«البدوى» ينعش اقتصاد طنطا |كرنفال روحانى.. نشاط تجارى مكثف.. وكرم مجتمعى موروث    موسم سياحى بنكهة «الثقة» |ارتفاع الإشغال الدولى .. وانتعاش فى طابا ونويبع    نتنياهو: الحرب ستنتهي عندما يتم تجريد حماس من سلاحها    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة    رئيس الحكومة العراقية: الانتخابات البرلمانية المقبلة معركة بين أنصار الفشل والفساد وأنصار الإعمار والتنمية    هاتريك فيليكس.. النصر يكتسح الفتح ويبتعد بصدارة الدوري السعودي    التصريح بدفن ضحايا التنقيب عن الآثار بالصف    منة شلبي ل لميس الحديدي: أنا تزوجت شغلي وارتبطت بالفن طول عمري وكل دور عملته هو إبني    عمر محمد رياض يلمح لجزء ثان: في حكايات بتختار ترجع بنفسها.. لن أعيش في جلباب أبي 2    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    آرسنال يعود للصدارة بفوز صعبة على فولهام    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    حلوى ملونة بدون ضرر.. طريقة عمل كاندي صحي ولذيذ للأطفال في المنزل    هيئة الدواء تسحب 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية من الأسواق    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    منة شلبي في أول ظهور بعد تكريمها بالجونة على شاشة النهار مع لميس الحديدي الليلة    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    التحقيقات تكشف ملابسات مقتل مسن ضربًا على يد نجله بالجيزة    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    إصابة أسرة كاملة في حادث تصادم بطريق الزقازيق الزراعي في الإسماعيلية    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    بتهمة ممارسة الفجور.. السجن 5 سنوات للطالب المنتحل صفة أنثى لنشر مقاطع فيديو تحت اسم «ياسمين»    البنك الأهلى يتقدم على الجونة بهدف فى الشوط الأول    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزا عسكريا وسط دير جرير شرقي رام الله    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    يلا شووت بث مباشر.. الهلال VS الاتفاق – مواجهة قوية في دوري روشن السعودي اليوم السبت    قرار بالسماح ل 42 بالتجنس بالجنسية الأجنبية مع احتفاظهم بالجنسية المصرية    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    تشييع جثمان الطفل ضحية صديقه بالإسماعيلية (صور)    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    جامعة أسوان تناقش خطة الأنشطة الطلابية للعام الجامعي الجديد    اكتشف أجمل الأفلام الكرتونية مع تردد قناة 5 Kids الجديد لعام 2025 على النايل سات والعرب سات    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطز ذبح سفراء هولاكو وعلقهم على أبواب القاهرة
دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (16)
نشر في الشعب يوم 12 - 01 - 2018


عين جالوت صورة كربونية من حطين (دور مصر)
مغزى مقولة جمال حمدان (مصر مجرد قرية واحدة)
الشعب المصري "ثقيل" ولكنه ليس بعيداً عن الثورة

(هذه دراسة غير منشورة وغير مكتملة بعد لمجدي حسين رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير جريدة الشعب الذي يقبع الآن مغيبا خلف أسوار السجون بأحكام ظالمة وغير دستورية.. لقد تم ترتيب الجزء المكتوب من الدراسة في حلقات وسننشر تباعا الحلقات الموجودة لدينا لحين خروجه من محبسه وإكمال عطائه الفكري والسياسي والذي نأمل أن يكون قريبا بإذن الله..)
