وزير الخارجية يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة العام الميلادي الجديد    ماذا بعد انضمام أوكرانيا لتدريبات الدفاع الجماعي في الناتو؟    رئيس جامعة المنوفية يتفقد امتحانات كلية الحاسبات والمعلومات    محافظ مطروح يهنئ الرئيس السيسى بحلول العام الميلادى الجديد    «إكسترا نيوز»: الشركات القومية أساس نجاح سوق اليوم الواحد وخفض الأسعار    مصر تفوز بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية 2026/2027    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    مدبولي يُتابع إجراءات رفع كفاءة أداء الهيئات الاقتصادية    الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني شرق خان يونس ورفح جنوبي قطاع غزة    زيلينسكي: خطة السلام تضع تصورًا لضمانات أمنية أمريكية لمدة 15 عامًا    مظاهرة حاشدة في مقديشيو تنديدا باعتراف الاحتلال الإسرائيلي بأرض الصومال    صحة غزة: وفاة رضيع نتيجة البرد الشديد ليرتفع عدد شهداء المنخفض الجوي ل3    أمم أفريقيا 2025.. ترتيب مجموعة مصر قبل الجولة الأخيرة لدور المجموعات    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    أحمد سليمان يرد على عبد الرؤوف: لماذا لم تتحدث عن الجفالي ومعالي مثل بنتايك    جيلبرتو يشيد بحسام حسن وصلاح قبل مواجهة أنجولا    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    ضبط مخزن دقيق مدعم قبل تهريبه للسوق السوداء بالغربية    غدا.. إجراء امتحان عملي في البرمجة والذكاء الاصطناعي لطلاب أولى ثانوي    إنتصار بين التشويق والكوميديا والدراما الشعبية في موسم رمضان 2026    إطلاق وتنفيذ أكثر من 20 مبادرة ثقافية ومجتمعية لدعم القراءة وبناء الوعي    "دورة محمد جبريل".. الثقافة تكشف تفاصيل مؤتمر أدباء مصر في العريش    15 نصًا في القائمة الطويلة لمسابقة التأليف بمهرجان مسرح الجنوب    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في أفريقيا (صور)    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    عراقيل إسرائيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية    انتشال جثتين من ضحايا حادث غرق 3 أشخاص بترعة المريوطية فى البدرشين    التحقيقات تكشف مفاجآت في واقعة الهروب الجماعي من مصحة الجيزة    ضبط متهم بالتحرش بالطالبات بعد تداول منشور على مواقع التواصل    إحالة ربة منزل للمفتى قتلت زوجها وابن شقيقه بسبب خلافات فى كفر شكر    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    ضبط 7 رجال و4 سيدات لاستغلالهم 19 طفلا في التسول بالقاهرة    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    قرار وزاري لتنظيم ترخيص عمل الأجانب في مصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    مديرية الصحة فى كفر الشيخ تُصدر نشرة توعية بطرق الوقاية من الأنفلونزا    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    من المسرح القومي.. خالد محروس يعيد حكاية صلاح جاهين للأجيال الجديدة    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    كمبوديا تؤكد التزامها بالسلام بعد وقف إطلاق النار مع تايلاند    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق اليوم الواحد فى شارع فيصل.. صور    أشرف صبحي يناقش ربط الاتحادات إلكترونيا وتعزيز الحوكمة الرياضية    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    طبيب روسي يحذر: انخفاض ضغط الدم خطر بعد التعافي من الإنفلونزا    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    وائل جسار وهاني شاكر يشعلان أبوظبي بليلة طربية نادرة في يناير    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديفيد هيرست يكتب : كيف تدعم حكومة ليبية وتقتلها في الوقت نفسه؟!
نشر في الشعب يوم 17 - 09 - 2016

مثل بطل رواية كاتش 22 (الحلقة المفرغة) لمؤلفها جوزيف هيلر، بريطانيا تلاعب طرفي النزاع في الحرب تاركة مصر والإمارات تفوزان بالغنائم.

