"تعليم السويس" ينهي استعداداته لانطلاق العام الدراسي الجديد    "ليكن نور".. المؤتمر الأول لذوي الهمم بإيبارشية حلوان والمعصرة    ما مهام مجلس النواب في دور الانعقاد السادس المنتقص؟    انخفاض اللحوم.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    بدر عبد العاطي: نُحضر لمشروع سعودي تنموي عقاري سياحي للاستثمار في منطقة البحر الأحمر    بالصور.. الأهلي يوفر أتوبيسات لنقل الأعضاء إلى الجزيرة    ماذا قال مراد مكرم عن فوز الزمالك على الاسماعيلي بالدوري؟    الأرصاد: أمطار على هذه المناطق خلال الساعات المقبلة    "الاستحمام الأخير" يودي بحياة شاب في أبو النمرس    واتساب يطرح ميزة التذكير بالرسائل لتسهيل متابعة المحادثات    ميراث النهر والبحر، فعالية تراثية تنطلق بدمياط تحت مظلة "البشر حراس الأثر"    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    إجراء أكثر من 1000 عملية بمستشفيات العريش والشيخ زويد خلال 40 يومًا    مصادرة 90 شيشة بحملة مكبرة في الوادي الجديد.. صور    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بكفر الشيخ    رسمياً.. مكتب التنسيق يعلن نتائج تقليل الاغتراب لطلاب الشهادات الفنية    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    بلال: فقدان الأهلي لأي نقطة أمام سيراميكا سيفتح باب الأزمات بقوة    وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات تراجع الاستعدادات النهائية لاستقبال العام الدراسي الجديد 2025- 2026    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    بعد الانتهاء من المرحلة الأولى.. "النقل" تعلن فتح الحركة على أجزاء من الطريق الدائري الإقليمي ابتداءً من غد السبت    أول تصريح لعائلة الناجية من «مذبحة أسرة نبروه»: طلبت الطلاق فطعنها وقتل أطفاله    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    وزير الخارجية: نُحضر لمشروع سعودى تنموى عقارى سياحى للاستثمار بمنطقة البحر الأحمر    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    في سابقة.. سيناتور أمريكي يقدم مسودة تطالب ترامب الاعتراف بفلسطين    سحر الأقصر بعيون الصحافة الإسبانية: "السيلفى الملكي" يعكس انبهار بحضارة مصر    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    الاتحاد الأوروبى يسعى للحصول على أغلبية لتوسيع العقوبات على إسرائيل    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    جامعة القاهرة تفتتح المرحلة الأولى من مشروع تطوير الحرم الجامعي    أول ظهور ل رنا رئيس بعد تعافيها من أزمتها الصحية    التضخم في اليابان يصل إلى أدنى مستوى له في عشرة أشهر    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    درة تهدى تكريمها فى مهرجان بورسعيد السينمائي للشعب الفلسطيني    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    إجلاء الآلاف في برلين بعد العثور على قنبلة من الحرب العالمية الثانية    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر في بداية التعاملات    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    مصطفى عسل يعلق على قرار الخطيب بعدم الترشح لانتخابات الأهلي المقبلة    ضبط 60 مخالفة وغلق 7 كافيهات غير مرخصة خلال حملة إشغالات في الدقهلية    واشنطن تجهز مقبرة «حل الدولتين»| أمريكا تبيع الدم الفلسطيني في سوق السلاح!    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    شروط النجاح والرسوب والدور الثاني في النظام الجديد للثانوية العامة 2026-2025 (توزيع درجات المواد)    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة.. تراجيديا حقٍّ تقضمه الحقائق!
نشر في الشعب يوم 02 - 06 - 2007


بقلم: جواد البشيتي
أخشى ما أخشاه هو أن تكون أحداث مخيم نهر البارد بداية عمل ل "حل" مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، وهم الفئة الأكثر فقراً من اللاجئين الفلسطينيين ، بما يُخالِف وينتهك قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194.
