جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    وكيل صحة الدقهلية خلال اجتماعه مع مديرى الإدارات: يؤكد التعامل بروح القانون أساس النجاح"    شكسبير في سجن الواحات    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    لماذا تغيرت خطة أمريكا للحل فى غزة؟    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    مصدر مقرب من محمد هاني ل في الجول يكشف كواليس مع حدث مع معروف وقت الطرد    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو يزعم وفاة محتجز فى أحد أقسام القليوبية    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    محافظ الجيزة يتفقد حالة النظافة وإزالة الإشغالات بأحياء الطالبية والعمرانية والهرم والعجوزة    منشآت تنظّم لقاء بعنوان "أهم ملامح نظام الامتياز التجاري"    مستشفى قها التخصصي ينقذ طفلة من فقدان ملامح أنفها بعد جراحة دقيقة    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    العراق: مهمة بعثة التحالف الدولي تنتهي في سبتمبر    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة دعم قدرات شبكات الاتصالات وتوسيع مناطق التغطية    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    رئيس وزراء إسبانيا يقطع عطلته الصيفية لزيارة المناطق الأكثر تضررا من حرائق الغابات    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    فيضان مفاجئ في شمال الصين يخلف 8 قتلى و4 مفقودين    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    أزمة الراتب.. سر توقف صفقة انتقال سانشو لصفوف روما    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضربة الإسرائيلية لإيران.. هل أصبحت وشيكة؟
نشر في الشعب يوم 07 - 01 - 2010


بقلم: جواد البشيتي*

الولايات المتحدة وإسرائيل لم تؤكِّدا، كما لم تنفيا، رسمياً، ما قيل، إعلامياً، في شأن مَنْع إدارة الرئيس بوش في نهاية عهدها، وإدارة الرئيس أوباما، الدولة اليهودية من شنِّ هجوم عسكري على إيران للحيلولة بينها وبين صُنْع قنبلة نووية، تُوْشِك طهران أن تَسْتَكْمِل القدرة على صنعها، ويُمْكنها صُنْعها عمَّا قريب إذا ما قرَّرت.
ما نَعْلَمه، أو ما أريد لنا أن نَعْلَم، عَبْر "الإعلام"، هو أنَّ إسرائيل قد أعدت العدَّة لضرب إيران عسكرياً؛ ولكنَّ الولايات المتحدة، وفي عهد إدارة أوباما على وجه الخصوص، هي التي ثَنَتْها وصدَّتها عن ذلك.
إسرائيل لا تُصدِّق، ولا تسمح لنفسها بأن تُصدِّق، أنَّ إيران تُخصِّب اليورانيوم، وتمضي قُدُما في تخصيبه، وفي زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب، من أجل إنتاج الكهرباء، أو من أجل الاقتصاد في استهلاك احتياطها من النفط والغاز، بدعوى ادِّخار "القرش الأبيض" ل "اليوم الأسود".
وترى إسرائيل فَرْقاً (سياسياً وإستراتيجياً) نوعياً بين الترسانة النووية الباكستانية والترسانة النووية الإيرانية التي لم تَظْهَر إلى حيِّز الوجود بَعْد، ف "القنبلة النووية الإيرانية" هي، سياسياً واستراتجياً.. وفكرياً، من "النوع النَّجادي"، نِسْبَةً إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجَّاد، المُنْكِر ل "الهولوكوست"، أو المشكِّك في حجمه وبعض "مسلَّماته"، والمُبشِّر ب زوال" دولة إسرائيل.
ولا شكَّ في أنَّ إسرائيل لا تحتاج إلى من يشرح لها معاني ومغازي "الجيل الجديد" من الدول النووية، والذي حذَّر البرادعي من مخاطِر ظهوره، فبعض الدول، كإيران، تحاول الجَمْع بين بقائها مُلْتَزِمة معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وبين تطوير قدراتها النووية بما يسمح لها بإنتاج الكهرباء مثلاً، وبإنتاج السلاح النووي في أي وقت تشاء، وكأنَّها "جيل الدول النووية بالقوِّة"، أي التي لا تريد الآن إنتاج القنابل النووية وهي القادرة على إنتاجها.
