أسعار الدواجن اليوم الجمعة 9-5-2025 في محافظة الفيوم    بمشاركة السيسي، توافد المشاركين بالذكرى الثمانين لعيد النصر إلى السجادة الحمراء بموسكو    بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر يقيم أول قداس كبير اليوم الجمعة    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    خريطة الحركة المرورية اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    زيلينسكى يعلن أنه ناقش خطوات إنهاء الصراع مع ترامب    «أوقاف شمال سيناء»: عقد مجالس الفقه والإفتاء في عدد من المساجد الكبرى غدًا    ارتفاع صادرات الصين بنسبة 8% في أبريل    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    تكريم حنان مطاوع في «دورة الأساتذة» بمهرجان المسرح العالمي    فرص تأهل منتخب مصر لربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب قبل مباراة تنزانيا اليوم    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    جدول مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    مستأجرو "الإيجار القديم": دفعنا "خلو" عند شراء الوحدات وبعضنا تحمل تكلفة البناء    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    بنك القاهرة بعد حريق عقار وسط البلد: ممتلكات الفرع وبيانات العملاء آمنة    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير جولدستون..
نشر في الشعب يوم 13 - 11 - 2009


بقلم: مجدي أحمد حسين

من علامات أزمة النخب الحاكمة والمعرضة فى بلادنا أن بعض التصورات تتحول إلى ثوابت فى الأذهان والخطاب، ومهما جرت من مياه وأحداث يظل البعض يردد هذه التصورات وكأنها تحولت إلى قوالب مقدسة. وأشهر هذه التصورات الزائفة أن الولايات المتحدة هى القطب الوحيد الذى يهيمن على العالم من عام 1991م حتى الآن، ولكننى أركز اليوم على تصور إسرائيل (الكيان الصهيونى) كقوة جبارة لا تقهر، إرادتها نافذة، ولا حيلة لنا فى مواجهتها، خاصة وأن العالم كله متكتل خلفها.
وهذا المفهوم عن إسرائيل ساد بعد هزيمة 1967م الساحقة وكان منطقيا أن يسود بعدها، ولكن هذه الأفكار زاد ترويجها فى تبرير عملية الاستسلام (السلام) التى جرت فى كامب ديفيد ومنح الإعلام الرسمى المصرى والعربى ملايين الأطنان من الكلمات التى تؤيد ذلك تبريرًا للسير فى طريق كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل ولا شك لم يمض هذا الغسيل للمخ بلا أثر على المواطن المصرى والعربى ولكن عندما تتغير الظروف ويتراجع الكيان الإسرائيلى وينكمش ويضعف فى معادلة الصراع مع قوى المقاومة والممانعة، ويضعف وزنه العالمى ودوره فى الإستراتيجية الغربية والأمريكية، يظل كثير من الناس يرددون نفس العبارات عن الكيان الصهيونى التى تجوز بعد هزيمة 1967م ولكنها لا تصلح الآن ,ولعل هذه هى أهمية تقرير جولدستون والدوى الذى أحدثه وأن كان البعض ما يزال يدير نفس الأسطوانة المشروخة عن عظمة إسرائيل وعن عدم أهمية هذا التقرير الذى لا يساوى الحبر الذى كتب به.
وقد دعوت الكتاب والمحللين والسياسيين والمثقفين مرارًا لمتابعة الصحف الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلى ليكفوا عن ترديد هذا الهراء.
دلالات تقرير جولدستون:
لا شك أن تقرير جولدستون ليس أول تقرير دولى يدين إسرائيل ولكنه يتميز بأمور خاصة ومحاط بظروف جديدة..
1.التقرير أدان إسرائيل بصورة كلية فى عدوانها على غزة ووصفه بأنه جريمة حرب وإبادة للإنسانية، وهذا لم يحدث من قبل بخصوص أى حرب سابقة خاضتها إسرائيل.
