3 مراحل بطول يتجاوز 50 كيلومترا.. تفاصيل مشروع مترو الإسكندرية    عاجل - حماس تبلغ الوسطاء بموافقتها على المقترح الجديد لوقف النار في غزة    الدوري المصري على صفيح ساخن .. 14 حالة إيقاف وغرامات 343 ألف جنيه ونقل 6 مباريات    مكتشف لامين يامال ل في الجول: اللاعب يستحق الكرة الذهبية.. وهو الأكثر متعة    تعرف على مواد الصف الأول الثانوي في البكالوريا المصرية    سعر الذهب اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في مصر.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    «جبران»: اختبارات جديدة للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة    «ردًا على المفاجآت المدوية».. قناة الأهلي تكشف مستجدات قضية الدوري في المحكمة الرياضية    ضياء رشوان: مقترح وقف إطلاق النار فرصة كبيرة لإسرائيل لإيقاف تداعيات غير مسبوقة داخلها    منافسة ثنائية وصدام مستحيل.. موسم شاق ينتظر عمر مرموش في السيتي (تحليل)    رومانو: بعد إصابة لوكاكو.. نابولي يخاطب مانشستر يونايتد من أجل مهاجمه    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعاطي سائق نقل ذكي المخدرات وضبطه بالقاهرة    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    إيهاب توفيق وفرقة كنعان الفلسطينية يضيئون ليالي مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء    مدينة إسنا تجرى إصلاحات شاملة لطريق مصر أسوان الزراعى الشرقى    إيقاف محمد هاني مباراة وتغريمه.. عقوبات الجولة الثانية من الدوري    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد دار إيواء المستقبل (صور)    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية ال61 للصحفيين الأفارقة    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    وكيل الأزهر: مسابقة «ثقافة بلادي» نافذة لتعزيز الوعي ونقل صورة حقيقية عن مصر    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    وزير المالية: مستمرون في دفع تنافسية الاقتصاد المصري    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    يحتوي على غسول للفم.. كيف يحمي الشاي الأخضر الأسنان من التسوس؟    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    كلية أصول الدين بالتعاون مع جمعية سفراء الهداية ينظمون المجلس الحديثى الرابع    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة سريعة في اللحظة العربية والمسار المستقبلي*
نشر في الشعب يوم 10 - 02 - 2013

*مداخلة في ندوة نظّمها مركز عصام فارس حول "إنفجار المشرق العربي" في 6 شباط 2013
*أمين عام المنتدى القومي العربي


عنوان الندوة مثير لأنه يوحي بأن الأمور ذاهبة إلى انفجار شامل قد يعيد رسم خارطة المنطقة وفقا لمعايير مختلفة ينصب الإهتمام عليها من قبل المراقبين والمعلّقين والباحثين وأصحاب الرأي والقرار. ولقد قرأنا وسمعنا مقاربات متعدّدة ومتسارعة يربطها بعضها ببعض عامل التشاؤم الممنهج ربما لإعطاء طابع "الموضوعية" أو "الواقعية". ولكن إذا أخذنا المسار التاريخي للأمور قد نأتي بصورة وبانطباع مختلف كلّيا.

في البداية علينا أن نعترف أن هذه المنطقة مستهدفة منذ أكثر من ألف سنة. فمع حملات الفرنج التي يُسمّونها في الغرب وعند المثقفين العرب المستغربين بالحملات الصليبية (الطريف أن الحملة التاسعة والأخيرة انكسرت على أبواب تونس بموت قائدها الملك الفرنسي لويس التاسع 1272 والحراك الشعبي الحالي بدأ في تونس!) إلى حملات المغول في القرن الثالث عشر حتى حملة بونابارت في آواخر القرن الثمن عشر، كانت هذه المنطقة ضمن مطامع خارجية. وفي القرن التاسع عشر بدأ استعمار الوطن العربي من قبل الدول الأوروبية إلى أن تمّ احتلال كل المنطقة عشية الحرب العالمية الثانية باستثناء بعض البقع في الجزيرة العربية. ونضيف إلى ذلك أن عدم الإستقرار في المنطقة بدأ مع نهاية السلطنة العثمانية في نهاية الربع الأول من القرن الماضي وزرع الكيان الصهيوني من بعده ما زلنا نعيش تداعيات تلك التطورات حتى اللحظة. (من المفارقة الساخرة أن العرب اللذين صدّقوا وعود البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى فساهموا في تدمير السلطنة أنتقلت العدوى إلى من يعتقد أنهم العثمانيون الجدد الذين صدقّوا الوعود الغربية بتسليمهم المنطقة! فهل مصير تركيا سيكون كمصير العرب في القرن الماضي؟)