بطريقة مماثلة، تقريبا، نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ ويبدو أنَّ حلَّها، أو بعضاً من حلِّها ، يُراد له أن يتحقَّق بما يشبه، أو يماثل، طريقة نشوئها. ولكم أن تتصوَّروا عواقب "تعميم" التجربة التي بدأت في مخيم نهر البارد، أي تعريض سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى ما تعرَّض، ويتعرَّض، له مخيم نهر البارد.
حلُّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بما يُخالِف ويَنْتَهِك، وليس بما يوافِق، ذلك القرار الدولي، ليس ممكنا في الطريقة التي يمكن اتِّباعها، مستقبلا في غير لبنان، فالحكومة اللبنانية لا يمكنها أن تحل مشكلة هؤلاء اللاجئين في طريقة يمكن إظهارها على أنَّها طريقة يُتَرْجَم بها "حق اللاجئ في تقرير المصير". لا يمكنها، مثلا، أن تُعْلِن أنَّ على كل لاجئ أن يُقرِّر، في خلال شهر أو شهرين.. ، أن يصبح مواطنا لبنانيا أبديا أو مواطنا فلسطينيا، فالتوازن الداخلي في لبنان لا يحتمل زيادة في نسبة المسلمين، أو السنة، من مواطنيه.
"التجربة"، إنْ عُمِّمَت، فهذا إنَّما يعني أنَّ "الهدف الكامن" هو جَعْل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في وضع مماثِل تقريبا للوضع الذي اضطَّرهم إلى مغادرة وطنهم؛ ولكن إلى أين يغادرون هذه المرَّة؟ إلى حيث تريد لهم "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها شارون من بوش أن يغادروا، أي إلى إقليم الدولة الفلسطينية، التي قد تبدأ بدولة ذات حدود مؤقَّتة.
معاناتهم الإنسانية، التي رأيْنا بعضا من ملامحها في مخيم نهر البارد، قد تَحْمِل السلطة (أو الدولة) الفلسطينية على طلب فتح ممر آمن لهم إلى "الأراضي الفلسطينية"، فنرى، عندئذٍ، "حق العودة"، في تعريفه الجديد، وقد شرع يتحوَّل إلى حقيقة واقعة.
من قبل، أُكْرِهوا على مغادرة وطنهم؛ أمَّا الآن، أو من الآن وصاعدا، فلا بدَّ من إكراههم على "العودة"؛ ولكن ليس إلى حيث كانوا، وإنَّما إلى حيث يجب أن يكونوا، أي إلى "الدولة الفلسطينية"، فهل بدأوا، في "التجربة"، شمالا (في مخيم نهر البارد) لينهوها جنوبا، ولِيَفْتحوا، بعد ذلك، ذاك "الممر الآمن"؟!
عندما زارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني القاهرة، وتحادثت مع الرئيس المصري حسني مبارك، أسْمَعَهَا الرئيس مبارك كلاما، في شأن ما تدعو إليه إسرائيل من حلول لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، لم يقع في نفسها موقعا حسنا. لقد أعلن الرئيس مبارك، وكشف، أنَّه أبلغ إلى ليفني "أنَّ أحدا لا يملك التنازل عن حقوق الفلسطينيين، وأنَّ أي رئيس دولة عربية لن يجرؤ، مثلا، على حذف بند حق العودة من المبادرة". أبلغ إليها هذا الموقف المصري والعربي المهم وهو يَعْلَم أنَّ "حق العودة"، المُضَمَّن في الفقرة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، مشكلةً وحلاً، من مبادرة السلام العربية، هو العقبة الجوهرية والكبرى التي تسعى إسرائيل في تذليلها من طريق قبولها لتلك المبادرة أساسا لمفاوضات السلام مع جامعة الدول العربية.