2.إن التقرير بذلك أنصف غزة المحاصرة التى حاولوا اغتيالها بهذا العدوان وبتباطؤ حكام العرب فى معظمهم، وكانت غزة المدمرة والمحاصرة حتى الآن فى أشد الحاجة لهذا الدعم المعنوى. وبالمناسبة فإن التقرير لم يكن مساويًا بين إسرائيل وحماس بل انصب معظمه على إسرائيل، بل هو لم يذكر حماس بالاسم بل وجه إصبع الاتهام بخصوص الصواريخ صوب (جماعات فلسطينية مسلحة) دون أن يسميها. ويرى التقرير أن حكم حماس فى غزة حكمًا شرعيًا ويفصل بينه وبين المجموعات العسكرية المسلحة العاملة فى القطاع.
3.إن التقرير أثار الزعر فى إسرائيل حقا لأنه يهدد كبار المسئولين الإسرائيليين بالجيش الإسرائيلى باحتمالات المحاكمة الجنائية الدولية، ولو كانت إسرائيل واثقة من وضعها الدولى لما أصابها التقرير بكل هذا الذعر حتى لقد أصبح مجلس الوزراء الإسرائيلى فى حالة طوارئ وذهب رئيس الوزراء نتنياهو للكنيست كى يقول أن إسرائيل تواجه تحديًا خطيرًا، وأنه لن يسمح بمحاكمة ضباط الجيش الإسرائيلى!!
وهناك حاليًا خلاف فى إسرائيل حول ما إذا كانت تستجيب للتقرير وتجرى تحقيقا داخليًا فى هذه الجرائم، لصد احتمالات المحاكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذى أثار حفيظة الجيش الإسرائيلى حتى لقد صدرت كبرى الصحف الإسرائيلية "يديعوت أحرنوت" وعنوانها الأبرز فى الصفحة الأولى نداء استغاثة من قادة الجيش للحكومة أن "لا تتخلوا عنا" واعتبر اشنكازى رئيس أركان الجيش أن تشكيل لجنة تحقيق داخلى يعنى أمرًا واحدًا فقط هو التضحية بالجيش والخضوع أمام الضغوط الدولية الممارسة على إسرائيل فى أعقاب صدور تقرير جولدستون. وحتى الآن استجابت الحكومة لنداء الجيش ورفضت التحقيق الداخلى وقررت إنشاء لجنة خاصة لمكافحة تقرير جولدستون وانعكاساته سياسيًا ودبلوماسيًا!!
ووصل الأمر إلى حد طلب إسرائيل تعديل القانون الدولى خاصة مواثيق جنيف لعام 1949م وهذا الأمر الذى يعنى اعترافا صريحًا بأن إسرائيل لم تلتزم بهذه المواثيق فى حربها على غزة. وتتعامل إسرائيل مع خطر محاكمة قادتها دوليًا بصورة جدية، إذ صرح مصدر أمنى إسرائيلى بأنه: (لا يعقل أن يواصل ناشطوا حماس جولاتهم ورحلاتهم فى أنحاء العالم بشعور أنهم يتمتعون بحصانة فيما يخشى ضباط إسرائيليون السفر تفاديًا لتعرضهم للملاحقة القضائية) وقال يونتان هيلفى كبير الباحثين فى مركز القدس لدراسات الجمهور والدولة بإسرائيل أنه فى الوقت الذى يتوجب فيه على الجنرال جابى إشكنازى رئيس أركان الجيش الإسرائيلى أن يشعر بالخوف الشديد لدى مثوله أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى فإن قادة حماس بإمكانهم أن يمثلوا أمام المحكمة ويعودوا إلى بيوتهم بسلام وفقا لنصوص تقرير جولدستون!
4.إن موافقة أغلبية كبيرة فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تقرير جولدستون مؤشر مهم على التغير فى موقف المجتمع الدولى، بل لقد أقر التقرير بمنتهى السهولة.
5.إن كاتب التقرير نفسه (ريتشارد جولدستون) هو يهودى، وليست هذه حالة فردية، فهناك قطاعات متزايدة من يهود العالم لم تعد راضية عن سياسات الكيان الإسرائيلى، ولم تعد متحمسة له على طول الخط، وأن الصورة الزاهية لإسرائيل المظلومة التى هزمت 3 جيوش عربية فى 6 ساعات فى 1967م، لم تعد هى صورتها الآن، فإسرائيل لم تعد تقاتل جيوشا ولا تستطيع أن تحقق انجازات ضد المقاومة إلا بمذابح جماعية للنساء والأطفال والشيوخ والمدنيين. وأن تطور وسائل الإعلام (بالمقارنة مع عام 1948م)، ينقل صور هذه المذابح وهذا يضع صورة بشعة لليهود فى كل مكان، ولذلك فإن أعدادًا متزايدة منهم - بدافع المصلحة- تنأى بنفسها عن هذه الجرائم وتنتقدها. كذلك فإن كثيرًا من يهود العالم. خاصة فى الغرب لا يتحمسون لحكومة نتنياهو المتحالفة مع الأحزاب الدينية.
ويمكن التأكيد أن حالة التراص بين إسرائيل ويهود الشتات ليست فى أفضل أحوالها بل هناك شرخ يتعمق بينهما.. بسبب تعثر المشروع الصهيونى على أرض فلسطين.
****
وهكذا فإن دلالات هذا التقرير قد تكون أهم من نتائجه العملية، وأن تأثيراته الأساسية معنوية. وهذا مهم فى صراعنا التاريخى المديد مع هذا الكيان الغاصب، فما تحقق حتى الآن يكفى: أن يشعر الصهاينة أنهم محشرون فى الزاوية وأنهم لم يعودوا الطفل المدلل للمجتمع الدولى، وأن الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن لن يعنى إلا هزيمة جديدة لإدارة أوباما، هزيمة لادعاءاتها عن قدرتها انجاز مصالحة مع العرب والمسلمين. بل إن تقرير جولدستون أكد إمكانية تحريك الدعوة الجنائية ضد قادة إسرائيل من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث لا يوجد فيتو أمريكى!
أزمة إسرائيل الأصلية:
وأبعد من دلالات تقرير جولدستون فإنها لا تزيد عن كونها كاشفة لأزمة إسرائيل الأصلية فالخط البيانى لها فى هبوط خاصة خلال العقدين الماضيين (راجع دراستى عن انهيار إسرائيل الكبرى فى مجلة منبر الشرق) وهو ما تقره الشخصيات العاقلة اليهودية داخل إسرائيل وخارجها (أشهرها رئيس الكنيست السابق جورج) الذى تنبأ بزوال إسرائيل قريبًا).
ومن أبرز مظاهر ذلك:
1.تراجع كل الإسرائيليين عن فكرة إسرائيل الكبرى فأكثر الاتجاهات تطرفا لا تطلب الآن أكثر من الحفاظ على الوضع القائم، والاحتفاظ بنصف الضفة الغربية بعد التخلى تمامًا عن غزة وقد وصل الجميع لتلك النتيجة بعد هزيمتهم الكاملة فى لبنان والانسحاب منه عام2000م ثم الهزيمة الثانية على أرض لبنان عام 2006م باعتراف أحدث التقارير الإسرائيلية التى أقرها الجيش الإسرائيلى، وبعد الاندحار عن غزة وتفكيك المستوطنات بها. كذلك ينكفئ النفوذ الصهيونى فى العراق مع الانسحاب الأمريكى المتوقع، وينهار النفوذ الصهيونى بصورة متسارعة فى تركيا بينما يتصاعد الخوف الاستراتيجى من القوة الإيرانية. وبكل الحسابات فإن الكيان الصهيونى تقلص ماديًا على الأرض، وانكمش حجمه، وكذلك تقلص نفوذه فى المنطقة (عدا مصر والأردن!!).
2.لم تعد إسرائيل -كما نقول فى مصر- (دجاجة بكشك) عند أمريكا والغرب، فقد تراجع وزنها الاستراتيجى نتيجة فشلها المتكرر فى لبنان وغزة، ولم تعد هى القوة التى تحرس المنطقة لأمريكا والغرب، بل عند الضرورة يتولى الأمريكيون الأمر بأنفسهم (العراق- أفغانستان- الخليج)، أما فى الدائرة الأصغر فقد عجزت إسرائيل عن ترويض سوريا أو غزة أو لبنان. بل تحول أصغر كيانين فى المنطقة (غزة- لبنان) إلى واحد من أهم المخاطر الإستراتيجية على إسرائيل (تخيل ماذا سيكون الوضع لو أن مصر جزء من المعادلة!!).
