بوتين يهنئ السيسي بعيد ميلاده: من أعماق قلبي أتمنى لك الصحة والنجاح في خدمة الشعب    الشركات اللبنانية تستثمر 854 مليون دولار في مصر بنهاية فبراير 2025    ارتفاعات وشيكة في أسعار الذهب.. اشتري قبل فوات الأوان    أمين مجلس الجامعات الأجنبية: استكمال القرارات الجمهورية ل 11 فرعا و10 طلبات قيد الدراسة    الإخوان على القوائم السوداء في أمريكا رسميًا: ولاية تكساس تصنف الجماعة منظمة إرهابية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأنجولي سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    جوائز الكاف 2025، تعرف على طريقة اختيار الأفضل في أفريقيا    بعثة زيسكو الزامبي تصل القاهرة الخميس لمواجهة الزمالك    عمرو عثمان: أكثر من 13717 نشاطا توعويا لمكافحة الإدمان بمحافظات الجمهورية    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    الفنان محمد صبحي يغادر المستشفى بعد تعافيه ويعود إلى منزله    عمرو مصطفى يطمئن على تامر حسني: ربنا يشفيك ويعدي الوجع بسرعة    معرض رمسيس وذهب الفراعنة في طوكيو.. الأعلى للثقافة: دليل على تقدير اليابان لحضارتنا    فيلم بنات الباشا المقتبس عن رواية دار الشروق يُضيء شاشة مهرجان القاهرة السينمائي    وزير الصحة: دول منظمة D-8 تعتمد إعلان القاهرة لتعزيز التعاون الصحي المشترك    حقيقة عودة كهربا إلى الأهلي في يناير    اسعار كرتونه البيض للمستهلك اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    ضمن مشروع تطوير شامل، أنظمة إطفاء صديقة للبيئة في مطار القاهرة    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    جامعة قناة السويس تحتفي بأبطالها المتوجين ببطولة كأس التميز للجمهورية    الإسماعيلي يكشف حقيقة طلبه فتح القيد الاستثنائي من فيفا    المصرية للاتصالات تعلن اكتمال مشروع الكابل البحري 2Africa    بث مباشر.. بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الضبعة النووية    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    ما هو فيروس ماربورج وكيف يمكن الوقاية منه؟    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضربة الإسرائيلية لإيران.. هل أصبحت وشيكة؟
نشر في الشعب يوم 07 - 01 - 2010


بقلم: جواد البشيتي*

الولايات المتحدة وإسرائيل لم تؤكِّدا، كما لم تنفيا، رسمياً، ما قيل، إعلامياً، في شأن مَنْع إدارة الرئيس بوش في نهاية عهدها، وإدارة الرئيس أوباما، الدولة اليهودية من شنِّ هجوم عسكري على إيران للحيلولة بينها وبين صُنْع قنبلة نووية، تُوْشِك طهران أن تَسْتَكْمِل القدرة على صنعها، ويُمْكنها صُنْعها عمَّا قريب إذا ما قرَّرت.
ما نَعْلَمه، أو ما أريد لنا أن نَعْلَم، عَبْر "الإعلام"، هو أنَّ إسرائيل قد أعدت العدَّة لضرب إيران عسكرياً؛ ولكنَّ الولايات المتحدة، وفي عهد إدارة أوباما على وجه الخصوص، هي التي ثَنَتْها وصدَّتها عن ذلك.
إسرائيل لا تُصدِّق، ولا تسمح لنفسها بأن تُصدِّق، أنَّ إيران تُخصِّب اليورانيوم، وتمضي قُدُما في تخصيبه، وفي زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب، من أجل إنتاج الكهرباء، أو من أجل الاقتصاد في استهلاك احتياطها من النفط والغاز، بدعوى ادِّخار "القرش الأبيض" ل "اليوم الأسود".
وترى إسرائيل فَرْقاً (سياسياً وإستراتيجياً) نوعياً بين الترسانة النووية الباكستانية والترسانة النووية الإيرانية التي لم تَظْهَر إلى حيِّز الوجود بَعْد، ف "القنبلة النووية الإيرانية" هي، سياسياً واستراتجياً.. وفكرياً، من "النوع النَّجادي"، نِسْبَةً إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجَّاد، المُنْكِر ل "الهولوكوست"، أو المشكِّك في حجمه وبعض "مسلَّماته"، والمُبشِّر ب زوال" دولة إسرائيل.
