«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسة أسابيع بدون رئيس..
نشر في الشعب يوم 02 - 05 - 2010


بقلم/ مجدى أحمد حسين
[email protected]

تعيش مصر منذ خمسة أسابيع بدون حاكم محدد، فقد عاد مبارك من ألمانيا إلى شرم الشيخ فى مرحلة نقاهة تستمر أسبوعين لم تنتهى بعد, ولم يعد أحد يراه بعد هبوطه على سلم متحرك من الطائرة، وهذه الواقعة فى حد ذاتها تثبت أن مصر يمكن أن تعيش بدونه، وبدون أى حاكم معلن حتى إشعار آخر، فمصر تعيش الآن بقوة القصور الذاتى، كقاطرة ما تزال تندفع للأمام رغم توقف محركاتها، أما أسس الحكم فقد استقرت على ثوابت راسخة يمكن لأى حاشية أن تدير البلد وفقا لها والثوابت أصبحت محفوظة: الطوارىء للأبد، لا توجد ديمقراطية أفضل مما هو كائن، معدل النمو رائع ويفوق اليابان وإنجلترا وأمريكا، أما الفساد فهو موجود فى كل مكان فى العالم، فلماذا لا يوجد فى مصر؟! ودائرة عبد السلام جمعة موجودة لأى قضايا سياسية؟ والأمن المركزى يعمل بانتظام.. والجدار الفولاذى مع غزة يستكمل بناؤه، والسلام خيار استراتيجى، وأمريكا صديق استراتيجى، وأيضا إسرائيل، أما الفقر فهو فى انحسار، والغلاء ظاهرة عارضة، أما مظاهرات الجوع أمام مجلس الشعب فيمكن التحايل معها بصورة أو بأخرى، بالتسويف أو ببعض الوعود، أو ببعض التعويض المادى. وهذه الثوابت يمكن لأى حاشية أو بطانة أن تدير الحكم على أساسها فهى واضحة وثابتة وراسخة منذ ثلاثين عاما، وقد تعودوا عليها وتمرسوا.

إذن لم تعد مصر فى حاجة لحكمة مبارك، بعد أن تشربها المحيطون حوله. وهم أصحاب مصلحة أكيدة فى استمرار العمل بها، بل هذه الثوابت المذكورة آنفا أصبحت هى الدستور الحقيقى للبلاد.
ولكن مبارك لن يستسلم حتى الرمق الأخير وكأنه "يجاهد فى سبيل الله"!، وفى التاريخ قصص كثيرة فى استقتال الحاكم على كرسيه، ومن ذلك ما قام به الحاكم المملوكى على بك الكبير عندما طرده المملوكى الآخر أبو الدهب إلى الشام، فقد كان على بك الكبير يعانى فى الشام من مرض شديد ومع ذلك أصر على قيادة جيشه لاستعادة الحكم، وكانت المعركة الفاصلة فى الصالحية حيث هُزم على بك الكبير وجاء القاهرة أسيرا ومريضا حتى توفاه الله.

ومن الأمور الملفتة طوال هذه الأسابيع الخمسة، أن الرئيس الأمريكى أوباما من دون حكام العالم ومنافقى الداخل لم يستفسر عن صحة مبارك ولم يهنئه بسلامة العودة، رغم أن الرئيس الأمريكى أهم شخص فى حياة مبارك. ومع كثرة المقالات فى الإعلام الأمريكى التى تتناول مرحلة ما بعد مبارك، يبدو أن أمريكا تريد وتضغط على مبارك أن يحسم أمره ويحدد خليفته، فمصر البلد الأكثر أهمية لأمريكا بعد إسرائيل فى المنطقة، ولابد أن تطمئن على استقرار مصالحها فيها.
ويبدو أن مبارك ما زال حائرا بين ابنه جمال، وأحد أفراد المؤسسة العسكرية، وأمريكا كدولة عظمى لا تملك أن تظل فى هذه الحيرة معه.
كتبت من قبل مقالا عن أحوال مصر إذا استمر مبارك فى الحكم حتى عام 2017 وكان مقالا جادا مدعما بالأرقام والإحصاءات، وتصور البعض أنه نوع من السخرية، ولكن ما تصوره البعض سخرية أصبح واقعا قريبا، فإذا ترشح عام 2011 فمعنى ذلك أن يبقى حتى عام 2017، أما الموت فلا يعرف أحد موعده.