ذكرنا أن هولاكو أرسل رسالة صفيقة لسيف الدين قطز سلطان مصر والشام يهدده ويتوعده ويأمره بالاستسلام كما استسلم الذين من قبله. ووصلت بعثة هولاكو إلى القاهرة واستقبلهم قطز وعندما قرأ الرسالة قرر قتل البعثة الدبلوماسية كرسالة تحد لهولاكو ورسالة تعبئة للشعب المصري، والمستقر في الأعراف الدولية في ذلك الزمان وحتى الآن أن الرسل لا تقتل، ولكن المغول اللذين لا يعرفون العهود يجوز قتل مبعوثيهم. وبالفعل أمر قطز بقطع رؤوس أفراد البعثة جميعا عدا واحد تركه ليعود ليروي لهولاكو ما حدث. وعلق جثث المغول على أبواب القاهرة (وهذه رسالة قطز للشعب المصري: إنها معركة حياة أو موت) وكان هذا هو الرد على رسالة التهديد. ولم ينتظر جيش المماليك في مصر قدوم المغول ترتعد فرائضهم في الانتظار كما فعل الذين من قبلهم، بل بادروا بالخروج لملاقاة المغول في الشام. وكان اللقاء في عين جالوت على أرض فلسطين. وانتصر قطز وجيش المسلمين نصراً مؤزرا وقصم ظهر الحملة المغولية التي لم تقم لها قائمة بعد ذلك بنفس الأسلوب السابق الذي أرعب الناس منها، وانتهت أسطورتهم بأنهم الجيش الذي لايهزم، خاصة بعد ما فعلوه في بلدان آسيا بدءاً من الصين وفيتنام وكوريا وتايلاند ولاوس ومينمار ونيبال حتى روسيا كلها وآسيا الصغرى (تركيا الحالية) وأجزاء من أوروبا ومن أراضي بيزنطة. وبعد ما فعلوه في بلاد المسلمين من سمرقند إلى بغداد والشام وحلب. هذه الأسطورة المرعبة انتهت على أرض عين جالوت. حدث هذا في عام 1260 م بعد سقوط بغداد والخلافة العباسية بعامين مما أزال حالة الحزن والاحباط في العالم الاسلامي. وهنا لابد أن نشير إلى توفيق الله وهو أمر حتمي في أي انتصار ولكن أحيانا ترى علامات ظاهرة لا تخطئها العين: فكثيرون لا يعلمون أن هولاكو لم يحضر هذه المعركة لأنه تلقى نبأ وفاة أخيه زعيم المغول وتزايد احتمالات أن تدب الخلافات بين ورثة القيادة فآثر العودة السريعة وعين من يقوم بقيادة الجيش. ولا شك أن غياب هولاكو أثر معنوياً بالاضافة لغياب خبرته وتأثير ذلك على أداء المغول في معركة عين جالوت، طبعا كان يمكن لجيش المغول أن يهزم في وجود هولاكو، ولكن الله يهيئ أسباب النصر ويفتح لها الطريق بعد هذا العزم والاصرار والايمان لدى قادة المسلمين وكيف انهم أخذوا بالأسباب وتوكلوا على الله سبحانه وتعالى.
المهم لقد كان انكسار المغول في عين جالوت وما أعقبها من معركة أخرى حيث أباد المسلمون قوة من ألفي مقاتل من المغول أو أسروهم وقتلوا ابن هولاكو قائد القوة. وكان هولاكو يولول على البعد: هذه أول مرة يهزم فيها جيش بل ويهزم مرتين متواليتين: كان هذا الانكسار للمغول نهاية لتوغلهم في المستطيل القرآني/ الشرق الأوسط/ مركز العالم. بل لقد بدأ العد العكسي وبدأ المماليك معارك طرد المغول من الشام والعراق. ونلحظ هنا ان المغول رغم قلة ثقافتهم أدركووا كمحاربين وطامحين إلى حكم العالم أهمية المستطيل باعتباره مركز العالم. لقد حكم المغول نصف العالم على الأقل في لحظة من اللحظات وسعوا للسيطرة على النصف الثاني. لقد وصل جنكيز خان إلى روسيا واحتل موسكو وفرض على الروس دفع اتاوات منتظمة له. واحتل الأناضول كلها وعاصمتها أنقرة وقد كان يحكمها البيزنطيون واحتل أجزاء من أوروبا بالاضافة لمعظم آسيا كما أسلفنا القول، ومع ذلك فقد انهارت هذه الدولة العظمى سريعا لأنها لم تتمكن من السيطرة على مفصل العالم (المستطيل) بل كان انكسارها في المستطيل ايذانا بغروب شمسها وبمعدلات متسارعة ولم يستمر استقرارها لفترة معقولة ولم تترك في ذاكرة الشعوب إلا الحرق والتدمير والتخريب.