مرَّة أخرى، نسمع كلاماً، ونرى أفعالاً، تعزِّز، بل تُرجِّح، احتمال ضرب إيران، عسكرياً، إنْ لم يكن اليوم، فغداً، مع أنَّ طهران ما زالت تسعى إلى إظهار أنَّها تملك من أسباب القوَّة (الذاتية، أو المستمدَّة من ضعف خصومها) ما يردع، أو ما يجب أن يردع، إسرائيل (والولايات المتحدة) عن ضربها عسكرياً. وها هي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقول إنَّ إسرائيل تعتزم شن الحرب على إيران في غضون أيام.
والآن، هل حان ضرب إيران عسكرياً؟
قبل إجابة هذا السؤال، وتوصُّلاً إلى إجابته، لا بدَّ من إجابة كثير من الأسئلة؛ فهل تملك إيران الآن سلاحاً نووياً (سرِّياً)؟ وهل هي قادرة، على افتراض أنَّها تملكه، على استخدامه (إذا ما اضطُّرت إلى ذلك) بما يصيب مقتلاً من إسرائيل؟ وإذا كانت لا تملكه الآن، فهل هي قادرة على امتلاكه عمَّا قريب؟ وهل هي صادقة في تأكيدها أنَّ برنامجها النووي لن يكون إلاَّ للاستخدام السلمي والمدني والاقتصادي، وأنَّ امتلاكها (مع استعمالها) للقنبلة النووية هو من "الحرام الديني"؟ إذا كانت الضربة إسرائيلية، فهل تملك إسرائيل من القدرات والوسائل العسكرية (التقليدية) ما يمكِّنها من تحقيق "الهدف"، وهو إصابة القدرة النووية لإيران بعجزٍ شبه دائم؟ هل هي قادرة فعلاً على أن تنجح مثلما نجحت في تدمير المفاعل النووي العراقي؟ وإذا كانت قدراتها العسكرية التقليدية لا تفي بالغرض، فهل تستخدم نوعاً من السلاح النووي في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، على افتراض أنَّ أجهزة استخباراتها تملك من المعلومات الدقيقة ما يسمح لها بتدمير شامل للقدرة النووية الإيرانية؟ هل تُظْهِر إيران أنَّ لديها من الوسائل والقدرات العسكرية (التقليدية) ما تسبَّب بفشل الضربة العسكرية الإسرائيلية؟ وهل تُظْهِر أنَّ لديها من تلك الوسائل والقدرات ما مكَّنها من الانتقام من إسرائيل شرَّ انتقام؟ وهل تستخدم في انتقامها أسلحة كيميائية وبيولوجية، على افتراض أنَّها لم تملك بعد أسلحة نووية؟ إذا فشلت الضربة العسكرية الإسرائيلية التقليدية، أو التي استعمل فيها نوع من السلاح النووي، وإذا ما ردَّت إيران بضربة انتقامية موجعة ، فهل تستخدم إسرائيل ، عندئذ ٍ، أسلحة نووية؟ وهل تتمكَّن إيران، بما تملك من وسائل وقدرات عسكرية، من درء مخاطر تلك الحرب عن منشآتها النووية، وعن قدراتها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية المهمة؟ وإذا لم تقع الحرب، خوفاً من عواقبها، المتوقَّعة وغير المتوقَّعة، فهل تقبل إسرائيل، على ما تملك من نفوذ قوي في الولايات المتحدة، "صفقة" تسمح لإيران بأن تملك عمَّا قريب القدرة على إنتاج السلاح النووي في أيِّ وقت تشاء؟ وهل تقبل توازناً إقليمياً في قوى "الرعب النووي" مع إيران مثلما قبلت الولايات المتحدة من قبل توازناً كهذا على المستوى العالمي مع الاتحاد السوفياتي السابق؟
إنَّ مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية، أو القدرة على صنعها، على ما تتصوَّرها وتراها إسرائيل (والولايات المتحدة) هي ما يغذِّي خيار الحرب، والميل إلى الحرب؛ ولكنَّ العواقب المحتملة، وغير المحتملة، المتوقَّعة، وغير المتوقَّعة، هي، في المقابل، ما يغذِّي خيار اللا حرب، والميل إلى اللا حرب.
