حلل الأستاذ محمود ناجي الكيلاني، رؤيته فى أسباب ونتائج اعتقال الداعية الأردنى، إياد قنيبي فقال بتهمة غريبة، فاجأت جميع المتابعين بعنوانها "تقويض نظام الحكم" اعتقلت الأجهزة الأمنية قبل عدة أيام الدكتور إياد عبدالحافظ قنيبي، مع أن فعله لم يتعدَّ كتابة مقال يدعو فيه لمراقبة الله، والتحذير من عقابه، جرّاء تصريحات وفعاليات وممارسات حصلت بالبلاد في الآونة الأخيرة، انتقدها شارعنا الأردني علانية؛ لكونها مخالفة لدينه، ولا تتقبلها عاداته وتقاليده الحميدة. ولا أظن أن المقال لو عُرض على "دار الإفتاء" أو "دائرة قاضي القضاة" سيكون باستطاعتهما إخراج بيان مخالف لما جاء فيه؛ إن لم يكن من واجبها الشرعي إصدار بيان مؤيد له، ومستنكر لاعتقاله؛ إبراء للذمة أمام الله! فالقنيبي تطرق في مقاله عبر نقاط سريعة لعدة أمور، كان من أهمها، اجتماع السفيرة الأمريكية في عمّان "أليس ويلز" بناشطين مثليين (شواذ جنسياً)، واستضافة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في البحر الميت، وزيارة طلبة أردنيين إلى الملاهي الليلية والمسابح الإسرائيلية المختلطة، ودعوة مدير المواصفات والمقاييس لزراعة العنب وتحويله ل"نبيذ" لرفد الاقتصاد الأردني بمليارات الدولارات، وتكريم "فنانة مصرية" كأم مثالية في مؤسسة رسمية، و"عرض ملتحين ومحجبات كمجرمين" بتدريبات مكافحة "الإرهاب". هذا ملخص مقاله لمن لم يقرأه، وقد أوردته في تقرير صحفي عقب اعتقاله، ولا أظن أحداً يخاف على مصالح البلاد والعباد؛ يستنكر ما ورد في المقال، مع اتفاق عدد من المراقبين والقانونيين على أن القضية المسندة للقنيبي بمسماها وأدواتها؛ أكبر من حجم مقال، وأن الأكمة وراءها ما وراءها، في ظل الحديث المتكرر عن شعار "حرية سقفها السماء". لماذا اعتقل؟ بتصوري؛ قصة المقال هي السبب الظاهر للاعتقال، وجوهره يبدو أكبر بكثير، فما يربك كثيراً من الأنظمة ويخيفها، ويجعلها تتخبط في قراراتها؛ وصول الوعي الفكري والديني والثقافي لأذهان الشعوب، وفي طليعتهم الشباب، وأهمهم طلبة الجامعات؛ لشدة تأثيرهم في الواقع. وأعتقد كما يعتقد كثيرون، أن عملية إفراغ طلبة الجامعات فكرياً ودينياً وثقافياً، تتم وفق أسس وخطط محكمة، فتعبئتهم الإيجابية النافعة لا تحتاج لأكثر من غربلة المنظومة التعليمية، وإصدار عدة قرارات حازمة، مع قليل من الصبر. فعلى سبيل المثال؛ نجد من خلال شرعنة الاختلاط غير المبرر، حدوث كثير من الكوارث، بإشغال فراغهم بقصص العشق ومغامرات الشهوات، وتفريغ طاقاتهم وحماستهم وحميتهم بالمشاجرات العشائرية والمناطقية والإقليمية، وتسهيل عملية نجاحهم عبر المعارف والوساطات، بلا تحصيل علمي يلمس أثره الطيب بقوة على أرض الواقع - للأسف - وبشهادة ضمنية من بعض رئاسات جامعاتنا التي باتت تطلب مدرسين لها من خريجي الجامعات الغربية، حتى في كليات الشريعة واللغة العربية، وهذا بلا شك مؤشر خطير، في ظل وجود العديد من المتعطلين عن العمل من حملة الدكتوراة لدينا! وقد حقق د.إياد حضوراً لافتاً بمحبته لدى فئة الشباب عموماً وطلبة الجامعات التي درَّس فيها خصوصاً، وتبين صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي اتساع علمه الشرعي، فضلاً عن متابعة ما ينشره من القاطنين في بلاد الصراع الإسلامي، وتمكنه من تخصصه الذي سجل فيه براءتَي اختراع (ضمن فريق بحثي)، وهو الحاصل على درجة الدكتوراة في علم الصيدلة من جامعة هيوستن الأمريكية التي قدمت له منحة كاملة للدراسة فيها؛ نظراً لتفوقه، فضلاً عن قدرته على إيصال المعلومة بشكل علمي سلس ينقص كثيراً من الدعاة وأصحاب العلم، مع أنه لا يهادن ولا يداهن ولا يسترضي أحداً، ويشير في أعلى صفحته على تويتر "أريد للناس أن يحبوا الله ورسوله، ويعتزوا بدينهم، وينصروا الشريعة، ويتخلصوا من الشبهات والتمييع"، وأضرب مثالاً يعلمه طلبته جيداً؛ وهو أنه لا يقبل بالاختلاط غير الجائز شرعاً، فمشهد انفصال الشباب عن الفتيات في المدرجات الدراسية الجامعية لا يُرى إلا بكليات الشريعة، وهو لا يقبله بمحاضرته العلمية في كلية الصيدلة. فقبل أن يحين موعد محاضرته يكون كل جنس قد جلس في مدرجه بعيداً عن الجنس الآخر - بصدور رحبة - ليس من باب الفرض والإجبار عبر السلطة التدريسية، ولكن من باب احترام قامة علمية وشرعية فرضت هيبتها وتقديرها في نفوس الطلبة الذين يدعوهم لشيء لا يختلف عليه أصحاب الديانة والمروءة والذوق الرفيع. وقد وسّع مؤخراً مجال دعوته بارتياد المدارس وإعطاء محاضرات توعوية فيها، ووجدَتْ تفاعلاً إيجابياً، وبعض تلك النشاطات منشور على صفحته، وعلى صفحات المدارس في "فيسبوك". قبل منع د. إياد قنيبي من الخطابة؛ كانت أغلب خطبه في (عمّان الغربية)، وهي منطقة تعرف بالثراء المادي وإقامة أصحاب المناصب العليا فيها، ويُشتهر عنها أردنياً "البعد عن التدين"، ولكن من يحضر خطبة للقنيبي في أحد مساجدها يتفاجأ أن درجة التزام المصلين بالصلاة هناك عالية، بحيث كانت تضطر حينها إدارة السير إلى وضع دورية لتسيير حركة المرور، وقد شهد له بعض أئمة المساجد أن الصدقات للمسجد الذي يخطب فيه تزداد بأضعاف، وأن محبته كُتبت حتى في قلوب من يخالفهم ويحمّلهم المسؤولية الكبرى بانتشار الفساد بكافة أشكاله في البلاد، وأعني المسؤولين بشكل عام، فبعضهم كانوا يسعون عبر اتصالاتهم لإعادة د. إياد للخطابة، للمْسهم جانب الصدق لديه - بشهادة الأئمة - مع أن اتصالاتهم لم تكن ذات جدوى، فمسألة عودته للخطابة كانت بحاجة لموافقة جهات عليا.. وقد قال زيد بن أسلم: "كان يقال: من اتقى الله، أحبه الناس؛ وإن كرهوا". لا ينتمي القنيبي لأية جماعة سلامية؛ ولكنه بشهادة كثير من أبناء الجماعات حقق بمفرده عمل بعض الجماعات، بجانب الدعوة ومتابعة أحداث الأمة، والتعليق عليها كتابياً، مرئياً، أو صوتياً، ومخاطبة هموم الشباب، وذلك مع انشغاله بعمله وأسرته وواجباته الاجتماعية، وعدم تفرغه التام لميدان الدعوة، وقد شكلت شخصيته حالة فريدة من نوعها بمطالبة الجماعات الإسلامية المختلفة بالإفراج عنه. وللعلم؛ هو شاعر متمكن، حاز على جائزة أمانة عمان الكبرى في الشعر عام 1993 أيام كان على مقاعد الدراسة المدرسية، ولكنه انقطع عن الشعر لكثرة اهتماماته السياسية والشرعية، وقد أخرج بفترة سجنه الأولى عام 2011 بتهمة (تعريض مصالح الأردن للخطر) - التي قضى فيها 470 يوماً؛ ليحصل بعدها على البراءة - بعض القصائد الرائعة كقصيدة (طال البلاء) التي يقول في مطلعها: طالَ البلاءُ فوجهُهُ متجهمُ ... وخبا الرجاءُ فيأسُهُ مستحكمُ كل ما سبق ذكره، وبدون إضافات أخرى يدعو لقلق فئة من أصحاب القرار، لربما لا تدرك النتيجة المعاكسة للاعتقال لشخصية تمتلك هذا الحضور. ماذا كانت نتيجة الاعتقال؟ بالإضافة إلى ما سبق، تجيبنا مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد اعتقاله همَّ من لا يعرف الداعية إياد قنيبي للسؤال عنه، وعن اتجاهه الفكري، والسعي للاطلاع على كل نتاجه المنشور في فضاء الشبكة العنكبوتية؛ بحيث انتشرت كتاباته ومقاطعه الصوتية والمصورة بشكل لربما لم يكن يتصوره هو، خلال يومين فقط، لا سيما مقاله الأخير (الأردن والإسراع نحو الهاوية). وللتأكد من ذلك؛ لا يحتاج الأمر- بعد إتمام هذا المقال المطول قليلاً- أكثر من العودة عبر الفيس بوك وتويتر لهاشتاغات #نصرة_للدكتور_إياد_قنيبي #اعتقال_الدكتور_إياد_قنيبي #اياد_قنيبي، فضلاً عن انتشار صورته على البروفايلات كصور شخصية من باب التضامن من قبل شبان لربما لم يعرفوه إلا من خلال الضجة الإعلامية التي أثيرت عقب اعتقاله! فسبحان من زرع له تلك المحبة التي يغبط عليها في قلوب عباده، وذلك مصداق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس). فإن كانت الغاية من سجنه كتم صوته، فما يظهر أن النتيجة كانت عكسية تماماً.. انعكاس الاعتقال على الدكتور إياد على الصعيد الشخصي؛ لا يوجد إنسان جرّب مرارة الاعتقال والسجن وتتقبل نفسه العودة إليه، وقد جرّبه الدكتور إياد، كما ذكرت آنفاً، ولكن صاحب الدعوة والهمة يرى أن وروده السجن أمر لا مفر منه في ظل وجود من يرفض سماع النصح بالحق، وإنْ خُيّر الداعية الصادق بين أمرين: صمت عن النطق بالحق يؤدي لأذى الناس، أو معاناة سجن يعانيها بمفرده؛ مدّ يداه بلا أدنى تفكير لقيد السجان وهو ينطق بقول يوسف عليه السلام: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). وهذا حال الدكتور إياد الذي يستبق أحياناً عملية مراجعته لدائرة المخابرات بعد طلبهم إياه؛ بنشر قول المولى عز وجل على صفحته (فَالله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، مع تأكيده بقوله مؤخراً: "لا أحد يحافظ على أمن أي بلد أكثر من الدعاة المصلحين"، مستشهداً بقول رب الأرباب (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) التي علق أسفلها بقوله "لاحظ: ما قال (صالحون) في ذوات أنفسهم، ثم لا يعنيهم ما يكون من الناس بل (مصلحون) يأمرون غيرهم بالصلاح". يحب الشيخ إياد (أبو الفاروق) أسرته، كأي واحد منا، ويتمنى أن يكون قريبا منها، لا سيما في شهر رمضان الفضيل، الذي يعود فيه المسافرون إلى ديارهم للاجتماع بأهاليهم، ويحز في نفسه البعد عن والدته - حفظها الله - التي كتب عنها قبل حوالي أسبوع: "من أكثر اللحظات التي أشعر فيها بالاطمئنان، هي تلك التي أقضيها مع أمي، أحاورها أو أقضي حاجاتها وأسمع دعواتها لي..