أكد تقرير رسمي صادر عن برنامج الأممالمتحدة للبيئة "يونيب" أن مصادر المياه الجوفية التي يعتمد عليها 1.5 مليونفلسطيني في الزراعة ومياه الشرب في قطاع غزة، تواجه خطر الانهيار من جراء السنواتالطويلة من الاستخدام الجائر، والتلوث الذي تفاقم نتيجة الحرب الصهيونية الأخيرةعلى القطاع. وحذر التقرير الذي حمل عنوان "تقييم الوضعالبيئي في قطاع غزة من جراء العدوان "الإسرائيلي" الأخير على القطاع بين نهايةعام 2008 وأوائل عام 2009"؛ من أنه ما لم يتم وقف الخطر فورا، فإن الأضرار قدتستغرق قرونًا لإصلاحها وإعادتها إلى حالتها الأولى. وأشار إلى زيادة معدلات الملوحةنتيجة المياه المالحة بسبب الضخ الجائر للمياه الجوفية باعتباره أحد أسباب القلقالرئيسية، بالإضافة إلى التلوث من مياه الصرف الصحي والمياه الزراعية، موضحا أنمعدلات التلوث وصلت إلى درجة أن الأطفال الرضع في غزة يعانون من خطر التسمم بمادةالنيترات. وقدر برنامج "يونيب" أن هناكحاجة إلى ما يزيد على 1.5 مليار دولار على مدى عشرين عامًا لإعادة الخزان الجوفيإلى حالته السابقة؛ بما في ذلك بناء محطات تحلية المياه؛ وذلك من أجل تخفيض الضغطعلى موارد المياه الجوفية. وتطرق التقرير إلى بعض الآثارالمباشرة للعدوان الصهيوني الأخير على القطاع التي من بينها تراكم 60 ألف طن منمخلفات التدمير والانهيارات من جرَّاء الغارات والضربات التي تعرَّضت لها المبانيوالأبنية الأساسية، كما قدر التقرير تكلفة إزالة آثار الدمار بشكل مأمون، والتيتلوثت بعضها بمادة "الإسبستوس"، بأكثر من سبعة ملايين دولار، كما قدر تكلفة الأضرارالتي تعرضت لها مصادر الدخل الخاصة بالمزارعين بالإضافة إلى إجراءات التنظيف بحوالي11 مليون دولار، كما قدر التكلفة الخاصة بإزالة مناطق دفن النفايات الحالية وإنشاءمرافق جديدة لإدارة النفايات الصلبة بأكثر من 40 مليون دولار. ولفت التقرير إلى هناك ما يقدربحوالي 17% من الأراضي المستغلة، بما في ذلك البساتين والبيوت الزجاجية؛ تأثر علىنحو خطير، وقال إن مستويات الملوحة لمعظم أجزاء قطاع غزة هي الآن فوق الحدودالإرشادية لمنظمة الصحة العالمية والمحددة ب250 مللي غراما للتر الواحد، وأنطبيعة التربة في قطاع غزة تعني أن مياه المجاري ومياه الري ونسبة التعكر الناتجة منالمناطق غير المقفلة لدفن النفايات، والتي لم تعد تتسع للمزيد؛ يمكن أن تتسرببسهولة إلى خزان المياه الجوفية. وأوضح أن إجراء اختبارات في تسعةآبار خاصة بين أن معظمها يعاني من تركيزات عالية من النيترات تتجاوز الحدودالقياسية ل"منظمة الصحة العالمية" (50 مللي جراما للتر الواحد) وأن الاختباراتأظهرت أن واحدا من هذه الآبار تتجاوز فيها تركيزات النيترات 331 مللي جراما للترالواحد، مشيرا إلى أن المستويات العالية من النيترات يمكن أن تتسبب بظهور نوع منالأنيميا لدى الأطفال الرضع والمعروفة "بظاهرة الرضيع الأزرق". وأعرب التقرير عن قلقه من أنتركيز النيترات في الماء ربما يكون أكثر سوءً؛ وذلك نتيجة لعمليات العدوان الأخيرة، موصيا بضرورة توفير المياه المأمونة للرضع وإجراء دراسة شاملة من قِبَل "الأممالمتحدة" حول ظاهرة "الطفل الأزرق" (مرض جلدي ينتشر بسبب تلوث المياه)،وكذلك تطوير مصادر مائية بديلة باستخدام تحلية المياه، والاسترداد الكامل لشبكةإسالة المياه الحالية من أجل تقليل معدلات الخسائر من حالات التسرب التي تعادل نسبة40%من المياه التي يتم ضخها. وأوصى التقرير باستخدام تدابيروطرق متطورة لمراقبة مصادر التلوث للخزان الجوفي، وبناء محطة أو محطتي معالجة مجارٍجديدتين وحديثتين قادرتين على التعامل مع النيترات بحيث يمكن استخدام المياهالمعالجة في الأغراض الزراعية. ودعا التقرير إلى إنشاء مرفقجديد للتعامل مع الركام الناتج من العدوان الصهيوني والمقدر بنحو 600 ألف طن؛ منهاأكثر من 200 ألف طن في مدينة غزة و100 ألف طن في رفح، وتحقيق أقصى درجات إعادةالاستخدام والتدوير للموارد، وفصل تلك التي من المحتمل تلوثها. ولاحظ التقرير أن التدمير فيالعديد من المصانع والمرافق الأخرى يستدعي قيام العمال بارتداء معدات وقاية شخصيةليست متوفرة بسهولة في قطاع غزة، ويؤكد كذلك وجود أشكال أخرى من التلوث بحاجة إلىإجراء سريع مثل تلك المرتبطة بأنواع الوقود المترسبة في التربة نتيجة الغازات،والتي بدورها قد تتسرب إلى المياه الجوفية. وأشار إلى أن عمليات التحليلالتي تمت في مزرعة الزيتون للدواجن، وفي محطة وقود في مصنع أسمنت في رفح، أظهرتوجود تلوث للتربة من المواد البترولية يتجاوز أحيانا الحدود المعترف بها دوليا،وأن هناك حاجة إلى جمع هذه المواد وتخزينها في مرافق مأمونة ليست متوفرة في الوقتالحاضر في قطاع غزة، ويؤكد التقرير كذلك القلق حول التخلص من نفايات الرعاية الصحيةفي قطاع غزة؛ حيث يرجع ذلك جزئيا إلى زيادة أعداد المصابين. وأوصى التقرير بإنشاء مرفق خاصلإدارة النفايات الخطرة للتعامل السليم مع هذه الأنواع من النفايات.