من ألطاف الله.. المغول يدخلون الاسلام:
من ألطاف الله ومعجزات الاسلام أن يرق قلب هؤلاء الغلاظ ويؤمنون بالله إيماناً صادقاً ويدخلون الاسلام بل ويشاركون في بناء حضارته العظيمة. ولعل أبرز مثال على ذلك دورهم في الهند، خاصة في ظل حكم الامبراطور المغولي العظيم: أكبر (1556- 1606م) الذي اذدهرت الهند في عهده في مختلف المجالات. وقد عرف عنه تمسكه بحرية العقيدة في نفس فترة اذدهار محاكم التفتيش في أوروبا التي كانت تحاكم أصحاب الرأي والفكر والبحث العلمي. وكان من ضمن قراراته رفض تحويل الهندوس للاسلام بالقوة حتى وان في سن الطفولة. {التنمية حرية- أمارتيا صن- الهيئة المصرية للكتاب- 2010- القاهرة- ترجمة شوقي جلال} المؤلف هندي غير متدين، خبير في المنظمات الدولية. في الكتاب عقد مقارنة بين التقدم الحضاري في الهند الاسلامية والتخلف الأوروبي ذلك الوقت.
أما فيما يتعلق بالمستطيل نشير إلى المشروع الذي استقر نسبيا وكان له مسحة حضارية وهو دولة تيمورلنك الذي دخل الاسلام، وأصله من أذربيجان ويوجد قبره بها، وتحتفل به دولة أذربيجان (بوسط آسيا) حاليا كبطل قومي. أقام تيمورلنك دولته في خراسان (أفغانستان) وسمرقند حيث كانت قاعدته 1369 وامتدت من دلهي في الهند إلى دمشق إلى الخليج العربي واحتل فارس وأرمينيا وأعالي الفرات ودجلة في الأناضول، ومن بحر قزوين حتى البحر الأسود و العراق وأجزاء من سوريا.
وحارب العثمانيين للصراع على زعامة الترك وانتصر عليهم واعتقل السلطان بايزيد وفكك الدولة العثمانية وأعاد الحكم في الأناضول إلى الأمراء السابقين في عهد السلاجقة. ذلك حتى تمكن محمد الأول من إعادة بناء الدولة العثمانية 1413. وهكذا نرى أن تيمورلنك احتل أكثر من نصف المستطيل ولكن دولته لم تعش طويلا ربما لأنه لا يوجد قبول للتتار (المغول في المنطقة حتى وان أسلموا.
وهنا لابد أن نشير إلى مسألة مهمة فروايات التاريخ تختلف في وصف تيمورلنك هل هو تركي؟ أم مغولي؟ في هذه الروايات تداخل بين التتار (المغول) والترك، هل هما عرقان مختلفان؟ أم كلهم من أصل تركي، والأتراك قبائل ضخمة ومتنوعة. وأساس هذا الاختلاط ان التتار والترك يتحركون في حزام واحد، وهو الحزام المتواصل من تركستان الشرقية في الصين حيث قبائل الايجور حتى تركيا الحالية. ويطلق على الأتراك أيضا "القومية الطورانية" نسبة إلى جبال طوران في وسط آسيا. والتتار يعيشون في نفس هذا الحزام. وعلى امتداد هذه المساحة من شرق الصين حتى تركيا فان اللغة التركية سائدة بين هذه البلدان ولكن عبر لهجات متعددة ومتنوعة، ويمكن لشعوب وسط آسيا أن يتحدثوا مع بعضهم البعض باللغة التركية ويفهمون بعضهم بصورة معقولة.
والحقيقة فانني لا أهتم كثيراً بمسألة الأعراق، ومن الواضح ان الأتراك والمغول متداخلون مع بعضهم البعض وإن كان المغول هم الجناح الأقل تحضراً، إلا أنه يجمعهم عدد من الصفات أهمها: الروح والنزعة الحربية والاستعداد المستمر للقتال، والصلابة والخشونة والعناد والاعتزاز بالنفس والقبيلة. أما الآن فالكل مسلمون، والتتار من أفضل المسلمين في روسيا. ولكن تركيا قبل أردوجان وأثناء حكمه تولي اهمية خاصة لهذا الحزام التركي وتعتبره عمقاً استراتيجيا لتركيا. بينما التتار لم يعد يمثلون قوة إقليمية فضلاً عن عالمية، وذابوا واختلطوا بين عدة شعوب ودول مع وجود دولة منغوليا الصغيرة المحصورة بين الصين وروسيا بدون أي قوة تذكر.