لا تكفي التقارير المعلوماتية لقياس مدى الجنون الذي أصيبت به السياسة البريطانية في ليبيا. بعد يوم واحد من استقالة دافيد كاميرون من البرلمان البريطاني، وجهت له لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان نقدا لاذعا أتى على سمعته كزعيم خاض غمار الحرب.

خلص التحقيق الذي قامت به اللجنة البرلمانية البريطانية إلى أن "مسؤولية الحماية" إنما استخدمت غطاء لتغيير النظام (وهو ما كان يحاجج به الروس)، وأن الخطر الوشيك الذي كانت تهدد به قوات القذافي المدنيين في بنغازي كان مبالغا فيه، وأن المعلومات الاستخباراتية كانت شحيحة وأن البريطانيين اتبعوا فرنسا وساروا على خطاها دون أن تكون لديهم القدرة على التأثير في استراتيجيتها أو في قرارها. هل يبدو ذلك مألوفا؟ ولكن حتى تلك الأحكام تقصر عن سرد الحقيقة كاملة.إذا أردت الحقيقة كاملة فلا مفر من أن تلجأ إلى الخيال.

كانت مساهمة جوزيف هيلر في مجال الدراسات الحربية هي شخصية ميلو مايندربايندر في روايته الشهيرة كاتش 22 (الحلقة المفرغة). قال الضابط المسؤول عن التموين في القاعدة الجوية الأمريكية في إيطاليا، بما أنه لا يملك أي جندي أن يعمل شيئا بشأن الحرب سوى أن يموت فيها، فإن الشيء العقلاني الوحيد هو جني المكاسب منها؛ ولذلك عندما وجد ميلو نفسه محاطا بفائض من القطن المصري، دعا الألمان إلى قصف مهبط الطائرات في قاعدته الجوية.

يدافع ميلو عن نفسه بشراسة، حيث يقول: "آه، أعرف ما الذي ستقولونه. بالتأكيد نحن في حرب معهم. ولكن الألمان أيضا أعضاء في المؤسسة، ومن واجبي أن أحمي حقوقهم كمساهمين فيها. ربما يكونون هم من بدأ الحرب، وربما يقومون بقتل الملايين من البشر، ولكنهم يسددون فواتيرهم بانضباط يفوق ما عليه بعض حلفائنا ممن بإمكاني أن أسميهم. ألا تفهمون أنه يتوجب علي أن أحترم حرمة ميثاقي مع الألمان؟"
هل ما قدمه هيلر نوع من المحاكاة الساخرة أم نوع من الازدراء؟
المحدثون من أمثال مايندربايندر

قبل ساعات من صدور تقرير اللجنة البرلمانية نشرت صحيفة ميدل إيست آي تسريبات لمحادثات سجلت لطيارين إماراتيين شاركوا في مهمات قصف جوي لمواقع حول مدينة بنغازي، وهم يتواصلون مع برج المراقبة في مطار بنينا، المقر الرئيسي للجنرال المنشق خليفة حفتر.

كان واضحا من تسجيلات سبق أن سربت قبل هذه، أن الطيارين لا يقصفون أهدافا لتنظيم الدولة الإسلامية في سرت، وذلك أن الإحداثيات تشير إلى حي من أحياء بنغازي اسمه سوق الحوت، أو سوق السمك، الذي كان ساحة معركة مفصلية في أثناء التدخل العسكري الأجنبي ضد القذافي في عام 2011، وهو الآن واحد من المواقع الرئيسية التي يدور فيها القتال بين حفتر والقوات الإسلامية "البنيان الرصوص" منذ عام 2014.

تقع هذه المنطقة تحت سيطرة ما يسمى مجلس شورى ثوار بنغازي، وهو عبارة عن ائتلاف بين مجموعة من القوى بما فيها أنصار الشريعة التي تصنفها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، بالإضافة إلى جماعات أخرى تدين بالولاء لوزارة الدفاع الليبية في طرابلس مثل كتيبة شهداء 17 فبراير.