وفقا للبيانات الرسمية فإن مبارك يمضى فترة نقاهة لمدة أسبوعين يتلقى خلالها برقيات أو يرسل برقيات، أو يرد على اتصال هاتفى من ايهودا باراك. وأنه سيعود أقوى مما كان.
وسواء صحت هذه البيانات أم لا، فإن الأمر الأكثر أهمية بما لا يقاس حقيقة أن مصر هى المريضة، وأننا نصلى إلى الله سائلين الشفاء، ومرحلة النقاهة لها.
فكما كتبت من قبل مرارا أن مصر أصبحت خارج التاريخ، وكلما تابعنا أحوال الأمم من حولنا أصابنا الكمد.
فى حديث مبارك لقناة أمريكية خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة سأله المذيع عن انجازاته.. فأول ما تبادر إلى ذهنه أنه يوفر للناس الخبز.. ثم تحدث عن المدارس والمجارى.. الخ.
نحن أمام نظام يباهى أنه ما زال يوفر الخبز والمجارى (لبعض الناس) حيث يفتتح الحاكم محطات المجارى ونادى للتجديف! بينما الهند والصين وإيران دخلت عصر الفضاء!
إن الأمم أشبه بالمتسابقين فى سباق للجرى، حيث ترى هناك مجموعة متقدمة لضرب الأرقام القياسية والحصول على المراكز الأولى ومجموعة تالية تنافس للحاق بها، وفى آخر السباق تجد بعض المتسابقين المتعثرين منقطعى الأنفاس، وبعضهم لا يتمكن من إكمال السباق.
ومصر أصبحت فى هذا العهد السعيد من هذه المجموعة الأخيرة، فى كل المجالات بلا استثناء.
انظر مثلا إلى فيتنام، فهذا البلد تعرض لأعتى حرب فى القرن العشرين، حيث سويت البلد بالأرض من كثرة القصف الأمريكى. وفى العام الأخير بلغت صادراتها 68 مليار دولار. صادرات مصر لا تصل إلى صادرات شركة صينية واحدة.
والأهم من ذلك أن معظمها مواد أولية: بترول - غاز - أو سلع غير متطورة كالسيراميك.
أما ماليزيا فقد بحثت عن تاريخها فى دائرة المعارف البريطانية، وفى الكتب الماليزية الرسمية، وأقرت هذه المصادر أنه لا يوجد أى تاريخ لماليزيا قبل القرن الخامس عشر، أى أنها كانت من قبل مجرد غابات لا توجد فيها دولة ولا حضارة.
وماليزيا المعاصرة هى دولة ملفقة من أراضى غير متصلة، فهى جزء من شبه جزيرة الملايو بالإضافة لجزء من إحدى جزر إندونيسيا بالإضافة لأجزاء أخرى، لم تكن تاريخيا دولة واحدة، بل السكان من أصول هندية وصينية تصل نسبتهم إلى 40%. ولكن لأنها حظت بقيادة رشيدة أصبحت ماليزيا فى القائمة الأولى لأهم الدول الصناعية فى العالم. وعندما تولى محاضير (مهاتير) رئاسة ماليزيا فى وقت مقارب لتولى مبارك حكم مصر، كانت ماليزيا مجرد مزرعة مطاط للتصدير ولا تعرف أى شىء آخر.
والطريف أن محاضير استقال بمحض إرادته رغم هذا الانجاز التاريخى، بينما يصر مبارك على استكمال دوره فى إخراج مصر من التاريخ، والأمة تنظر إليه كأنها مخدرة.
الأمم تشمر عن سواعدها ويسعى كل منها ليبرع فى مجال معين، فأصبحت تايلاند هى الأولى فى العالم فى مجال صناعة شاحنات النقل الصغيرة، وكوريا الجنوبية تصدرت العالم فى مجال بناء السفن، وباكستان صنعت برنامجها النووى وقنبلتها النووية، فى استجابة لتحدى الهند، وتصمم وتصنع الطائرات الحربية والصواريخ، وكوريا الشمالية برعت فى صناعة الصواريخ والسلاح والذرة، سنغافورة ذلك البلد الصغير سكانا وأرضا احتل المرتبة الأولى فى العالم من بين 133 دولة فى مؤشر جودة التعليم (حدث ولا حرج عن انهيار التعليم فى مصر) البرازيل فى عهد الرئيس الحالى سيلفا دى لولا الذى لم يحكم إلا لفترة رئاسية واحدة (مبارك 5 فترات ويستعد للسادسة) قفز ببلاده إلى المرتبة العاشرة بين أكبر اقتصاديات العالم، والمكسيك صاحبة الأزمات الاقتصادية الشهيرة والفقر المدقع بحيث أصبحت مركزا رئيسيا للتهجير للولايات المتحدة، أصبحت الآن فى المركز الحادى عشر. وابحثوا عن مصر فى مستنقعات المراكز الأخيرة. وهناك نهوض قريب من ذلك فى عدد من الدول اللاتينية كفنزويلا وتشيلى والأرجنتين.