ملحوظة: يطلق "التتار" على القبائل التي تعيش في منغوليا- ولكن سيطرة قبيلة المغول وهي منهم جعلت اسمها يطلق على الكل.
عودة إلى المماليك:
كان لابد أن نكمل سريعا قصة المغول وعلاقتهم بالمستطيل التي كانت قصيرة ومحبطة وغير مستقرة في أغلب الأحوال، فهم على قوتهم العسكرية لم يكونوا جديرين بحكم مركز العالم وبالتالي غير جديرين بحكم العالم. والآن نعود إلى المماليك ودلالة معركة عين جالوت التاريخية.
في معركة عين جالوت نجد صورة كربونية إلى حد كبير من معركة حطين ضد الصليبيين، فالقانون يعمل بشكل آلي (وكأنه كذلك): المعارك الفاصلة تجري على أرض الشام والقيادة التي تحسم المعركة تأتي من مصر.
كان المماليك يحكمون مناطق واسعة في الشام (كما كان الحال أيام صلاح الدين الأيوبي) ولكن حالة التشظي والتشرذم التي تصل إلى حد وجود العديد من الامارات الصغيرة حتى وإن كانت تابعة شكلاً لحكم القاهرة، هذه الحالة لا تخلق مكاناً راسخاً ثابتاً للتحضير للمعركة وإعداد جيش كبير حتى ولا في دمشق أو حلب كأكبر مدينتين، فقد كان حاكم كل مدينة أو بلدة مشغول بتعزيز مكانته وحكمه، أقول هذا كقاعدة عامة. أما في مصر فتوجد دولة مستقرة راسخة، وفي غياب صراع السلطة أو الأزمات الكبرى تكون كتلة واحدة من الحكام والمحكومين.
هذا حديث مهم للحاضر والمستقبل فالمسألة ليست مجرد تقييم تاريخي، فنحن نبحث عن الثوابت المستمرة لتنير لنا الطريق. وهذا الحديث استكمال لما كتبناه تعليقا على معركة حطين ودور مصر فيها، بمزيد من الاستفاضة والبحث والتنقيب.
إن مصر- عادة- كتلة واحدة موحدة ومتوحدة بين الحاكم والمحكوم. وهذا يتيح للحاكم الصالح- إن وجد!- المناخ الملائم لترتيب أمور الجيش والدفاع والحشد والتعبئة بل وأيضا ترتيب أمور الاقتصاد والمجتمع. أما في الشام ونحن نرى ما يحدث فيها الآن (2011- 2013) وكيف تحولت ثورة مدنية سلمية إلى مئات التنظيمات المسلحة المتعددة الولاء (وصلت بعض التقديرات إلى 1800 تنظيم) فهذه خاصية تاريخية وهذه أهمية دراسة التاريخ، فكما يقول المفكر الألماني الكبير (جوته): (من لا يعرف كيف يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يظل يعيش في الظلام الدامس)!
فكما قلنا فإن الشام إمارات شتى وتكاد تكون كل مدينة نواة لدويلة صغيرة ولكن مصر في أغلب الأحوال، اي فيما عدا بعض الفترات الاستثنائية، كتلة واحدة. ومن التعبيرات الموحية والمهمة للمفكر جمال حمدان أنه وصف مصر بأنها "قرية واحدة تتكون من كتلة الدلتا مع ذيل رفيع في الصعيد"!! وهذه حوالي 4- 6 % من مساحة المليون كيلو متر مربع، وهذه المساحة المأهولة بالسكان قريبة من مساحة مدينة أمريكية واحدة (لاوس أنجلوس)! أما الباقي فهو غرباً وشرقا يكاد يخلو من السكان والنشاط (بالمناسبة فإن كثيرا من سكان الوادي الجديد منحدرون من الصعيد أو الدلتا ومثل هذا في مدينة مرسى مطروح والبحر الأحمر في القطاع الاداري بل وبعض الأنشطة التجارية والحرفية) وأيضا الكثافة السكانية محدودة في الشمال (سيناء) حوالي نصف مليون نسمة.
إذن المجتمع السياسي والاقتصادي والثقافي...الخ هو أساساً في هذه القرية الممتدة بذيل رفيع (الدلتا والصعيد) وهذه القرية متحلقة حول نهر النيل.
