بقلم: بارت جونز* ربما يبدو قرار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز برفضه تجديد ترخيص شبكة " إذاعة وتلفزيون كاراكاس" مبررا للمخاوف المثارة أن شافيز يقضي على حرية التعبير ويقمع أي أصوات معارضة لنظامه الحاكم. وقد اعلنت كثير من المنظمات والمؤسسات منها العفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان ولجنة حماية الصحفيين وأعضاء البرلمان الأوروبي رفضهم لقرار إغلاق إذاعة وتلفزيون كاراكاس الذي يعد أقدم شبكة تلفزيونية خاصة في فنزويلا. إلى جانب ذلك فقد حصل خصوم شافيز على سلاح آخر بعد أن أعلن شافيز ان شبكة " غلوبوفيجن" هي الأخرى تدخل ضمن من اسماهم ب" أعداء الوطن". بيد أن الواقعة المتعلقة بإذاعة وتلفزيون كاراكاس مثلها مثل وقائع أخرى كثيرة تتعلق بشافيز قد دخلت في دائرة التناول المغلوط للمعلومات. ففيما يجد أحد الطرفين أن صوته أصبح مسموعا في شتى أصقاع العالم وهو يكيل الاتهامات نجد ان الطرف الآخر لا يجد أحدا يستمع الى وجهة نظره. ومما لا شك فيه أن إغلاق إذاعة وتلفزيون كاراكاس هو حادث محزن للفنزويليين من بعض النواحي. فقد تأسست هذه الشبكة الإعلامية عام 1953 واصبحت منذ ذلك الوقت تحظى بمكانتها المرموقة بين مؤسسات الدولة هناك. وأنتجت الشبكة برامج سياسية شهيرة امتد عرضها ردحا طويلا من الزمن مثل برنامج " إذاعة روتشيلا" والمسلسل الواقعي الساخر " بور إستاس كاليس". كما كانت هذه المحطة الإعلامية هي أول من بث في فنزويلا صورا مباشرة من الأقمار الاصطناعية لنيل أرمسترونغ عندما وطأ بقدميه سطح القمر عام 1969. إلا أنه وبعد أن جرى انتخاب شافيز رئيسا لفنزويلا في 1998 شهدت شبكة إذاعة وتلفزيون كاراكاس تغيرا جوهريا حيث ركزت نشاطها الإعلامي للإطاحة برئيس تم اختياره بطريقة ديموقراطية. وبدأت المحطة الإعلامية التي يتولى إدارتها مارسيل غرانير الشهير بثروته تتعامل مع شافيز وثورته البوليفية بالنيابة عن الأغلبية الفقيرة في فنزويلا على انه يمثل نوعا من التهديد. وكانت أسوأ سقطات إذاعة وتلفزيون كاراكاس تلك المحاولة التي تمت في 11 أبريل 2002 للإطاحة بشافيز من الحكم. وعلى مدار يومين سابقين على محاولة الانقلاب قام إذاعة وتلفزيون فنزويلا بتحويل البرامج المعتادة الى نوافذ لتغطية الإضراب العام الذي يهدف الى الإطاحة بشافيز. وبرز عدد كبير من المعلقين قاموا بشن هجوم عنيف ضد شافيز فيما لم تسمح المحطة بأية إجابة أو تعقيب من الحكومة. واستمرت شبكة إذاعة وتلفزيون كاراكاس في بث دعايات لتحفيز الأفراد على المشاركة في مسيرة نظمت في 11 ابريل للإطاحة بشافيز وواصبت تغطية مستمرة للحدث. وعندما انتهت المسيرة بأحداث عنف أذاعت محطة إذاعة وتلفزيون كاراكاس وكذا غلوبوفيجن شرائط مصورة تلقي باللوم على أنصار شافيز وتحملهم مسؤولية عشرات الأفراد الذين سقطوا بين قتيل وجريح. وبعد أن أطاح الانقلابيون العسكريون بشافيز اختفى عن المشهد العام لمدة يومين انحازت شبكة إذاعة وتلفزيون كاراكاس الى التحريض على العصيان والتمرد. وخرج الآلاف من أنصار شافيز الى الشوارع مطالبين بعودته إلا أن شبكة إذاعة وتلفزيون كاراكاس لم تعرض أيا من تلك المسيرات. وفي وقت لاحق وخلال شهادته في المجلس الوطني حول محاولة الانقلاب قال أندريه إيزارا مدير الأخبار في إذاعة وتلفزيون كاراكاس أنه تلقى أوامر من رؤسائه بعدم إذاعة أي شيء مؤيد لشافيز أو تابع لأنصاره. والفكرة وراء ذلك كانت تتمثل في خلق أجواء تمهد العملية انتقال السلطة والدعوة الى عهد جديد. وفيما كانت شوارع كاراكاس تموج بفورة غضب كانت إذاعة وتلفزيون كاراكاس يبث كارتونا ومسلسلات وأفلام قديمة. وفي 13 ابريل 2002 تقابل غارنير مع أقطاب الإعلام في قصر ميرافلورز للدعوة الى تأييد ومناصرة الديكتاتور الجديد بدرو كارمونا الذي أوقف نشاط المحكمة العليا ومجلس الشعب والدستور. فهل يمكن لشبكة إعلامية ساعدت في محاولة انقلاب ضد الحكومة في الولاياتالمتحدة أن يسمح لها بالاستمرار فيما بعد في مزاولة نشاطها؟ ربما كانت حكومة الولاياتالمتحدة قد أقدمت في مثل تلك الحالة على إغلاق تلك المحطة في غضون خمس دقائق بعد إنتهاء محاولة الانقلاب الفاشلة وأرسلت بمالكيها وراء القضبان. غير أن حكومة شافيز سمحت لإذاعة وتلفزيون كاراكاس بالاستمرار في ممارسة النشاط الإعلامي لمدة خمس سنوات أخرى بيد أنها رفضت إعطاء المحطة تجديدا لترخيص استخدام الموجات الهوائية العامة. ومع ذلك فلا يزال هناك فرصة لإذاعة وتلفزيون كاراكاس أن يمارس نشاطه عن طريق الكيبل أو أطباق الأقمار الإصطناعية. ويجب ألا ينظر الى غرانير وزملائه على أنهم شهداء لحرية الكلمة فما تزال الإذاعة والتلفزيون والصحف في فنزويلا غير خاضعين للرقابة وبعيدين عن أي تهديد من قبل الحكومة كما أن معظم وسائل الإعلام في فنزويلا لا يزال يسيطر عليها النخبة المعادية لشافيز.
*عمل مدة ثمانية أعوام كمراسل لصحيفة آسيوشيتد برس في فنزويلا