سادت حالة من الغضب بين أهالي جزيرة الوراق، بعد المكالمة الهاتفية التي تلقاها الأهالي من رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، والتي اعتبروها الطعم الذي تحاول من خلاله سلطات النظام ارتداء قناع باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وتقدم عدد من أهالي جزيرة الوراق، أمس الثلاثاء، بمذكرة إلى كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بشأن الأحداث الأخيرة التي شهدتها الجزيرة، وقدموا 6 مطالب لرئيس الهيئة من بينها الإفراج عن الشباب المحبوسين على خلفية أحداث 16 يوليو الماضي من أهالي الجزيرة.
وشدد الأهالي على أن الأرض المملوكة للأهالي ملكية خاصة بالجزيرة لا تفاوض حولها، وإنما يمكن التفاوض حول أراضي طرح النهر، علاوة على المطالبة بصرف تعويض لأهل سيد حسن الجيزاوي الذي توفي إثر أحداث الجزيرة.
وأكد عدد من أهالي جزيرة الوراق في تصريحات خاصة اليوم الأربعاء، أن المكالمة الهاتفية التي دارت بين عدد من الأهالي، وكامل الوزير، ما هي إلا حيلة لتهدئة الأهالي، تمهيدا لإخراجهم بشكل سلمي، من خلال بعض الوعود الزائفة، والشروط المجحفة، التي تلزم الأهالي بترك بيوتهم، مقابل أثمان زهيدة، لا تناسب وحدة سكنية لا يزيد مساحتها عن خمسين مترا خارج الجزيرة، في الوقت الذي تحصل فيه الحكومة على أراضي الأهالي التي يقدر ثمنها بملايين الجنيهات، تمهيدا لبيعها لمستثمرين أجانب، على رأسهم إماراتيون.
وكشف الأهالي ملخص ما دار في اجتماع أمس الثلاثاء عبر المكالمة الهاتفية التي تضمنت وعودا بسعي "الوزير"خلالها لإخلاء سبيل الشباب الذي تم اعتقالهم خلال دفاعهم عن أرضهم، وإيقاف الضبط والاحضار للباقين، كما وعدهم بالإبقاء علي الكتلة السكنية ناحية دمنهور شبرا؛ مع فتح بعض الشوارع داخل الكتلة السكنية، وبناء مساكن داخل تلك الكتلة، لتكون سكنا للمقيمين في العقارات المتناثرة في أنحاء الجزيرة، ثم إزالتها.
واعتبر الأهالي أن تلك الوعود التفاف على حقوقهم، حيث يرى أغلبهم أن إخلاء المنازل، وتعويضهم في قطعة أرض يتم بناء عشرات الوحدات السكنية عليها يعتبر تفتيتا لوحدة الأهالي في مواجهة قرار الإخلاء، بتسكين بعضهم، في مساحة صغيرة من الجزيرة، والقضاء على القلة المتناثرة التي ستتبقى في الجزيرة، والتي وقتها سيسهل التعامل معها وطردها بالقوة الجبرية.
وعرض الوزير تصورا آخر رفضه الأهالي؛ وهو بناء حي سكني ناحية باسوس لأهالي الجزيرة، يتم نقل الأهالي إليه، ثم إزالة المباني القديمة؛ وهذا يتوقف هذا علي رغبة الأهالي، الأمر الذي رفضوه أيضا، معتبرين أنه لا يزيد عن مخطط طردهم خارج الجزيرة، وإقناعهم ببناء مساكن في أماكن قريبة، كتعويض، عن منازلهم بشكل ظالم.
كما اقترح تصور الوزير، نزع ملكية 100 متر يمين المحور، و 100 متر شمال المحور، ؛ لتكون حرما للمحور مع تعويض عادل لأصحاب الأراضي والعقارات، وهناك تصور لتكون 50 متر فقط، فضلا عن إزالة العقارات التي تقع في خط التهذيب، مع تعويض أصحابها تعويض اجتماعي.
