قد تُشجعك أجواء العام الجديد لتحاول الانتظام على بعض العادات أو وضع أهدافا جديدة؛ فالعديد من الأشخاص تحفزهم البدايات للبدء في خططهم المؤجلة، ولكن، سرعان ما يتحول هذا الحماس إلى فتور بعد عدة أيام، وتجد نفسك لست قادرا على الانتظام أو لم تعُد مهتما بنفس القدر، ليتحول الحماس إلى شعور بالإحباط. وبحسب المختصين، فإن المشكلة غالبا تكمن في أخطاء نكررها عند التخطيط والرغبة في الانتظام على عادات معينة، والتي يمكن تداركها من خلال بعض الخطوات البسيطة؛ وهو ما توضحه لنا سهام سعيد أخصائية العلاج المعرفي السلوكي من خلال حديثها ل"الشروق" في السطور التالية.. أبرز الأخطاء التي نقع فيها عند التخطيط أوضحت سهام سعيد، أن أبرز الأخطاء التي نقع فيها عند التخطيط هي وضع أهدافا كبيرة ومثالية، لا تناسب الروتين اليومي ولا طبيعة حياتنا وظروفنا، بالإضافة إلى إغفال نقطة أن العادات تحتاج وقتا حتى تتكون. وأوضحت أنه مثلا عند الرغبة في دراسة لغة جديدة، لا يجب أن نبدأ بتحديد عدد كبير من الساعات يوميا للدراسة لكن الأفضل أن نكون صادقين مع أنفسنا ونحدد عدد الساعات يمكننا الالتزام بها فعليا، ثم زيادة هذا المعدل تدريجيا مع الوقت. وأضافت أن من أكثر الأخطاء شيوعا أيضا وضع خطط غير قابلة للقياس، أو أهداف عامة وفضفاضة، وبالتالي يصعب تنفيذها، وتصبح رهن مزاجيتنا المتقلبة دون خطة واضحة، مؤكدة أن البديل الصحيح يتمثل في بناء عادات يومية بسيطة يمكن الالتزام بها، حتى وإن كانت محدودة في بدايتها. وأشارت إلى أنه من بين الأسباب التي تهدد الاستمرارية أيضا وضع أهداف غير واضحة أو غير نابعة من احتياج شخصي حقيقي، وإنما بدافع ملاحقة "التريندات" أو تقليد تجارب الآخرين، دون مراعاة الفروق الفردية والتفضيلات الشخصية. كيف يمكننا الانتظام على العادات الجديدة؟ توضح سهام، أن تصغير العادات يُعد من أهم مفاتيح الاستمرارية عملا بمبدأ "خير الأعمالِ أدومها وإن قل"، ويعني ذلك جعل العادة صغيرة إلى الحد الذي لا يدفع إلى التكاسل أو النفور منها؛ فعند الرغبة في ممارسة الرياضة أو تعلم مهارة جديدة، يفضل إدخال العادة إلى الحياة اليومية بصورة تدريجية، كأن يبدأ الفرد بخمس دقائق فقط ثم عشر دقائق لاحقا، وهكذا، إلى أن تتحول مع الوقت إلى روتين يومي ثابت. كما ينصح بربط العادة الجديدة بشيء إيجابي أو محبوب، فعلى سبيل المثال إذا كان الشخص يحب شرب القهوة ويرغب في إدخال عادة القراءة إلى يومه، يمكنه قراءة بضع صفحات خلال وقت احتساء القهوة، بالإضافة إلى أنه يستحسن وضع أهداف قصيرة المدى وبسيطة، ومع كل إنجاز يتم تحقيقه تقدم مكافأة صغيرة للنفس كون التعزيز الإيجابي يسهم في ترسيخ العادة. ومن الضروري أيضا التحرر من وهم الكمال والمثالية، والتخلي عن قاعدة الكل أو لا شيء، فالمثالية الزائدة تعطل الإنجاز بينما الطريق الصحيح هو تقبل النقص والسعي للتقدم بخطواتٍ صغيرة. خطوات للإقلاع عن العادات السيئة تقول سهام، إن الخطوة الأولى في التغيير تبدأ بتعلم مراقبة الأفكار والسلوكيات والعادات اليومية، من خلال الانتباه إلى الأوقات التي تظهر فيها مشاعر الحزن أو السلبية، أو اللحظات التي يميل فيها الفرد