صحيح أن منطقة المشرق العربي، بل الوطن العربي بأكمله، يشهد حراكا شعبيا لا مثيل له في التاريخ القديم والقريب. وهذا الحراك ينذر بتحوّلات جذرية يحاول كل من يتابع الأمور تفسيره على مزاجه أو خلفيته السياسية أو تكليفه السياسي الوظيفي المغرض خدمة لأجندات مختلفة. فهناك من تسرّع بدق ناقوس الخطر للإسلام السياسي والإسلام الجهادي الذي قد يطيح بنمط وأسلوب حياة وعمل تعوّدت عليها النخب الحاكمة أوالتي تدور في فلكها. هذه المخاوف مشروعة إلى حدّ ما إلاّ أنها محصورة في عقل ونفوس تلك النخب التي تعوّدت على ترويج ما يمكن تسميته بثقافة الهزيمة وما ينطوي عليها من سلوك ومواقف مناهضة لتطلّعات الشعوب بل تخدم فقط استمرار الأمر الواقع. وأي عمل يهدّد "الأمر الواقع" ينعت بكافة أوصاف الويل والتهويل.

صحيح أن الحراك الشعبي في عدد من أقطار المنطقة خلق حالة من القلق المشروع لما نراه من دمار وسفك دماء وفوضى واحتقان وغرائز وشعارات مخيفة وإحباط لآمال حملها ذلك الحراك ولم تتحقق بعد. لكن كل ذلك لا يبرّر ترويج الهلع والأحباط عبر قراءات مغرضة للمسار العام.

في هذه المداخلة سنركّز على محورين: المحور الأول وهو ما يمكن تسميته تقدير موقف أو وصف اللحظة الراهنة والمحور الثاني استشراف المسار المستقبلي الممكن للأمور.

استشراف المسار المستقبلي
المشهد الحالي لمختلف الساحات العربية يدّل على تحوّلات جذرية تحصل بوتائر مختلفة وفقا لخصوصيات كل ساحة وإن كانت هناك عوامل مشتركة. فهذه العوامل المشتركة يمكن تلخيصها بما نُسمّيه وحدة الحال الجماهيرية في مختلف الأقطار والتي تمثّلت بحراك واسع النطاق حمل شعار ثلاثي: رفض الفساد، ورفض الإستبداد، ورفض التبعية. والأدبيات التي خرجت من رحم هذا الحراك تدّل على التلازم العضوي بين التبعية من جهة والفساد والإستبداد، بل أكثر من ذلك أنها جميعا تتغذّى بعضها ببعض. كما أن تلك "وحدة الحال" كرّست التأثير المتبادل بين الساحات. فساحة تونس أثرت على ساحة مصر وفيما بعد في اليمن وليبيا والبحرين وسورية والأردن والمغرب والجزائر والسودان وحتى الجزيرة العربية والخليج وطبعا لبنان المرآة لما يحصل في كافة أنحاء الوطن.

