احيا الجدل حول تشكيل الحكومة العراقية الذي قد يطول نقاشا من نوع اخر بين مسئولين ومستشارين ومحللين امريكيين حول خطط الرئيس الامريكي باراك اوباما للانسحاب من العراق، فعندما صادق اوباما على خطة تخفيض عدد القوات الامريكية في العراق هذا الصيف، فقد قامت خطته على فرضية ان الانتخابات العراقية ستؤدي لانتخاب حكومة عراقية في الوقت الذي ستعود فيه القوات الامريكية لبلادها. وبحسب الخطة سينخفض عدد القوات في العراق الى 50 الف جندي. لكن تداعيات العملية الانتخابية والجدل بين الاطراف الرابحة والخاسرة لم يؤثر على الخطة ولم يصدر عن الرئيس نفسه ما يشي بتغييرات. كما ان الرئيس نفسه لم يعقد ومنذ اشهر اي اجتماع مع فريق امنه القومي ليناقش اوضاع العراق فيما يؤكد مسؤولون في البيت الابيض ان لا نية لاعادة النظر في الخطة. ولكن الوضع في العراق يمثل امتحانا للرئيس وتعهده اثناء الحملة الانتخابية للرئاسة عام 2008 لانهاء الحرب واعادة القوات الامريكية من العراق، حيث تعهد ان العودة ستتم في غضون ستة اشهر من رئاسته. ويرى محللون صحفيون امريكيون ان تمسك الرئيس بخطته يعني تراجعا عن الموقف الذي تبناه بناء على توصيات من قادته العسكريين في فبراير العام الماضي ويقوم على ضرورة الاحتفاظ بتواجد عسكري امريكي كبير لتوفير الامن والاستقرار في مرحلة ما بعد الانتخابات. وبدلا من هذه الاطروحة يتبنى الرئيس موقفا جديدا يقوم على قدرة القوات العراقية على توفير الامن وانها مستعدة لمواجهة التحديات الجديدة بدون دعم امريكي. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن نائب مستشار الامن القومي قوله ان الامريكيين لا يرون اي داع في الوقت الحالي لتغيير الخطة وتمديد بقاء القوات اكثر من اللازم. واكد بن رودس ان الحكومة الامريكية كانت واعية لطول امد الجدل حول الحكومة الجديدة. وعن عدم تركيز اوباما على العراق اشار رودس الى ان نائب الرئيس جوزيف بايدن الذي بيده ملف العراق يعقد اجتماعات دورية حول العراق ويزود الرئيس بآخر التطورات مما يعني ان الرئيس مطلع على مجريات الامور في العراق. وترى الصحيفة ان قيام الرئيس بتغيير جدول الانسحاب سيؤدي الى بروز مصاعب لوجيستية وسياسية، فمن ناحية ارتبطت سياسة اوباما تجاه العراق باستراتيجيته في العراق، فهو يسحب القوات من الاخير ويزيدها في افغانستان. ولكن تمسك الادارة بعدم اعادة النظر في سياسة خفض القوات في العراق يثير قلقا لدى دوائر خاصة وممن شاركوا في نقاشها العام الماضي، فالخطة الامريكية التي اعلن عنها قامت على اساس عقد الانتخابات في ديسمبر العام الماضي وعلى ان تكون الحكومة العراقية الجديدة في موقعها بعد شهرين من الانتخابات لكن الاخيرة لم تنعقد الا في الشهر الماضي ولن يعلن عن الحكومة الا بعد شهور. وفي ضوء التطورات الاخيرة نقل عن ريان كروكر، السفير الامريكي السابق في العراق والذي قدم توصياته لاوباما قوله ان الادارة يجب ان تعيد النظر في خطة الانسحاب. وعبر كروكر عن "قلقه الشديد". وقال انه يرغب من الحكومة الامريكية التمسك بالمرونة السابقة خاصة ان الحكومة العراقية قد لا تشكل الا بعد نهاية الجدول الزمني. ونفس الموقف عبرت عنه مستشارة سابقة للامن القومي في حكومة بوش حيث ترى ان خروج القوات في نهاية الصيف متعجل. وقالت انه مع التحول من خطة متشددة الى اكثر مرونة تتعامل مع وضع مائع ومتغير في العراق، فالعراقيون لا يرغبون من امريكا الانشغال بخطة الخروج تاركين البلاد في وضع غير واضح. ونقل عن مسئولين قوله ان قائد القوات الامريكية في العراق الجنرال ريموند اوديرنو فكر بالاحتفاظ بقوة قتالية من 3-5 آلف جندي في شمال العراق بعد ان تأكد عدم عقد الانتخابات في موعدها لكن المسؤولين في البيت الابيض لم يبدوا رغبة في الاستجابة له. لكن قيادة الجيش الامريكي في العراق نفت ما تحدث به المسؤولون خاصة ان كلا من اوديرنو وقائد القيادة الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس والسفير في بغداد كريستوفر هيل قد عبروا عن رضاهم بالخطة الحالية لتقليل عدد الجنود. واكد اوديرنو راحته للخطة الا في حالة حدوث كارثة غير محسوبة. ويظل العراق في مرحلة ما بعد الانتخابات على حد السكين، والاوضاع مرشحة بحسب المراقبين للتطور في ظل المماحكات السياسية ومحاولات اطراف تغيير نتائج الانتخابات لصالحها. ويشير تحليل في صحيفة "جارديان" الى ان خروج القوات الامريكية