علينا أن نرتب أوضاعنا مع إيران وحزب الله لأن عدونا الحلف الصهيوني الأمريكي كتب: محمد أبو المجد
عقد حزب العمل ندوة هذا الأسبوع تحت عنوان (الأوضاع اللبنانية – نظرة عامة) بمقر المركز العربي للدراسات وتحدث فيها الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، وحضرها عدد كبير من قيادات حزب العمل في مقدمتهم محفوظ عزام نائب رئيس الحزب، ومجدي حسين الأمين العام للحزب،وعبد الحميد بركات الأمين العام المفوض للحزب، ومحمد السخاوي أمين التنظيم ، بالإضافة إلي بعض الشخصيات العامة مثل المهندس صبري الأشوح، والدكتور يحيي القَّزاز.
أزمات متلاحقة وفي بداية ألقى د. حسن نافعة الضوء بشكل عام علي الوضع السياسي اللبناني، حيث أوضح أن لبنان منذ نشأتها مرت بعدة أزمات متلاحقة سببها هو النظام السياسي الهش الذي يقوم علي أسس مذهبية وظائفية بين ثلاثة طوائف رئيسية هم المسيحيون والمسلمون ( سنة وشيعة )، معتبرا أن تلك الطائفية كانت أحد أهم مصادر عدم استقرار الوضع السياسي اللبناني وتعرضه المتكرر للاختراقات الدولية والمحاولات المستمرة للسيطرة عليه عربياً ودولياً ( فتارة تقع تحت السيطرة الأمريكية وتارة تحت السيطرة الفرنسية وتارة تحت الاحتلال الصهيوني، وضرب نافعة مثالاً لأحد أهم مظاهر عدم الاستقرار في لبنان وهو التدخل السوري وسيطرته علي لبنان، فقال إن سوريا تدخلت في لبنان بضوء أخضر من الولاياتالمتحدة وذلك لحماية المسيحيين اللبنانيين في الحرب الأهلية بعد أن أوشكوا علي الهزيمة وتركتها أمريكا وقتها تفرض نفوذها وسيطرتها علي لبنان بدون أي تدخل نظراً لطبيعة المصالح والتحالفات الدولية في ذلك الوقت، وأصبح لسوريا قوات عسكرية في العاصمة بيروت ومعظم أماكن لبنان.
التواجد السوري وأوضح نافعة أن سعي سوريا للتواجد في لبنان والسيطرة علي الأوضاع هناك كان له سببان رئيسيان 1- الأطماع الأمنية وتطوراتها في لبنان وخشية سوريا من دخول الكيان الصهيوني علي الساحة اللبنانية وإبرامه لمعاهدة سلام خاصة مع لبنان مما يهدد الأمن القومي السوري الذي تعتبر لبنان عمقاً استراتيجياً له. 2- وأضاف نافعة أنه رغم ذلك بدأ الكيان الصهيوني محاولاته لفرض السيطرة علي لبنان، فقام باجتياح البلاد عام 1978 وفرض عملائه مثل (بشير الجميل) لرئاسة الجمهورية، وذلك رغم الوجود السوري في لبنان، وعلي أثر ذلك بدأت أعمال المقاومة ضد الصهاينة وعملائهم في لبنان، وكانت المقاومة تتركب من كل الأطياف والفصائل اللبنانية وليس حزب الله فقط كما يتصور البعض، وقامت سوريا بدعم حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني حتى نجحت مرة أخري في فرض سيطرتها علي معظم لبنان، وانحصر النفوذ الصهيوني في مناطق الجنوب اللبناني والشريط الحدودي, وبدأ في زرع عملائه بكثرة في تلك الأماكن نظراً لطبيعتها الحدودية الحساسة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن في هذه الأثناء بدأ نشاط حزب الله في الظهور أكثر ونما حتى أصبح هو الفصيل الرئيسي المقاوم للكيان الصهيوني الذي لم تتوقف محاولاته للسيطرة علي الجنوب اللبناني حتى نجح حزب الله في طرد الصهاينة عام 2000.