يمكن سماع أصوات ضباط بريطانيين وأمريكان وفرنسيين وأردنيين يتحدثون من برج المراقبة في هذه المقاطع الصوتية المسربة نفسها، وهؤلاء يجلسون داخل غرفة التحكم التابعة لحفتر جنبا إلى جنب مع ضباط إماراتيين.

هذا يعني أن أشباه ميلو مايندربايندر في يومنا هذا يساعدون طرفي النزاع في الحرب نفسها، حتى يقاتل بعضهم بعضا. في هذه الأثناء تراهن بريطانيا على الطرفين معا.

وكما كشفت صحيفة ميدل إيست آي في التقرير الذي تحدثت فيه عن لقاء عاهل الأردن الملك عبد الله مع زعماء الكونغرس الأمريكي في يناير الماضي، توجد عناصر من القوات الخاصة البريطانية في ليبيا جنبا إلى جنب مع عناصر من القوات الخاصة الأردنية، التي قال الملك حينها إن لهجتهم العربية قريبة من العامية الليبية.

نعلم من التقارير الميدانية القادمة من ليبيا، أن الجنود البريطانيين يساعدون مسلحي مصراتة على إخراج عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من سرت.

التدهن الذاتي

ولكن في الوقت نفسه، وبينما تدور رحى المعركة، يقوم ضباط بريطانيون في رقابة الملاحة الجوية وكذلك ضباط بريطانيون وطائرات بريطانية بمد يد العون لقوات حفتر حتى تهيمن على بنغازي.

يذكر في هذا الصدد أن قوات حفتر لم يحصل بتاتا أن شاركت في أي قتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سرت، بل لا يقاتل هذا الرجل سوى من يتصدون لتنظيم الدولة الإسلامية في شرق ليبيا. كل همه هو محاربة الحكومة في طرابلس.

أعماله، مثل أعمال تنظيم الدولة الإسلامية، تستهدف إقناع الليبيين بأن المجلس الرئاسي الذي تشكل برعاية أممية، والذي يحظى باعتراف دولي وكذلك حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عنه، لن يسمح لها بالسيطرة على أي من هياكل الدولة ومؤسساتها، وأنه، أي حفتر، بإمكانه أن يمد سلطانه وأن يوسع دائرة نفوذه غربا.

وهذا ما أفضى يوم الثلاثاء إلى لحظة كان ميلو مايندربايندر سيفخر بها. فبعد يومين من استيلاء ما يسمى بالجيش الوطني الليبي على موانئ الهلال النفطي في راس لانوف، وفي سيدرا وزويتينة والبريقة وانتزاعها من يد مليشيات تحت إمرة إبراهيم جذران قائد حرس الدفاع عن النفط، قرر حفتر ترقية نفسه إلى مشير.

تبع ذلك انسداد في الأفق، حيث طالب حفتر مؤسسة النفط الوطنية برفع الحظر المفروض لأسباب قهرية والسماح للموانئ بتصدير النفط، بينما بادر المجلس الرئاسي ومعه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا إلى إعادة تأكيد دعمهم جميعا لحكومة الوفاق الوطني، معربين عن نيتهم فرض الحظر على أي صادرات غير مشروعة للنفط. ثم ما لبث الحظر على التصدير أن رفع يوم الخميس بعد أن أعلن رئيس مؤسسة النفط الوطنية مصطفى صنع الله عن "قبوله تسلم الموانئ" من رجال حفتر.

يصعب معرفة ما يعنيه ذلك، حيث إن تسلم الموانئ جاء نتيجة لمفاوضات بين المليشيات ولم ينجم عن قتال فعلي. كما وضع صنع الله بذور الشك حول مدى سيطرة حكومة الوفاق الوطني عندما قال إن استيلاء الجيش الوطني الليبي على الموانئ، يمكن أن "يقود إلى مرحلة جديدة من التعاون" بين الفصائل الليبية، وذلك أن السيطرة في ليبيا يوم عيد متنقل.