ولا شكَّ في أنَّ إسرائيل لا تحتاج إلى من يشرح لها معاني ومغازي "الجيل الجديد" من الدول النووية، والذي حذَّر البرادعي من مخاطِر ظهوره، فبعض الدول، كإيران، تحاول الجَمْع بين بقائها مُلْتَزِمة معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وبين تطوير قدراتها النووية بما يسمح لها بإنتاج الكهرباء مثلاً، وبإنتاج السلاح النووي في أي وقت تشاء، وكأنَّها "جيل الدول النووية بالقوِّة"، أي التي لا تريد الآن إنتاج القنابل النووية وهي القادرة على إنتاجها.
مرَّة أخرى، نسمع كلاماً، ونرى أفعالاً، تعزِّز، بل تُرجِّح، احتمال ضرب إيران، عسكرياً، إنْ لم يكن اليوم، فغداً، مع أنَّ طهران ما زالت تسعى إلى إظهار أنَّها تملك من أسباب القوَّة (الذاتية، أو المستمدَّة من ضعف خصومها) ما يردع، أو ما يجب أن يردع، إسرائيل (والولايات المتحدة) عن ضربها عسكرياً. وها هي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقول إنَّ إسرائيل تعتزم شن الحرب على إيران في غضون أيام.
والآن، هل حان ضرب إيران عسكرياً؟
قبل إجابة هذا السؤال، وتوصُّلاً إلى إجابته، لا بدَّ من إجابة كثير من الأسئلة؛ فهل تملك إيران الآن سلاحاً نووياً (سرِّياً)؟ وهل هي قادرة، على افتراض أنَّها تملكه، على استخدامه (إذا ما اضطُّرت إلى ذلك) بما يصيب مقتلاً من إسرائيل؟ وإذا كانت لا تملكه الآن، فهل هي قادرة على امتلاكه عمَّا قريب؟ وهل هي صادقة في تأكيدها أنَّ برنامجها النووي لن يكون إلاَّ للاستخدام السلمي والمدني والاقتصادي، وأنَّ امتلاكها (مع استعمالها) للقنبلة النووية هو من "الحرام الديني"؟ إذا كانت الضربة إسرائيلية، فهل تملك إسرائيل من القدرات والوسائل العسكرية (التقليدية) ما يمكِّنها من تحقيق "الهدف"، وهو إصابة القدرة النووية لإيران بعجزٍ شبه دائم؟ هل هي قادرة فعلاً على أن تنجح مثلما نجحت في تدمير المفاعل النووي العراقي؟ وإذا كانت قدراتها العسكرية التقليدية لا تفي بالغرض، فهل تستخدم نوعاً من السلاح النووي في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، على افتراض أنَّ أجهزة استخباراتها تملك من المعلومات الدقيقة ما يسمح لها بتدمير شامل للقدرة النووية الإيرانية؟ هل تُظْهِر إيران أنَّ لديها من الوسائل والقدرات العسكرية (التقليدية) ما تسبَّب بفشل الضربة العسكرية الإسرائيلية؟ وهل تُظْهِر أنَّ لديها من تلك الوسائل والقدرات ما مكَّنها من الانتقام من إسرائيل شرَّ انتقام؟ وهل تستخدم في انتقامها أسلحة كيميائية وبيولوجية، على افتراض أنَّها لم تملك بعد أسلحة نووية؟ إذا فشلت الضربة العسكرية الإسرائيلية التقليدية، أو التي استعمل فيها نوع من السلاح النووي، وإذا ما ردَّت إيران بضربة انتقامية موجعة ، فهل تستخدم إسرائيل ، عندئذ ٍ، أسلحة نووية؟ وهل تتمكَّن إيران، بما تملك من وسائل وقدرات عسكرية، من درء مخاطر تلك الحرب عن منشآتها النووية، وعن قدراتها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية المهمة؟ وإذا لم تقع الحرب، خوفاً من عواقبها، المتوقَّعة وغير المتوقَّعة، فهل تقبل إسرائيل، على ما تملك من نفوذ قوي في الولايات المتحدة، "صفقة" تسمح لإيران بأن تملك عمَّا قريب القدرة على إنتاج السلاح النووي في أيِّ وقت تشاء؟ وهل تقبل توازناً إقليمياً في قوى "الرعب النووي" مع إيران مثلما قبلت الولايات المتحدة من قبل توازناً كهذا على المستوى العالمي مع الاتحاد السوفياتي السابق؟
إنَّ مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية، أو القدرة على صنعها، على ما تتصوَّرها وتراها إسرائيل (والولايات المتحدة) هي ما يغذِّي خيار الحرب، والميل إلى الحرب؛ ولكنَّ العواقب المحتملة، وغير المحتملة، المتوقَّعة، وغير المتوقَّعة، هي، في المقابل، ما يغذِّي خيار اللا حرب، والميل إلى اللا حرب.
