تواصل الجهات الصهيونية المسئولة متابعتها عن كثب للتغيرات الحاصلة في مصر، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل شيوع أنباء عن مواقف رسمية مصرية مناهضة للدولة الصهيونية، آخذة بالنفاذ إلى مستويات صنع القرار. وأكدت "هاآرتس" الصهيونية أمس توقف السفارة المصرية في تل أبيب عن إصدار تأشيرات دخول إلى مصر للصهاينة، وإعلانها أنهم لن يتمكنوا من الحصول عليها في سفارات مصرية أخرى في العالم.
فيما أبدت جهات رسمية قلقها على اتفاقية السلام مع مصر من القيادة المصرية الجديدة، خاصة في ضوء القناعات السائدة بأن عدم استئناف ضخ وإمداد الغاز الطبيعي المصري إلى تل أبيب نابع من موقف سياسي، ولا يعود الأمر إلى مشاكل تقنية وفنية، ولذلك سيسافر قريباً الجنرال عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية في وزارة الأمن إلى القاهرة لبحث المسألة مع المسئولين المصريين.
في ذات السياق، زعمت أوساط استخبارية في تل أبيب أنَّ حركة حماس باتت خبيرة في تهريب الأموال إلى قطاع غزة عبر شبه جزيرة سيناء، حيث وضعت قدراتها تحت تصرف طهران لتهريب الأموال والسلاح إلى داخل مصر.
وقالت "إنَّ شبكة تهريب الأموال التابعة لحركة حماس في سيناء تعمل حالياً في اتجاهين: أحدهما إدخال الأموال إلى قطاع غزة كما هو معتاد، والآخر إلى داخل مصر، وتحديداً إلى الإخوان المسلمين"، وفق زعمها. متهمة غياب أطراف صهيونية عسكرية أو سياسية تعمل للتشويش على وظيفة حماس".
على الصعيد الميداني، أكدت مصادر عسكرية، بحسب "هاآرتس" قرب إنجاز المرحلة الأولى من الجدار الإلكتروني الفاصل بين الحدود الصهيونية مع مصر، بعد مسارعة وزارة الأمن لإعداد وتجهيز البنية التحتية اللازمة لإنشاء الجدار على طول الحدود، حيث أصدر مدير عام الوزارة اودي شمني تعليماته بتشغيل عدة مقاولين في عدة مواقع على الحدود لتسريع المشروع؛ وشركات أمنية لحراسة المقاولين والعمال والمعدات في الموقع.
على الصعيد التجاري، أكد جابي بار مدير قسم الشرق الأوسط بوزارة الصناعة والتجارة أنَّ المصانع المصرية التي تستخدم منتجات صهيونية بموجب اتفاق تجارة برعاية أمريكية "الكويز"، استأنفت العمل إثر تعطيلات جراء الاحتجاجات الأخيرة، وتخللها فرض حظر تجول وإضرابات عمالية واغلاقات للبنوك والموانئ، كما يعمل معبر الحدود في طابا والمعابر التجارية بين الجانبين كالمعتاد.
وتعيش الساحة العسكرية الصهيونية منذ عدة أسابيع حالة من الاستنفار والقلق المتزايد، في ظل ما يحصل داخل الأراضي المصرية من تغيرات دراماتيكية، لاسيما أنه ومنذ 30 سنة تقريباً لم تسأل أي حكومة صهيونية جيشها: ماذا لديك في مواجهة الجبهة المصرية، وماذا ينقصك، وكم من الوقت تحتاج كي تستعد، وكم سيُكلّف ذلك؟
كما لم يطلب المستوى السياسي أن يُعرض عليه أي خطط عسكرية مع جداول زمنية وترتيب أفضليات، لوضع تحول استراتيجي في الساحة المصرية، ومع ذلك، فإنه ومنذ 30 سنة حلقّت هذه الأسئلة في الفضاء، وبقي المستويان السياسي والعسكري في الدولة الصهيونية يدفنان رأسهما في الرمل، وأفسدا القدرات الميدانية في مجابهة ما قد يحدث في مصر.
وفيما يُفسّر كبير المحللين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، مضاءلة القدرات العسكرية في هذه الجبهة إلى الحد الأدنى بأنها إجراء طبيعي، وجزء من ثمار السلام مع مصر، لكنه في ذات الوقت يستنكر ما أسماها ظاهرة محو المعلومات التي تجمعت طوال السنين عن هذا الميدان، ويعتبرها جريمة لا تُغتفر، بحيث أعفت الجهات الصهيونية نفسها، على حد زعمه، من جمع المعلومات الاستخبارية لاحتياجات عملياتية وتكتيكية، حتى المعلومات الأساسية، خاصة وأن فقدان المعلومات لا يقاس بالميزانيات الضخمة، والفرق العسكرية، والطائرات الجوية.