بداية التآكل وأشار نافعة إلي أن الأوضاع الدولية تغيرت بشكل كبير خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وإعلان الولاياتالمتحدة الحرب بشكل صريح علي العرب والمسلمين، فبدأ النفوذ السوري يتآكل في لبنان خاصة بعد إدراك أمريكا بأنه لم تعد هناك حاجة لها لوجود سوريا في لبنان، بعد أن أصبحت سوريا حائلاً أمام فرض السيطرة الصهيونية علي لبنان.. فبدأت بالتعاون مع فرنسا لتشكيل جبهة ضغط علي سوريا لدفعها إلي الخروج من لبنان، مؤكدا أن الضغط علي سوريا بدأ تحديداً منذ التمديد للرئيس (إميل لحود) والذي اعتبرته بعض القوي اللبنانية خرقاً للدستور رغم أنها لم تكن المرة الأولي في لبنان التي يتم فيها تعديل الدستور للتمديد لرئيس الجمهورية!!
تفجر الأزمة واعتبر نافعة أن النقطة المحورية في الأزمة اللبنانية كان تعاون رفيق الحريري مع أمريكا وفرنسا للضغط علي سوريا وحثها علي الخروج، وصدر بالفعل قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي تحدث بشكل مباشر عن وجوب خروج سوريا من لبنان ونزع سلاح الميليشيات ( في إشارة إلي حزب الله) ولكن سوريا رفضت هذا القرار وقاومته بشدة . ويضيف نافعة: في تلك الأثناء تم اغتيال الحريري في عملية محكمة مما دفع البعض للتأكيد بأن سوريا وراء هذا الاغتيال نظراً لموقف الحريري المناهض للوجود السوري في لبنان، موضحاً أنه يعتقد أن المصلحة الأكبر في اغتيال الحريري كانت لأمريكا والكيان الصهيوني كحلقة رئيسية ومحورية في مسلسل الضغط علي سوريا وإنهاء نفوذها في لبنان وهو ما تم بالفعل، فقد ولَّد اغتيال الحريري أزمة كبري وولدت ما يسمى بقوي 14 آذار المعارضة لسوريا بشكل كبير، وبدأت كل الأصابع تعبث في لبنان وتم بالفعل إسقاط حكومة (كرامي) الموالية لسوريا وحزب الله من الشارع عن طريق التظاهرات، وهو ما رفضوه في المحاولات الأخيرة الحالية التي تقوم بها المعارضة اللبنانية لإسقاط حكومة السنيورة الموالية للصهاينة والأمريكان من الشارع أيضاً، فهل هذا الأمر حلال لهم وحرام علي غيرهم؟!! الحرب على لبنان وتطرق نافعة إلي موضوع الحرب الأخيرة علي لبنان وأسبابها فأوضح أن الحكومة اللبنانية الحالية التزمت عند توليها المسئولية بدعم المقاومة وتعهدت بعدم السعي لنزع سلاح حزب الله طالماً ما هناك أراضي لبنانية محتلة، بل وأقرت بحق المقاومة في العمل علي الإفراج عن الأسري اللبنانيين في الكيان الصهيوني "بشتى الطرق الممكنة"، وهو ما قام به حزب الله بالفعل في عمليته الأخيرة (الوعد الصادق) وأسره لثلاثة جنود ومقايضتهم بالأسري اللبنانيين في الكيان الصهيوني، وبالتالي فلم يخرج حزب الله بعمليته تلك عن الوفاق الوطني واتفاقه مع الحركة.. بل كان يسير على الخط الوطني المتفق عليه.
