بقلم: البروفيسر اليف الدين الترابي* الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على من جاهد في سبيل الله حق جهاده ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله، قائد المجاهدين، وإمام المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين أمابعد : إخواني الأفاضل وأخواتي ا لفاضلات وإخوة الشباب بجمهورية مصر العربية أحييكم بتحية الإسلام، تحية اهل الجنة، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، في البداية إنني أنتهز هذه الفرصة لاتقدم إليكم بأحر التهاني القلبية على نجاح الثورة الكبرى التي قامت في دولة مصر الشقيقة في يناير 2011م والتي تعتبر من اهم الحوادث للتاريخ الإسلامي المعاصر لكونها طليعة للربيع العربي حيث أدت إلى إسقاط أكبر الدكتاتوريات في العالم الإسلامي والتي مازالت تسيطر على الشعب المصري الشقيق لأكثر من نصف قرن، من بداية أيام الدكتاتور السابق جمال عبدالناصر إلى أيام الرئيس المخلوع الدكتاتور حسني مبارك. كما أنني أنتهز هذه الفرصة لأنقل إليكم التحيات من إخوانكم وأخواتكم في ولاية جامووكشمير المسلمة وجمهورية باكستان الإسلامية وهم لايزالون يدعون لكم ليلاً ونهاراً من أول يوم لإقامة هذه الثورة العظمى مباركة إلى يومنا هذا، يدعون لكم من أعماق قلوبهم في ثلث الآخر من الليل بعد صلاة التهجد ويسألون الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم لتحقيق أهداف هذه الثورة مباركة والله ولي التوفيق. إخواني الأفاضل/ أخواتي الفاضلات وإخوة الشباب ! كما لايخفى على من له أدنى إلمام بالتاريخ بأن أرض مصر الشقيقة أو أرض وادي النيل، كما كان يسميه الإمام الشهيد رحمه الله تعالى، هي أرض المعارك بين الحق والباطل منذ أزمنة قديمة من التاريخ، من أيام سيدنا موسى عليه السلام إلى يومنا هذا وتمتاز كافة هذه المعارك بانتصار الحق على الباطل. وفيما يلي أذكر بعض النماذج لهذه المعارك بين الحق والباطل، وذلك للمثال ولا للحصر. أولاً : إن أول معركة التي نشبت في هذه الأرض مباركة كانت بين سيدنا موسى عليه السلام وبين فرعون الذي كان يقوم بدعوى الربوبية وكان يقول "أنا ربكم الأعلى" استمرت هذه المعركة للسنوات الطويلة وأخيرا انتهت بانتصار سيدنا موسى عليه السلام وأصبح فرعون عبرة للعالمين. ثانياً : وقامت المعركة الثانية بين الجيش الإسلامي والجيش الروماني في أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان الجيش الروماني يزداد من الجيش الإسلامي في العِدة والعُدّة. وشاء الله سبحانه وتعالى بأن انتصر الجيش الإسلامي خلال في تلك المعركة انتصارا عظيما وأصبحت مصر إقليماً من الأقاليم الإسلامية. ثالثاً : والمعركة الثالثة الشهيرة كانت بين الأبناء و الأحفاد للفراعنة-كما كانوا يسمونها هم أنفسهم- من جهة وبين عامة المسلمين المصريين الذين كانوا يحملون المصحف الشريف في يد و لواء الإسلام في يد أخرى، وذلك في ميدان التحرير في القاهرة في يناير 2011م، استمرت هذه المعركة لفترة طويلة حيث قام أبناء الفراعنة وأحفادهم وعلى رأسهم الرئيس المخلوع الدكتاتور المصري حسني مبارك باستخدام أساليب القهر والعدوان ضد عامة المسلمين المصريين الأبرياء، والذي أدى إلى استشهاد مئات من المدنيين المصريين الأبرياء بينما يصل عدد الجرحى من الأبرياء إلى الآلاف، وكل ذلك لا لذنب إلا لأنهم كانو يريدون حرية الرأي والتعبير وفقاً لتعليمات