضبط النفس ولكنها أحيانا أخرى لا تتمكن فتتورط فى أعمال عنف فيتم إدانتها. لا يمكن البدء فى المقال وهناك أحداث دامية فى الكثير من ربوع مصر دون أن نعرج عليها وإلا كنا كمن يدفن رأسه فى الرمال، الأمر جد خطير والعجلة الخبيثة قد دارت ولا بد من السرعة لإيقافها عن الدوران. لن أتحدث هنا عن اللهو الخفى أو الطرف الثالث الذى عاث فى الأرض فسادا، والذى تستر عليه المتسترون وأفسد أدلة إدانته المفسدون وبرأه من يحكم بالأوراق والأدلة ولا يحكم بالضمير. سأتحدث عن القصاص الذى غاب فى العهد البائد فكانت ثورة 25 يناير. وهذا ما كان بعد الثورة وطوال عامين، وكأن الحياة قد توقفت، وكأن مصر لا يوجد بها قضاء ليقيم القصاص، حتى كانت السخرية "مهرجان البراءة للجميع"، لم يتم القصاص طوال عامين، وطالما لم يتم القصاص سيستمر الانفلات الأمنى. لقد تفاءلنا خيرا بالنائب العام الجديد وبنيابة الثورة ولكننا سمعنا ضجيجا ولم نرى طحنا فإلى متى؟؟ لعل هذا يكون موضوع مقال قادم لا نملك ترف المغامرة بمجلس نواب تشوبه شبهة عدم الدستورية نحن مع إنهاء المرحلة الانتقالية، ولا يزايد علينا أحد فى حرصنا على إجراء الانتخابات فى أقرب وقت ممكن، ولقد باركنا دعوة الرئيس للناخبين للوفاء بالالتزامات الدستورية فى موعدها ولكننا فى نفس الوقت لا نملك ترف المغامرة بمجلس نواب جديد تشوبه شبهة عدم الدستورية. ما يحدث الآن كر وفر، إعلان دستورى وقوانين وانتخابات وطعن أمام الإدارية ثم الإدارية العليا ثم الدستورية وحل المجلس ثم دستور جديد وقانون جديد وانتخابات وطعون وحل وتستمر العجلة الخبيثة فى الدوران، فمتى يكون الاستقرار؟! تنص المادة (229) من الدستور على أنه "تبدأ إجراءات انتخابات أول مجلس نواب خلال ستين يوما من العمل بالدستور...". ولما كان الدستور قد أقر فى 22 ديسمبر 2012 فقد وجب على الرئيس دعوة الناخبين قبل يوم 22 فبراير 2013 وهو ما كان من السيد الرئيس يوم 21 فبراير 2013 فهو التزام دستورى وفّى به السيد الرئيس ولم يكن يملك تأجيله. وتنص المادة (177) من الدستور على ما يلى: "يعرض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور. وتصدر قرارها فى هذا الشأن خلال خمسة وأربعين يوما من تاريخ عرض الأمر عليها؛ وإلا عُد عدم إصدارها للقرار إجازة للنصوص المقترحة. فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها. ولا تخضع القوانين المشار إليها فى الفقرة الأولى للرقابة اللاحقة المنصوص عليها فى المادة (175) من الدستور". ولقد أرسل مجلس الشورى مشروع قانون الانتخابات للمحكمة الدستورية العليا يوم الأحد 20 يناير 2013 بعد ما يقرب من الشهر من صدور الدستور ليترك للمحكمة أقل من الشهر لمراقبته مراقبة قبلية، وأوفت المحكمة بالتزامها بإعادة القانون يوم 18 فبراير 2013 ليصدره على عجل مع إضافة أو إضافتين ومع تقسيم جديد للدوائر يراعى توصية المحكمة الخاصة بتقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات وفقا المادة 114 من الدستور". إذن فالقضية للأسف قضية وقت ضيق لم تضعه فى حسابها الجمعية التأسيسية، لم