من ناحية أخرى، عبر الأهالي عن خوفهم، من استغلال سلطات الانقلاب لبعض عملائهم في الجزيرة، من خلال إسكاتهم بالمال والتعويض المناسب، في حين يتم استخدامهم في إقناع الأهالي بالخروج، وإجهاض محلاولتهم للدفاع عن بيوتهم، خاصة بعدما توسط "الوزير" من خلال بعض العائلات التي لها علاقات جيدة مع الداخلية وأجهزة الأمن، وجعل منهم مديرين للازمة، الأمر الذي يخشى معه الأهالي من فرض هؤلاء سياسة الأمر الواقع.
وكانت قد كشفت النسخة المُسربة من مكتب (آر إس بيه) للهندسة العقارية في الإمارات، عن مخطط استثماري لمشروع جزيرة الوراق المصرية، يعود إلى عام 2013، والذي اعتبر تطوير الجزيرة نموذجًا للتنمية المستقبلية في القاهرة، لما تملكه من موقع مذهل على نهر النيل، ليدمج تصميم المدينة الجديدة مع نظيرتها التاريخية في قلب العاصمة.
وأشارت الرسومات الهندسية المقترحة للجزيرة، إلى أن المخطط الرئيسي "ولد من الرغبة في تحقيق مدينة جميلة، يمكن من خلالها تحقيق الأحلام، في بيئة حضارية جوهرية، تجعل من ابتسامة السكان كل يوم، أساساً للحياة".
وأفاد المخطط الإماراتي لجزيرة الوراق "بإدماج عدد من المكونات الرئيسية في النسيج الحضاري للمدينة"، وتشمل: "الحدائق العامة، والمجتمعات السكنية، وسهولة وصول المقيمين إلى النهر، وإبراز المخزن الغني للفنون والتراث والثقافة، وتوفير بيئة مثالية للتسلية المرغوبة من خلال المرافق الترفيهية، والمتطلبات التعليمية الحيوية، والنقل العام المتكامل، والتنمية المستدامة الصديقة للبيئة".
ويهدف المخطط إلى تحويل الجزيرة إلى منطقة خدمات مالية، على غرار جزيرة "مانهاتن" في مدينة نيويورك الأميركية، بعد طرد وتهجير سكانها من البسطاء (يتجاوز عددهم المائة ألف نسمة)، ومصادرة أراضيهم بزعم أنها مأخوذة بوضع اليد، على الرغم من امتلاك الأهالي لمستندات ملكية خاصة تثبت أحقيتهم في تلك الأراضي.
وكلف عبد الفتاح السيسي، وزارة الإسكان بحكومة الانقلاب، بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية، ويعود إلى عام 2010، على أن تكون البداية بجزيرة الوراق، بهدف تحويلها إلى مركز للمال والأعمال، ضمن مخطط تطوير كورنيش النيل، الذي يشمل تنفيذ أعمال الرفع المساحي لعدد 81 جزيرة فى النيل، بإجمالى مساحة 35 ألف فدان.
وكانت ميلشيات الأمن قتلت أحد شباب الجزيرة، وأصابت العشرات من سكانها، أثناء محاولة اقتحامها وإجلاء قاطنيها بالقوة بعد هدم مساكنهم، بدعوى تنفيذ قرارات إزالة للمباني المخالفة، إلا أن الأهالي اشتبكوا مع قوات الجيش والشرطة، دفاعاً عن منازلهم، فصدر قرار بإرجاء عملية إخلاء الجزيرة إلى وقت لاحق، خشية اتساع رقعة الصدامات.
واضطرت قوات أمن الانقلاب للانسحاب من الجزيرة، بعد تلقّي تعليمات بضرورة مغادرتها سريعاً، خشية انضمام قطاعات كبيرة من الأهالي للمواجهات، وتحوّلها لأحداث شغب موسعة في ظل حالة الغضب الشعبي لدى المصريين، جراء الظروف الاقتصادية، والارتفاع المتوالي في أسعار السلع الأساسية، والخدمات العامة.