تخطيط مسبق.. وهذه هي الأسباب وأكد نافعة أن هناك تخطيط مسبق لشن الحرب علي لبنان قبل أن يقوم حزب الله بعمليته الأخيرة، ولكنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة، فالصهاينة لم ينسوا ما فعله بهم حزب الله عام 2000 خاصة وأن انتصار حزب الله عليهم في ذلك الوقت قد أفشل ادعاءات السلام واتفاقيات اوسلو وسادت نغمة المقاومة واستعادة الحقوق بالقوة فكان ضرورياً سعي الصهاينة إلي الانتقام من حزب الله بأية وسيلة؛ موضحا أن الكيان الصهيوني كان له هدفان رئيسيان من شن الحرب علي لبنان أ- الانتقام لما حدث سنة 2000 من هزيمة منكرة. ب-القضاء علي حزب الله خاصة بعد أن تحول إلي قوة سياسية وعسكرية كبيرة تستطيع أن تلحق بالكيان الصهيوني خسائر فادحة. وأكد نافعة أن أمريكا قامت بتحفيز الكيان الصهيوني وتحريكه لشن الحرب الأخيرة علي لبنان، ولكن الأمور لم تنته بالطريقة التي خططت لها أمريكا، ونجح حزب الله للمرة الثانية في هزيمة الصهاينة! وأشار نافعة اعتبر أن أمريكا والصهاينة قد حققت مكسباً مهماً بعد الحرب وهو صدور القرار (1701) والذي أعطي لأمريكا والكيان الصهيوني مكاسب سياسية لا تتناسب مع الوضع العسكري الذي انتهي لصالح حزب الله بالطبع!! واعتبر نافعة أن هناك الآن استقطاب سياسي من نوع جديد وعلى مستوى واسع في لبنان بين القوى "الحامية للمقاومة" مثل حزب الله وتيار ميشيل عون وسليمان فرنجيه ومعظم فصائل السنة - ماعدا طرف سعد الحريرى وأعوانه بالطبع- وبين القوى الأخرى المناوئة لمشروع المقاومة وعلى رأسها قوى 14 آذار, مؤكدًا أن ذلك الاستقطاب يمكن أن يؤثر بالإيجاب أو بالسلب على لبنان وذلك يتوقف على النتائج النهائية لهذا الاستقطاب الذي سيوضح هل سيكون لبنان مع مشروع المقاومة ضد الأمريكان والصهاينة أم أنه سيدخل تحالف الدول "المعتدلة" بتعبير أمريكا أو الدول "العميلة" بتعبيرنا نحن؟
خطوة مهمة وشدد نافعة على أهمية وحساسية الخطوة التي قام بها حزب الله والمعارضة اللبنانية بنزولهم إلى الشارع ومطالبتهم باسقاط حكومة السنيورة "الموالية" للصهاينة والأمريكان ومطالبتهم بالحصول على "الثلث الضامن" في أي حكومة وذلك لعدم اتخاذ الحكومة اللبنانية أي قرار دون الرجوع إليهم وهو ما يصب لصالح المقاومة ويقف أمام المساعى الرامية إلى نزع سلاحها, ومطالبتهم أيضًا بإجراء انتخابات مبكرة على أساس قانون انتخابي جديد يعطي لجميع القوى تمثيلاً متوازنًا حسب كثافة كل كتلة في لبنان وحسب عدد المقاعد التي تحصل عليها, واعتبرها نافعة خطوة فاصلة في تاريخ لبنان, بل في تاريخ الأمة العربية ككل, فإذا نجح حزب الله وحلفاؤه في إسقاط حكومة السنيورة ستصبح المعارضة اللبنانية ملهمًا لكل الحركات المعارضة في الوطن العربي وستدفعها قدمًا إلى الاقتداء بها ومحاولة إسقاط أنظمتهم بنفس الأسلوب, وهو ما يخشاه الحكام العرب.