(مصر هبة النيل: تعبير علمي دقيق لهيرودوت) وهذا يساعد على مسألة توحد السكان مادياً ومعنويا وتوحدهم مع الحكام، وأشرنا من قبل لدور الاقتصاد النهري الزراعي في هذا الصدد. وعندما تكون مصر مستقرة فإن حاكم مصر يكون أسعد حاكم في العالم، وهذا ما يجعل البعض (منا نحن المصريين) ينحو باللائمة على الشعب المصري وانه شعب خنوع وخاضع لأي حاكم. بل ان بعض المصريين يسخرون من أنفسهم ويرددون هذا الكلام العبثي. ويصبحون مثل الشخص الذي يسب ويشتم نفسه علنا وسط الناس.
وأنصح بقراءة مقدمة الأستاذ/ أحمد حسين في موسوعته (تاريخ مصر)- دار الشعب، لأنه يشرح فيها رؤيته المتميزة لشعب مصر وقد تأثر بعض المفكرين والمؤرخين بهذه الرؤية مثل د.نعمات فؤاد في كتابها شخصية مصر. أحمد حسين الذي وصفه البعض بأنه (ذلك الرجل الذي ظن أنه العاشق الوحيد لمصر!) ورغم ما في هذا الوصف من مبالغة أدبية قد تحمل معنى التقريظ أو النقد، إلا أنه قريب من الحقيقة. فأحمد حسين في مقدمته للموسوعة (وفي غيرها) يجيد وصف بدقة الحالة التي عايشها وأحبها. فعندما يصف الشعب المصري بالهدوء أكثر من اللازم وامتصاصه لتصرفات الحكام، فهو ليس عيبا بالضرورة، فكثرة الاضطرابات والثورات تؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحوال. فالثورات ليست لعبة وليست مسألة رد فعل عصبي (راجع تاريخ العراق في مجال العنف والثورات والتمردات المسلحة والتصفيات الجسدية على سبيل المثال مع كل الاحترام لكل الشعوب ومع إدراك الظروف الخاصة التي دفعت إلى هذا السلوك أو ذاك وسنأتي لموضوع التاريخ المتميز للعراق في إطار حضارته العظيمة في سياق هذه الدراسة إذا شاء الله). ومع ذلك فليس صحيحا أن الشعب المصري لا يثور أبداً، ولكنه من النوع "الثقيل" الذي يتحمل ويفكر كثيرا ويخزن ثم يثور. في المائة عام الماضية قام ب 3 ثورات كبرى وهذا يكفي جداً!: ثورة 1919- ثورة 1951 في القناة وعموم مصر ضد الانجليز والملك والتي انتهت بتحرك الجيش في 1952- ثورة 25 يناير 2011.
وبين هذه الثورات لم تنقطع مئات- إن لم يكن آلاف- التحركات الشعبية ضد المحتل وضد الحكام: مظاهرات- إضرابات- أعمال عنف فردية ضد الانجليز والخونة قبل عام 1952. ولكن بالمقارنة فإن الشعب المصري أهدأ كثيراً من غيره في المنطقة (الشام- العراق- واليمن مثلا) وهو بين الثورة والثورة يجنح إلى الهدوء والسكينة حتى تسير الحياة، وهذا يحدث في كل بلد آخر ولكن بمعدلات ومستويات أقل.
لذلك كان المغناطيس المصري هو الذي جذب صلاح الدين الأيوبي ليكون مقر حكمه في مصر رغم انه قادم من العراق والشام. وهذا المغناطيس المصري (أي الظرف المواتي) هو الذي جذب المماليك ليكون مقر حكمهم في مصر لا الشام. وهذا الادراك لدور مصر هو الذي جعل الصليبيين يلحون على غزو مصر عدة مرات في المرحلة الأخيرة لهم.
إذاً كانت مشكلة المماليك عندما تولوا الحكم هي المماليك! أي الصراعات فيما بينهم. ولكن عندما يتمكن أحدهم من إحكام قبضته على الحكم تستقر الأحوال في البلاد تماما.
