تتزايد مظاهر الالتزام الديني عند العديد من لاعبي كرة القدم في الدوري المغربي من خلال حرصهم على ممارسة الشعائر الدينية كاملة، أو طريقة لباسهم أو بعض الطقوس التي يلجئون إليها في التدريب أو قبل كل مباراة. وأصبحت أسماء لاعبين دوليين، من قبيل عبد اللطيف جريندو وهشام اللويسي وطارق الجرموني ومحمد بنشريفة وآخرين، أمثلة لموجة التدين الجديد التي باتت "تكتسح" ملاعب كرة القدم المغربية. وإذا كان البعض يعتبر أن تدين أشهر لاعبي كرة القدم بالمغرب "ظاهرة" طبيعية مردها سيادة النموذج الديني داخل المجتمع المغربي وبحث هؤلاء اللاعبين عن التوازن النفسي، فإن محللين آخرين يقللون من تنامي شأن هذه الحالات ويعتبرون أن الإعلام يسلط الضوء على كل ما هو " إسلامي". ويتداول المغاربة بكثرة في منتديات الإنترنت والمواقع الشهيرة مثل اليوتيوب مقاطع مرئية للاعب المنتخب المغربي سابقاً محمد بنشريفة وهو يصلي باكياً من تأثير الخشوع الإيماني، ومقاطع أخرى لعميد فريق الرجاء البيضاوي عبد اللطيف جريندو، وهو يتلو بصوت هادئ آيات من القرآن الكريم. ولا يخفي لاعبون كُثر علاقاتهم الوطيدة مع دعاة وقراء مشاهير من بينهم القارئ المعروف عمر القزابري، كما أنهم يمارسون طقوساً دينية معينة تمنحهم الصفاء الداخلي والثقة الكبيرة في قدراتهم قبل خوض غمار أي مباراة. واشتهرت فرق بعينها بالتزام لاعبيها، حيث يحرص لاعبو فريق الرجاء على سبيل المثال على الصلاة في جماعة في مستودعات الملابس قبل بدء المقابلات، ويقرأ الكثير منهم القرآن أو يستمعون إليه باستمرار أثناء أوقات الفراغ أو في فترات التركيز الذهني. وتتميز سحنات هؤلاء اللاعبين الملتزمين بإطلاق اللحى وقص الشوارب، على غير عادة اللاعبين في المغرب، وارتداء ملابس رياضية إلى حدود الركبة باعتبار أن ما فوقها يدخل في إطار "العورة" التي لا ينبغي الكشف عنها. ودفعت ظاهرة تدين لاعبي كرة القدم بالمغرب العديد من وسائل الإعلام والصحف والمجلات إلى تسليط الأضواء على حيثياتها وأسبابها، كان آخرها مجلة المشهد المغربي التي أفردت ملفاً خاصاً بظاهرة الالتزام الديني عند اللاعبين. وكشفت المجلة أن هناك لاعبين يتمسكون بمعتقداتهم الدينية الخاصة ولا يفوتون أداء صلاة الحاجة والاستخارة قبل المباريات، وصلاة الشكر بعد تحقيق الفوز فيها، بل منهم من فضل التوجه إلى الديار المقدسة للحج رفقة والدته دون إشعار فريقه الذي كان يحتاج إلى خدماته بشدة حينها. واعتبرت المجلة أن أغلب اللاعبين المتدينين جاءوا من أحياء شعبية خصوصاً من مدينة الدارالبيضاء، لكن بالمقابل ليس كل من أعفى لحيته يُعد ملتزماً دينياً لأن لاعبين مغاربة عديدين أطلقوا لحاهم من أجل الموضة فقط.
قناعة أو تقليد وفسر الأخصائي التربوي والنفسي محمد صدوقي انتشار سمات التدين بين اللاعبين المغاربة بما سمّاه هيمنة النموذج الديني الذي ينشأ فيه أغلب أفراد المجتمع المغربي، مشيراً إلى تفاعل اللاعب مع تأثيرات محيطه القريب مثل زملائه اللاعبين الملتزمين أو أحد أعضاء عائلته. ويرى صدوقي أن بحث اللاعب عن طرق للتوازن النفسي، جراء تعرضه لضغوطات صعبة تفرضها طبيعة مهنة لاعب كرة القدم، يجعله يسلك طريق الالتزام الديني لكونه يجد راحته الداخلية العميقة في ممارسته لتلك الطقوس والشعائر. ورغم ذلك، يتساءل الباحث بخصوص الطقوس والسلوكات الدينية التي يقوم بها بعض اللاعبين، هل يمكن اعتبارها التزاماً دينياً عن قناعة حقيقية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد موضة وتقليد للاعبين آخرين؟ من جهته برر إدريس كرم، الباحث في علم الاجتماع الديني، لجوء بعض اللاعبين إلى طقوس دينية معينة قبل المباريات إلى رغبة اللاعب في الحصول على طاقة معنوية تتيح له القيام بأداء رياضي أفضل، مضيفاً أنها طريقة للتشجيع الذاتي ومحاولة اقتحام لحظات المباراة التي يختلط فيها ما هو حظ أو غيبي بما هو ممكن. في المقابل، قلل كرم في حديثه ل"العربية.نت" من شأن الحالات العديدة للالتزام الديني الواضح لدى لاعبين لكرة القدم بالمغرب، مستدلاً بما اشتهر لدى البعض بالسجود بعد تسجيل هدف ما أو تحقيق الفوز. وقال كرم إنه لا يمكن اعتبار ذلك مؤشراً حقيقاً على تدين اللاعب الساجد بغض النظر عن آراء دينية عدة تقول بكراهة السجود بتلك الطريقة لأسباب شرعية معروفة. وأضاف كرم أنه لا يمكن اعتبار مظاهر التدين لدى هؤلاء اللاعبين ظاهرة، ولا يمكن ربطها بما يسمى انتشار الصحوة الدينية داخل المجتمع المغربي، موضحاً أن الإعلام يلعب دوراً رئيساً في تسليط الضوء على كل ما هو "إسلامي" حتى لو كان إعفاء لحية للاعب ما.