ويكفي أن تعجز إسرائيل (التي تملك الآن نحو 200 رأس نووية) عن إصابة إيران بعجزٍ دائم، أو شبه دائم، عن إنتاج سلاح نووي حتى تفقد ترسانتها النووية الجزء الأكبر والأهم من أهميتها الإستراتيجية، فهل من أهمية إستراتيجية لها إذا ما عجزت عن الإفادة منها الآن في منع إيران من التحوُّل إلى "اتِّحاد سوفياتي إقليمي"؟!
إذا قرَّرت إسرائيل إرسال سلاحها الجوِّي إلى الأجواء الإيرانية فإنَّها لن تقبل، في حال فشلها في تحقيق الهدف الأوَّل والأساسي وهو تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لطائراتها أن تعود من غير إحرازٍ "النجاح البديل"، وهو النجاح في تدمير بعض المنشآت الإيرانية المهمة (عسكرياً واقتصادياً ونفطياً). ثمَّ تَدَعْ إيران في "أزمة خيار"، فإمَّا أن تبتلع طهران السكِّين، وإمَّا أن ترد انتقاماً بما يحرِّر "إسرائيل النووية" من قيودها، لعلَّ "هيروشيما الإيرانية" تُحوِّل إيران إلى يابان ثانية!
ولكن، كيف لإسرائيل أن تَضْرِب إيران عسكرياً لجعلها في عجز موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن صُنْع السلاح النووي؟
من الوجهة العسكرية الصرف، ينبغي لإسرائيل أن تَضْرِب أوِّلاً، أو في الوقت نفسه، "قوى وأسلحة ردَّ الفعل (أو الانتقام) الإيراني"، فسلاح الجو الإسرائيلي يمكن أن يعرِّض أمن إسرائيل للخطر إذا ما قَصَر مهمته، التي ليست باليسيرة من الوجهة العسكرية الصرف، على ضرب وتدمير "المنشآت النووية الإيرانية"، كلِّياً أو جزئياً، فإيران التي دُمِّرَت، كلِّياً أو جزئياً، "منشآتها النووية"، يمكن أن تَزُجَّ ب "ترسانتها الصاروخية" في المعركة، أي معركتها الانتقامية والثأرية؛ وليس في مقدور إسرائيل، حتى الآن، أن تقي نفسها شرور "هجوم صاروخي إيراني" واسع وكثيف ومباغِت وعاجِل.
الجيش الإسرائيلي لن يهاجِم إيران ومنشآتها النووية، برَّاً وبحراً؛ لأنَّ "المهمَّة" أصعب من أنْ تُنْجَز بهجوم برِّي أو بحري، أو بهجوم برِّي بحري. ينبغي له أن يُنْجِزها، أو يحاوِل إنجازها، بهجومٍ جوِّي، قد يخالِطه هجوم بالصواريخ بعيدة المدى.
ولكنَّ هذا الهجوم الجوِّي لن يكون ممكناً من الوجهة الواقعية العسكرية، أو ناجحاً، ولو جزئياً، إذا لم يستوفِ الشروط اللوجيستية للقيام به، فإيران بعيدة جغرافياً كثيراً عن إسرائيل، التي لا يُمْكنها شنَّ هجوم جوِّي يفي بالغرض إذا لم يصبح ممكناً من الوجهة اللوجيستية أن يشارِك فيه جزء كبير، وكبير جداً، من سلاح الجو الإسرائيلي.
وعلى إسرائيل، قبل أن تشنَّ هجومها الجوِّي الواسع، ومن أجل أن تشنه بنجاح، ولو ليس بالنجاح التام، أن تكون متأكِّدة تماماً أنَّ "المنشآت النووية الإيرانية"، جميعاً أو معظمها، ستكون في متناول سلاحها الجوِّي المهاجِم. وأحسبُ أنَّ إيران بسرِّيتها الأمنية والعسكرية، وباتِّساعها الجغرافي، قادرة، أو يجب أن تكون قادرة، على أن تدرأ عن "منشآتها النووية المهمَّة"، أو عن الجزء الأكبر منها، مخاطِر هجوم جوِّي (وصاروخي) إسرائيلي.