ويكفي أن تعجز إسرائيل (التي تملك الآن نحو 200 رأس نووية) عن إصابة إيران بعجزٍ دائم، أو شبه دائم، عن إنتاج سلاح نووي حتى تفقد ترسانتها النووية الجزء الأكبر والأهم من أهميتها الإستراتيجية، فهل من أهمية إستراتيجية لها إذا ما عجزت عن الإفادة منها الآن في منع إيران من التحوُّل إلى "اتِّحاد سوفياتي إقليمي"؟!
إذا قرَّرت إسرائيل إرسال سلاحها الجوِّي إلى الأجواء الإيرانية فإنَّها لن تقبل، في حال فشلها في تحقيق الهدف الأوَّل والأساسي وهو تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لطائراتها أن تعود من غير إحرازٍ "النجاح البديل"، وهو النجاح في تدمير بعض المنشآت الإيرانية المهمة (عسكرياً واقتصادياً ونفطياً). ثمَّ تَدَعْ إيران في "أزمة خيار"، فإمَّا أن تبتلع طهران السكِّين، وإمَّا أن ترد انتقاماً بما يحرِّر "إسرائيل النووية" من قيودها، لعلَّ "هيروشيما الإيرانية" تُحوِّل إيران إلى يابان ثانية!
ولكن، كيف لإسرائيل أن تَضْرِب إيران عسكرياً لجعلها في عجز موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن صُنْع السلاح النووي؟
من الوجهة العسكرية الصرف، ينبغي لإسرائيل أن تَضْرِب أوِّلاً، أو في الوقت نفسه، "قوى وأسلحة ردَّ الفعل (أو الانتقام) الإيراني"، فسلاح الجو الإسرائيلي يمكن أن يعرِّض أمن إسرائيل للخطر إذا ما قَصَر مهمته، التي ليست باليسيرة من الوجهة العسكرية الصرف، على ضرب وتدمير "المنشآت النووية الإيرانية"، كلِّياً أو جزئياً، فإيران التي دُمِّرَت، كلِّياً أو جزئياً، "منشآتها النووية"، يمكن أن تَزُجَّ ب "ترسانتها الصاروخية" في المعركة، أي معركتها الانتقامية والثأرية؛ وليس في مقدور إسرائيل، حتى الآن، أن تقي نفسها شرور "هجوم صاروخي إيراني" واسع وكثيف ومباغِت وعاجِل.
الجيش الإسرائيلي لن يهاجِم إيران ومنشآتها النووية، برَّاً وبحراً؛ لأنَّ "المهمَّة" أصعب من أنْ تُنْجَز بهجوم برِّي أو بحري، أو بهجوم برِّي بحري. ينبغي له أن يُنْجِزها، أو يحاوِل إنجازها، بهجومٍ جوِّي، قد يخالِطه هجوم بالصواريخ بعيدة المدى.
ولكنَّ هذا الهجوم الجوِّي لن يكون ممكناً من الوجهة الواقعية العسكرية، أو ناجحاً، ولو جزئياً، إذا لم يستوفِ الشروط اللوجيستية للقيام به، فإيران بعيدة جغرافياً كثيراً عن إسرائيل، التي لا يُمْكنها شنَّ هجوم جوِّي يفي بالغرض إذا لم يصبح ممكناً من الوجهة اللوجيستية أن يشارِك فيه جزء كبير، وكبير جداً، من سلاح الجو الإسرائيلي.