وهناك من سارع بإتهام "الخارج" بشكل عام والولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشكل خاص في تحريك هذه الجماهير وفقا ل"مؤامرة مدروسة ومبرمجة" تهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات أكثر شرذمة من تقسيمات سايكس بيكو وعلى قاعدة الطوائف والمذاهب والعرقيات والقبلية المكوّنة للمجتمعات العربية وذلك لنفي الهوية العربية الجامعة لها. وكأن النظام العربي القائم حتى 2011 ألم يكن يخدم سياسات الغرب والكيان الصهيوني! فهل تضحّي اسرائيل ب"كنز إستراتيجي"؟ وهل فرنسا تضحي بوزيرة دفاعها لتأييدها لنظام زين العابدين؟ أسئلة تعني أن الحراك الجماهيري حراك ذاتي لم يكن مبرمجا كما أفادت كافة التقارير في مراكز الأبحاث في الغرب. ولماذ تريد الدول الغربية تقسيم المنطقة إلى دويلات غير قابلة للحياة بل تكون مصدرا للإرهاب الدولي؟ وإذا كان الهدف من ذلك إضعاف المنطقة وعدم جعلها قابلة للتصدي لمطامع الخارج إلاّ أن كلفة هذا الضعف قد تطيح بالغرب ومصالحه في المنطقة كما تشهد عليه الإخفاقات في العراق والتناذر الإرهابي الصاعد في سورية.

لا ننفي ولا ننكر أن مكوّنات المجتمعات العربية تشهد حالة من الغليان ولكن المزاج الإنفصالي أو التقسيمي ما زال حتى الآن أضعف من المزاج الوحدوي بل نقول أكثر من ذلك أي أن المزاج الوحدوي (الوحدة الوطنية) يغذّي المزاج الوحدوي الأكبر (أي الجنوح نحو وحدة الأقطار) رغم كل الأدبيات التي تعمل وسائل الإعلام وبعض الأقلام على نفيها بل على تسليط الأضواء على النهج التفتيتي.
كما لا ننفي أن الغرب بشكل عام وحلفائه في المنطقة حاولوا وبنسب مختلفة من النجاح احتواء موقّت لهذا الحراك (ونشدّد على كلمة "موقّت لأن الأمور ما زالت بعيدة عن الحسم لمصلحة الخارج ولن تتحقق في رأينا!). فإحتواء الحراك يختلف كلّيا عن التخطيط له ومن المبكر جدّا أن نسلّم بنجاح الإحتواء رغم بعض المظاهر التي توحي بذلك. لم يكن الحراك الجماهيري من صنع الخارج بل هو من صنع الداخل في كافة الساحات دون استثناء ولكن محاولات الإحتواء وتحريف المسار هو نتيجة عاملين مزدوجين: الصراع المبكر على السلطة بين مكوّنات الإنتفاضات الجماهيرية وثانيا،عقدة النخب الحاكمة والطامحة لها بأن الغرب ما زال يملك مفتاح التمكين و"الشرعية الدولية". أي بمعنى آخر أن التدخّل الخارجي لم يكن ليحصل لولا دعوة بعض القوى المتحاربة على الساحات للتدخّل لمصلحتها. بالمقابل هناك مصالح إقليمية لعبت دورا أساسيا في تغذية الصراع وهذا ما عقّد الأمور إلى حدّ كبير.

يبقى أن نقول في محور "اللحظة الراهنة" أن الصراعات التي نشهدها في عدد من الساحات هي صراعات داخلية أكثر مما هي صراعات خارجية وهذا يشكّل في رأينا نقطة تحوّل أساسية بالنسبة للحقبات الماضية حيث كان التدخّل الخارجي العامل الحاسم. ويعود ذلك الأمر إلى عاملين اساسيين: التطوّرات الحاصلة على الصعيد الدولي والإقليمي حيث نرى محور الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومعه الكيان الصهيوني في حالة تراجع إستراتيجي يمسّ البنى السياسية والإقتصادية لتلك الدول وهذا ما يمكن تفصيله في ندوة خاصة وإلى صعود محور جديد لعدد من الدول الرافضة للهيمنة الأحادية. إننا نعيش عصرا جديدا على الصعيد الدولي أي أفول القطبية الأحادية وتنامي العالم المتعدد الأقطاب. كما أن مسار الغرب هو إلى الأفول ومسار الشرق إلى الصعود. هذه التحوّلات جعلت اللحظة التاريخية للإنتفاضة ضد نظام عربي قائم ممكنا بينما الحقبات السابقة لم تكن لتسمح بذلك. بالمقابل أعطى هذا التراجع للدول الإقليمية التابعة للغرب فرصة مناورة أكبر تعارضت في كثير من المحطات مع التوجهات الغربية (البرود في العلاقة بين الولايات المتحدة وبعض دول الجزيرة مثلا، وبين تلك الدول وتركيا إلخ).