الإسلام ولكن رغم استخدام أساليب القهر والعدوان من قبل الرئيس المخلوع الدكتاتور حسني مبارك وحاشيته-ممن يتسمى بأبناء والأحفاد للفراعنة- للقضاء على هذه الثورة الكبرى الكريمة. فإن الشعب المصري قد انتصر فيها انتصاراً عظيماً بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، وسقط نظام مبارك المستبد، فلله الحمد. وجدير بالذكر بأن من أهم الأهداف للثورة العظمى التي أقيمت في مصر في يناير عام 2011م والتي أدت إلى إسقاط نظام الرئيس المخلوع الدكتاتور حسني مبارك هي كان تنفيذ الدستور الإسلامي وإقامة العدالة الإسلامية الاجتماعية في مصر. ولكن مع الأسف الشديد فإن المجلس العسكري الأعلى الذي تولى الحكم بعد رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك كان يتكون من فلول نظام مبارك ولكن رغم ذلك حينما عقدت الانتخابات البرلمانية في نوفمبر و ديسمبر عام 2011م نجح فيها عدد كبير للمرشحين الإسلاميين وذلك لأن الشعب المصري شعب مسلم وكان يعرف جيداً بأن الهدف الحقيقي من أهداف الثورة الكبرى التي أقيمت في يناير عام 2011م هو كان تنفيذ الدستور الإسلامي وإقامة العدالة الاجتماعية الإسلامية. رابعاً: إن المعركة الرابعة التي أقيمت في مصر بين الشعب المصري وبين فلول نظام حسني مبارك، كانت تستهدف تحقيق أهداف الثورة الكبرى التي قد أقيمت في يناير 2011م. من هنا فإن هذه المعركة مع كونها معركة جديدة تعتبر استمرارا للمعركة الثالثة أو الثورة العظمى للعام 2011م. فإن هذه المعركة قد أقيمت بين الشعب المصري المسلم وبين فلول نظام مبارك والعلمانيين، وذلك خلال الانتخابات البرلمانية في مصر في نوفمبر وديسمبر عام 2011م، وخلال هذه المعركة قدر الله سبحانه وتعالى لفلول نظام مبارك والعلمانيين على أيدي الشعب المصري المسلم وانتصر عدد كبير من المرشحين الإسلاميين والجدير بالذكر بأن حوالي 140 منهم يحفظون القرآن الكريم كاملاً، و180 منهم يحفظون نصف من القرآن الكريم بينما 170 منهم يحملون شهادة الدكتوراه في علوم مختلفة. وبهذا أصبح البرلمان المصري المنتخب الجديد، وحيدا بين مثيلاته في العالم الإسلامي والذي يمكننا أن نطلق عليه البرلمان الإسلامي الحقيقي. والفضل في ذلك يعود إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى الشعب المصري المسلم. نحن في هذه المناسبة نتقدم إلى إخواننا المصريين بأحر التهاني من أعماق قلوبنا على تلك الثقة الغالية التي منحهم الشعب المصري. خامساً : والمعركة الخامسة التي أقيمت بين الشعب المصري المسلم وبين فلول نظام مبارك والعلمانيين كانت خلال انتخابات الرئاسة المصرية في يونيو عام 2012م وهذه المعركة أيضاً مع كونها معركة جديدة تعتبر استمراراً للمعركتين الثالثة والرابعة لأنها أقيمت أيضاً لتحقيق أهداف الثورة الكبرى ليناير 2011م. وخلال تلك المعركة، فإن المجلس العسكري الأعلى الذي معظم أعضاؤه كانوا من فلول نظام مبارك، قام باستخدام العديد من الأساليب غير الشرعية لصالح مرشح فلول نظام مبارك أحمد شفيق الذي كان رئيس الوزراء الأخير في أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وذلك بالتنسيق التام بين المجلس العسكري وقضاة بعض المحاكم العليا: * ومن هذه الأساليب غير الشرعية هو إصدارالقرار لحل البرلمان المنتخب بدون أي مبرر ذات أهمية قانونية، والسبب الوحيد لذلك القرار هو كون أغلبية أعضاء البرلمان من المنتمين إلى الأحزاب