على أنَّ هذا التضاد الواضح والجلي بين الموقفين العربي والإسرائيلي من مسألة "حق العودة" ينطوي على توافق غير مُعْلَن على أمرين في منتهى الأهمية: الأول هو أنَّ السلام، أو الحل النهائي للنزاع بين إسرائيل وبين الفلسطينيين والعرب، يتحوَّل من شيء ممكن واقعيا، في الوقت الحاضر، إلى شيء مستحيل واقعيا إذا ما أريد لحق العودة أن يُتَرْجَم بعودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، ولو عادوا إليها بوصفهم جالية فلسطينية واسعة لا يملك أفرادها حقوق المواطنة فيها. والأمر الثاني هو ضرورة أن يُضَمَّن اتِّفاق "إنهاء النزاع إلى الأبد" بندا يُعْلَن فيه في وضوح أنَّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد حُلَّت بما لا يبقي من مبرِّر للادِّعاء بأنَّ هذا الحل لم يَسْتَنْفِد "حق العودة"، وقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194.
هذا التوافق الضمني إنَّما يُظْهِر، ويؤكِّد، في الوقت نفسه، عُمْق الخلاف، فالمشكلة الكبرى التي لم تُحل بَعْد إنَّما تكمن في "الطريقة".. كيف يُتَرْجَم هذا التوافق الضمني ب "حلول عملية واقعية" لمشكلة "حق العودة"؟ هذا هو السؤال الذي لا تملك إسرائيل من إرادة سياسية للحل تكفي لتمكين الدبلوماسية والسياسة من إبداع جواب له.
لقد قال الرئيس مبارك إنَّه أبلغ إلى ليفني أنَّ أي رئيس دولة عربية لا يملك التنازل عن حق العودة. وأضيف إلى قوله أنَّ اللاجئ الفلسطيني ذاته لا يملك التنازل عن حق العودة؛ لأنَّ هذا "المُتنازَل عنه" ليس بالشيء المُمْتَلَك، أو الذي يمكن أن يُمْتَلَك، امتلاكا شخصيا، فالأبناء والأحفاد من حقِّهم الذي لا ريب فيه أن يعلنوا تخلِّيهم عن هذا التخلَّي؛ لأنَّ حق الإنسان في وطنه ليس بالحق الذي إذا تنازل عنه السلف وَجَبَ على الخلف أن يظل ملتزما هذا التنازل.
قد يقبل هذا اللاجئ الفلسطيني أو ذاك تعويضا ماليا، وتوطينا حيث هو الآن، أو في مكان آخر ، أو أن يغدو مواطنا في الدولة الفلسطينية المقبلة. ولكنَّ هذا القبول ليس فيه من الشرعية ، بأوجهها ومعاييرها كافة، ما يُلْزِم الأبناء والأحفاد التخلَّي عمَّا ينظرون إليه على أنَّه حقٌّ لهم في الوطن "ذاك"، فالحق في الوطن شيء، والحق في ملكية منزل، أو قطعة أرض، في الوطن شيء آخر.
ومهما كان الحل فلن نرى لاجئا فلسطينيا يأخذ التعويض المالي بيد، ليوقِّع في اليد الأخرى ورقة (دولية رسمية) كُتِب فيها أنَّه يتنازل عمَّا كان يَنْظُر إليه على أنَّه حق قومي له في "ذاك" الجزء (وهو الجزء الأعظم) من فلسطين، فالحقوق القومية والتاريخية للشعوب لا تزول إلا بزوال الشعوب ذاتها، ولا يمكنها أبدا أن تزول بتخلي فَرْد، أو أفراد، عنها.
"الفلسطيني" هو تراجيديا "إنسان بلا حقوق"، مُثْقَلٌ ب "الواجبات"، التي منبعها "الخوف منه"، وإن لبس لبوس "الخوف عليه". عليه أن يفعل هذا أو ذاك، وليس له الحق في أن يفعل هذا أو ذاك. حياته كلها هي انتقال من تهجير إلى تهجير، فمن وطنه هُجِّر أولا، ثمَّ هُجِّرَ، ب "قوَّة الخوف منه"، من "دنيا حقوق الإنسان"، ومن "دنيا حقوق المواطِن"، فهو إنسان لا حقَّ له في التمتُّع ب "حقوق الإنسان"، التي هي، على ما يُصوَّر لنا، في منزلة "الديانة الرابعة" في عصرنا. أمَّا "حقه في العودة" إلى حيث كان في وطنه فتلاشت "واقعيته" ب "قوة منطق القوة"، وأصبح القول به قولا ب "الوهم" و"الخرافة"، بحسب "منطق السياسة الواقعية". وقد طُعِنَ هذا "الحق" ب "خنجر بروتوس" إذ اتَّهموا اللاجئ الفلسطيني بأنَّه شُغِلَ بالخُلْدِ عن وطنه!
خاطبوه دائماً بهذا "القول البليغ": إنسَ حقك في التمتُّع ب "حقوق الإنسان" و"حقوق المواطَنة" حتى لا تنسى "حقكَ في العودة"، الذي ينبغي لكَ أن تنساه حتى نتذكَّر حقكَ في التمتُّع ب "حقوق الإنسان" و"حقوق المواطنة"!
وهُجِّر أيضا.. هُجِّر من "حقِّه في خبزه السياسي"، فلا رأي له في "مفاوضات الحل النهائي"، التي غايتها أن تَجِدَ شيئاً يشبه تلكَ "الثلاثين من الفضة"، فيُعوِّضونه به خسارته "حق العودة"، الذي إن ظلَّ مستمسِكاً به سيعود، ولكن ليس إلى حيث كان.. وإنَّما إلى حيث يمكن أن يكون.
إلى "إسرائيل" لن يعود؛ لأن ثمَّة "حقائق" منيعة، تمنع "حقه في العودة". إلى "الدولة الفلسطينية"، التي وعد بها بوش الفلسطينيين، درءاً لمخاطرهم عن "دولة الوعد الربَّاني"، قد "يعود"، ولكن "قد" هذه قد تتحوَّل إلى "لن"، فالرئيس بوش لم يَقُلْ ب "حق المستوطنين في البقاء إلى الأبد حيث هُم" إلا تمهيداً للقول ب "حق اللاجئين في البقاء إلى الأبد حيث هُم"!
إنَّهم عشرة ملايين فلسطيني، ثلاثة أرباعهم في "خُلْد المنافي" يعيشون، وليس من "هيئة قيادية فلسطينية" تستطيع ادِّعاء "الحق في تمثيلهم السياسي" في "مفاوضات للسلام"، يشبه "التوقيع" فيها سكَّينا لذبح "حقهم في العودة". وإذا كان لا بدَّ من "الذبح" فليكن "ديمقراطياً". وليس من سبيل إلى هذا "الذبح الديمقراطي" غير إنشاء (أو تطوير) تمثيل سياسي ديمقراطي صادق لنحو سبعة ملايين فلسطيني كُتِبَ عليهم العيش في خارج الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا التمثيل لا يكمن، فحسب، في "هيئة" قد تملك من "المواقف السياسية" ما يسمح لها بادِّعاء تمثيل "وجهة نظر"، أو "حقوق ومطالب"، اللاجئين الفلسطينيين. فهذه "الهيئة"، التي يمكن ويجب أن تكون "المجلس الوطني الفلسطيني"، بعد تطويره وإصلاحه، ينبغي لها أن تضم في صفوفها "ممثِّلين منتخَبين" للاجئين في كل منافيهم، القريبة والبعيدة، فأهل مكَّة أدرى بشعابها. وبالتعاون والتنسيق مع "الدول العربية المضيفة"، يمكن ويجب تذليل "العقبات اللوجيستية" من طريق "انتخابات اللاجئين".
ويمكن ويجب، أيضاً، أن يتمتَّع اللاجئ، في هذه الدول، بكل ما يتمتَّع به مواطنوها من حقوق باستثناء كل حق من "حقوق المواطَنة السياسية (كمثل "الحقوق الانتخابية")"، يمكن أنْ يُتَرْجَم ب "توطين ظاهِر أو مستتر".
