تمت عمليات التهجير القسري للفلسطينيين بشكل مبرمج ومخطط بهدف إفراغ فلسطين من سكانها العرب، وقد واكبت عملية التهجير القسري حملات مكثفة من العنف والإرهاب والمجازر والتي شكلت إحدى الأسباب الرئيسية لهجرة عرب فلسطين قراهم ومدنهم. كما رافقت العمليات العسكرية سياسة الحرب النفسية من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلي كي تصل أنباء القتل الجماعي والاغتصاب والهدم إلى الفلسطينيين، وذلك كي تزرع في نفوس السكان حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظًا على أرواحهم ومتاعهم وأعراضهم. ويؤكد مختصون فى الشأن الفلسطيني ، أن الكيان الصهيوني لم يحتمل العدد الكبير لسكان هذه المنطقة من العرب ، فقتل بدم بارد خلال الفترة 1949-1956 ثلاثة آلاف فلسطيني معظمهم ممن حاولوا العودة بعد تهجيرهم إلى بلدان الجوار، وقد تولت تنفيذ هذه المجازر وحدة خاصة بقيادة السفاح "أرئيل شارون" عُرفت باسم "101" ، وفي أجواء القتل هذه وهيمنة عقلية المجازر في الكيان الصهيوني ، جاءت مذبحة كفر قاسم. ورغم أن كل المجازر التى شنها العدو الصهيوني بابناء شعبنا الأبي الصامد فى فلسطين تقارب في بشاعتها مجزرة كفر قاسم أو تفوقها أثرا؛ فإن السياق السياسي الذي حدثت فيه الأخيرة أعطاها بعدًا أكبر، وذلك لتزامنها مع أول أيام العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر. فقد استغلت قوات الاحتلال الصهيوني ، انشغال العالم بحرب السويس لتنفيذ هذه المجزرة البشعة، وعند تنفيذها طوقت القوات الصهيونية البلدة من جهات ثلاث بينما أبقت الجهة الشرقية نحو الضفة الغربية مفتوحة، مما يعكس عزم الاحتلال على تهجير سكانها. وبالتزامن مع مرور الذكري الستين ، على مجزرة "كفر قاسم" ، تحيي "جريدة الشعب" ذكراها من جديد ، لعلنا نستطيع أن نعود بهذه الأمة من جديد إلى مثل هذة الأماكن التى ارتوت بدماء إخواننا. كفر قاسم.. جرح يأبى النسيان كفر قاسم هي مدينة عربية فلسطينية تقع داخل الخط الأخضر في داخل حدود عام 1948، تقع في قلب البلاد على جبل بارتفاع 280 مترًا فوق سطح البحر من جبال السامره السفلى، على بعد 18 كم شرقي مدينة يافا، و11 كم شمال شرقي مدينة ملبس، وعلى بعد 48 كم من مدينة نابلس ، وتبعد القدس عنها 48 كم. هي من التجمعات العربية الحدودية الواقعة غرب الخط الأخضر، وهذا بالإضافة كونها أحد تجمعات منطقة المثلث الجنوبي وهي اخر بلده عربيه في المثلث ولواء المركز ، تفصل بين منطقه الرمله وملبس ، واراضيها مكونه من سهول خفيفه وبعض الوديان ، واكتسبت أهميتها الاستراتيجية كونها تقع على تقاطع طرق التجارة بين الشام ومصر وبين يافا ونابلس وشرق الأردن، هذا بالإضافة إلى خصوبة أرضها وقربها من منابع نهر العوجا ، الذي يصب مياهه في البحر المتوسط بالقرب من يافا ولقربها من قلعه مجدل يابا بالاضافة إلى أنها تطلَ على بلدات الساحل. تطويق كفر قاسم أعطت قيادة جيش الاحتلال الصهيوني بقيادة السفاح "موشي ديان" رئيس الأركان آنذاك ، أمرًا يقضي بفرض حظر التجول على القرى العربية في "المثلث الحدودي" الذي يمتد من أم الفحم شمالًا إلى كفر قاسم جنوبًا، بدءًا من الخامسة مساء يوم 29 أكتوبر عام 1956 وحتى السادسة من صباح اليوم التالي. وكان القرار حازمًا إذ تم ارفاقه بقرار أمني يخول الجنود إطلاق النار وقتل كل من يتجول بعد سريان الحظر ، حتى ولو كان خارج بيته لحظة إعلان منع التجول، لأن قيادة الجيش كانت تقول "إنها لا تريد التعامل مع السكان بالعواطف". ووزعت قوات من جيش الاحتلال على القرى الفلسطينية في المثلث (من بينها كفر قاسم، وكفر برا، والطيرة، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة)، وكان يقودها آنذاك الرائد "شموئيل ملينكي" الذي يتلقى الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش الموجودة على الحدود وهو المقدم "يسخار شدمي". توجهت مجموعة من الجنود إلى بلدة كفر قاسم وقسمت إلى أربع فرق بحيث بقيت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة، وأبلغ قائدها الضابط "يهودا زشنسكي" شيخ البلدة في ذلك الوقت "وديع أحمد صرصور" بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ السكان بالتزامه ابتداء من الساعة الخامسة. لكن "صرصور" أخبر الضابط السفاح "زشنسكي" بأن هناك أربعمئة شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد، فأعطاه وعدًا بأن هؤلاء سيمرون بسلام لدى عودتهم ولن يتعرض لهم أحد بسوء. المجزرة.. اليهود ليس لهم عهدًا شكل مساء ذلك اليوم مرحلة مفصلية في تاريخ كفر قاسم والشعب الفلسطيني عامة، ففي تمام الخامسة مساء دوى صوت رصاص كثيف داخل البلدة فصم آذان معظم سكانها، إثر إطلاق الجنود النار على مجموعة من الأهالي كانوا عائدين من حقول زراعتهم في المساء إلى بلدتهم، فقتلوا منهم 49 شخصًا وأصابوا العشرات بجروح بالغة، بذريعة خرق منع تجول لم يعلموا بإعلانه المفاجئ. وأوقفوا كل شخص عائد إلى القرية وتأكدوا من إنهم من سكان كفر قاسم وأمروهم بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار ، ويبتعدون عن الجثث ويوقفوا جماعة أخرى من العائدين ويطلقوا النار ، جماعة تلو الأخرى ، حتى وصل عدد شهداء مجزرة كفر قاسم إلى 49 من النساء والأطفال والشيوخ أيضًا.