وأبرز التقرير وضع موقع دفنالنفايات القديم في تل السلطان بالقرب من مدينة رفح، والذي تمت إعادة فتحه خلالالعدوان وبعده كمحطة تخزين وتحويل مؤقتة للنفايات الصلبة، مشيرًا إلى أنه لا توجدأنظمة رقابة لمنع المياه الملوثة من التسرب إلى الأرض أو إلى خط القاعدة في الموقعالذي يغطي مساحة تبلغ حوالي ستة هكتارات من الأرض ولا يبعد أقرب منزل عنه سوى أقلمن 50 مترًا. وقال التقرير: 'إن الموقع يمثلخطرًا صحيًّا على الناس العاملين في الموقع أو بالقرب منه، بالإضافة إلى المجتمعالمجاور، وتمثل نفايات المسلخ مشكلة خاصة؛ حيث إنها تجتذب الفئران التي قد تنقلالأمراض، مثل مرض اللولبية النحيفة والتهاب السحائى". وأوصى التقرير بأن يتم إغلاقموقع تل السلطان، بالإضافة إلى جميع مواقع الدفن الأخرى في قطاع غزة، باستثناء مرفقبرنامج "الأممالمتحدة" الإنمائي للتخزين، ووقف استخدامها وإعادة تأهيلهاللاستخدامات البديلة. ويقدر التقرير تكاليف وقفاستخدام المدافن الحالية وإنشاء مرافق إدارة جديدة للنفايات الصلبة بأكثر من 40مليون دولار، مؤكدًا تعرض 17% من الأراضي المستغلة في قطاع غزة خلال العدوانالصهيوني الأخير للتدمير الكامل؛ بما في ذلك البساتين والبيارات والحقولالمفتوحة. ولفت إلى أن تدمير الغطاءالنباتي وتلبد التربة نتيجة الغارات وحركة الدبابات أدى إلى تدهور الأراضي؛ ماجعلها عرضة للتصحر وربما لأسباب متنوعة كثيرة يكون من الصعب إعادتها إلى وضعهاالسابق وتجديدها. ويقدر التقرير أن تكاليف الأضرارالتي لحقت بالمزارعين ومصادر دخلهم نتيجة تدمير الأراضي الزراعية وتلويثها؛ بما فيذلك ضمان سلامة الأراضي للزراعة بحوالي 11 مليون دولار، كما أشار إلى أن إنشاءأنظمة مياه جوفية ومراقبة بحرية والاحتفاظ بالموظفين واسترداد وتأهيل المبانيوالمعدات قد يكلف حوالي 20 مليون دولار. وطالب المجتمع الدولي بكافةمؤسساته بالعمل السريع لمعالجة تلك الأوضاع وتأمين المبالغ اللازمة، والتي قدرهاالتقرير الأممي بمئات الملايين لتخفيف الإضرار الناجمة عن العدوان ومعالجتها، كماأكد كذلك ضرورة قيام الأمين العام ل"الأممالمتحدة" بان كي مون، بتأمين التمويلاللازم بناء على توصيات قرار المجلس الحاكم ل"يونيب" في نيروبي عام 2009. بدوره أوضح وكيل "الأممالمتحدة" والمدير التنفيذي لبرنامج "يونيب" "أكيم ستينر"؛ أن عمليات التقييم التي جرتوالنتائج التي تم تقديمها، تحدد وتوثق التحدي الخطير الذي يواجه الاستدامة البيئيةفي قطاع غزة. وقال: "يجب أن تساعد الأرقاموالحقائق الدامغة، بالإضافة إلى تقديرات الاستثمار الإرشادية، جميع الأطراف ذاتالعلاقة في فهم مدى خطورة الوضع من أجل تقديم حلول تأهيلية وإصلاحية"، مشيرا إلىأن المجتمع الدولي أظهر استعداده لتقديم المساعدة الفنية والمالية والدبلوماسية منأجل تحويل عملية التأهيل البيئي إلى فرصة للتعاون والإصلاح. وأضاف أن "العديد من آثارالعمليات الحربية الأخيرة قد أدت إلى تفاقم التدهور البيئي الذي بدأ منذ سنواتطويلة، وهو التدهور الذي لا ينتهي عند حدود قطاع غزة، بل يؤثر أيضًا في صحة منيعيشون خارجها.