الدور المتميز لمؤسسة الأزهر:
في إطار الشخصية المصرية.. شخصية التدفق الهادئ لمياه النيل نمت مؤسسة الأزهر بصورة متميزة لا مثيل لها في دول المشرق. فقد تولت إدارة الصراعات أو المنازعات بين الحكام والمحكومين بصورة مؤسسية هادئة وهذا هو الدور التاريخي للأزهر الذي قام بتمثيل الشعب وإحداث التوازن بين الحاكم والمحكوم في إطار نظامي غير فوضوي.
وهي مؤسسة لا مثيل لها في العراق أو الشام، بنفس القوة، من حيث الدور والهيبة، وليس من ناحية التعليم والفقه فهذه النواحي الأخيرة كانت موجودة في كل المدن الاسلامية الكبرى وربما تفوق مراكز الفقه في العراق مراكز الفقه في مصر، بل حدث ذلك عادة ولكن ليس في هذا العهد المنكود لبغداد الذي سبق سقوط الخلافة.
بالنسبة لمؤسسة الأزهر فبالاضافة لدورها التعليمي والعلمي والفقهي فقد أصبحت عندما يوجد بها شيخ إسلام ذو شخصية قوية وقدرات فقهية وتقوى- من قبل ومن بعد- تدرك أهمية دور الفقيه الحق في مواجهة ظلم وتجاوزات الحاكم أو من يلوذ به، ودور الفقيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في ظل مثل هذا الشيخ يتحول الأزهر إلى مؤسسة معبرة عن الشعب وطموحاته وآماله في الحد الأدنى من العدل! وأصبحت هيبة شيخ الاسلام المستمدة أيضا من مؤسسة الأزهر أداة ووسيلة نظامية لممارسة الضغط على الحكام، وقناة تواصل مؤثرة بين الشعب والحاكم بعيداً عن الاضطرابات أو أي شكل من أشكال العنف. كذلك فان حاكم مصر يمكن أن يتفاعل مع مثل هذا النوع من الضغوط السلمية لأنها أفضل من غيرها، وهو يحلم دائماً بأن يستمر الشعب على هدوئه، وهو يقارن أحوال مصر بغيرها، خاصة في غياب أي شكل من أشكال التحزب أو القبلية أو المذهبية أو الجبهوية العائلية حيث يوجد في الشام وعموم الشرق مرتعا لها.
شيخ الاسلام في ذلك الوقت (في عهد قطز) كان العز بن عبد السلام وهو لم يكن مصرياً بل من أصل شامي، وهكذا نؤكد مجدداً أن المصرية هي "الشخصية" وليست "العرقية". ولقد كانت له صولات وجولات مع المماليك وكانت له شعبية بين جماهير الناس بسبب إخلاصه وعلمه وتواضعه وانحيازه لمطالب الشعب وحقوقه. وقد كان تولي الشيخ العز بن عبد السلام المشيخة في إطار صحوة استمرت بعده مع شيخين آخرين على الأقل، أولهما الامام تقي الدين (ابن دقيق العيد) والذي كان يتولى موقع قاضي القضاة.
ولابد أن نتوقف مع قصة العز بن عبد السلام مع المماليك ومع السلطان سيف الدين قطز، لأنها كانت من أسباب نصر الله للمسلمين على المغول..أي على المغول الذين أرعبوا بلاد المشرق والمغرب.
إقرأ أيضًا:
* ·المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (1)
* ·دراسة المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- الحلقة (2)
* ·آدم يمني..نوح عراقي..أيوب مصري..إلياس فلسطيني
* ·نوح عاش في المستطيل.. دلائل قرآنية إضافية
* ·لماذا مصر في رباط إلى يوم الدين؟
* ·مصر هي البلد الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن
* ·بعثة محمد (ص) وضعت الشرق الأوسط في البؤرة
* ·هنا.. يجري استعداد أمريكا واليهود لمعركة نهاية العالم
* انجيل أمريكا: مصر والشرق الأوسط أساس السيطرة على العالم
* رسول الله لم يسع إلى إقامة دولة اسلامية بالحبشة
* البابا يدعو لتحرير القدس من قبضة المسلمين الأنجاس
* الفاطميون يندفعون كالاعصار من طنجة إلى مكة
* لماذا أقسم الله بالشام ومصر ومكة في سورة التين؟
* المغول اجتاحوا آسيا وأوروبا وروسيا والمشرق..وهزمتهم مصر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.