وفى التقدير الدولى للطهارة من الفساد سنجد سنغافورة مرة أخرى (بالمناسبة رئيسها مفكر ومثقف وله رؤية فى التنمية) تحتل المركز الرابع فى العالم، وجاءت قطر فى المركز ال 30 وقبرص ال 31 وكوريا الجنوبية ال 40 أما مصر فهى فى المركز 115 بالتساوى مع: ملاوى وجزر المالديف وموريتانيا والنيجر وزامبيا.
وإذا أخذنا عام 1982 كنقطة قياس وهو العام الذى تولى فيه مبارك حكم مصر (استلم الحكم فى أواخر عام 1981) فقد تضاعف الناتج المحلى المصرى من 1982 حتى 2007 أربع مرات، بينما تضاعف الناتج المحلى لكوريا الجنوبية ب 14 مرة, والتايلاندى 7,7 مرة والماليزى 7 مرات.
ولكن الأهم من الزيادة الرقمية هو نوعية الإنتاجية المتطورة التى دخلت هذه البلدان، فى حين أن الزيادة المصرية الأقل فى مجال صناعة المواد الأولية أو صناعة السيراميك وما أشبه بها! ففى عام 2008 بلغت الصادرات المصرية 26 مليار دولار بينما صدرت كوريا الجنوبية ب 422 مليار دولار، وماليزيا ب 209 مليار دولار وتايلاند 172 مليار دولار.
ومعظم هذه الأمثلة لبلاد من حجم ووزن مصر من حيث الموارد والسكان والحضارة حتى لا يقال أننا نقارن مصر بدول عظمى كالصين أو الهند. ولكن فى تجربة هذين البلدين ردا على السخافات المتواصلة على أن مشكلة مصر هى زيادة السكان. والصين الآن مليار وربع والهند مليار نسمة. وقد كان إنتاج مصر يوازى 9% من إنتاج الصين عام 1965، أما الآن فإن إنتاج مصر يوازى 3,9 % من نظيره الصينى.
أى أننا فى حالة انهيار أمام الجميع بالأرقام المطلقة وحتى بالنسبة والتناسب لعدد السكان وحجم البلد.
فى الستينيات لم تكن هناك فجوة تكنولوجية بيننا وبين الهند والصين، أما الآن فإن الصين فى المركز الثانى والهند فى المركز الرابع لاقتصاديات العالم.
والحقيقة فإن الصناعات الالكترونية أو الفائقة التقدم فى مصر هى قريبة جدا من الصفر. جاء فى تقرير رسمى أن الصناعات الالكترونية والأدوات الكهربائية المنزلية تشكل 2%من الناتج المحلى الإجمالى، فإذا تم استبعاد الأدوات المنزلية فماذا يبقى من ال 2%؟ مع ملاحظة أن المقصود بالصناعات الالكترونية فى معظمها هو صناعة التليفزيون والتى هى فى الحقيقة مجرد تجميع لمكونات مستوردة!!
العلم بين نهرو.. ومبارك:
والحقيقة أن العلم هو أساس تقدم وتأخر الأمم، العلم هو الأساس الذى ينبنى عليه التقدم الاقتصادى والعسكرى والحضارى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) هذه الآية تشير إلى الإيمان والمعرفة بالله ولكنها تتضمن أيضا العلم بمعناه (العلوم الطبيعية)، وسنجد إشارة لذلك فى قصص داود وسليمان وذى القرنين. بل الله سبحانه وتعالى وضع "الحديد" فى آية واحدة مع الأنبياء والكتب السماوية وميزان العدالة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِى عَزِيزٌ).
دولة بوزن وحجم وحضارة مصر تحتاج إلى قائد يتمتع ببسطة فى العلم (وليس فى الحجم وحسب!!) تحتاج إلى فقيه أو مفكر، حاكم يعرف قيمة هذا البلد ويعطى أولوية للعلم والبحث العلمى، وليس الحاكم المشغول بالصرف الصحى (حتى بدون نجاح حقيقى!) والكبارى والتصوير مع السياح الأجانب! ولاعبى الكرة!