وقد أشرت من قبل إلى تزايد نفوذ الاتجاه الأمريكى الداعى إلى وضع مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حفاظا على المصالح الأمريكية، ولكننى أشرت إلى أن ذلك أصعب ملف وآخر ملف يمكن لإدارة أوباما أن تفعل فيه شيئا، فلا تزال الغلبة لفكرة التحالف الاستراتيجى مع إسرائيل خاصة فى ظل خضوع معظم الأنظمة العربية للولايات المتحدة ولسياستها بينما لا يزال اللوبى اليهودى مؤثرًا فى السياسة الأمريكية.
ومع ذلك فإن الخلاف الأمريكى- الإسرائيلى حول تجميد الاستيطان ليس مسألة شكلية وهو يعكس العبء الذى تمثله إسرائيل على السياسة الأمريكية، حيث تفقدها القدرة على المناورة وإدعاء المصداقية فى الوساطة مع العرب. ولا شك أن حكومة نتنياهو اليمينية الدينية زادت هذه الأمور تعقيدًا.
وهذا ينقلنا إلى مستوى آخر من أزمة الكيان الإسرائيلى، فرغم أن الاتجاه العام السائد فيه، هو عدم الترحيب بالحروب، والرغبة فى الاستمتاع بحياة الاستهلاك والأمان، إلا أن الناخب الإسرائيلى انتخب اليمين المتشدد وهى حالة من الشيزوفرنيا (مرض ازدواج الشخصية) فالإسرائيلى لا يريد الحرب ولكنه يختار الصقور لعلهم يخيفون الأعداء العرب وقد يؤدى ذلك لتجنب الحرب!! لذلك ستلاحظ دائمًا أن حكومة ما يسمى اليمين: مجرد جعجعة بلا طحن، حتى حرب غزة الأخيرة خاضها تحالف حزب العمل كاديماا!!
ومع ذلك فالمثير للسخرية أن حزبى العمل وكاديما يتجهان للمزيد من الأزمات والانشطارات ولا تنبئ أوضاعهما بإمكانية الحلول بسهولة محل حكومة نتنياهو فى أى انتخابات مبكرة لذلك على الأغلب سيستمر الوضع على ما هو عليه لمدة 3 سنوات أخرى على الأقل، وهو الاحتفاظ بالأمر الواقع كما هو فى الضفة الغربية (سلطة خاضعة للاحتلال)!
وهناك مؤشر عجيب على تراجع وزن إسرائيل الدولى، لا يلتفت إليه أحد، وهو رد الفعل الضعيف دوليًا تجاه تصريحات أحمدي نجاد رئيس إيران التي تطالب بمحو إسرائيل من الخريطة، والتشكيك فى الهولوكوست، ولو فعلت إيران ذلك قبل عشرين عامًا، لتعرضت لزلزال دولى، ولكننا نرى إيران تمارس حياتها الدولية بصورة اعتيادية وتستقبل العديد من رؤساء الدول، ويزور نجاد العديد من الدول (آخر دولة أوروبية دعت نجاد لزيارتها هى الدنمارك!!)، طبعا هناك عقوبات أمريكية ولكنها قديمة منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م، وعقوبات حديثة غير مؤثرة بسبب برنامجها النووي، ولكن معارضة الغرب للبرنامج النووي معارضة أصيلة ترفض بروز دولة إسلامية قوية، وليس مجرد الحرص على أمن إسرائيل وإن كان ذلك من العوامل الرئيسية بطبيعة الحال، ولكنه ليس السبب الوحيد. ولذلك ترى تفاوتا كبيرًا في الرؤية خلال معالجة الملف النووى الإيراني، بين إسرائيل من ناحية وأمريكا والغرب من ناحية أخرى.