في هذه الظروف يعني ان كل التضحيات والقتل والاموال التي انفقت منذ اعلن جورج بوش عملية "الحرية" المزعومة للعراق ستكون هباء، هذا بعيدا عن اثر الحرب الفظيع على العراق والعراقيين انفسهم. ويذكر التحليل بلغة واشنطن الانتصارية لدى اعلان بوش "تحرير" العراق وانهاء المهمة ويحيل الى نقطة "الفلوجة" التي بددت كل احلام المنتصر الامريكي وما تبع ذلك من قتل وتشريد وحرب طائفية. ويعتقد الكاتب انه بعد كل هذه السنوات واعادة شكل من النظام الى البلاد تريد امريكا الرحيل سريعا والانتهاء من العراق لكن الاخير لم ينته من امريكا بعد. وحذر الكاتب من امكانية تجدد العنف الطائفي بسبب الجدل حول نتائج الانتخابات وتدخل دول الجوار خاصة ايران وسورية. وتحدث الكاتب عن علامات تشير الى عودة العنف الطائفي بين السنة والشيعة، تفجيرات، ذبح عائلات وسجون سرية، وانتهاكات للجنود. كل هذه تجعل من سيناريو عودة العنف محتملة كما حذر السفير الامريكي السابق للعراق زلماي خليل زاد الذي كتب في "فايننشال تايمز" وقال ان العراق لم يخرج بعد من دائرة الخطر وعلى الولاياتالمتحدة عدم تركه ليواجه اضطرابات وتدخلات خارجية. واضاف ان ارتكاب اخطاء في عملية تشكيل الحكومة قد يؤدي الى تفعيل القوى الطائفية من جديد. واقترح ائتلافا موسعا يتداول فيه نوري المالكي واياد علاوي السلطة وهما الطرفان المختلفان حيث خسر المالكي لصالح قائمة العراقية التي يتزعمها علاوي بفارق ضئيل. وفي الوقت الذي تتمسك فيه ادارة اوباما بخطة الانسحاب اكتفى قادتها بالتحذير والحث والتعبير عن القلق، فقد دعت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الثلاثاء الماضى قادة الاحزاب للعمل على تشكيل سريع للحكومة وقالت انه من اجل ان تكون الاعتراضات شرعية يجب ان تكون شفافة. وتعتبر كلينتون اكبر مسئول في الادارة يعبر عن قلقه من تداعيات الانتخابات. وكانت كلينتون تشير الى القرارات التي تصدر عن لجنة المساءلة والعدالة التي يرى فيها البعض اداة لاستهداف السنة باستخدام ذريعة التعاطف مع النظام السابق. وقبل كلينتون عبر السفير هيل عن قلقه من بطء عمليات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ودعا الى الانتهاء سريعا من المداولات و"وضع العرض على الطريق الصحيح". وعبر هيل عن ضيقه من استمرار المداولات التي مضى عليها سبعة اسابيع حيث قال للصحفيين في مقر السفارة ببغداد "كنا نعرف ان هذه الفترة ستكون صعبة ولكننا ندخل اسبوعنا السابع". ويرى هيل في تصريحاته التي نقلتها "واشنطن بوست" ان النتائج المتقاربة هي سبب المشكلة حيث قال "استطيع القول ان النتائج المتقاربة هي التي ادت لهذا الوضع الضيق واضافت تحديات لكل المؤسسات الديمقراطية العراقية الوليدة"، وجاءت تصريحات السفير هيل بعد قرار شطب 58 من المرشحين من قوائم الانتخابات والغاء اصواتهم اضافة لحرمان فائز من مقعده الذي فاز به، في خطوة ينظر اليها على انها محاولة لتغيير نتائج الانتخابات العراقية لصالح نوري المالكي، رئيس الوزراء الحالي الذي يحاول التمسك بالسلطة بعد خسارة كتلته امام قائمة العراقية التي يتزعمها اياد علاوي. ويتوقع ان لا يعلن عن الحكومة الجديدة الا بعد اسابيع خاصة ان المالكي طالب بعد يدوي لاكثر من مليوني صوت فيما يتهم علاوي منافسه المالكي بانه يستخدم لجنة المساءلة التي هي اسم اخر للجنة اجتثاث البعث لاضعاف كتلته، خاصة ان مؤيدي علاوي هم من السنة الذين تستهدفهم اللجنة. وكان هيل قد المح ناقدا اداء المؤسسات التشريعية ودورها في الوضع الحالي الا انه المح الى انها لم تكن "محصنة". ويحذر اعضاء في قائمة علاوي من استمرار الوضع ونقلت "نيويورك تايمز" عن احد قادة الكتلة قوله ان العملية تشبه عملية الحرمان والملاحقة "تصل الى حد اغتيال العملية السياسية". وكانت القائمة العراقية قد طلبت من الاممالمتحدة والحكومة الامريكية ان تقوما بوضع حد للهزء من الديمقراطية. ونقلت "اندبندنت" عن مسئولين عراقيين قولهم ان الصدريين الذين حققوا نجاحا في الانتخابات والسنة الذين صوتوا بشكل كبير لعلاوي لن يقبلوا انتخابات يسرقها المالكي. وتشير الصحيفة ان عمليات تزوير حصلت من قبل الطرفين لكن اتباع المالكي فوجئوا بهزيمتهم وقللوا من اهمية منافسهم علاوي ولان المالكي هو وحده من يسيطر على مؤسسات الدولة وكان بامكانه التزوير اثناء الانتخابات والآن ينوي التزوير في عملية تراجعية، حسب الصحيفة.