كل البلاد التى تقدمت كان يقودها حاكم راجح الفكر، مثقف على الأقل لدرجة يعرف فيها أهمية دور العلم المحورى فى التقدم والتنمية والعمران البشرى. وأضرب مثلا واحدا بنهرو حاكم الهند عقب الاستقلال، فقد كانت متابعة البحث العلمى هى شغله الشاغل وكان يتابع أى مشكلات تعترض العلماء ويوفر لهم التمويل المطلوب، وكان ذلك يتم بصورة مؤسسية من خلال هيئة عليا للبحث العلمى يشرف عليها نهرو بنفسه، وفى تلك الفترة كما ذكرت كان المستوى التكنولوجى متقارب بين مصر والهند، بل كانت مصر متفوقة فى بعض المجالات (محركات الطائرات!!) أما فى العقد الأول من هذا القرن، فلم يعد هناك وجه للمقارنة بين مصر والهند.. فبعد البرنامج النووى والقنبلة النووية والصواريخ بعيدة المدى، دخلت الهند بقوة عالم الأقمار الصناعية ثم تستعد لغزو الفضاء، ودخلت بقوة عالم الالكترونيات والصناعة بكل فروعها الهامة، وفى عالم الأدوية، وحتى فى عالم السينما سبقت هوليوود تجاريا!! وكما ذكرت أصبحت الاقتصاد الرابع بعد كل من الصين وأمريكا واليابان، وأصبحت دولة عظمى شبه مكتملة الأركان. ومن تجربتها التنموية المهمة أنها اعتمدت على السوق المحلى الكبير للتنمية الاقتصادية وليس على مجرد الصادرات رغم تزايدها بشكل مطلق.
بالنسبة للبحث العلمى فى مصر فى عهد مبارك يمكن أن نقول أن مصر تحقق صفرا كبيرا، وهذا أهم بكثير من صفر المونديال الذى تحدث عنه الإعلام كثيرا.
كل المعلومات الرسمية المعلنة تؤكد أنه لا يوجد لدينا ميزانية للبحث العلمى إلا فى حدود 01,% يتحول أكثر من 90% منها لرواتب للباحثين، وبالتالى لم تبرع مصر فى أى مجال علمى أو صناعى مهما كان صغيرا. فنحن على مدار 29 عاما فى عهد مبارك نعيش عهد السيراميك والمجارى (رغم اعتماد شبكة المجارى على المعونة الأمريكية ولم تصل إلى 80% من السكان!!). وهذا يمكن التأكد منه بالعين المجردة فالأسواق لا يوجد فيها أى منتج محترم صناعة مصرية ولا يمكن أن تجد سلعة مصرية صناعية موجودة فى أى بلد عربى إذا زرت السودان أو ليبيا. وغزة هى الوحيدة التى كانت تستقبل السلع المصرية المهربة لأنه لا بديل لها، والجدار الفولاذى سيمنع هذا المنفذ على مصر!!
بل وتتحدث التقارير الأمريكية عن النمو المتسارع للاقتصادين التركى والإيرانى وتتوقع لهما مزيدا من القوة والتوسع فى العقود القادمة.
أما مصر فهى خارج التاريخ.. هناك خطاب رسمى لمبارك وعد فيه بصناعة سيارة مصرية، وكانت النتيجة تدمير شركة النصر للسيارات. أما المصانع الجديدة فهى مصانع تجميع لسيارات أجنبية. بينما توجد فى الأسواق سيارات إيرانية وماليزية وتركية وكورية وقريبا هندية!
كذلك وعدنا د. عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق بصناعة الأستيكة وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
طلعت حرب نجح فى إنتاج أقمشة أفضل وأقوى وأكثر تحملا من القماش اليابانى، أما الآن فإننا نشهد تدمير قلاع صناعة النسيج فى مصر، بل والقضاء على أساسها (زراعة القطن) ويصرح وزير الزراعة أن استيراد القطن من إسرائيل أفضل.
نحن نعيش فيلم رعب حقيقى، حيث ينهار كل شىء حولنا.. وتثير هذه المشاهد الفزع، ومع ذلك فحكامنا ما زال لديهم الشجاعة كى يتحدثوا عن النجاحات الاقتصادية الباهرة.