نحن مدينون للمقاومة في العراق في إفشال المشروع الأميركي في المنطقة كما أننا مدينون للمقاومة في لبنان في إفشال المشروع الصهيوني في المنطقة. تداعيات الفشلين كانت الإنتفاضات الشعبية في مختلف الساحات.

أما العامل الثاني فهو إعادة تثبيت البوصلة إذا جاز الكلام أن تقييم أي حراك حاصل أو قد يحصل يرتبط بالقضية الفلسطينية. فلا حرية ولا تنمية ولا عدالة اجتماعية ولا حكم صالح بعيدا عن الفساد بمعزل عن تحرير فلسطين. فمعركة غزة الأخيرة جاءت لتلغي كافة التكهّنات أن الحراك الشعبي أسقط فلسطين من المعادلة! لذلك نقول أن الحل للأزمات الداخلية في مختلف الأقطار لن يكون إلا عبر الحوار الداخلي وبمعزل عن الموقف الخارجي المناهض لفلسطين. كما أن الحل الداخلي الناتج عن الحوار يقضي بأن المرحلة الإنتقالية التي نعيشها الآن تتطلّب تحالفا جبهويا لكافة مكوّنات الإنتفاضات دون الإتّكال على على حكم صناديق الإقتراع في هذه المرحلة التأسيسية لما تشوبه هذا الإحتكام إلى صناديق الإقتراع من سلبيات نحن بغنى عنها لتثبيت حقبة ما بعد التبعية والفساد والاستبداد. واخيرا فإن الصيغة الحلّ المنشود لن تكون بمعزل عن الموقف المواجه للإحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية.
بناء على ما جئنا به بالفقرة السابقة فإن استشراف المرحلة المسقبلية تأخذ بعين الإعتبار التحوّلات الدولية والإقليمية الحاصلة والتي على ما يبدو تتسارع عند كتابة هذه المداخلة.
فالتراجع الغربي بشكل عام والأميركي بشكل خاص يفضي إلى ضرورة تفاهم دولي بين المحور الغربي المتراجع ومحور بريكس الذي يضم الشمال (روسيا) والجنوب (جنوب إفريقيا والبرازيل) والشرق (الصين والهند) إضافة إلى التحالفات الإقليمية (محور ايران وسورية وقوى الممانعة والمقاومة). ساحة الصراع الدولي هي الآن الساحة السورية والتطوّرات الأخيرة تفيد أن إحداث تغيير جذري بالقوة لن يتحقق. فالنظام ثبت أنه قادر على مواجهة الهجمة بغض النظر عن الرأي به سواء كان سلبيا أو مؤيّدا. التحوّلات في سورية فرضت نفسها على المواقف الدولية التي نشهد معالمها: أي صمود روسي صيني ايراني وتراجع غربي أميركي. الانعكاسات على الصعيد الإقليمي لم تتأخر فهناك تغيير في "اللهجة" و"النبرة" في الخطاب السياسي في المملكة العربية السعودية رافقتها بعض التغييرات في القيادة وهناك تراجع في الموقف التركي رغم كل الكلام التصعيدي وهناك مؤشرات بتغييرما في الموقف القطري. أما على الصعيد الأميركي فالتعيينات في إدارة الشؤون الخارجية والدفاعية والإستخباراتية تدّل على أن حقبة المواجهات المباشرة وغير المباشرة أفلت لتحّل مكانها حقبة المفاوضات.