قبل أسابيع قليلة، استبعد دبلوماسي غربي يقيم في ليبيا فكرة أن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا تعمل على تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقطار، معتبرا ذلك نوعا من التفكير التآمري. وتتلخص الفكرة في أن تحوز بريطانيا على برقة، بينما تكون طرابلس من نصيب الإيطاليين ويفوز الفرنسيون بالمناطق الجنوبية. إلا أنه أقر بأن مخاطر التقسيم قائمة بسبب لاعبين من أمثال حفتر، رغم أن ما من قرار من قرارات مجلس الأمن إلا ويؤكد سيادة أراضي ليبيا ووحدتها واستقلالها، وأن الجهد الجمعي يستهدف السعي إلى تجميع كل المليشيات تحت مظلة واحدة.

كيف بالضبط؟ اعترف هذا الدبلوماسي نفسه بأن بلده استخدمت الإماراتيين وسطاءَ للتفاهم مع شرق ليبيا.

كارثة التدخل

مما لا ريب فيه أن مصر والإمارات العربية المتحدة تحكمهما أنظمة دكتاتورية معروفة بسجلات حافلة من القمع والاضطهاد للمعارضات السياسية. كلا البلدين ينشطان في الخارج بشكل ملحوظ وخاصة في ليبيا، وذلك لضمان الحيلولة دون وصول الحكومات الإسلامية إلى السلطة. ورغم أن حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ليست إسلامية، إلا أن الإماراتيين يبذلون كل ما في وسعهم لإسقاطها لمجرد أن الجماعات الإسلامية خضعت لسلطتها، وإنْ بعد تردد.

إن السماح للمصريين والإماراتيين باقتطاع دويلة تابعة لهم في المناطق النفطية في شرق ليبيا بينما ينهمك الليبيون الآخرون في القيام بمهمة قتال تنظيم الدولة الإسلامية، لا يمكن بحال اعتباره صيغة ناجعة لبناء وحدة وطنية، ولذلك فإن من حق المليشيات المساندة للحكومة التي رعت تشكيلها الأمم المتحدة أن يشعروا بأنهم يطعنون في الظهر ويتعرضون للخيانة والغدر.

صحيح أن كاميرون وساركوزي لم يعودا في السلطة، ولكن قواتهما الخاصة ماتزال توفر الحماية الشخصية لحفتر، بينما تصدر حكومتاهما البيانات المنددة بتحديه للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس. فيما لو قدر لحفتر أن يهيمن فسوف يكون كل ما جنيناه أننا استبدلنا الطاغية القذافي بطاغية آخر.

يمكن القول بأن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا قامت فعليا بتأجير امتيازاتها ومصالحها في ليبيا إلى دول عربية في المنطقة، عمدت إلى وضع أجنداتها هي موضع التنفيذ. يذكر هنا أن المشير السابق الآخر، عبد الفتاح السيسي، كان قد أعلن مباشرة بُعيد انقلابه على النظام الديمقراطي في مصر أن قتال الجماعات الجهادية في شرق ليبيا هو أولى أولويات سياسته الخارجية.

في ذلك الوقت، حار الخبراء بما سمعوه منه لأن ما صرح به جاء قبل وقت طويل من إعلان الجهاديين في العراق عن تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن أن يكون التنظيم قد وصل بعد إلى سرت. لن يكون التدخل هذه المرة غربيا، ولن يكون ليبراليا، ولكن الكارثة الناجمة عنه ستستمر.

يقول ميلو مايندربايندر: "سنخرج من هذه الحرب أثرياء."

يرد عليه يوساريان: "ستخرج منها ثريا، ولكنا سنخرج منها أمواتا."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.