ازدادت حدَّة تدهور الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور المشتعل غربي السودان، مما ينذر طبقًا للمراقبين بِتَجَدُّد الحرب الأهلية في الإقليم بعد أنْ تصاعدت حدَّة الاتهامات بين الجيش السوداني وقوات فصيل الزغاوة في حركة تحرير السودان بقيادة ميني أركوي ميناوي من جهة وجبهة الخلاص الوطني من جهةٍ أُخرى. على صعيد مُتَّصِل وفي خطوة من شأنها تهدئة الأوضاع بين السودان وتشاد وبالذات فيما يخص مسألة دارفور، فمن المُقَرَّرِ أنْ يلتقي كل من الرئيسين السوداني عمر البشير والتشادي إدريس ديبي يوم الأربعاء المُقبل بوساطة سنغالية نحو إنهاء حالة الاحتقان القائمة في العلاقات بين البلدين. وقالت إخبارية (الجزيرة) الفضائية في تقريرٍ لها من دارفور إنَّ بعثة الأممالمتحدة والبعثة الفنية المشتركة بين الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي تتهم جميع الأطراف المتنازعة في دارفور بخرق وقف إطلاق النار، مما ينبئ بانتشار موجة جديدة من العنف بكامل الإقليم. وكانت جبهة الخلاص قد أعلنت أنَّ قوات تابعة لحركة تحرير السودان بدعم حكومي قد هاجمت مواقعها شمال دارفور، مما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين صفوف المدنيين، واتهمت الجبهة القوات الحكومية وقوات ميناوي باستغلال شعار الاتحاد الأفريقي بهدف التمويه لمهاجمة مواقعها، وحذَّرَتْ مِنْ أنَّ ذلك سيؤدي لاحتمال المواجهة بين قواتها والقوات الأفريقية بالإقليم. كما هدَّدت بنقل العنف لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ومناطق أخرى بولاية شمال كردفان، في حال مواصلة الدعم الحكومي لقوات ميناوي. من جهته نفى الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية اتهامات المتمردين، وقال إنَّ الجيش السوداني ما زال مُلتزمًا بوقف إطلاق النار الذي نصَّ عليه اتفاق أبوجا الموقع بين الخرطوم وميناوي ونفى أنْ يكون قد استخدم شعار القوات الأفريقية في مواجهاته مع باقي حركات التمرد بالإقليم التي لم توقِّع على الاتفاق. أمَّا ميناوي فقد أكَّدَ أنَّ قوَّاتِه "ما زالت تُدافع عن نفسها فقط"، وأكَّدَ أنَّه أبلغ الإدارة الأمريكية بموقفه من المواجهات الدائرة بالإقليم، وقال إنَّ "بوش أيَّده في ذلك لكنه نصحه بعدم مهاجمة المدنيين". وقال مُحللون وسياسيون إنَّ الأوضاع بدارفور "مُرَشَّحة للتوتر من جديد"، وأكَّدُوا أنَّ جبهة الخلاص الوطني ستحاول إثبات وجودها على الأرض من خلال تنفيذ عدد من الهجمات ما يدفع الحكومة وحركة تحرير السودان لتشكيل تحالف لمواجهة الموقف الجديد، ولم يستبعدوا انضمام مجموعات أخرى للمتمردين خاصة الذين انشقوا على قوات ميناوي عقب توقيع اتفاق أبوجا في مايو 2006م الماضي. وفي هذا الإطار قال رئيس هيئة محامي دارفور محمد عبد الله الدومة أنَّ ميناوي يُعاني ضعفًا في قواته بعد التوقيع على اتفاق أبوجا، بجانب هبوط الروح المعنوية لدى جنوده، مما أفقدهم الرغبة في القتال خاصة بعد الانشقاق غير المُعلن وسط قياداته السياسية بعد عملية أبوجا، وقال ل(الجزيرة) إنَّ هذا الوضع أدَّى لهزيمة قواته وطردها من بعض المناطق، وفَرَضَ واقعًا جديدًا تُسَيْطِر فيه جبهة الخلاص، وتوقَّع أنْ تسعى الحكومة وميناوي لتشكيل تحالف. ولم يستبعد الدومة أنْ يُحارب ميناوي بالوكالة عن الحكومة السودانية، وأضاف أنَّه إذا لم يأخذ الاتحاد الأفريقي تدابيره فإنَّ المواجهة سوف تكون بين قواته وقوات الجبهة، وهذا يُعطي إشارات بأنَّ الاتحاد الأفريقي "فاشل حتى في حماية نفسه" طبقًا للدومة. أمَّا أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الشعبي المُعارض في السودان محمد الأمين خليفة، فقد قال إنَّ ما يجري بدارفور سوف يُعَمِّق الخلافات بين المعارضة المُسلحة والحكومة، لكنَّه سوف يُضْعِف وضعية الحكومة وفصيل ميناوي؛ لأنَّهما "لن يُقاتلا معًا بقناعة موحَّدة بالكامل". الخبير السياسي السوداني محمد علي محسي حذَّر من أنَّ النظر لحركة العدل والمساواة كجزءٍ من المؤتمر الشعبي يجب ألا يؤدي لإهمال الحركات الأخرى التي كوَّنت معها جبهة الخلاص الوطني، وأكد أنَّ إعلان الرئيس عمر البشير عن انتهاء الحرب بدارفور، وبالتالي غلق المجال أمام أي مفاوضات مع باقي القوى في الإقليم واعتبارها مارقة، مما يعني أنَّ الحكومة في طريقها لاستخدام العنف في مواجهة باقي حركات التمرد التي لم تنضم لعملية أبوجا، "وهذا ما سوف يُعقد المشكلة أكثر"، وقال إنَّ جبهة الخلاص ربما اعتبرت أنَّ إعلان البشير "مسألة حياة أو موت بالنسبة لها "، وبالتالي فإنها سوف تسعى لإثبات وجودها في مواجهة الحكومة وحليفها الجديد ميناوي. وأشار محسي للضعف الواضح في دور قوات الاتحاد الأفريقي، مما يجعلها "غير قادرة على حسم أي مشكلة" في دارفور، وتوقع أنْ تفرض التطورات وجوب تدخل قوات دولية بالإقليم، "وهذا ما تسعى له الحركات المسلحة بجانب حركة ميناوي وقوى دارفور الأخرى". على صعيدٍ آخر يلتقي الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبي في العاصمة السنغالية دكار يوم الأربعاء القادم في محاولة لإزالة التوتر الموجود على الحدود المشتركة وفي العلاقات بين البلدين، وسيتم اللقاء بعد وساطة من جانب الرئيس السنغالي عبد الله واد الذي يقوم بجولة تستغرق خمسة أيام يزور خلالها السودان وتشاد، كما سيعرض وساطة في أزمة دافور على خلفية تطوراتها الأخيرة. وصرَّح الرئيس السنغالي للصحفيين إنَّ الرئيسين السوداني والتشادي قد قبلا اللقاء في العاصمة دكار في التاسع من أغسطس الحالي. وكان ديبي الذي يواجه انتفاضة مسلحة في الشرق من بلاده قرب الحدود مع إقليم دارفور السوداني قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم في أبريل الماضي بعد أن هاجم المتمردون العاصمة التشادية نجامينا من الشرق، ويتهم ديبي- الذي من المقرر أنْ يؤدي اليمين القانونية في بداية توليه فترة رئاسية جديدة الثلاثاء القادم- السودانيين بدعم المتمردين وبالسماح لهم بإقامة قواعدهم على الجانب السوداني من الحدود، لكن الخرطوم تنفي ذلك.