الصحف الصفراء مصطلح ظهر في الولاياتالمتحدة للصحف التي تعتمد بشكل رئيسي على التشويه والإثارة بغير مراعاة أية موضوعية، وقد اكتسبت هذا الاسم من استخدامها الورق الأصفر الرخيص في الطباعة، وإن بقي الاسم إلى وقتنا هذا بعد تطور أدوات الطباعة.وقد أسهمت الصحافة الصفراء في اندلاع الحرب الأسبانية الأمريكية في القرن التاسع عشر، في أعقاب قيام "ويليام راندولف هيرست" صاحب صحيفة "نيويورك جورنال" بنشر موضوعات مثيرة حول كوبا وأسبانيا وغرق السفينة الحربية الأمريكية "مين" التي لم يعرف إلى اليوم سبب غرقها. وقد رأينا بأعيننا كيف ساهم الإعلام في وضع بذور فتنة بين "مصر والجزائر" كادت تؤدي لقطيعة كاملة بين البلدين من أجل مصالح سياسية للأنظمة الحاكمة. اليوم لم يعد لدينا صحف صفراء فقط، لقد أصبح لدينا إعلاما أصفر فاقع اللون يكاد يشعل مصر من أجل حفنة إعلانات وبضعة دولارات. ما أريد أن أقوله هنا أننا بحاجة لميثاق شرف إعلامي يقوم بصياغته مجلس الشورى الحالي بالاستعانة بمجموعة من الشخصيات العامة التي تنال احترام غالبية الشعب المصري، ويجب فورا تعيين وزير إعلام قوي يكون على رأس أولوياته اللقاء مع قطاع الإعلام وتوجيهم ليكون إعلام دولة ومجتمع وليس إعلام تحريف أو تضليل أو تشويه وأن الحرية لا تعني حالة الفوضى الحالية بأي حال من الأحوال، وأن عليهم مراعاة ميثاق الشرف الإعلامي من أجل الحفاظ على وطن يمر بمرحلة حرجة في تاريخه. ومن المعروف أن وسائل الإعلام تلعب عددا من الأدوار السياسية الهامة مثل: • إعلام الجماهير بالتطورات الجديدة. • تشكيل أجندة الاهتمامات العامة. • بلورة الرأي العام. • الربط بين الجماهير وقياداتها. • تقييم سمعة قادة الشعب - إيجابا وسلبا. • الاضطلاع بوظيفة المراقبة لصالح الشعب. ولذلك تضع الدول قواعد منظمة للإعلام حتى تتأكد ممن يمتلك توجيه الجماهير. هل تعلم أن في أمريكا بلد الحرية تحظر هيئة الاتصالات الفيدرالية على الأجانب امتلاك أكثر من 25% من أسهم أية محطة تلفزيونية أو إذاعية، ولا يحق إلا للأمريكيين التحكم بصناعة تؤثر في الرأي العام في أمريكا، ولذلك نال روبرت مردوخ الجنسية الأمريكية قبل أن يشتري محطات التلفزيون المستقلة التي تملكها مجموعة "مترو ميديا"عام 1985. بل، ولسنغافورة تجربة أخرى، حيث قامت بتصميم نظام يمنع بارونات الصحافة الأثرياء من تحديد ما يجب على الناخبين قراءته يوما بعد يوم. فأصدرت سنغافورة عام 1977قوانين تمنع أي شخص أو وكيله من امتلاك حصة تزيد عن 3% من الأسهم العادية لأي صحيفة، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ملكا للشعب. ما أريد أن أقوله أنه لابد من وضع معايير لامتلاك القنوات والصحف، ومعايير لقياس مستوى الأداء حتى لا يصبح توجيه الجمهور بأيدي فئة محدودة تحشد الرأي العام في جانب معين، إلى جانب وضع معايير مهنية لضمان أداء إعلامي راق. إن لم يتم هذا الأمر الخاص بتنقية الإعلام، فتستمر رحلة تغييب الشعوب للأسف الشديد. ومن هنا خرجت مجموعة مستقبل مصر بعدة مقترحات من أجل وضع منظومة قواعد مبدئية للإعلام المصري، وهي بطرحها للرأي العام تأمل بمشاركته بالنقد البناء لنستطيع جميعا صياغة مشروع بناء أمتنا لتعود لدورها الأصيل في قيادة العالم. الهدف الأول: إعلام صادق غير مثير للفتنة: 1- الصحف والبرامج التي تنشر كلاما غير موثق عليها أن تدفع غرامات مالية تصاعدية، قد تصل للملايين خاصة مع تكرار هذه الأفعال. هذه الغرامات يجب أن تدفع قبل تجديد رخص الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية. في الولاياتالمتحدة يتم تجديد رخص المحطات الإذاعية كل 7 سنوات، في حين تجدد رخص المحطات التلفزيونية كل 5 سنوات.