لقد أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء لهداية الناس وإخراجهم من الضلال إلى النور، والوصول بهم إلى الكمال المنشود، ومن هنا كان على الرسول والأنبياء تعليم البشر ما يجب عليهم القيام والإلتزام به لتحقيق هذا الهدف.لكن في المقابل نجد أنّ الشيطان يمتلك من القدرة بحيث يمكنه التّأثير على البشر وبصورة معاكسة، فيأمرهم بالإبتعاد والإنزلاق عن طريق الحقّ، وبما أنّ الإنسان خلق مجبولاً على حبّ الشهوات، فيصعب على البشر الإلتزام والإستقامة على طريق النّور والكمال. ولذلك نجد الكثير من النّاس يبرّرون مخالفتهم ومعصيتهم لله تعالى، بأنّهم لا يستطيعون مقاومة الشيطان ووسوسته، بل البعض منهم ينسب الظلم إلى الله تعالى، مدّعياً أنّ الله قد سلّط عليهم مَن لا يستطيعون مخالفته، ومع ذلك يعاقبهم على مخالفتهم لأوامره تعالى! وهذا الكلام مرفوض رفضاً تاماً، فإنّ الله تعالى عندما خلق الإنسان، خلقه وخلق معه عقلاً يميز به بين الخير والشّر، وفي الوقت نفسه خلقه مختاراً، فلم يجبره على إطاعته تعالى وإلّا لما تحقق الكمال ، ولم يجبره على إطاعة الشيطان أيضاً، فالشيطان غاية ما يستطيع القيام به هو الوسوسة وإقناع الناس بمخالفة أوامر الله تعالى دون أن يصل الأمر إلى حدّ الإجبار. وهذا شبيه مَن يصاحب الأشرار الذين يحاولون الإيقاع به وجرّه إلى المفاسد، فلو أطاعهم وإرتكب القتل على سبيل المثال، فهل يقبل منه عند العقلاء الإعتذار بأنّ فلاناً قد أمرني وأقنعني بذلك؟ بالطّبع لا فإنّ الجواب عن الإعتذار سيكون: أليس لديك عقلٌ يرشدك إلى الصواب! والقرآن الكريم قد أرشد البشر إلى طريقٍ، يستطيعون من خلاله مقاومة الشيطان وعدم الوقوع في وسوسته، ويتمثّل هذا الطريق بالتّقوى ، والتّقوى تعنى: اليقظة والوعي المستمر والمراقبة والصيانة الذاتية الدائمة، فلو راقب الإنسان أعماله يوميّاً وأصلح الأخطاء فيها وكان على يقظة ووعي دائم من عدوّه الذي يترقّب به، لأمكنه التّغلب عليه، ولن يجد الشيطان إليه سبيل، وبمجردّ وقوع الإنسان المتّقي في الخطأ والذّنب نجده قد تنبّه لذلك، ومن هنا قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا)، وفائدة هذا الإنتباه والتّذكّر أنّه يسارع إلى إصلاح هذا الإنزلاق، ويحاول إيجاد طريقة لسدّ تلك الثغرة، لكي لا ينزلق مجدّداً، وهذا ما يغضب الشيطان حيث لم يعد من السهل عليه إيقاع ذلك المتّقي. وبخلاف الإنسان المتّقي، هو الإنسان الغافل الذي لم يبالِ بتعاليم الرسول والأنبياء، وقد رفض القرآن وكلّ ما يُلزمه بما لا تشتهي نفسه، فلا يسعى إلّا لتحقيق رغباته وشهواته الشخصيّة، وبالطّبع فإنّ أمثال هؤلاء سيسهل على الشيطان إقناعهم بإرتكاب المعصية ومخالفة أمر الله تعالى، بل سيكتفي بالإشارة إليهم، فيصبحون جنداً من جنود الشيطان، ويقومون بما يقوم هو به من إفساد الناس. وفي الحقيقة فإنّ هؤلاء لا يمكن تسميتهم إنسان إلّا لمظهرهم الخارجي، وإلّا فهم أنعام حقيقة، ولعلّ الأنعام أفضل من الكثير منهم، وما ذلك إلّا لأنّ الله تعالى وهب الإنسان العقل وميزه وفضّله على سائر المخلوقات لإمتلاكه العقل، فلو لم يقم بإستعمال العقل وتبع شهواته أصبح كالأنعام، بل أضلّ لأنّ الأنعام لا تمتلك القدرة والعقل الذي يمتلكه الإنسان، وهذا ما يؤكّد عليه القرآن قائلا: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ). وقد أكّد الله تعالى ورسله وأنبياءه على لزوم التّقوى وجعلها نقيض الغفلة، لتكون قانوناً يتبعه الإنسان في كلّ مجالات حياته وتصرّفاته مع الآخرين، فلا يقتصر الأمر على الصلاة والصيام، بل يجري في السّياسة أيضاً، حيث نجد في عالم السياسة شيطاناً يحاول السيطرة على البشر وإبعادهم عن طريق الحقّ وإيصالهم إلى قمّة الفساد، ألا وهو الولايات المتّحدة الأمريكيّة فإنّ هذا الشيطان يقف وراء كلّ الويلات والمصائب القتل والظلم والإنحطاط و... التي حصلت في العالم كلّه! وهنا أيضاً نجد الإنسان إنقسم إلى قسمين: متّق يقظ وواع، وإلى غافلٍ ضعيفٍ جبان. فالأوّل: يحاول بكلّ ما أعطي من قوّة أنّ يقف في وجه هذا الشيطان، وأن يتنبّه لأخطاره، فيبقى مستيقظاً، فإن ما إنزلق وأخطأ تذكّر فوراً وقام بإصلاح خطأه. وأمّا الثاني: قد أقنع نفسه بقوّة هذا الشيطان وعدم قدرة البشر على محاربته، فيرضى بالعار والذّل، وإمّا أنّه مستغرق في حبّ الدّنيا والشهوات لدرجة، جعل نفسه جنداً من جنود ذلك الشيطان، لطالما قد حصل على رغباته وشهواته، فلا يبالي بقيمه وشعبه، وما سيحلّ بهم، وإنّما يقوم بتحقيق أهداف معبوده الشيطان بكامل إرادته. وعليه فالإلتزام بالتّقوى هو الذي يخرج الناس من الضلال إلى النّور، ويحفظ كرامتهم وعزّتهم. وأمّا الغفلة فهي سبب دخول الإنسان جهنّم والذّل والعار في الدّنيا والآخرة.