وأحسبُ، أيضاً، أنَّ الضربة الجوية الإسرائيلية، على صعوبتها اللوجيستية، وغير اللوجيستية، لن تنزل برداً وسلاماً على أمن إسرائيل إذا لم تزاوجها ضربات جوِّية وصاروخية للقوى والأسلحة الإيرانية التي تبتني منها طهران قدرتها على الردِّ الانتقامي والثأري، وفي مقدَّمها ترسانتها الصاروخية.
وربَّما يشمل الهجوم الجوِّي (والصاروخي) الإسرائيلي جانباً مهماً من "البنية التحتية الاقتصادية" للبرنامج النووي الإيراني، ولقوَّة إيران العسكرية على وجه العموم، فإسرائيل الحريصة على إصابة إيران بعجزٍ موضوعي (مُزْمِن أو طويل الأجل) عن استئناف مساعيها النووية يمكن أن تَضْرِب أيضاً، في سياق هجومها الجوِّي، منشآت اقتصادية إيرانية مهمة، في مقدَّمها تلك الخاصة بصناعة النفط والغاز، والتي تزوِّد طهران القدرة المالية على تطوير قواها العسكرية والنووية.
يمكن أن تُغْرى إسرائيل بشنِّ هجوم عسكري واسع على إيران إذا ما اكتفت برؤية الجزء الممتلئ من الكأس؛ أمَّا إذا لم تكتفِ بذلك، على ما ينبغي لها أن تفعل، فلا بدَّ لمنسوب الخوف من أن يرتفع في رؤوس أصحاب القرار عندها، ولا بدَّ لهؤلاء، بالتالي، من أن يقرِّروا بما يوافِق مخاوفهم الواقعية، فإيران التي لم تقصم ظهرها الضربة الجوِّية (والصاروخية) الإسرائيلية يمكنها، عندئذٍ، أن تُمْطِر إسرائيل بصواريخها، وأن تُلْحِق بها، بالتالي، خسائر بشرية ومادية، يمكن أن تكون من العِظَم ما يضطَّر الدولة اليهودية إلى الكشف عن ترسانتها النووية، واستعمالها!
ولن تكون تلك الخسائر هي السبب الوحيد لشنِّ هجوم نووي إسرائيلي على إيران، فطهران، بعد وبفضل الهجوم الجوِّي والصاروخي الإسرائيلي الذي تعرَّضت له، لن تكون أقل وإنَّما أكثر استمساكاً بخيار التحوُّل السريع إلى "قوَّة نووية عسكرية".
وطهران هذه لن تكون لها مصلحة في تمكين إدارة الرئيس أوباما من إحراز النجاح الذي يريد في أفغانستان، والنجاح الذي يريد في العراق، وكأنَّ الهجوم الجوي (والصاروخي) الإسرائيلي على إيران يمكن أن يكون، لجهة عواقبه، هجوماً إسرائيلياً على مصالح وأهداف إستراتيجية للولايات المتحدة نفسها.
"مركز الدراسات الإستراتيجية"، في واشنطن، أصدر تقريراً جاء فيه أنَّ الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أصبحت وشيكة، وأنَّ نحو 90 طائرة مقاتلة من طرازي " F - 15" و"F - 16" ستعبر الأجواء في اتجاه الحدود التركية السورية, ترافقها طائرات التزود بالوقود لتواصل طريقها في اتجاه شمال العراق؛ ومن هناك إلى إيران، لتسقط قنابل ثقيلة على المنشآت النووية الإيرانية, مدعومة بنحو 42 صاروخا أرض أرض من طراز "يريحو" تنطلق من الأراضي الإسرائيلية.