المناورات الأخيرة مؤشر جديد لضعف إسرائيل:
المناورات العسكرية الأمريكية- الإسرائيلية التى تجرى حاليًا على أرض الكيان الصهيونى، تعكس الحالة الدفاعية الانكماشية لإسرائيل، فهى مناورات لكيفية التصدى لهجوم صاروخى شامل من إيران- سوريا- حزب الله- غزة، لاحظ حزب الله وغزة!، إسرائيل المخيفة تقوم بأعلى تعاون عسكرى مع أكبر دولة عسكرية في العالم وفي التاريخ من أجل التصدي لحزب الله وغزة!! وهذا دليل دامغ على أن إسرائيل تعي جيدًا أنها لم تقضي على القوة الصاروخية لا لحماس ولا لحزب الله. هذه المناورات تعكس أن إسرائيل تشعر بالحصار الخانق مع 4 أعداء بينهما دولتان إيران وسوريا ولا شك أن هذه المناورات قائمة على أساس أن تضرب إسرائيل البرنامج النووي الإيراني، وأن تكون مستعدة لتلقي رد الفعل ومع ذلك يظل السياق كله دفاعيًا تراجعيًا وما زلت استبعد احتمال مبادرة إسرائيل أو أمريكا أو الاثنين معًا بضربة عسكرية لإيران، ولكنهما لابد أن يستعدا لكل الاحتمالات.
ورغم كل ذلك فإن التقديرات العسكرية العلمية تؤكد أن أعلى منظومة دفاعية أمريكية لا يمكنها إسقاط أكثر من صاروخ واحد من كل 7 صواريخ بعيدة المدى تطلق على إسرائيل. كما لم تصل هذه المنظومة لأى حل للتصدي للصواريخ قصيرة المدى التى تنطلق من لبنان أو غزة أو سوريا!!
ولذلك فإن هذه المناورات أشبه بعمل وكالة ناسا الأمريكية للفضاء التى تعد لمشروعات عديدة لغزو الفضاء، ولكنها لا تنفذها لعدم حل كل المشكلات الفنية والعملية (كرحلة البشر إلى المريخ مثلا!!).
إن الصراخ الإسرائيلى اليومي منذ سنوات من الخطر الوجودي بسبب إيران، أمر جدي وحقيقي للغاية خاصة إذا علمنا أن التجمع اليهودي الأساسي في فلسطين المحتلة متواجد في 10آلاف كيلو متر مربع فحسب، وكما قال رافسنجانى منذ سنوات.. أن قنبلة نووية واحدة على إسرائيل تقضى عليها، ولكن قنبلة نووية على إيران لا تقضى عليها .
السلاح النووى عادة لا يستخدم، ولكن تأثيراته النفسية هى الأخطر.
ونحن لا نعرف تفصيلا كيف سيزول الكيان الإسرائيلى. ولكن جوهر الأمر أن يدرك قاطنوا الكيان أنهم لم يعودوا الأقوى والأعلى فى المنطقة، وأن هناك قوى عربية وإسلامية قادرة على زلزلة أمنهم ومحوهم من الوجود، عندئذ يتجه الكيان إلى المزيد من الذبول مع استمرار تصاعد الهجرة العكسية، ومن يتبعه يكون مستعدًا لتقديم مزيد من المساومات والتنازلات من موقع الأضعف وهو ما يعنى المزيد من الذبول حتى الموت. ومحاولة تخيل سيناريو انتهاء إسرائيل يحتاج لمقال مستقل ولكن باختصار فإن القوة هى التى ستحسم الصراع، القوة بمعناها الشامل، ولا يعنى ذلك بالضرورة قيام حرب تقليدية بين جيوش نظامية، ولكن عبر حرب المقاومة والصواريخ والعودة إلى الحصار المحكم بحيث يصبح خيار الهجرة خارج الكيان هو الخيار الأكثر عقلانية. ولا يعرف كثيرون أن مليون إسرائيلى يعيشون خارج إسرائيل بالجنسية الأخرى، فإذا زاد هذا العدد إلى 2أو 3مليون فهذا نصف عدد الإسرائيليين بالإضافة إلى وجود أكثر من مليون فلسطينى (1.2مليون) داخل حدود 1948. أى 20% من السكان بالإضافة ل 20% أخرى من أصل روسى يحافظون على لغتهم الروسية ويصدرون بها صحفهم ونشراتهم ومجلاتهم ويمارسون بها أنشطتهم الثقافية واتضح أن بعضهم من المسيحيين وليس من اليهود!
نحن فى الحقيقة أمام كيان هش لا مستقبل له يعيش بمساندة ودعم الأنظمة العربية العميلة للولايات المتحدة بأكثر مما يعيش بقوته الذاتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.