فالحديث يدور عن أشخاص وجماعات عمل يحتفظون بقدرات كالنظريات القتالية والمعلومات الاستخبارية، لأن مراكز المعلومات هذه هي بمثابة الأركان التي يمكن البدء اعتماداً عليها في اليوم الذي يُعطى فيه إنذار لبناء القوة، لكن زمناً طويلاً مر منذ تلك الأيام التي كان فيها جهاز الاستخبارات العسكرية يعرف الضباط المصريين معرفة حميمة، ويعرف عن كل وحدة عسكرية تدخل سيناء، أو تخرج منها.
ويعتقد فيشمان أن الجبهة المصرية تختلف اختلافاً جوهرياً عن جبهات بنى الجيش الصهيونىّ نفسه في مواجهتها في العقود الأخيرة، كالفلسطينية واللبنانية والسورية مثلاً، ولذلك ليس غريباً أن نجد أن المعلومات التي تم جمعها، والنظريات القتالية، والقدرات التي بُنيت في مواجهة الجبهة الشمالية، يمكن أن تخدم فقط الجبهة الغربية في سيناء خدمة جزئية، لأنه ببساطة إذا بحث أي جنرال صهيوني اليوم عن نظرية قتالية تلاءم صحراء سيناء فلن يجدها في أي مخزن، ربما يجدها في متحف الجيش الصهيونيّ فقط.
وبحسب المصادر الرسميّة في تل أبيب، كما قالت "يديعوت أحرونوت" اعتمادًا على مصادر في المخابرات الصهيونيّة، فإنّ الجيش المصريّ هو أحد أكبر الجيوش، وأكثرها تسلحاً في المنطقة، حيث يمتلك أكثر من 400 طائرة حربية، و100 مروحية حربية، و3600 دبابة من طرز مختلفة، تشتمل على دبابة "أبرامز" الأمريكية المتقدمة التي يتم إنتاجها في مصر، والتي يوشك أن يُصدرّها للجيش العراقي، ولديه ما يقرب من 1600 أنبوب من أنابيب المدافع، وصواريخ أرض - أرض.
لكن ما يطمئن العسكريين الصهاينة، بحسب الصحيفة، أنه لو حدث في مصر تحول يفضي إلى نقض اتفاقات السلام، وإعادة السفراء، فان الإدارة الأمريكية "ستقطع عنه التزود بالمعدات، وسيحصل له ما حصل للجيش الإيراني والقوات المسلحة الإيرانية بعد سقوط الشاه أواخر السبعينات، لكن ذلك يحول بينه ما يتعلق بأن التنبؤات المعتمدة على هذه الفروض الأساسية مشكوك فيها من الأساس، والدليل على ذلك مفاجأتنا غير السارة بما حصل في مصر مؤخراً".
وأردفت الصحيفة، نقلاً عن المصادر عينها: "أنّ الخبراء العسكريين في الغرب المتابعين للجيش المصري في السنين الأخيرة يتحدثون بيقين عن أن إسرائيل تمثل التهديد الواقع الذي يقوم في أساس بناء القوة العسكرية في مصر، بعد شكاوي قدمها عاموس جلعاد على مسامع المصريين بأنهم يُجرون تدريبات تُعرف فيها إسرائيل بأنها عدو، خاصة وأن الليبيين والسودانيين ليسوا تهديداً حقيقياً للمصريين، لكن، أوضحت المصادر عينها، ما قد يطمئن جنرالات هيئة الأركان العامة الإسرائيلية أن أي خطط هجومية مصرية، لابد وأن تشتمل على اجتياز 300 كم في صحراء سيناء، ووقوف أمام الحدود الإسرائيلية، وهو ما يتطلب مساراً طويلاً من الشراء والتدريب وبناء قدرة لوجستية وتنظيم الخطط العملياتية، خاصة وأنه حسب اتفاق "كامب ديفيد" يحق لهم في المنطقة التي تُعرف بأنها (المنطقة أ) من شرقي القناة حتى المعابر، أن تكون لهم قوة عسكرية مقدارها فرقة، وقد نشروا هناك ثلاثة ألوية".
وخلصت المصادر ذاتها إلى القول إنّ "من يتولى قيادة الجيش الإسرائيليّ اليوم هم من يطلق عليهم خريجو حربي لبنان الثانية وغزة، الذين أظهروا قدرات متوسطة جداً في إعداد القوة واستعمالها، ورئيس هيئة الأركان الجديد بيني جانتس ومن حوله في هيئة القيادة يواجهون تحدياً تنظيمياً كبيراً يقتضي قرارات كبيرة: فالأزمة في مصر، وإعداد خطة العمل لسنين متعددة، يجب أن تأخذ في الحسبان التغييرات في الشرق الأوسط، فهل سيعرف الجنرالات الذين يقودون الجيش اتخاذ القرارات الصحيحة وفي الوقت الصحيح؟ وإذا لم يكونوا كذلك، فللحكومة هنا دور حاسم بأن تجلس فوق وريد الجيش، وتطلب أجوبة في جداول زمنية معقولة، كي لا تفاجئنا مرة أخرى مفاجآت في التصورات العامة".