وعلى إسرائيل، قبل أن تشنَّ هجومها الجوِّي الواسع، ومن أجل أن تشنه بنجاح، ولو ليس بالنجاح التام، أن تكون متأكِّدة تماماً أنَّ "المنشآت النووية الإيرانية"، جميعاً أو معظمها، ستكون في متناول سلاحها الجوِّي المهاجِم. وأحسبُ أنَّ إيران بسرِّيتها الأمنية والعسكرية، وباتِّساعها الجغرافي، قادرة، أو يجب أن تكون قادرة، على أن تدرأ عن "منشآتها النووية المهمَّة"، أو عن الجزء الأكبر منها، مخاطِر هجوم جوِّي (وصاروخي) إسرائيلي.
وأحسبُ، أيضاً، أنَّ الضربة الجوية الإسرائيلية، على صعوبتها اللوجيستية، وغير اللوجيستية، لن تنزل برداً وسلاماً على أمن إسرائيل إذا لم تزاوجها ضربات جوِّية وصاروخية للقوى والأسلحة الإيرانية التي تبتني منها طهران قدرتها على الردِّ الانتقامي والثأري، وفي مقدَّمها ترسانتها الصاروخية.
وربَّما يشمل الهجوم الجوِّي (والصاروخي) الإسرائيلي جانباً مهماً من "البنية التحتية الاقتصادية" للبرنامج النووي الإيراني، ولقوَّة إيران العسكرية على وجه العموم، فإسرائيل الحريصة على إصابة إيران بعجزٍ موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن استئناف مساعيها النووية يمكن أن تَضْرِب أيضاً، في سياق هجومها الجوِّي، منشآت اقتصادية إيرانية مهمة، في مقدَّمها تلك الخاصة بصناعة النفط والغاز، والتي تزوِّد طهران القدرة المالية على تطوير قواها العسكرية والنووية.
يمكن أن تُغْرى إسرائيل بشنِّ هجوم عسكري واسع على إيران إذا ما اكتفت برؤية الجزء الممتلئ من الكأس؛ أمَّا إذا لم تكتفِ بذلك، على ما ينبغي لها أن تفعل، فلا بدَّ لمنسوب الخوف من أن يرتفع في رؤوس أصحاب القرار عندها، ولا بدَّ لهؤلاء، بالتالي، من أن يقرِّروا بما يوافِق مخاوفهم الواقعية، فإيران التي لم تقصم ظهرها الضربة الجوِّية (والصاروخية) الإسرائيلية يمكنها، عندئذٍ، أن تُمْطِر إسرائيل بصواريخها، وأن تُلْحِق بها، بالتالي، خسائر بشرية ومادية، يمكن أن تكون من العِظَم ما يضطَّر الدولة اليهودية إلى الكشف عن ترسانتها النووية، واستعمالها!
ولن تكون تلك الخسائر هي السبب الوحيد لشنِّ هجوم نووي إسرائيلي على إيران، فطهران، بعد وبفضل الهجوم الجوِّي والصاروخي الإسرائيلي الذي تعرَّضت له، لن تكون أقل وإنَّما أكثر استمساكاً بخيار التحوُّل السريع إلى "قوَّة نووية عسكرية".
وطهران هذه لن تكون لها مصلحة في تمكين إدارة الرئيس أوباما من إحراز النجاح الذي يريد في أفغانستان، والنجاح الذي يريد في العراق، وكأنَّ الهجوم الجوي (والصاروخي) الإسرائيلي على إيران يمكن أن يكون، لجهة عواقبه، هجوماً إسرائيلياً على مصالح وأهداف إستراتيجية للولايات المتحدة نفسها.
"مركز الدراسات الإستراتيجية"، في واشنطن، أصدر تقريراً جاء فيه أنَّ الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أصبحت وشيكة، وأنَّ نحو 90 طائرة مقاتلة من طرازي " F - 15" و"F - 16" ستعبر الأجواء في اتجاه الحدود التركية السورية, ترافقها طائرات التزود بالوقود لتواصل طريقها في اتجاه شمال العراق؛ ومن هناك إلى إيران، لتسقط قنابل ثقيلة على المنشآت النووية الإيرانية, مدعومة بنحو 42 صاروخا أرض أرض من طراز "يريحو" تنطلق من الأراضي الإسرائيلية.