كان من بين قتلى مجزرة كفر قاسم مسنون و23 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 8-17 عاما، و13 امرأة، ولم يكن عدد سكان كفر قاسم آنذاك يتجاوز ألفي نسمة ، وقد سقط عند المدخل الغربي للبلدة وحده 43 قتيلا. تعتيم على الجريمة كشف هذه المجزرة لم يكن سهلًا أمام ما قامت به السلطات من محاولات التعتيم وقلب الصورة واليوم تقوم الجماهير العربية بإحياء ذكرى المجزرة والتنديد بها وبمسبباتها واستذكارا للضحايا الأبرياء حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة وأيضًا لما تمثله من نقطة هامة في نضال الجماهير العربية الفلسطينية وحفاظها على الهوية القومية وحقوقها على تراب هذا الوطن ومن اجل الصمود ومن اجل التطور والنمو والمساواة التامة في الحقوق. وقامت السلطات مجندة لذلك كل طاقاتها وأجهزتها لمنع انتشار ومعرفة حقيقة المجزرة الرهيبة التي ارتكبها جنودها ، فالإضافة لمنع التجول منعت أيضا الدخول والخروج من كفر قاسم , ومنعت النشر او ما يمكن أن يدل أو يرمز إليه , وأطبقت الافواه والتزمت الصمت , وتداول الأمر في الأوساط الحاكمة بالهمس . وقد حاولت الحكومة الصهيونية برئاسة "ديفد بن جوريون" إخفاء حقيقة مذبحة كفر قاسم، إذ نشر أول خبر عنها في الصحف بعد أسبوع من وقوعها أي يوم 6 نوفمبر، أما تفاصيلها فمنعت الحكومة وصولها إلى الرأي العام إلى يوم 17 ديسمبر 1956. لكن النائبين الشيوعيين "توفيق طوبي" و"ماير فلنر" تمكنا من كشف ملابسات الحادث بعد تسللهما إلى البلدة لاستقصاء الحقائق بشكل مباشر من الشهود والمصابين، وإعداد وثائق ليتم طرحها داخل الكنيست الصهيوني، وإرسال وثائق خاصة بالواقعة إلى وسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وكافة أعضاء الكنيست. المحاكمة لم يحاسب مرتكبي هذه المجزرة ولا يمكن أن ثمن عشرات النفوس الطيبة البريئة يساوي "قرشًا ! ، وبعد مرور عشرات السنين على مجزرة كمفر قاسم ما زالت سياسة التمييز , وسياسة الحرب مستمرة ويسقط يوميًا شهداء أبرياء من المدنين أطفالًا ونساءًا وشيوخًا ورجالًا في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. واضطرت جهود النائبين الشيوعيين "توفيق طوبي" و"ماير فلنر" الحكومة الصهيونية إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والبدء في إجراء تحقيق أسفر عن محاكمة من اعتبرتهم الحكومة الصهيونية مسؤولين مباشرين عن المجزرة، فأجريت محاكمة صورية لهم حُكم فيها على الضابط "شموئيل ملينكي" بالسجن 17 عامًا، وعلى "جبرائيل دهان" و"شالوم عوفر" بالسجن 15 عامًا، وعلى الجنود الآخرين بالسجن لمدة ثماني سنوات. أما قائد حرس الحدود المقدم الذي أعطى الأوامر بالقتل فقد تمت تبرئته من ارتكاب الجريمة وتم تغريمه بدفع "قرش" واحد، وقد قال في حديث لصحيفة "هآرتس" إنه نفذ "أوامر عليا" حين أمر جنوده بقتل المدنيين قائلا: "احصدوهم". ثم غيرت الأحكام الصادرة بحق مرتكبي الجريمة، حيث خففت بعد الاستئناف لتصبح 14 عامًا بحق "ملينكي"، وعشرة أعوام ل"دهان"، وتسعة أعوام ل"عوفر" ثم خفضت مرة أخرى باتجاه إلغائها نهائيًا. أعرفوهم.. هؤلاء من ارتكبوا المجزرة - دافيد بن جوريون.. رئيس الحكومة الصهيونية ووزير الدفاع. - موشي ديان.. رئيس الأركان. - تسفي تسور.. قائد قيادة المركز والمسئول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالًا وإلى كفر قاسم جنوبًا. - يسخار شدمي.. قائد لواء الجيش في منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالًا وإلى كفر قاسم جنوبًا. - شموئيل مالينكي.. قائد فرقة حرس الحدود التي تبعت إلى لواء الجيش. - غبريئيل دهان.. قائد السرية المسئولة عن كفر قاسم.