خلال إقامتها على أنقاض الفلسطينيين تبنت الحركة الصهيونية فكرة حفر او كي الوعي العربي بأنها أقدر على الانتصار في محاولة لإخضاعهم نفسياً وسلب ارادتهم على المقاومة والمواجهة. وتعتبر الرغبة في احتلال وعي الآخر واحدة من أبرز أهداف الحرب الصهيونية على لبنان بعد ان تصدع جدار قوة ردعها عقب عمليتي الوهم المتبدد والوعد الصادق. سعت دولة الاحتلال منذ النكبة عام 48 الى انتاج رواية خاصة بها حول كل حرب بهدف التأثير في وعي الصهاينة انفسهم واحتلال وعي العرب والعالم. وفي ايام السلم والحرب طيلة العقود الماضية سعت دولة الاحتلال الى الترويج لرواية عامة تصورها كصاحبة جيش صغير وذكي وقوي ومستضعف لكنه يحقق الانتصارات على دول وجيوش اكبر. رئيس كلية علم النفس البروفسور في جامعة حيفا رمزي سليمان قال ل “الخليج”: "ان اسرائيل باتت مختلفة في وعي الاسرائيليين والآخرين بعدما خسرت في العقود الثلاثة الاخيرة اجزاء من روايتها". وأشار الى ان الكيان بعد النكسة بدأ يخسر تدريجيا أسطورة “القلائل مقابل الكثر” الذي دأب على ترويجها. وأشار الاستاذ الجامعي الى ان المؤسسة السياسية والاكاديمية والمجتمعية حرصت على تصنيع رواية خاصة في إطار الصراع بما يتناسب مع اهدافها التحشيدية والاستراتيجية. وأضاف “نلاحظ محاولات “اسرائيلية” للتمسك بأسطورة “حروب اللاخيار” لتصنيع وعي مفاده أنها حرب عادلة، وذلك لخدمة روايتها التي تبرر أخلاقيا لذاتها وللعالم ما تقوم به من ممارسات”. ونوه سليمان ان دولة الاحتلال بذلك تحاول القول ان وجودها يتطلب الاعتماد على السيف، فتنتج رواية تؤكد على قوة الردع او ميزان الردع المطلق الزاعم انها تملك 100% من القوة مقابل صفر لدى الآخر لتوفير الشعور بالأمن للصهاينة. ونوه الى محاولات صهيونية سخيفة لاختلاق روايات على نمط هوليوود لحسم المعركة على الوعي، مشيرا الى عمليات انزال استعراضية وعرض صور لجنود في عمليات جريئة او تثبيت العلم الصهيوني داخل الارض اللبنانية. ولفت سليمان الى ان لبنان والعرب عامة لم ينشغلوا تاريخيا بالتأثير في الوعي بإنتاج وإخراج رواية خاصة بهم بشكل منهجي، وأضاف “يبدو اننا اكتفينا برواية اكثر واقعية بحقيقة كوننا اصحاب قضية عادلة ونحن الفلسطينيين بدأنا بكتابة روايتنا قبل نحو عقدين او ثلاثة وركنا الى استقصاء الحقائق دونما تصنيع رواية، بينما هم يبنون المتاحف والنصب التذكارية في كل حي. في تصريح ل “الاذاعة” قال البروفسور موشيه تسيمرمان استاذ التاريخ في الجامعة العبرية ان صورة “اسرائيل” بدأت تتغير في وعي سكانها وبنظر العرب والعالم الى حد الانقلاب عقب حرب اكتوبر عام 1973 وحتى الحرب الراهنة مرورا باجتياح 1982 وبالانتفاضتين الفلسطينيتين. وأكد تسيمرمان ان حزب الله كان واعيا لأهمية المعركة على الوعي والرواية وقد نجح بتحقيق مراده كما تدلل مضامين وسائل الاعلام العربية والعالمية عدا الامريكية. ونوه المؤرخ ان خطأ دولة الاحتلال يكمن بأنها لم تدرك انها لم تعد (داود) بممارساتها المستندة الى منطق القوة والمزيد منها. وأضاف “نجح حزب الله ولبنان بالظهور بصورة الضعيف المكابد والضحية مقابل المذنبين “الاسرائيليين” المفرطة باستخدام القوة”. وأشار تسيمرمان ان حزب الله كان مستعدا اكثر للمعركة على الرواية هذه المرة فأدرك كيف ينظر العالم لما يجري لافتا الى ان خسارة “اسرائيل” في احتلال الوعي سيدفعها الى التطرف موضحاً انها ستعود الى المقولة التقليدية: “كل العالم ضدنا”.