وعندما يستضيف التليفزيون المسئولين عن البحث العلمى، فإنهم يتحدثون عن مجرد اقتراحات للمستقبل، ويستمعون لآراء المشاهدين والمذيعين ويبدون إعجابهم بالأفكار، ويقولون: والله فكرة جيدة!
أما هم فليس لديهم أفكار ولا خطة. وعندما يستضيف التليفزيون الحكومى علماء مصريين نجحوا فى الخارج، يؤكدون جميعا أن مصر لا تطلب منهم شيئا، ولا تطالبهم بالعودة، ولا تطالبهم بالتعاون فى أى شىء.
بعد 29 عاما فى الحكم أصبح واضحا أن مبارك يهتم أكثر بمسألة الحضرى وهل يلعب للأهلى أم الإسماعيلى. وليس عيبا أن يهتم الحاكم بالرياضة وكرة القدم رغم أننا لم نصل إلى المونديال! ورغم أننا فى ذيل الأمم فى الأولمبياد.
فالرئيس البرازيلى يهتم بكرة القدم ولكن ليس على حساب البحث العلمى، فالبرازيل الآن دخلت مرحلة تخصيب اليورانيوم، وبناء المفاعلات النووية، والتقدم فى صناعة الصواريخ، والتقدم فى تطبيق تكنولوجيا الوقود الحيوى (البنزين من المحاصيل الزراعية) وصناعة السيارات.. الخ
إن حقيقة أن البحث العلمى = صفر فى مصر ليس سرا أكشفه بل أنبه له فحسب، فقد أعلن ذلك د. أسامة الباز سكرتير الحاكم، ووزراء صناعة سابقون، وأخيرا أعلن مذيع فى قناة تليفزيونية رسمية أن العلماء فى مصر شهداء، ولكنه لم يقل أن الذى قتلهم، هذا الحاكم وهذا النظام الملتف حوله.
والحقيقة فأنا شاهد على مقتل اثنين من العلماء على الأقل كمدا بسبب محاربة الحكومة لهما. ومصر من أكثر البلاد التى يوجد بها مخترعون ويتم تسجيل إختراعاتهم، ولكننى أتحدى أن يذكر أحد من الحكام اسم اختراع واحد تم تحويله للتنفيذ العملى. وقد التقيت بنماذج من هؤلاء، وهم يظهرون فى الإعلام الحكومى يصرخون ولا مجيب.
ووفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التى هاجرت بلغ 824 ألف حتى عام 2003. أما وزارة الهجرة فتحدد إجمالى عدد العلماء الفارين من البلاد ب 465 ألف عالم (أى حوالى نصف مليون) 200 ألف فى أمريكا، و60 ألف فى كندا و50 ألف فى استراليا و155 ألف فى أوروبا. وهؤلاء يعملون فى أهم التخصصات: الجراحات الدقيقة، الطب النووى، العلاج بالإشعاع، الهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، الهندسة النووية، علوم الفضاء، الميكروبيولوجيا والأبحاث الزراعية.
وقد قامت النهضة الصناعية والعلمية فى الصين على استعادة 90% من العلماء أو الدارسين الصينيين فى الغرب ووظفت علمهم فى التقدم الداخلى.
ولكننا لدينا حكام أشبه بتجار الشنطة ويتعجبون من مثل هذا الكلام ويقولون: كل شىء موجود فى الغرب ويمكن أن نستورده، لماذا نتعب أنفسنا؟!
مصر ليست بلدا هامشيا، بل هى مرشحة دائما لتكون محور تقدم الأمة العربية وأحد محاور تقدم الأمة الإسلامية، وليس مطلوبا أن ننافس الدول الكبرى فى كل شىء، ولكن يجب أن نمتلك أهم أدوات القوة وهو العلم ثم نوظفها وفقا لأولوياتنا.. وفقا لمصالحنا العليا، سواء فى مجال الأمن القومى بالمعنى العسكرى أو الغذائى، وكل ما يحفظ قوتنا واستقلالنا.
مصر تحتاج لفترة نقاهة من هذا المرض الطويل..
مصر تسعى للخلاص من المعلم "كرشة " وأعوانه..
وتبحث عن نهرو أو مهاتير أو اردوجان أو دى لولا.
حرام أن يحكم مصر وهى البلد الوحيد الذى ذكر اسمه فى القرآن، بما يرمز لأهميتها المحورية فى العالم، مصر التى حكمها سيدنا يوسف، وعمر بن الخطاب، ومحمد بن أبى بكر الصديق، وصلاح الدين الأيوبى.. حرام أن يحكمها المعلم كرشة وأعوانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.