يكن هناك بد أن تنهى المحكمة الدستورية عملها فى شهر بدلا من شهر ونصف الشهر، ولم يكن هناك بد أمام السيد الرئيس أن يدعو السيد الرئيس الناخبين لانتخاب مجلس النواب قبل انتهاء المدة التى حددها الدستور بساعات قليلة، وفى هذه العجالة صدق على القانون قبل أن يعاد للمحكمة الدستورية لمراجعته مراجعة قبلية جديدة فى صورته الأخيرة، وفى هذه العجالة أيضا حددت أيام الانتخابات دون أن تأخذ بعض الأعياد المسيحية فى الاعتبار. المتربصون ويمثل النموذج الرافض لقانون انتخابات مجلس النواب فى أوضح صوره الدكتور إبراهيم درويش رئيس حزب الحركة الوطنية الذى أسسه الفريق أحمد شفيق المرشح السابق للانتخابات الرئاسية وأعلن تأسيسه رسميا يناير الماضى. شن "الدكتور درويش" هجوما حادا على طريقة إدارة جماعة الإخوان المسلمين للبلاد منذ توليها السلطة، واصفا إياها بالإصرار على عدم الالتزام بالأحكام القضائية، قائلا فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع": "الإخوان لا يفهمون حكما ولا شريعة ولا قانونا، هم أشخاص عاشوا حياتهم تحت الأرض، وعندما ظهروا للسطح تولوا السلطة فأصابهم عمى ألوان". بل ذهب الدكتور محمد محيى الدين -وكيل حزب غد الثورة وعضو مجلس الشورى وعضو الجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور وحليف الحرية والعدالة والذى رفع قضية ضد القانون- إلى أن عدم إرسال القانون للمحكمة الدستورية قبل إصداره من الرئيس أو مجلس الشورى يبطله تماما، ويجب أن يحاكم كل من يرتكب جريمة انتهاك الدستور !!!!!!!!!!!! وحتى نضيع الفرصة على المتربصين الذين يهوون الصيد فى المياه العكرة لأنهم قد يخطئون ويقولون حقا حتى وإن أرادوا به باطلا، والواجب علينا أن نعدل وفقا للأمر القرآنى إذا كان الحق معهم "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". يتحجج المتربصون بأن مجلس الشورى لم يلتزم بالتعديلات التى أبدتها المحكمة الدستورية على مشروع قانون انتخابات مجلس النواب وكان من الواجب على الرئيس أن يرسله مرة أخرى للمحكمة الدستورية بدلا من الدعوة للانتخابات بناء على قانون غير سليم دستوريا. وقد أوضحنا أن السيد الرئيس لم يكن يملك دستوريا إلا أن يبدأ الإجراءات فى الموعد الذى حدده له الدستور. لقد أعلن المتربصون عدة أسباب يرونها كفيلة بعدم دستورية القانون: 1) المادة الخاصة بالتجنيد، مشيرين إلى أن البند (5) من المادة الخامسة من القانون نصت على: "أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها أو استثنى منها ما لم يكن استثناؤه بناء على حكم قضائى بات ينطوى على الإضرار بالمصلحة العامة أو المساس بأمن الدولة طبقا للقانون". ويدعون أن مجلس الشورى قد رفض قرار المحكمة الدستورية العليا الخاص بشرط أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، كشرط من شروط الترشح لعضوية مجلس النواب، دون أى استثناء إلا أن مجلس الشورى رفض هذا الحكم الدستورى، ويتحجج المتربصون بأن الدستور لا يتضمن جملة استثنى منها، فى حين أن الدستور لا يشير لذلك من قريب أو بعيد!!!!!!!!!!!! فى حين رأى نواب التيار الإسلامى أن كثيرين من أبناء الجماعة والتيار الإسلامى تعرضوا للاعتقال أو الاستبعاد من أداء الخدمة العسكرية بسبب انتماءاتهم أو انتماء أحد اقاربهم وفى ذلك ظلم بيّن لهم بحرمانهم من الترشح وهو حق دستورى لأنهم قد حيل بينهم وبين أداء الخدمة ولم يتم ذلك بإرادتهم. 