لقد فشل كلاهما في أن يُقْنِع الآخر بأنَّ له مصلحة حقيقية في أن يوافقه وجهة نظره، فلا نتنياهو أقنع أوباما بأنَّ القيام بعمل فوري وعاجل (عسكري بالضرورة) لجعل إيران عاجزة موضوعياً عن صنع وامتلاك قنبلة نووية هو الطريق إلى "السلام"، أو ما يُزيل "عقبة كبرى" من هذه الطريق، ولا أوباما أقنع نتنياهو بأنَّ إسرائيل يمكنها، وينبغي لها، أن تساهِم في منع إيران من التحوُّل إلى "قوَّة نووية عسكرية" عَبْر قبول حكومتها، الآن، "حلَّ الدولتين"، ف "الآن"، على ما أوضح الرئيس أوباما لضيفه الإسرائيلي ثقيل الظل السياسي، هي زمن "الفرصة التاريخية" لجعل "السلام" حقيقة واقعة.
لقد حدَّث نتنياهو مضيفه عن المخاطر المترتِّبة حتماً على السماح لإيران بالمضي قُدُماً في عملية تخصيبها لليورانيوم وكأنَّه العليم بما يجهله المضيف، فإيران "التي باتت قاب قوسين أو أدنى من صنع القنبلة النووية" هي، على ما يعلمه نتنياهو وحده، ليست بخطرٍ على وجود دولة إسرائيل فحسب، وإنَّما على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في كل مكان.
نتنياهو، في سعيه إلى "توعية" الرئيس أوباما بمخاطر البرنامج النووي على الولايات المتحدة نفسها، أي على مصالحها في أنحاء العالم، برز في ثياب الصديق الصدوق، والناصح النصوح.
وكاد نتنياهو، بعدما فشل في أن يُقْنِع أوباما بوجهة نظره، أن يتَّهم سيِّد البيت الأبيض الجديد بأنَّه، إذا ما ظلَّ على سياسته الحالية تجاه طهران، يمكن أن يدخل التاريخ بصفة كونه المسؤول عن تمكين إيران من حيازة السلاح النووي، فهو، في التصريحات التي أدلى بها بعد محادثاته مع أوباما، أعرب عن قلقه من أنَّ سياسة البيت الأبيض الجديدة حيال طهران قد تمنحها الوقت لصنع قنبلة نووية.
لم يستطع نتنياهو أن يُقْنِع الرئيس أوباما بضرورة وأهمية أن يتخلَّى الآن عن تلك السياسة، وأن يضرب صفحاً عن الحوار مع طهران، فدعاه إلى اختصار مدة هذا الحوار، وجعلها لا تزيد عن بضعة شهور، على أن توقِف إيران في خلال ذلك كل نشاطها النووي.
وجاء ردُّ أوباما على النحو الآتي: سنبدأ الحوار مع طهران بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وسنقوم بتقويم النتائج، واستخلاص الدروس، في نهاية 2009، فنحن لن نحاور طهران إلى الأبد، ولسوف نشدِّد العقوبات ضدَّها إذا ما تبيَّن، بعد نهاية 2009، أنَّ الحوار معها لم يكن مجدياً.
وإلى أن يُقوِّم أوباما نتائج الحوار مع طهران، ينبغي لحكومة نتنياهو أن تلتزم عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران يفاجئ الولايات المتحدة.
ويخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يأتي تقويم الرئيس أوباما لنتائج الحوار مع إيران، التي لم تتوقف عن تخصيب اليورانيوم، بما يشجِّع الولايات المتحدة على المضي قُدُماً في هذا الحوار، فيستمر الحوار بين الطرفين؛ كما يخشى أن يتمخَّض عن هذا التقويم، إذا ما جاء سلبياً، تشديد العقوبات ضدَّ إيران بدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري ضدَّها.
أمَّا الخشية الثالثة لنتنياهو فهي خشيته من عواقب أن تنفرد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
ويَعْلَم نتنياهو أنَّ "الخبر الجيِّد الوحيد" الذي يمكن أن يتناهى إلى سمعه، بعد انتهاء الحوار بين واشنطن وطهران إلى "اتِّفاق"، هو أنَّ الولايات المتحدة قد أقرَّت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل حصولها على ضمانات بعدم صنع الإيرانيين لأسلحة نووية مع أنَّهم أصبحوا، من الوجهة التقنية، قادرين على ذلك.

*كاتب فلسطيني الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.