وإن كنت أقترح أن تكون الرخصة سنوية في مصر نظرا لكوننا بلد في حالة بناء وتغيير مستمر. 2- تلتزم الجهات الإعلامية بوضع وفتح المجال في نفس المكان وبنفس الحجم (للصحف)وفي نفس البرنامج ولنفس المدة (للتلفاز والراديو) لتوضيح خطأها وعدم صدقها عند حدوث ذلك في أحد برامجها أو مطبوعاتها. 3- إلزام الجهات الإعلامية (الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية) بنشر"مقياس الأمانة الإعلامية" الذي ستصدره هيئة محايدة وفق معايير محددة، وهذا المقياس يوضح عدد مرات نشر أخبار كاذبة في هذه القناة أو الجريدة أو الموقع في الأشهر الستة السابقة. وبناء عليه تحصل على درجات من خلال هذا المقياس. 4- إنشاء رخصة مزاولة المهنة للعاملين في الحقل الإعلامي، بحيث لا يظهر في فضائية أو يعمل بالصحافة غير الحاصلين عليها، ويتم تجديدها كل فترة فإذا ما تم ارتكاب خطأ مهني جسيم يلغى التصريح. 5- يجب إقامة لجنة قضائية تابعة للمجلس الأعلى للإعلام تقدم إليها الشكاوى وتكون أحكامها باتة أو يطعن في أحكامها أمام دائرة معينة في محكمة النقض، ويراعى تحديد سقف زمني للبت في الشكاوى. 6--وجوب الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي الذي سيتم بحثه من كبار الشخصيات في المجتمع المصري (من الممكن الاتفاق على اللجنة التأسيسية للدستور مطعمة ببعض العناصر الإعلامية المحترمة لتقديم المقترحات، ويتم اعتماد الميثاق من مجلس الشورى). الهدف الثاني: منع سيطرة رأس المال على الإعلام: 1- عدم زيادة نسبة مساهمة المؤسسات أو الأفراد أو وكلائهم أو أقاربهم من الدرجات الثلاث الأولى في أي شركة إعلامية عن 30% ويجب طرح الباقي لتداول وتملك الأفراد المصريين في البورصة. في الولاياتالمتحدة تحظر هيئة الاتصالات الفيدرالية امتلاك شخص واحد أو شركة واحدة محطة بث تلفزيوني وصحيفة يومية في إطار منطقة حضرية واحدة.لاحظ أن ممولي الإعلام في مصر شخصيات محددة يسيطرون على الإعلام بشكل كامل مما يشكل خطورة كبيرة من حيث القدرة على توجيه الرأي العام سلبا أو إيجابا. 2- يجب على كل مؤسسة أن تعلن عن تفاصيل المساهمين الكبار الذين تزيد نسبتهم عن 5%.هذا الأمر سيساعد على تكوين رأي عام شعبي قوي ضد محاولات الاختراق المتوقعة. 3- المؤسسات الإعلامية الحالية أمامها مهلة زمنية لتوفيق أوضاعها لا تزيد عن فترة زمنية محددة. 4- الجهات الإعلامية في كل خبر يكون أحد مصادر تمويلها في الخبر يجب عليها أن تصرح بذلك وبوضوح في متن الخبر أن هذه الجهة من مصادر تمويل القناة أو الجريدة أو الموقع. 5- ضوابط خاصة بالمضمون السياسي. من الممكن استحداث قانون شبيه بما كان يجري العمل به في الولاياتالمتحدة حيث فرضت القوانين الفيدرالية على محطات البث الإذاعي والتلفزيوني أن تعطي وقتا متساويا لكل المرشحين المتقدمين لنفس المنصب، وأن تتساوى تكلفة هذا الوقت الإذاعي بالنسبة لكافة المرشحين. قارن هذا بما يحدث من دعاية سلبية موجهة بعناية ضد اتجاه واحد في إعلامنا غير المنضبط. ستتبع هذه الدراسة بإذن الله عدة مقترحات عن كيفية الارتقاء بوسائل الإعلام لتخرج لنا أجيالا تقود العالم. [email protected]