موقف غير مبرر وانتقد نافعة موقف بعض الأطراف العربية وعلى رأسها النظام المصري المنحاز بشدة إلى حكومة السنيورة تحت حجة أنها الحكومة الشرعية رغم أن الشعب الذي أعطاها الشرعية هو الذي يريد إقصائها, بالإضافة إلى أن الشرعية تعني النظام ككل والذي هو الآن معطل في لبنان منذ فترة بتجاهل الحكومة الكامل للرئيس والبرلمان, مطالبًا الدول العربية بأن يكون موقفها محايدًا وغير منحاز لطرف على حساب آخر. وأضاف نافعة أنه يجب التوصل الآن إلى حل وسط يحمي لبنان كأرض ودولة وفي نفس الوقت يحمي المقاومة, مستبعدًا قيام حرب أهلية في لبنان بسبب الوعي السياسي والعسكري العالي لحزب الله وحلفائه وعدم سعيهم لاختلاق أزمة مع الطرف الآخر.
وشدد على أن الأزمة اللبنانية مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بالأزمة العراقية والفلسطينية, مؤكدًا أنه يجب العمل على حل تلك الأزمات ككل وهو ما طالب به تقرير لجنة "بيكر هاملتون" الأخير والذي سيقاوَم بشدة من قبل الحكومة الأمريكية والكيان الصهيوني والحكومة العراقية أيضا.
استقطاب جديد وأشار نافعة إلى أن هناك محاولات مستمرة من الأمريكان والصهاينة لخلق استقطاب من نوع جديد في المنطقة بين قوى "المعتدلين" حسب تعبيرهم والتي تضم مصر والسعودية والأردن وحكومة السنيورة بالإضافة إلى الرئيس الفلسطيني أبو مازن, وقوى "المتطرفين" وعلى رأسهم إيران وسوريا وحزب الله وحماس, محذرًا النظام المصري من الانجرار إلى هذا الاستقطاب غير المشروع والذي سيقضى على البقية الباقية لمصر في المنطقة.
ترتيب الأولويات وفي رده على بعض المداخلات والأسئلة أكد نافعة أننا بحاجة لترتيب أولوياتنا في مسألة الولاء والبراء, فلا يُعقل أن نعتبر أن الشيعة سواء كانوا حزب الله أو حتى إيران هم أشد خطرًا علينا من الصهاينة والأمريكان حتى وإن كان لإيران مشروعها السياسي فهذا شأنها ويكفى أنهم مسلمون يشهدون الشهادتين ويصلون إلى قبلتنا ويصومون معنا ويحجون إلى مكة مثلنا, فمن نوالى إذن وممن نتبرأ؟!! وتابع: إذا استمررنا في تمسكنا بالنعرات الطائفية والمذهبية فإن مخطط الأعداء من الصهاينة والأمريكان لتفتيت الوطن العربي أكثر مما هو مفتت ماض بنجاح والمستفيد الأوحد في تلك الحالة هو الكيان الصهيوني الذي سيصبح "دولة" قوية وسط "دويلات" مفتتة وضعيفة.
تجربة جديرة بالتطبيق وأضاف نافعة أن تجربة حزب الله يجب أن تكون نموذجًا يُحتذى به من كل حركات المقاومة في العالم العربي والإسلامي وخصوصًا أن حزب الله تميز بأنه ظل محافظًا على "طهارة السلاح" فلم يوجه سلاحه إلى أي فصيل لبناني حتى وإن كان معارضًا له وإنما وجهه ضد العدو الرئيسي وهو الكيان الصهيوني الغاصب, بالإضافة إلى أن خطابه السياسي اتسم بالمسئولية والمرونة في نفس الوقت وجمع بين الثلاث خطوط المحلي والعربي والإسلامي فحاز على ثقة المواطن اللبناني والعربي خارج لبنان أيضًا. وأكد نافعة أن الصراع في لبنان هو صراع سياسي في المقام الأول رغم الحساسيات المذهبية بدليل أن أساسه هو القضية الوطنية اللبنانية. واختتم نافعة كلامه بتكرار التشديد على وجوب ترتيب الأولويات وعدم توجيه طاقاتنا في معارك جانبية تستنفذ كل قوانا بينما عدونا يحشد لنا ليل نهار ونحن عنه غافلون.