هناك من يقول أن الأميركيين استبدلوا سياسة التدخّل المباشر بالتدخّل بالوكالة عبر تشجيع الإقتتال الداخلي في مختلف الساحات (نذكّر هنا الخطاب الأوروبي والأميركي بأن شعوب هذه المنطقة مجموعة من الطوائف والمذاهب والعرقيات والقبائل والعشائر نافية بشكل متعمد ليس فقط الهوية القومية بل حتى الهوية الوطنية!). هذا صحيح إلى حدّ ما ولكن "الأدوات" المتسعملة على ما يبدو خرجت عن قدرة السيطرة والتحكّم بها. فحادثة بنغازي وحادثة المالي والجزائر والإرتكابات على الساحة السورية فرضت مراجعة في السياسة المتبعة. فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تتحالف مع الإرهاب في ساحة ما وتواجهها في ساحة أخرى؟ كما أن إمكانية حصر الصراع في ساحة محدّدة كما في أيام الحرب الأهلية اللبنانية لم يعد ممكنا. فكافة دول المنطقة وخارج المنطقة أصبحت مستهدفة من قبل قوى أعتقد البعض أنها من صنع الغرب الذي شجّعها في مرحلة ما ضد حركات التحرّر والقوى القومية في مختلف الساحات وأصبحت الآن تهدّد بل تعضّ "اليد التي أطعمتها" على حد قول أحد المسؤولين الأميركيين!

إذا المراجعة الحاصلة تؤكد ما ذكرناه سابقا أن دينامية الحراك العربي تعني أن الحل لن يكون إلاّ داخليا وعربيا. مؤشرات تراجع حتى الحركات السلفية واضحة. فهناك دعوات من مراجع سلفية في المملكة وتونس على سبيل المثال تدعو إلى عدم الإلتحاق بالساحة السورية الذي سينعكس سلبا على استمرار المد بالمقاتلين.

أما اللذين حذّروا من وصول الحركات السياسية الإسلامية إلى الحكم والذين أتحفونا بمقارباتهم الكارثية فبات واضحا أن نجم هذه الحركات بدأ بالأفول لسببين: سوء الأداء الداخلي والتخبط في القرارات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبسبب المعارضة المتنامية لها من قبل دول شجّعتها في البداية وبدأت تشعر بالقلق بأن هذه الحركات قد تهدّدها في مرحلة لاحقة. كما أن الدول التي ما زالت تشجع هذه الحركات كقطر وتركيا تشهد تصدّعات كبيرة في تحالفاتها (قطر وفرنسا، قطر وتركيا). الوضع الإقليمي لم يعد مؤاتيا لهذه التحالفات الظرفية والتي أقيمت لمواجهة الملف السوري. فالصمود السوري على ما يبدو بدّد الرهانات الخاطائة التي ارتكبتها تلك الدول والتي تبنتها أيضا بعض القوى في لبنان.

من ضمن المؤشرات التي تشير إلى تنامي مسار نحو التهدئة التقارب بين مصر وايران والذي يهدف إلى وأد الفتنة السنّية الشيعية التي تهدّد المنطقة. وهذه الزيارة أثارت وتثير استياء الولايات المتحدة والكيان الصهينوني مما يدلّ على جدّيتها. هذا يدعم مقاربتنا أن منطق التوافق يتنامى على منطق التحارب.

هذه بعض المؤشرات التي تفيد أن حدّة الهجمة الغربية والإقليمية على الساحات العربية باتت في حال تراجع واضح. أضف إلى ذلك آفاق التشبيك الاقتصادي المرتقب بعد اكتشافات النفط والغاز في لبنان وسورية والتي على ما يبدو تفوق الاحتياطات المكتشفة في منطقة الخليج والجزيرة. لم يعد الغرب المرجعية الوحيدة على الصعيد الدولي ولم تسطع القوى الإقليمية فرض هيمنتها على كافة الساحات. نحن، في التيّار القومي العربي، ندعو إلى تكوين كتلتين تاريخيتين (وهذا ما نعمل من أجله ونعتقد أن الأمور تسير بالإتجاهين اللذين نريد): الأولى على الصعيد الداخلي بين كافة مكوّنات المجتمعات العربي من تيّارات سياسية . فالحلّ التوافقي أفضل من الحل "الديمقراطي" الذي لا ينتج عنه إلاّ الإنقسامات والحروب الأهلية التي تفتك بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي (فلسطين، العراق، ليبيا، مصر، الجزائر وحتى لبنان نماذج عن "الحل الديمقراطي"). أما الكتلة الثانية فهي إقليمية تضم كل من العرب وايران وتركيا في مواجهة أطماع الغرب والشرق أو أي طرف آخر.
نكتفي بهذا الحد وشكرا لإصغائكم.








الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.