يرى الناشط حسين عبيش العضو في منظمة العمل الأميركي من أجل فلسطين أن ثورات الربيع التي سلبت أنظار العالم عندما أطاحت بأنظمة مستبدة في ليبيا واليمن ومصر وتونس، لم تحقق ما تنشده الشعوب من تحسين حياتها. وتابع في مقال له بمجلة فورين بوليسي قائلا إن ثمن الحرية غالبا ما يكون باهظا، ولكن يبدو أنه من الصعب حساب التكلفة الحقيقية لما يسمى بالربيع العربي. وطرح الكاتب عدة تساؤلات: كم عدد الذين قضوا في هذه الثورات؟ وكيف أثرت على الاقتصادات ومعايير الحياة؟ وهل جعلت المجتمعات أكثر أم أقل استقرارا؟ وبالنظر إلى الأرقام -يقول عبيش- فإن الحسابات قاتمة، ففي الثورات الأربع الأكثر عنفا (مصر وليبيا وسوريا واليمن) انزلقت الدول إلى منزلة الدول الفاشلة حسب مؤشر الدول لعام 2012، وقد تبقى كذلك حتى العام المقبل. فقد قتل نحو خمسين ألفا منذ أن اندلعت هذه الثورات، وتبخر قرابة عشرين مليار دولار العام الماضي من الناتج المحلي في البحرين ومصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن، فضلا عن أكثر من 35 مليار دولار ضمن التمويل الحكومي، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. ولكن كل دولة ستقيم خسائرها الخاصة بها على حدة، ففي ليبيا يفوق إجمالي العدد المذهل للقتلى جميع الأثمان. وبالنسبة للمواطنين المصريين، فإن التوترات السياسية المتنامية وانهيار الاقتصاد ربما تتفوق على العنف بين المحتجين والقوات الأمنية. أما اليمن فكان أصلا في طريقه قبل الربيع العربي إلى حالة الدولة الفاشلة والانهيار الاقتصادي، وتشير كل الدلائل إلى أن الوضع سلبي ومقلق في بعض الجوانب، في حين أن فوائد الاحتجاجات ليست ملموسة حتى الآن. وفي سوريا لا يوجد هناك حتى الآن سوى التكلفة التي تنطوي على قتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف والانهيار الأولي للاقتصاد، في حين أن فوائد الانتفاضة -إن وجدت- لن تحصد إلا على المدى البعيد. وهنا يتساءل الكاتب: هل هذا كله يستحق العناء؟ ليقول إن هذا السؤال لا يستطيع أن يجيب عنه سوى الأشرار والكهان ولا سيما أن التحولات الدرامية ما زالت في طور المخاض. فرغم العنف في ليبيا، فإنه يبدو أن ثمة حنينا ضئيلا تجاه الراحل معمر القذافي، وهذا ينطبق على مصر تجاه نظامها السابق. ويقول إن الجميع يقول إن الانتفاضة في هاتين الحالتين -حيث التكاليف كانت باهظة- تستحق العناء، حتى الآن. ولكن الجواب -يتابع عبيش- بشأن اليمن أكثر تعقيدا ولا سيما أن الفوضى ما زالت تعصف بالبلاد، ولا أحد يعلم كيف ستنتهي. غير أن الجواب بشأن الحالة السورية ربما يكون "لا"، ولا سيما أن تكلفة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ستكون باهظة من حيث المال والدم، ولكن الحملة الوحشية التي يشنها النظام هي التي ستدفع العديد من السوريين للاعتقاد بأن الوضع سيكون أفضل حالا في ظل أي أحد عدا الأسد. ويلخص الكاتب التكاليف البشرية والمادية التي تمخضت عنها ثورات الربيع العربي حتى الآن. ففي مصر، قضى 846 شخصا خلال الأسابيع الثلاثة للانتفاضة وفقا لأرقام حكومية، ثم سقط 150 آخرون في اشتباكات عنيفة بالشوارع. وعلى الصعيد الاقتصادي، تراجع نمو الناتج المحلي من 5% عام 2010 إلى 2% عام 2011. وفي ليبيا، تقول الحكومة الجديدة إن ما لا يقل عن 30 ألفا قتلوا في الصراع ضد النظام السابق، وقد قضى العشرات في الاشتباكات التي جرت في مرحلة ما بعد ذلك الصراع. وحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن 700 ألف نزحوا، معظمهم من العاملين المغتربين، ولم يعد منهم سوى القليل. أما التكاليف الاقتصادية، فقد خسرت ليبيا عام 2011، 60% من قيمة الناتج المحلي في ظل تراجع قيمة الصادرات النفطية بنسبة 40%. وفي اليمن، قالت الحكومة اليمنية إن نحو ألفين قتلوا أثناء الاحتجاجات المناهضة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، في حين أن تقديرات العفو الدولية التي تشير إلى مقتل 200 فقط، كانت ضئيلة جدا. واقتصاديا، كانت الأممالمتحدة قد توقعت قبل الأزمة اليمنية أن الاقتصاد اليمني سينمو بنسبة 3.4%، ولكنه انكمش بشكل كبير في ظل ارتفاع التضخم إلى 2%. وعلى الصعيد الإنساني، نزح نحو نصف مليون شخص من مناطق سكناهم، وتعرض نحو مليون طفل تحت سن الخامسة إلى سوء التغذية، ويواجه نحو 250 ألفا خطر الموت. أما في سوريا، فقد قدرت الأممالمتحدة عدد من سقطوا منذ مارس من العام الماضي بنحو تسعة آلاف، بينما تتحدث المعارضة عن 15 ألفا. كما ارتفع عدد النازحين حسب تقديرات الأممالمتحدة إلى نصف مليون، ولجأ 73 ألفا إلى دول مجاورة مثل الأردن وتركيا ولبنان. وعلى المستوى الاقتصادي، تشهد العملة السورية حالة من السقوط الحر، ويتفاقم التضخم وتنهار الصادرات. وتقدر جيوبوليستي الاستشارية بأن سوريا خسرت أكثر من ستة مليارات دولار من الناتج المحلي منذ أكتوبر2011. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة