كاتب متخصص في الشئون الآسيوية مقيم في هونغ كونغ فلتغلق عينيك وتطلق لآمالك العنان بحثا عن الأفضل. يبدو أن هذا هو رد الفعل العام الذي يكسو وجه آسيا أمام حالة الإهتزاز وعدم الاستقرار التي تعاني منها أسواق المال العالمية في الفترة الأخيرة واالتي يصاحبها تكهنات بفترة ركود داخل الولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من أن الأسواق قد استعادت بعضا من رباطة الجأش والهدوء بيد أنها لا تستطيع أن تخفي نقص الاستعداد لعواقب اعادة تقييم العملات الآسيوية في الوقت الذي بدأ الاستهلاك الأميركي يشهد تقلصا فيما تتزايد المدخرات. وهناك جدال ليس بمستغرب حول المدى الذي يمكن أن يلحق فيه الركود الأميركي وأبعاد سعر الصرف المصاحب لذلك من أضرار بآسيا التي تعتمد على التجارة. والمؤكد أن الإعتماد بصورة مباشرة على السوق الأميركي قد شهد تراجعا على نحو ثابت على مدار الأعوام الماضية كما أنه يقف عند نسبة 25 % من الصادرات بالنسبة لمعظم الاقتصاديات الموجودة في المنطقة. ويأخذ الإقتصاد الصيني وجهته على طريق النمو السريع حتى في ظل غياب المحرك الأميركي كما أن الصين سوف تحرك معها العديد من الدول المجاورة قدما الى الأمام. والواقع فإن الإعتماد على التجارة لا يكون إيجابيا كما قد توحي بذلك البيانات الاولية. وبسبب أهمية شبكة التصنيع الإقليمية فإن معظم التجارة ترتكز على مكونات صناعتي الالكترونيات والمنسوجات. إلا ان المساهمة الفعلية في الاقتصاديات المحلية حيث تجري الأعمال صغيرة ومحدودة. ومن ناحية المبدأ أيضا فالإقتصاديات عالية التوفير في المنطقة يجب أن تكون قادرة على الاستمرار في تغذية أطرافها المختلفة. والتوجهات الديموغرافية وكذا الإتجاه نحو التقدم الحضري ما يزال على درجة من القوة في الصين وجنوب شرق آسيا لدفع النمو. كما أن الاستثمار يزيد من القدرة الانتاجية في كل مكان تقريبا سواء في التصنيع أو في الخدمات. ومع امكانية التوفير المرتفع تظل قدرة شمال شرق آسيا الغنية على دفع النمو في جنوب شرق آسيا والصين. ومع توفر احتياطات النقد الأجنبي لدى معظم تلك الدول تقريبا الى جانب انخفاض التضخم وبقاء أنظمة السيولة المصرفية والدين الحكومي عند مستويات جيدة يبدو أن شرق آسيا قد بات في موقع يمكنه من تقليص أهمية الركود الأميركي بالضبط كما أن الغرب بوجه عام استطاع تحجيم وتقليص الازمة الآسيوية قبل عقد تقريبا. إلا ان هناك بعض المظاهر المثيرة للإنزعاج والتي يجب أن تشهد تغييرا. وأكثر تلك المظاهر وضوحا وهو أمر جلي في كل مكان تقريبا يتمثل في استمرار ضعف الطلب المحلي نسبيا وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الفائض الخارجي. وتظل تلك المشكلة محدودة في بعض الاقتصاديات بينما تكون أكثر ظهورا في البعض الآخر خاصة في اليابان وتايوان حيث يضعف انفاق الاستهلاك. الا أنه وفي كل مكان تظل الأجور دون إحمالي الناتج المحلي. في اليابان لم يتأثر العاملون بالمكاسب الضخمة التي حققها المصدرون نتيجة ضعف الين. والواقع فإن اليابان قد شهدت زيادة في العوائد بوجه عام إلا أن تلك الزيادة لم تشهدها الأجور وقد أثار ذلك بالطبع حالة استياء لدى المستهلكين. والأمر نفسه ينسحب على تايوان حيث أن السياسات المعمول بها واصلاح قطاع الخدمات يعني ان نجاحات التصدير لم تنعكس على الطلب المحلي. وفي الصين هناك ارتفاع في المدخرات الأسرية وزيادة في الفوائد وهو ما يمثل بعدا آخر يضاف الى ازدهار الاستثمار. إلا أن الدخول ما تزال متراجعة بينما يوحي انخفاض الانتاج في كثير من الاستثمارات ان الصين لا تستخدم مواردها الوفيرة من القوى العاملة بالطريقة الأمثل. كما أن الإنفاق الذي يمكن أن يدفع الاستهلاك ويقلص من ضغط المدخرات ما يزال على موقفه الحذر. والمشكلة التي تعاني منها دول جنوب شرق آسيا هي عدم ملاءمة الاستثمار الخاص الموجود. وتعد توقعات التصدير من أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك منذ فترة طويلة. والآن لا تستطيع المنطقة أن تكيف نفسها مع زيادة جذب الصين للمزيد من استثمار التصدير حيث تعاني اندونيسيا والفلبين من نقص جوهري في البنية الأساسية للاستثمار في ظل تأثرها بقضايا قانونية وتنفيذية فيما تقف السياسات المطبقة حجر عثرة في كل من تايلاند وماليزيا. وهناك بعض الاقتصاديات مثل كوريا وتايلاند يبدو أنها قادرة على تجاوز العاصفة على الرغم من عدم استقلال صادراتهما الى حد كبير وخفض قيمة عملتهما. وماليزيا يمكن أن تشهد ازدهارا إلا إذا استمر هبوط أسعار السلع الأساسية بشكل حاد ومتواصل. ويمكن لليابان أن تعزز الثقة وتقوي العملات الموجودة في المنطقة بدرجة عالية وتعيد الأموال الى آسيا للاستهلاك والاستثمار. بيد انه ما لم تفترض الحكومات والبنوك المركزية أن الورادات الاميركية قد أوشكت على التراجع والانهيار فستكون استجابتهم غير فاعلة ، فالمستهلك الاميركي قد ألقى بشرق آسيا في بحور إحساس زائف بالأمن.