إلى الإفراط في تناول الطعام أو اللجوء إلى سلوكيات ضارة، ثم محاولة تحديد الأسباب الكامنة وراء ذلك. وأكدت أهمية تقليل المثيرات التي تؤدي إلى هذه الحالات أو تحفز السلوك السلبي؛ فعلى سبيل المثال إذا كان لقاء شخص معين أو التواجد في مكان محدد يثير مشاعر سيئة، فمن الأفضل محاولة تجنب ذلك أو التقليل منه قدر الإمكان، وكذلك الحال عند الارتباط بين التواجد في أماكن بعينها وتناول أطعمة غير صحية، إذ يمكن استبدال المكان أو تغيير الروتين المرتبط به، مع التأكيد على أن التغيير الحقيقي يحدث بصورة تدريجية لا مفاجئة. وأضافت، أنه عند الحديث عن تغيير العادات لا بُد من التعامل معها بأسلوب تدريجي، وذلك من خلال إيجاد بدائل صحية أو مناسبة؛ فالاستخدام المفرط للهاتف المحمول لا يمكن التوقف عنه دفعة واحدة، لكن يمكن تقليل الوقت تدريجيا والبحث عن بدائل ممتعة، مثل مشاهدة التلفاز أو استخدام التطبيقات عبر الكمبيوتر، أو الخروج مع الأصدقاء، وغيرها من الأنشطة التي تساعد على كسر النمط المعتاد. وفيما يخص المشاعر السلبية، شددت على ضرورة تسميتها وتحديدها بوضوح، كالشعور بالقلق المستمر أو الحزن، ثم محاولة اكتشاف الأسباب الكامنة وراء كل شعور، مؤكدة أن الوعي بهذه الأسباب يمثل خطوة أساسية تساعد بشكل كبير على التعامل مع المشكلة ومعالجتها بصورة صحيحة. كيف تضع خطة واقعية للعام الجديد؟ أكدت سهام، أن وضع خطة ناجحة للعام الجديد يبدأ أولا بتحديد الهدف بوضوح مع ضرورة امتلاك إجابة صريحة عن سؤال "لماذا؟"، موضحة أن معرفة الدافع الحقيقي وراء أي هدف تمثل عنصرا أساسيا للاستمرار وعدم التراجع. وأوضحت أن الخطوة التالية تتمثل في وضع خطة واقعية تتناسب مع الوقت والظروف الفعلية، وليست خطة تتناسب مع الطموحات المثالية التي يتمناها الإنسان، مشيرة إلى أن تجاهل الواقع الشخصي في النهاية سوف يؤدي غالبا إلى الفشل السريع. وأضافت أنه لا يمكن لشخص يعتاد الاستيقاظ في وقت متأخر أن يضع لنفسه خطة تبدأ في الصباح الباكر دون تدرج أو تمهيد، مشددة على أهمية تقسيم الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة، ثم تحويل هذه الأهداف إلى عادات بسيطة قابلة للتنفيذ، مع إدخالها إلى الروتين اليومي بشكل تدريجي، من خلال البدء بأوقات قصيرة ثم زيادتها تدريجيا حتى تصبح جزءً ثابتا من الحياة اليومية. وأشارت إلى أن الخطة الناجحة يجب أن تتسم بالمرونة وأن تكون بعيدة عن الجمود، مع ضرورة إعداد جدول يومي يناسب طبيعة كل يوم، وإجراء مراجعة مستمرة للأهداف والخطط؛ فالخطة أو الجدول ينبغي ألا يُبنى على الحماس المؤقت أو الأداء المتوقع. واختتمت سهام سعيد حديثها موضحةً أن الوصول إلى أفضل نسخة من الذات يتطلب وعيا بالنفس والمشاعر والأفكار، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التدوين وكتابة اليوميات، أو اللجوء إلى مختص عند الحاجة. كما شددت على أهمية التحلي بالرحمة تجاه النفس، موضحة أن جلد الذات و لوم النفس لا يساعدان على التقدم بل يعوقانه، كما حذرت من الانشغال بمقارنة النفس بالآخرين أو بصورة مثالية متخيلة، في إشارة إلى أن التقدم الحقيقي يقوم على الاستمرارية لا الكمال.