لقد فشل كلاهما في أن يُقْنِع الآخر بأنَّ له مصلحة حقيقية في أن يوافقه وجهة نظره، فلا نتنياهو أقنع أوباما بأنَّ القيام بعمل فوري وعاجل (عسكري بالضرورة) لجعل إيران عاجزة موضوعياً عن صنع وامتلاك قنبلة نووية هو الطريق إلى "السلام"، أو ما يُزيل "عقبة كبرى" من هذه الطريق، ولا أوباما أقنع نتنياهو بأنَّ إسرائيل يمكنها، وينبغي لها، أن تساهِم في منع إيران من التحوُّل إلى "قوَّة نووية عسكرية" عَبْر قبول حكومتها، الآن، "حلَّ الدولتين"، ف "الآن"، على ما أوضح الرئيس أوباما لضيفه الإسرائيلي ثقيل الظل السياسي، هي زمن "الفرصة التاريخية" لجعل "السلام" حقيقة واقعة.
لقد حدَّث نتنياهو مضيفه عن المخاطر المترتِّبة حتماً على السماح لإيران بالمضي قُدُماً في عملية تخصيبها لليورانيوم وكأنَّه العليم بما يجهله المضيف، فإيران "التي باتت قاب قوسين أو أدنى من صنع القنبلة النووية" هي، على ما يعلمه نتنياهو وحده، ليست بخطرٍ على وجود دولة إسرائيل فحسب، وإنَّما على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في كل مكان.
نتنياهو، في سعيه إلى "توعية" الرئيس أوباما بمخاطر البرنامج النووي على الولايات المتحدة نفسها، أي على مصالحها في أنحاء العالم، برز في ثياب الصديق الصدوق، والناصح النصوح.
وكاد نتنياهو، بعدما فشل في أن يُقْنِع أوباما بوجهة نظره، أن يتَّهم سيِّد البيت الأبيض الجديد بأنَّه، إذا ما ظلَّ على سياسته الحالية تجاه طهران، يمكن أن يدخل التاريخ بصفة كونه المسؤول عن تمكين إيران من حيازة السلاح النووي، فهو، في التصريحات التي أدلى بها بعد محادثاته مع أوباما، أعرب عن قلقه من أنَّ سياسة البيت الأبيض الجديدة حيال طهران قد تمنحها الوقت لصنع قنبلة نووية.
لم يستطع نتنياهو أن يُقْنِع الرئيس أوباما بضرورة وأهمية أن يتخلَّى الآن عن تلك السياسة، وأن يضرب صفحاً عن الحوار مع طهران، فدعاه إلى اختصار مدة هذا الحوار، وجعلها لا تزيد عن بضعة شهور، على أن توقِف إيران في خلال ذلك كل نشاطها النووي.
وجاء ردُّ أوباما على النحو الآتي: سنبدأ الحوار مع طهران بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وسنقوم بتقويم النتائج، واستخلاص الدروس، في نهاية 2009، فنحن لن نحاور طهران إلى الأبد، ولسوف نشدِّد العقوبات ضدَّها إذا ما تبيَّن، بعد نهاية 2009، أنَّ الحوار معها لم يكن مجدياً.
وإلى أن يُقوِّم أوباما نتائج الحوار مع طهران، ينبغي لحكومة نتنياهو أن تلتزم عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران يفاجئ الولايات المتحدة.
ويخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يأتي تقويم الرئيس أوباما لنتائج الحوار مع إيران، التي لم تتوقف عن تخصيب اليورانيوم، بما يشجِّع الولايات المتحدة على المضي قُدُماً في هذا الحوار، فيستمر الحوار بين الطرفين؛ كما يخشى أن يتمخَّض عن هذا التقويم، إذا ما جاء سلبياً، تشديد العقوبات ضدَّ إيران بدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري ضدَّها.
أمَّا الخشية الثالثة لنتنياهو فهي خشيته من عواقب أن تنفرد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
ويَعْلَم نتنياهو أنَّ "الخبر الجيِّد الوحيد" الذي يمكن أن يتناهى إلى سمعه، بعد انتهاء الحوار بين واشنطن وطهران إلى "اتِّفاق"، هو أنَّ الولايات المتحدة قد أقرَّت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل حصولها على ضمانات بعدم صنع الإيرانيين لأسلحة نووية مع أنَّهم أصبحوا، من الوجهة التقنية، قادرين على ذلك.

*كاتب فلسطيني الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.