"الواقعية السياسية" قد تُقْنِع اللاجئين الفلسطينيين بأن لا حلَّ نهائي لمشكلتهم يقوم على "عودة الملايين منهم إلى إسرائيل". ولكن ليس من "الواقعية السياسية" في شيء فكُّ الارتباط القانوني والسياسي نهائياً بين الدولة الفلسطينية المقبلة والسبعة ملايين فلسطيني الذين يعيشون الآن في خارج إقليمها، أي في خارج الضفة الغربية وغزة، فانتهاء "فلسطين الكبرى"، وقيام "فلسطين الصغرى"، يجب ألا يُفْضيا إلى "تقزيم ديمغرافي" مماثِلٍ لهذا "التقزيم الجغرافي"، ف "المواطَنة الفلسطينية" يجب أن تشمل في حقوقها وواجباتها كل من يختارها من العشرة ملايين فلسطيني. هذا "حق" لا ينفصل، ويجب ألا ينفصل، عن "التنازل الفلسطيني عن فلسطين الكبرى". ومن حق الفلسطينيين على المجتمع الدولي ولاسيَّما "الدول المانحة" أن تُزوِّد "الدولة الفلسطينية" و"اللاجئين الفلسطينيين" القدرة على جعل "الحق في العودة إلى فلسطين الصغرى" حقيقة واقعة تنبض بالحياة!
لقد قرأنا في القرن العشرين قصة "شعب" باد، عِرْقا، منذ آلاف السنين، وإن بقيت ديانته حيَّة، ينتمي إليها أفراد وجماعات من أعراق وأجناس وقوميات أخرى. وعاينَّا وعانيْنا المفارقة التاريخية الآتية: شعبٌ أصبح في وجوده العرقي والقومي جزءا من الماضي، والماضي البعيد؛ ولكنَّ "حقوقه القومية والتاريخية" تُبْعَث حيَّة، وتُتَرْجَم، بعد وبفضل وعد بلفور، بوطن ودولة، هما ثمرة اغتصاب وطن لشعب آخر، وثمرة ذبح وتشريد لهذا الشعب. مَنْ ليس له، في الشرعية الدولية وفي قرارات الأمم المتحدة، حقَّا في العودة (إلى فلسطين) يعود؛ أمَّا مَنْ له، في تلك الشرعية، وفي تلك القرارات، هذا الحق فلا يعود، ويُمْنَع من العودة بطرائق وذرائع شتى.
ولو كان لي أن اقترح على الدول والقمم العربية دعماً لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لاقترحت عليهم أن يقرِّروا إعلان تأييدهم لحق اللاجئين اليهود من العرب الذين لجأوا إلى إسرائيل في العودة إلى حيث كانوا، أي إلى أوطانهم العربية، مع تعويضهم ماليا خسارتهم المواطَنة والجنسية الإسرائيليتين.
الآن، ليس من حلٍّ واقعي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على عودتهم (بالملايين) إلى إسرائيل؛ ولكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أن يحجم المجتمع الدولي ، والدول العربية ، عن دعم قيام دولة فلسطينية، وعن دعم هذه الدولة بما يمكِّنها من استيعاب كل لاجئ فلسطيني يرغب في العيش فيها، وفي الحصول على الجنسية الفلسطينية، وفي أن يغدو مواطنا من مواطنيها.
التعويض المالي هو حق لكل لاجئ فلسطيني؛ ولكنَّ هذا التعويض يجب ألا يكون جزءا من حلٍّ يقوم على التوطين، فمنع اللاجئ من العودة إلى حيث كان قبل تهجيره يجب ألا يُسْتَكْمَل بمنعه من أن يكون، إذا ما أراد، مواطنا في الدولة الفلسطينية المقبلة. وهذا إنَّما يُلْزِم المجتمع الدولي أن يذلِّل كل عقبة من طريق تحوُّل اللاجئ الفلسطيني، إذا ما أراد، إلى مواطن في الدولة الفلسطينية، مقيمٌ فيها أو غير مقيم. إذا هُم قالوا "لا لعودة اللاجئين إلى إسرائيل" فإنَّ الفلسطينيين جميعا يجب أن يقولوا "لا للتوطين". وعلى المجتمع الدولي الذي يقف مع ال "لا" الأولى أن يقف، في الوقت نفسه، وبالقدر نفسه، مع ال "لا" الثانية، فاللاجئ الذي لا يريد مواطَنة غير المواطَنة الفلسطينية يظلُّ لاجئا إلى أن يمكِّنه المجتمع الدولي من الحصول على المواطَنة الفلسطينية.
كاتب فلسطيني الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.