2) وفيما يخص انتخابات المصريين فى الخارج (المادة السابعة - مادة 3 مكرر) تشكل لجنة عامة بمقر كل بعثة من عدد من أعضاء السلك الدبلوماسى أو القنصلى بإشراف قضائى كامل وتعيين أمين لكل لجنة من العاملين بوزارة الخارجية هذا التعديل به تعارض؛ ففى حين ينص على تشكيل لجنة عامة من عدد من أعضاء السلك الدبلوماسى أو القنصلى ينص على أن يكون هناك إشراف قضائى كامل -اللهم إذا كانت هذه اللجان للتجهيز والإعداد ولا علاقة لها بالإشراف- ولقد شدد البعض على ضرورة إرسال قضاة إلى تلك الدول التى ستكون بها انتخابات بغض النظر عن التكلفة التى ستتحملها الدولة. 3) وهذا السبب عند المتربصين لا يتعدى كونه "تلكيكة" من نوعية "جدك عكر على الماء" جاء فى زيادة عدد النواب بالمجلس، متحججين بأن مجلس النواب بأمريكا أغنى دولة فى العالم والذى يبلغ عدد سكانها 300 مليون نسمة، 435 نائبا فقط، فى حين تجاوز عدد النواب فى قانون الانتخابات المصرى 500 نائب!!!!!!!!!!!! 4) ويرى الرافضون للقانون أن التعديل الذى أجرى على الدوائر الانتخابية كان بحاجة إلى مراجعة مع المعايير التى وضعتها المادة 113 من الدستور والتى تنص على تقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات. إذن فقد تهاوت ثلاث حجج للمتربصين من أربع ولم يبق إلا الأخيرة التى تحتمل النقاش، ورغم هذا فأخذا بالأحوط فإننا نفضل إعادة القانون للمحكمة الدستورية لإقراره تحصينا للمجلس القادم من احتمالات الحل فى ظل حالة التربص التى تشيع فى البلاد. تقسيم الدوائر والتمثيل العادل أشارت بعض الدراسات إلى أن هناك تفاوتات غير مقبولة بين عدد الناخبين فى المحافظات وممثليهم فى مجلس النواب، وضربت مثلا بمحافظة القليوبية التى بلغ عدد الناخبين بها نحو 2.6 مليون ناخب ومخصص لها 24 مقعدا فى حين أن محافظة سوهاج بها عدد أقل من الناخبين يبلغ 2.4 مليون ناخب ولها 30 مقعدا بزيادة ستة مقاعد عن القليوبية. ومن هنا فقد حاولنا القيام بهذه الدراسة المرفقة تأكيدا لمقترح القانون الذى صدر أو للمخاوف التى يثيرها البعض. مشكلة تشكيل مجلس النواب القادم أنه محكوم بقيدين: القيد الأول هو قيد نسبة العمال والفلاحين بما يتطلب وجود مقعدين للنظام الفردى فى الدائرة الواحدة أحدهما للفئات والثانى للعمال أو كلاهما للعمال. القيد الثانى هو قيد ثلث الفردى وثلثين القوائم ولأن عدد الفردى لن يقل عن اثنين فى الدائرة فإن القائمة فى أى دائرة لن تقل عن أربعة مقاعد فتكون حصة أصغر دائرة أو أصغر محافظة ستة مقاعد فردى وقائمة. ولأن إجمالى عدد الناخبين فى حدود 51 مليونا و332 ألفا، وبافتراض عدد أعضاء مجلس النواب 508 عضو فإن حصة كل مقعد 101048 ناخبا وتكون حصة الستة مقاعد 606288 ناخبا. أى أن كل المحافظات التى حصتها أقل من 606 ألف ناخب سيكون حصتها ستة مقاعد (الحد الأدنى) وهى تسع محافظات (الإسماعيلية - الأقصر - بورسعيد - السويس - البحر الأحمر - شمال سيناء - مطروح - الوادى الجديد - جنوبسيناء) يتساوى فى ذلك الإسماعيلية التى يوجد بها 714 ألف ناخب وجنوبسيناء التى لا يزيد عدد الناخبين بها عن 65 ألف ناخب، فكيف نضمن التقسيم العادل؟ هنا يكون الاستثناء لأن المحافظات قليلة السكان لا يمكن تمثيلها بأقل من ست مقاعد نظرا للقيدين اللذين تحدثنا عنهما، ولا علاج لذلك إلا بضم بعض المحافظات الصغيرة المتجاورة معا (مطروح والوادى الجديد - شمال وجنوبسيناء) وهو ما تشوبه شبهة عدم الدستورية لأن الدستور تحدث عن التقسيم العادل بين المحافظات وليس بين مجموعة من المحافظات. ولقد أوضحت الدراسة ما سبق إليه البعض أن حصة سوهاج تزيد عن المنياوالقليوبية بستة مقاعد رغم أنها أقل منهما فى عدد الناخبين. كما أوضحت الدراسة أن محافظة الإسكندرية يلزم زيادة حصتها من 30 مقعدا إلى 36 مقعدا وكذلك المنيا من 24 مقعدا إلى 30 مقعدا. وإذا كان تقسيم الدوائر الذى صدر -والذى أعدته وزارة التنمية المحلية- قد زاد عدد أعضاء المجلس من 508 نائب إلى 546 نائبا فإن الدراسة المقترحة قد زادت العدد إلى 552 نائبا حتى نحقق أكبر قدر من العدل فى التمثيل، أما العدل المطلق فلا يوجد إلا عند الله سبحانه وتعالى، إلا أن المتربصين يتغاضون عن هذه الحقيقة بهدف هدم المعبد على من فيه بحجة العدل فى التمثيل وهم لا يريدون إلا تمثيلهم هم وفقط. المادة 177 - رقابة سابقة أم لاحقة؟ وإذا عدنا إلى نص المادة (177) من الدستور -فى مقدمة المقال- نجد أنها تستوجب إعادة مشروع القانون مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية لتقر المشروع بعد تعديله، تحقيقًا للعلة التى من أجلها تضمن الدستور الجديد الرقابة السابقة على قانون مباشرة الحقوق السياسية، مما لا يحول دون الطعن عليه مستقبلًا أمام المحكمة الدستورية لأن المحكمة الدستورية لم تستنفذ ولايتها فى الرقابة السابقة على دستورية القانون بعد أن تم إضافة تعديلات جديدة إضافة للتقسيم الجديد للدوائر، الأمر الذى كان يستوجب إعادة القانون للدستورية، خاصة بعد زيادة أعداد المقاعد فى مجلس النواب، وهو ما يحتاج إلى مراجعة دستورية للتأكد من عدالة التوزيع والمساواة فى التمثيل بين المواطنين داخل البرلمان. عدم الرقابة اللاحقة على القانون وفقا لنص المادة 177 من الدستور معلق على إعمال ما انتهى إليه تقرير المحكمة الدستورية من ملاحظات فإذا أخل القانون الجديد بهذه الملاحظات سقطت حصانة القانون من الرقابة اللاحقة وجاز أن يطعن فيه أمام القضاء، وتباشر المحكمة اختصاصها بالرقابة اللاحقة على القانون كله، بما يعرض مجلس النواب القادم لاحتمالات الحل. لقد تهاوت الكثير من حجج المتربصين، ورغم هذا فأخذا بالأحوط لأننا لا نملك ترف المغامرة بمجلس نواب تشوبه شبهة عدم الدستورية ويعرضه للحل فإنه من الأفضل إعادة القانون للمحكمة الدستورية تحصينا له من الطعون والرقابة اللاحقة. ولله الأمر من قبل ومن بعد