الإسلامية، مثل حزب الحرية والعدالة وحزب النور. * ومنها قرار رئيس المجلس العسكري الأعلى الجنرال طنطاوي بإدخال تعديلات في الدستور التي تنص على حرمان الرئيس المنتخب الجديد من صلاحياته وذلك أيضا بالتنسيق مع بعض القضاة في بعض المحاكم. * ومنها حل الجمعية التأسيسية التي قام بانتخابها البرلمان المنتخب لصياغة الدستور الجديد لمصر وفقاً لأهداف الثورة الكبرى ليناير عام 2011م. وإصدار الأوامر لتشكيل الجمعية التأسيسية الجديدة لصياغة الدستور. وجدير بالذكر بأن ذلك القرار ينص على أن الجمعية التأسيسية ستقوم بصياغة الدستور خلال ثلاثة أشهر والذي سوف يعرض للاستفتاء الشعبي خلال 15يوما. إن كافة هذه القرارات التي اتخذها المجلس العسكري الأعلى هي قرارات غير شرعية وغير قانونية ولكن رغم ذلك فإن القضاة والمحامين الذين يرفعون الشعارات والهتافات في حماية القانون اليوم بهذه القوة والشدة مازالوا ساكتين على التلاعب بالقانون في ذلك الوقت. بل قد وافقوا على ذلك التعديل غير الشرعي. ولعل الهدف من ذلك هو كان إشعال نار الفتنة لتقوم الأحزاب الإسلامية مثل حزب الحرية والعدالة وحزب النور بمقاطعة الانتخابات. ولكن رغم هذه الأساليب غيرالشرعية التي اختارتها فلول نظام مبارك خلال هذه المعركة في صالح المرشح الحكومي، شاء الله سبحانه وتعالى أن انتصر الشعب المصري المسلم في هذه المعركة حيث نجح المرشح الإسلامي الدكتور محمد مرسي وحصل على 13,230,000 صوت أي، حوالي مليون صوت أكثر من المرشح الحكومي أحمد شفيق. هكذا قد انتصر الشعب المصري المسلم انتصارا عظيما على فلول نظام مبارك. والجدير بالذكر بأنه إذا لم يتمكن الحكام العسكريون وفلول نظام مبارك من إلحاق الهزيمة بالمرشح الإسلامي الدكتور مرسي يئسوا فقرروا أن يؤخروا إعلان نتيجة الانتخابات الذي كان من المقرر أن يعلن في 21 من يونيو عام 2012م، فأخرواه إلى 24 من يونيو عام 2012م. وذلك لاستغلال الفرصة للتزويرفي النتيجة لصالح المرشح الحكومي أحمد شفيق. ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك نظرا للفارق الكبير بين أصوات الدكتور مرسي والمرشح الحكومي أحمد شفيق. هكذا قد انتصر الشعب على فلول نظام مبارك مرة أخرى فلله الحمد. سادسا: أما المعركة السادسة فقد أقيمت خارج جمهورية مصر العربية ولكن رغم ذلك تعتبر معركة الشعب المصري المسلم حينما قامت إسرائيل بالعدوان ضد قطاع غزة في فلسطين في أواخر شهرنوفمبر 2012م بتشجيع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومباركتها ولكن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي قام بما يلزم لإيقاف ذلك العدوان وقرر أن يقف مع إخوانه في غزة (فلسطين) وذلك لأنه كان يدرك جيداً بأن قضية فلسطين لا تخص أهل فلسطين فحسب بل تخص كل مسلم على وجه المعمورة لكونها قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقام بما في وسعه لإيقاف ذلك العدوان وتمكن من إيقاف ذلك العدوان بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، فلله الحمد. ولكن هذا ما جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية وربيبتها إسرائيل أن تنتقما بواسطة عملائهما في جمهورية مصر من فلول نظام مبارك. فإنهما قامتا بتقديم الدعم المالي الكبير لعملائهما لتحقيق ذلك الهدف. سابعاً : أما المعركة السابعة بين الشعب المصري المسلم وبين فلول نظام مبارك والعلمانيين وعملاء الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل قد أقيمت بعد ما قام الدكتور مرسي بإصدار الاعلان في 21 نوفمبر 2012م للحفاظ على دستور البلاد و أهداف الثورة الكبرى ليناير 25 عام 2011م. وذلك لأنه كان يدرك مدى المؤامرات والمخططات من قبل فلول نظام مبارك والعلمانيين وعملاء الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ضد أهداف الثورة العظمى ليناير 25 عام 2011م. فأصدر مرسوماً يحمي خطواته وقراراته لحماية أهداف الثورة الكبرى ليناير 25 عام 2011م ولكن هذا الإعلان جاء برد الفعل الشديد من قبل فلول نظام مبارك والعلمانيين وعملاء الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. وجعلوه وسيلة لإشعال نار الفتنة والفوضى ضد الرئيس. ما هو أكثر أسفاً بأن بعض الدول العربية المجاورة أيضاً قامت بتقديم الدعم لهذه الثورة المضادة التي كان يقودها بعض الرموز من فلول نظام مبارك والعلمانيين وعلى رأسهم الدكتور البرادعي والذي علاقته مع الاستخبارات الأمريكية وإسرائيل ليست بسر ومنهم عمرو موسى الذي كان وزير الشئون الخارجية للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومنهم حمدين صباحي الذي يعتبر الدكتاتور السابق جمال عبدالناصر قدوة له، ومنهم أحمد شفيق الذي كان مرشح فلول نظام مبارك خلال انتخابات الرئاسة. وجدير بالذكر بأن كل واحد من هؤلاء فلول نظام مبارك قد انهزم مراراً قبل ذلك خلال المعارك مع الشعب المصري ولكنهم انتهزوا هذه الفرصة للانتقام من الشعب المصري المسلم. والإعلام الغربي الذي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني قام بإبرازهم كأنهم القادة الحقيقيون للشعب المصري.وجدير بالذكربأن نار الفتنة التي قاموا بإشعالها فلول نظام مبارك قد أدت إلى إحراق 28 مقراً لجماعة إخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وفيها المقر الرئيسي للجماعة وذلك إضافة إلى استشهاد العديد من المنتمين إلى الجماعة بدون أي رد فعل من قبل حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وذلك مع أن حزب الحرية والعدالة هو الحزب الحاكم وكان بإمكانه أن ينتقم منهم انتقاماً شديداً. ولكنهم تحملوا كل ذلك العدوان بكمال الصبر حتى لا يؤدي هذا العدوان إلى إشعال النار مزيد من الفتنة. بل على العكس قام الرئيس مرسي بإجراء الحوار مع قادة المعارضة بكل صبر واطمئنان. وهكذا انتهت هذه المعركة بانتصار الشعب المصري مرة أخرى حيث بأن الرئيس قد تمكن من الحفاظ على أهداف الثورة الكبرى ودستور البلاد، ولله الحمد. ثامناً: والآن ستقوم المعركة الثامنة بين الشعب المصري وفلول نظام مبارك وذلك خلال استفتاء على دستور في 15 من ديسمبر عام 2012م وهذه المعركة هي معركة ذات أهمية كبرى وإنني على يقين بأن الشعب المصري يدرك مدى أهمية هذه المعركة الكبرى سينتصر على فلول نظام مبارك والعلمانيين خلال هذه المعركة بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه. ولكن هذا الأمر يتطلب بأن يشارك كل أخ مصري وأخت مصرية وكل شاب مصري في هذه المعركة الكبرى. واخيراً إنني اسأل المولى الكريم أن يوفق الشعب المصري المسلم لما يحبه ويرضاه. والله هوولي التوفيق. *مدير عام المعهد العالمي للدراسات والبحوث الاستراتيجية نائب أمير الجماعة الاسلامية بولاية جامو وكشمير الحرة عضو الجمعية العمومية لاتحاد علماء المسلمين الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة