أسعار الأسماك في شمال سيناء اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    محافظ أسيوط يوجه بتوحيد إجراءات تراخيص المحلات وربطها إلكترونيًّا بالجهات المعنية    غارة جوية إسرائيلية تستهدف سيارة على طريق الجرمق – الخردلي جنوبي لبنان    موعد مباراة روما وليل في الدوري الأوروبي    إصابة 8 أشخاص في انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    الرعاية الصحية: إنشاء وحدتين لزراعة النخاع بمجمع الأقصر الدولي والسويس الطبي    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    3 شهداء و13 مصابًا في قصف إسرائيلي على خيام النازحين بدير البلح    وزير الخارجية يؤكد تضامن مصر الكامل مع السودان ودعم سيادته ووحدة أراضيه    كوبا تخطف نقطة من إيطاليا وصعود الأرجنتين فى كأس العالم للشباب.. فيديو    السودان: سنجري مراجعة تفصيلية لملف السد الإثيوبي    أسعار الذهب اليوم الخميس 2 أكتوبر في بداية التعاملات    السيسي يصدر قرارًا جمهوريًّا جديدًا، اعرف التفاصيل    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    مصرع شخص وإصابة 5 في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    قصور الثقافة تعلن مد فترة استقبال الأعمال المشاركة بمسابقة النصوص الدرامية القصيرة جدا    رحيل بشير أحمد صديق شيخ القراء فى المسجد النبوى عن عمر ناهز 90 عاما    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2-10-2025 في محافظة قنا    خبير مصرفي: تثبيت أسعار الفائدة الأقرب في أكتوبر لمواجهة ضغوط المحروقات    عاجل - حقيقة إغلاق المدارس والإجراءات الوقائية.. رسالة عاجلة من الصحة بشأن ظهور HFMD بين الطلاب    تعطل الاتصالات والإنترنت بالقاهرة اليوم.. والسبب المتحف المصري الكبير    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    معركتك خسرانة.. كريم العدل يوجه انتقادات حادة لمخرج فيلم «اختيار مريم»: انتحار فني كامل    بهدفين لا أجمل ولا أروع، المغرب يضرب البرازيل ويتأهل لثمن نهائي مونديال الشباب (فيديو)    البابا تواضروس الثاني يترأس قداس تدشين كاتدرائية الأنبا أنطونيوس والأرشيدياكون حبيب جرجس بأسيوط الجديدة    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    شركة مايكروسوفت تطلق "وضع الوكيل الذكي" في 365 كوبايلوت    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    الحمل بيحب «الروايات المثيرة» والحوت «الخيالية».. ما نوع الأدب الذي يفضله برجك؟    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضربة الإسرائيلية لإيران.. هل أصبحت وشيكة؟
نشر في الشعب يوم 07 - 01 - 2010


بقلم: جواد البشيتي*

الولايات المتحدة وإسرائيل لم تؤكِّدا، كما لم تنفيا، رسمياً، ما قيل، إعلامياً، في شأن مَنْع إدارة الرئيس بوش في نهاية عهدها، وإدارة الرئيس أوباما، الدولة اليهودية من شنِّ هجوم عسكري على إيران للحيلولة بينها وبين صُنْع قنبلة نووية، تُوْشِك طهران أن تَسْتَكْمِل القدرة على صنعها، ويُمْكنها صُنْعها عمَّا قريب إذا ما قرَّرت.
ما نَعْلَمه، أو ما أريد لنا أن نَعْلَم، عَبْر "الإعلام"، هو أنَّ إسرائيل قد أعدت العدَّة لضرب إيران عسكرياً؛ ولكنَّ الولايات المتحدة، وفي عهد إدارة أوباما على وجه الخصوص، هي التي ثَنَتْها وصدَّتها عن ذلك.
إسرائيل لا تُصدِّق، ولا تسمح لنفسها بأن تُصدِّق، أنَّ إيران تُخصِّب اليورانيوم، وتمضي قُدُما في تخصيبه، وفي زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب، من أجل إنتاج الكهرباء، أو من أجل الاقتصاد في استهلاك احتياطها من النفط والغاز، بدعوى ادِّخار "القرش الأبيض" ل "اليوم الأسود".
وترى إسرائيل فَرْقاً (سياسياً وإستراتيجياً) نوعياً بين الترسانة النووية الباكستانية والترسانة النووية الإيرانية التي لم تَظْهَر إلى حيِّز الوجود بَعْد، ف "القنبلة النووية الإيرانية" هي، سياسياً واستراتجياً.. وفكرياً، من "النوع النَّجادي"، نِسْبَةً إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجَّاد، المُنْكِر ل "الهولوكوست"، أو المشكِّك في حجمه وبعض "مسلَّماته"، والمُبشِّر ب زوال" دولة إسرائيل.
ولا شكَّ في أنَّ إسرائيل لا تحتاج إلى من يشرح لها معاني ومغازي "الجيل الجديد" من الدول النووية، والذي حذَّر البرادعي من مخاطِر ظهوره، فبعض الدول، كإيران، تحاول الجَمْع بين بقائها مُلْتَزِمة معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وبين تطوير قدراتها النووية بما يسمح لها بإنتاج الكهرباء مثلاً، وبإنتاج السلاح النووي في أي وقت تشاء، وكأنَّها "جيل الدول النووية بالقوِّة"، أي التي لا تريد الآن إنتاج القنابل النووية وهي القادرة على إنتاجها.
مرَّة أخرى، نسمع كلاماً، ونرى أفعالاً، تعزِّز، بل تُرجِّح، احتمال ضرب إيران، عسكرياً، إنْ لم يكن اليوم، فغداً، مع أنَّ طهران ما زالت تسعى إلى إظهار أنَّها تملك من أسباب القوَّة (الذاتية، أو المستمدَّة من ضعف خصومها) ما يردع، أو ما يجب أن يردع، إسرائيل (والولايات المتحدة) عن ضربها عسكرياً. وها هي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقول إنَّ إسرائيل تعتزم شن الحرب على إيران في غضون أيام.
والآن، هل حان ضرب إيران عسكرياً؟
قبل إجابة هذا السؤال، وتوصُّلاً إلى إجابته، لا بدَّ من إجابة كثير من الأسئلة؛ فهل تملك إيران الآن سلاحاً نووياً (سرِّياً)؟ وهل هي قادرة، على افتراض أنَّها تملكه، على استخدامه (إذا ما اضطُّرت إلى ذلك) بما يصيب مقتلاً من إسرائيل؟ وإذا كانت لا تملكه الآن، فهل هي قادرة على امتلاكه عمَّا قريب؟ وهل هي صادقة في تأكيدها أنَّ برنامجها النووي لن يكون إلاَّ للاستخدام السلمي والمدني والاقتصادي، وأنَّ امتلاكها (مع استعمالها) للقنبلة النووية هو من "الحرام الديني"؟ إذا كانت الضربة إسرائيلية، فهل تملك إسرائيل من القدرات والوسائل العسكرية (التقليدية) ما يمكِّنها من تحقيق "الهدف"، وهو إصابة القدرة النووية لإيران بعجزٍ شبه دائم؟ هل هي قادرة فعلاً على أن تنجح مثلما نجحت في تدمير المفاعل النووي العراقي؟ وإذا كانت قدراتها العسكرية التقليدية لا تفي بالغرض، فهل تستخدم نوعاً من السلاح النووي في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، على افتراض أنَّ أجهزة استخباراتها تملك من المعلومات الدقيقة ما يسمح لها بتدمير شامل للقدرة النووية الإيرانية؟ هل تُظْهِر إيران أنَّ لديها من الوسائل والقدرات العسكرية (التقليدية) ما تسبَّب بفشل الضربة العسكرية الإسرائيلية؟ وهل تُظْهِر أنَّ لديها من تلك الوسائل والقدرات ما مكَّنها من الانتقام من إسرائيل شرَّ انتقام؟ وهل تستخدم في انتقامها أسلحة كيميائية وبيولوجية، على افتراض أنَّها لم تملك بعد أسلحة نووية؟ إذا فشلت الضربة العسكرية الإسرائيلية التقليدية، أو التي استعمل فيها نوع من السلاح النووي، وإذا ما ردَّت إيران بضربة انتقامية موجعة ، فهل تستخدم إسرائيل ، عندئذ ٍ، أسلحة نووية؟ وهل تتمكَّن إيران، بما تملك من وسائل وقدرات عسكرية، من درء مخاطر تلك الحرب عن منشآتها النووية، وعن قدراتها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية المهمة؟ وإذا لم تقع الحرب، خوفاً من عواقبها، المتوقَّعة وغير المتوقَّعة، فهل تقبل إسرائيل، على ما تملك من نفوذ قوي في الولايات المتحدة، "صفقة" تسمح لإيران بأن تملك عمَّا قريب القدرة على إنتاج السلاح النووي في أيِّ وقت تشاء؟ وهل تقبل توازناً إقليمياً في قوى "الرعب النووي" مع إيران مثلما قبلت الولايات المتحدة من قبل توازناً كهذا على المستوى العالمي مع الاتحاد السوفياتي السابق؟
إنَّ مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية، أو القدرة على صنعها، على ما تتصوَّرها وتراها إسرائيل (والولايات المتحدة) هي ما يغذِّي خيار الحرب، والميل إلى الحرب؛ ولكنَّ العواقب المحتملة، وغير المحتملة، المتوقَّعة، وغير المتوقَّعة، هي، في المقابل، ما يغذِّي خيار اللا حرب، والميل إلى اللا حرب.
ويكفي أن تعجز إسرائيل (التي تملك الآن نحو 200 رأس نووية) عن إصابة إيران بعجزٍ دائم، أو شبه دائم، عن إنتاج سلاح نووي حتى تفقد ترسانتها النووية الجزء الأكبر والأهم من أهميتها الإستراتيجية، فهل من أهمية إستراتيجية لها إذا ما عجزت عن الإفادة منها الآن في منع إيران من التحوُّل إلى "اتِّحاد سوفياتي إقليمي"؟!
إذا قرَّرت إسرائيل إرسال سلاحها الجوِّي إلى الأجواء الإيرانية فإنَّها لن تقبل، في حال فشلها في تحقيق الهدف الأوَّل والأساسي وهو تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لطائراتها أن تعود من غير إحرازٍ "النجاح البديل"، وهو النجاح في تدمير بعض المنشآت الإيرانية المهمة (عسكرياً واقتصادياً ونفطياً). ثمَّ تَدَعْ إيران في "أزمة خيار"، فإمَّا أن تبتلع طهران السكِّين، وإمَّا أن ترد انتقاماً بما يحرِّر "إسرائيل النووية" من قيودها، لعلَّ "هيروشيما الإيرانية" تُحوِّل إيران إلى يابان ثانية!
ولكن، كيف لإسرائيل أن تَضْرِب إيران عسكرياً لجعلها في عجز موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن صُنْع السلاح النووي؟
من الوجهة العسكرية الصرف، ينبغي لإسرائيل أن تَضْرِب أوِّلاً، أو في الوقت نفسه، "قوى وأسلحة ردَّ الفعل (أو الانتقام) الإيراني"، فسلاح الجو الإسرائيلي يمكن أن يعرِّض أمن إسرائيل للخطر إذا ما قَصَر مهمته، التي ليست باليسيرة من الوجهة العسكرية الصرف، على ضرب وتدمير "المنشآت النووية الإيرانية"، كلِّياً أو جزئياً، فإيران التي دُمِّرَت، كلِّياً أو جزئياً، "منشآتها النووية"، يمكن أن تَزُجَّ ب "ترسانتها الصاروخية" في المعركة، أي معركتها الانتقامية والثأرية؛ وليس في مقدور إسرائيل، حتى الآن، أن تقي نفسها شرور "هجوم صاروخي إيراني" واسع وكثيف ومباغِت وعاجِل.
الجيش الإسرائيلي لن يهاجِم إيران ومنشآتها النووية، برَّاً وبحراً؛ لأنَّ "المهمَّة" أصعب من أنْ تُنْجَز بهجوم برِّي أو بحري، أو بهجوم برِّي بحري. ينبغي له أن يُنْجِزها، أو يحاوِل إنجازها، بهجومٍ جوِّي، قد يخالِطه هجوم بالصواريخ بعيدة المدى.
ولكنَّ هذا الهجوم الجوِّي لن يكون ممكناً من الوجهة الواقعية العسكرية، أو ناجحاً، ولو جزئياً، إذا لم يستوفِ الشروط اللوجيستية للقيام به، فإيران بعيدة جغرافياً كثيراً عن إسرائيل، التي لا يُمْكنها شنَّ هجوم جوِّي يفي بالغرض إذا لم يصبح ممكناً من الوجهة اللوجيستية أن يشارِك فيه جزء كبير، وكبير جداً، من سلاح الجو الإسرائيلي.
وعلى إسرائيل، قبل أن تشنَّ هجومها الجوِّي الواسع، ومن أجل أن تشنه بنجاح، ولو ليس بالنجاح التام، أن تكون متأكِّدة تماماً أنَّ "المنشآت النووية الإيرانية"، جميعاً أو معظمها، ستكون في متناول سلاحها الجوِّي المهاجِم. وأحسبُ أنَّ إيران بسرِّيتها الأمنية والعسكرية، وباتِّساعها الجغرافي، قادرة، أو يجب أن تكون قادرة، على أن تدرأ عن "منشآتها النووية المهمَّة"، أو عن الجزء الأكبر منها، مخاطِر هجوم جوِّي (وصاروخي) إسرائيلي.
وأحسبُ، أيضاً، أنَّ الضربة الجوية الإسرائيلية، على صعوبتها اللوجيستية، وغير اللوجيستية، لن تنزل برداً وسلاماً على أمن إسرائيل إذا لم تزاوجها ضربات جوِّية وصاروخية للقوى والأسلحة الإيرانية التي تبتني منها طهران قدرتها على الردِّ الانتقامي والثأري، وفي مقدَّمها ترسانتها الصاروخية.
وربَّما يشمل الهجوم الجوِّي (والصاروخي) الإسرائيلي جانباً مهماً من "البنية التحتية الاقتصادية" للبرنامج النووي الإيراني، ولقوَّة إيران العسكرية على وجه العموم، فإسرائيل الحريصة على إصابة إيران بعجزٍ موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن استئناف مساعيها النووية يمكن أن تَضْرِب أيضاً، في سياق هجومها الجوِّي، منشآت اقتصادية إيرانية مهمة، في مقدَّمها تلك الخاصة بصناعة النفط والغاز، والتي تزوِّد طهران القدرة المالية على تطوير قواها العسكرية والنووية.
يمكن أن تُغْرى إسرائيل بشنِّ هجوم عسكري واسع على إيران إذا ما اكتفت برؤية الجزء الممتلئ من الكأس؛ أمَّا إذا لم تكتفِ بذلك، على ما ينبغي لها أن تفعل، فلا بدَّ لمنسوب الخوف من أن يرتفع في رؤوس أصحاب القرار عندها، ولا بدَّ لهؤلاء، بالتالي، من أن يقرِّروا بما يوافِق مخاوفهم الواقعية، فإيران التي لم تقصم ظهرها الضربة الجوِّية (والصاروخية) الإسرائيلية يمكنها، عندئذٍ، أن تُمْطِر إسرائيل بصواريخها، وأن تُلْحِق بها، بالتالي، خسائر بشرية ومادية، يمكن أن تكون من العِظَم ما يضطَّر الدولة اليهودية إلى الكشف عن ترسانتها النووية، واستعمالها!
ولن تكون تلك الخسائر هي السبب الوحيد لشنِّ هجوم نووي إسرائيلي على إيران، فطهران، بعد وبفضل الهجوم الجوِّي والصاروخي الإسرائيلي الذي تعرَّضت له، لن تكون أقل وإنَّما أكثر استمساكاً بخيار التحوُّل السريع إلى "قوَّة نووية عسكرية".
وطهران هذه لن تكون لها مصلحة في تمكين إدارة الرئيس أوباما من إحراز النجاح الذي يريد في أفغانستان، والنجاح الذي يريد في العراق، وكأنَّ الهجوم الجوي (والصاروخي) الإسرائيلي على إيران يمكن أن يكون، لجهة عواقبه، هجوماً إسرائيلياً على مصالح وأهداف إستراتيجية للولايات المتحدة نفسها.
"مركز الدراسات الإستراتيجية"، في واشنطن، أصدر تقريراً جاء فيه أنَّ الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أصبحت وشيكة، وأنَّ نحو 90 طائرة مقاتلة من طرازي " F - 15" و"F - 16" ستعبر الأجواء في اتجاه الحدود التركية السورية, ترافقها طائرات التزود بالوقود لتواصل طريقها في اتجاه شمال العراق؛ ومن هناك إلى إيران، لتسقط قنابل ثقيلة على المنشآت النووية الإيرانية, مدعومة بنحو 42 صاروخا أرض أرض من طراز "يريحو" تنطلق من الأراضي الإسرائيلية.
لقد فشل كلاهما في أن يُقْنِع الآخر بأنَّ له مصلحة حقيقية في أن يوافقه وجهة نظره، فلا نتنياهو أقنع أوباما بأنَّ القيام بعمل فوري وعاجل (عسكري بالضرورة) لجعل إيران عاجزة موضوعياً عن صنع وامتلاك قنبلة نووية هو الطريق إلى "السلام"، أو ما يُزيل "عقبة كبرى" من هذه الطريق، ولا أوباما أقنع نتنياهو بأنَّ إسرائيل يمكنها، وينبغي لها، أن تساهِم في منع إيران من التحوُّل إلى "قوَّة نووية عسكرية" عَبْر قبول حكومتها، الآن، "حلَّ الدولتين"، ف "الآن"، على ما أوضح الرئيس أوباما لضيفه الإسرائيلي ثقيل الظل السياسي، هي زمن "الفرصة التاريخية" لجعل "السلام" حقيقة واقعة.
لقد حدَّث نتنياهو مضيفه عن المخاطر المترتِّبة حتماً على السماح لإيران بالمضي قُدُماً في عملية تخصيبها لليورانيوم وكأنَّه العليم بما يجهله المضيف، فإيران "التي باتت قاب قوسين أو أدنى من صنع القنبلة النووية" هي، على ما يعلمه نتنياهو وحده، ليست بخطرٍ على وجود دولة إسرائيل فحسب، وإنَّما على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في كل مكان.
نتنياهو، في سعيه إلى "توعية" الرئيس أوباما بمخاطر البرنامج النووي على الولايات المتحدة نفسها، أي على مصالحها في أنحاء العالم، برز في ثياب الصديق الصدوق، والناصح النصوح.
وكاد نتنياهو، بعدما فشل في أن يُقْنِع أوباما بوجهة نظره، أن يتَّهم سيِّد البيت الأبيض الجديد بأنَّه، إذا ما ظلَّ على سياسته الحالية تجاه طهران، يمكن أن يدخل التاريخ بصفة كونه المسؤول عن تمكين إيران من حيازة السلاح النووي، فهو، في التصريحات التي أدلى بها بعد محادثاته مع أوباما، أعرب عن قلقه من أنَّ سياسة البيت الأبيض الجديدة حيال طهران قد تمنحها الوقت لصنع قنبلة نووية.
لم يستطع نتنياهو أن يُقْنِع الرئيس أوباما بضرورة وأهمية أن يتخلَّى الآن عن تلك السياسة، وأن يضرب صفحاً عن الحوار مع طهران، فدعاه إلى اختصار مدة هذا الحوار، وجعلها لا تزيد عن بضعة شهور، على أن توقِف إيران في خلال ذلك كل نشاطها النووي.
وجاء ردُّ أوباما على النحو الآتي: سنبدأ الحوار مع طهران بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وسنقوم بتقويم النتائج، واستخلاص الدروس، في نهاية 2009، فنحن لن نحاور طهران إلى الأبد، ولسوف نشدِّد العقوبات ضدَّها إذا ما تبيَّن، بعد نهاية 2009، أنَّ الحوار معها لم يكن مجدياً.
وإلى أن يُقوِّم أوباما نتائج الحوار مع طهران، ينبغي لحكومة نتنياهو أن تلتزم عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران يفاجئ الولايات المتحدة.
ويخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يأتي تقويم الرئيس أوباما لنتائج الحوار مع إيران، التي لم تتوقف عن تخصيب اليورانيوم، بما يشجِّع الولايات المتحدة على المضي قُدُماً في هذا الحوار، فيستمر الحوار بين الطرفين؛ كما يخشى أن يتمخَّض عن هذا التقويم، إذا ما جاء سلبياً، تشديد العقوبات ضدَّ إيران بدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري ضدَّها.
أمَّا الخشية الثالثة لنتنياهو فهي خشيته من عواقب أن تنفرد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
ويَعْلَم نتنياهو أنَّ "الخبر الجيِّد الوحيد" الذي يمكن أن يتناهى إلى سمعه، بعد انتهاء الحوار بين واشنطن وطهران إلى "اتِّفاق"، هو أنَّ الولايات المتحدة قد أقرَّت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل حصولها على ضمانات بعدم صنع الإيرانيين لأسلحة نووية مع أنَّهم أصبحوا، من الوجهة التقنية، قادرين على ذلك.

*كاتب فلسطيني الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.