أحس بأنها أفضل استثمار للوقت"، ولكن قول الحق الذي يؤدي لنجاة الناس أحب إليه، نحسبه كذلك والله حسيبنا وحسيبه. ولا بد من الإشارة في هذه الإجابة عن تساؤل (ما انعكاس الاعتقال على الدكتور إياد؟) إلى أن القنيبي كتب مؤخراً عن التحفظ على كتب ابن تيمية، وتعدي كاتب في صحيفة الرأي على علم ابن تيمية، ومطالبته بنشر دعوة الأحباش التي يصفها بالمعتدلة، والإمام ابن تيمية هو صاحب المقولة الشهيرة "أنا جنتي وبستاني في صدري، سجني خلوة، وقتلي شهادة، و إخراجي من بلدي سياحة"، وقد قال القنيبي من سجنه لشقيقه كما نشرت صحيفة السبيل: إن "سجني يعفيني من المساءلة أمام الله عن السكوت على المنكرات التي تحصل في البلاد، وتعفي كل من يؤيدني في ذلك" وهو الآن في خلوته - الصعبة بلا أدنى شك - يتدبر آيات ربه، ويمارس عبادته التي لربما أخذته متابعة أحداث العالم المتعبة عنها قليلاً؛ إلى أن يُقضى من الله أولاً أمر الإفراج عنه. وختاماً؛ إلى من حاولوا التشغيب على اعتقال الدكتور إياد، لربما مدفوعين من جهات رسمية، أو من تلقاء أنفسهم، لقراءة عناوين منفرة هنا أو هناك ساقت الخبر بشكل غريب، بقولهم: إنه يريد ممارسة الوصاية على الناس بحديثه وتصوير الناس أنهم على ضلالة! أدعوهم لسماع أو قراءة مقالات الدكتور إياد بتروٍ أكثر، ليجدوا أنه لم يتطرق لما يحاولون إلصاقه به، فقد تحدث عن نتيجة مخالفة أوامر الله وعصيانه على الناس، وقد استشهد بتعليقات عديدة لإخوة سوريين على صفحته، تبين بلاء الله على شعب مسلم صمت عن رؤية المعاصي لعقود طويلة ولم يأمر بمعروف أو ينه عن منكر ولو بمجرد الكلام، وهم يُحملون أنفسهم المسؤولية الأولى مرددين قول المولى عز وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). وعلى العكس تماماً مما قد يروَّج، فكتابات الدكتور إياد؛ إن قُرئت بإنصاف؛ تبين أنه من أحرص الناس على مصلحة البلاد والعباد، وللعلم فأبواب الجامعات الأمريكية كانت مفتوحة لعلمه وخبراته وبراءات اختراعاته على مصراعيها، ولكنه لم يُرد ذلك، كما يريد غيره، ولربما ممن ينتقدونه بدون قراءة ما كتب، ولربما أيضاً يكون بعضهم ممن أجري عليهم استطلاع للأمم المتحدة خلص إلى أن 34% من الشباب الأردني يسعى للهجرة جراء الوضع الاقتصادي، ومن فتحت له طرق الوصول إلى تلك البلاد بالهلا والترحاب كالقنيبي مثلاً، يصر على البقاء في بلاده المسلمة لينشىء أبناءه على التربية والأخلاق العربية والإسلامية، ويقدم دعوة العلم والخير لشعبه وأمته التي يحبها. ومن هذا المنبر #اعلن_تضامني_مع_القنيبي ، بدعوتي للإفراج عنه بشكل عاجل، داعياً كل منصف ناشد للعدل إعلان ذلك، من باب نصرة مظلوم حر صاحب أثر طيب، سواء اتفقت معه بكل دعوته وتحليلاته، أم لم تتفق، وأعتذر عن الإطالة، سائلاً المولى عز وجل بلوغ الصدق والإخلاص فيما قلته، وحسبنا الله ونعم الوكيل.. اللهم فرجاً قريباً لجميع أسرى المسلمين ومعتقليهم في شتى بقاع الدنيا. والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين