سعر الذهب اليوم الثلاثاء 4 يونيو 2024 وعيار 21 الآن بعد آخر هبوط في الصاغة    مدبولي: نحرص على نجاح التجربة المصرية في مجال صناديق الاستثمار في الذهب    خبير سياسات دولية: إسرائيل ارتكبت جريمة حرب ضد 15 ألف طفل فلسطيني (فيديو)    ال16.. رسائل تهنئة من لاعبي الريال إلى مبابي بعد انضمامه للملكي    إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة القليوبية    لمواليد برج الميزان.. ما تأثير الحالة الفلكية في شهر يونيو 2024 على حياتكم؟    إعلامي يكشف مفاجآة الأهلي ل عبد القادر ومروان عطية    بعد استقالة الحكومة.. مصدر: وزير الأوقاف يمارس مهام عمله بشكل طبيعي    إدارة الغردقة التعليمية تعلن عن فتح باب التظلمات لمراحل النقل    مصرع طالب وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم سيارتين بنجع حمادي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وتروسيكل بالمنيا    وزير العمل يستعرض جهود مصر في قضايا «الحريات النقابية» من جنيف    مسلسلات رمضان .. كلاكيت تانى مرة    غدًا.. «صيد الذئاب» في نقابة الصحفيين    الأمم المتحدة: الظروف المعيشية الصعبة في غزة تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي    باحثة سياسية: مصر تحشد الآن المواقف المؤيدة لوقف إطلاق النار في غزة    نائب المستشار الألماني يدافع عن تغيير المسار في السياسة بشأن أوكرانيا    وزير المالية: 3 تريلونات جنيه زيادة بالمصروفات العامة في موازنة العام المقبل    تراجع جديد في سعر طن حديد التسليح اليوم الثلاثاء 4-6-2024    أول رد من أفشة على أنباء منعه من التدريبات بعد تصريحاته المثيرة    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    هانز فليك يضحي من أجل حسم صفقة الماتادور لصالح برشلونة    أخبار الأهلي: كولر يفاجئ نجم الأهلي ويرفض عودته    ارتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم    هاني سويلم: تنفيذ عدة تجارب في مناطق ريادية للتحول للري الحديث    رئيس مصلحة الضرائب: المستثمرون شركاء نجاح.. ونهدف التيسير والتسهيل عليهم لممارسة أنشتطهم    سفير مصر ببوروندي يشارك في افتتاح مكتبة ألسن بني سويف    المنطقة الأزهرية بالمنوفية: لا شكاوى أو تسريبات في امتحانات الثانوية 2024    سمية الألفي ل«الوطن»: الحمد لله أنا بخير وصحتي جيدة.. لكن شقتي احترقت بالكامل    «القاهرة الإخبارية»: ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي وسط غزة إلى 7 شهداء و20 جريحا    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    بسبب الحرب الأوكرانية.. واشنطن تفرض عقوبات على شخص و4 كيانات إيرانية    هل أضر «الكيف» محمود عبدالعزيز؟.. شهادة يوسف إدريس في أشهر أدوار «الساحر»    قصواء الخلالي: لا للوزراء المتعالين على الإعلام والصحافة في الحكومة الجديدة    أول تعليق من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي في دول إفريقيا.. تحذير وتوضيح    بالفيديو.. عضو "الفتوى الإلكترونية" توضح افضل أنواع الحج    وصفة مبتكرة لوجبة الغداء.. طريقة عمل دجاج بصوص العنب بخطوات بسيطة    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية بمركز شباب الهيش بالإسماعيلية    بخلاف الماء.. 6 مشروبات صحية ينصح بتناولها على الريق    بدء فرز الأصوات فى الانتخابات العامة الهندية    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 4 يونيو 2024 والقنوات الناقلة    أعمال لها ثواب الحج والعمرة.. «الأزهر للفتوى» يوضح    نشرة مرور "الفجر ".. انتظام حركة السيارات بالقاهرة والجيزة    أسعار الدواجن اليوم 4 يونيو 2024    القاهرة الإخبارية: إصابة فلسطينى برصاص الاحتلال بمدينة قلقيلية    تفشي نوع جديد من إنفلونزا الطيور في أستراليا    حيل ذكية لخفض فاتورة الكهرباء الشهرية في الصيف.. تعرف عليها    زوجى ماله حرام وعاوزة اطلق.. ورد صادم من أمين الفتوى    متى ينتهي وقت ذبح الأضحية؟.. الأزهر للفتوى يوضح    "في حد باع أرقامنا".. عمرو أديب معلقاً على رسائل شراء العقارات عبر الهاتف    أمير هشام: جنش يرغب في العودة للزمالك والأبيض لا يفكر في الأمر    4 يوليو المقبل.. تامر عاشور يحيي حفلا غنائيُا في الإسكندرية    مجدى البدوي يشكر حكومة مدبولي: «قامت بواجبها الوطني»    وصلة ضحك بين تامر أمين وكريم حسن شحاتة على حلاقة محمد صلاح.. ما القصة؟ (فيديو)    بمرتبات مجزية.. توفير 211 فرصة عمل بالقطاع الخاص بالقليوبية    «كلمة السر للمرحلة القادمة رضا المواطن».. لميس الحديدي عن استقالة الحكومة    النائب العام يلتقي وفدًا رفيع المستوى من أعضاء هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    غدًا.. جلسة استئناف محامى قاتل نيرة أشرف أمام حنايات طنطا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فهمي هويدي يكتب عن: نصف كوب الثورة الفارغ
نشر في الشعب يوم 27 - 01 - 2015

كتب الكاتب الصحفي والمفكر الإسلامي"فهمي هويدي"مقالا بعنوان "نصف كوب الثورة الفارغ" ناقش فيه الأدوار السياسية المختلفة للأحزاب والنخب السياسية الليبرالية والمدنية وأيضا المنتمية للتيار السياسي الإسلامي في إضعاف وإنهاك ثورة 25 يناير على مدار أربعة أعوام سابقة و الوهن الذى أصاب المجتمع المصرى وجرده من عافيته، بحيث أصبح عاجزا عن النهوض وتقديم نموذجه الحضارى.و تطرق "فهمي هويدي" لمناقشة الأدوار الانتهازية التى لعبتها الأطراف الأخرى، و وصفهم بأولئك المنعوتون زورا وبهتانا بالمدنيين والليبراليين يقلل من عمق تحليل المشهد ، وقال"هويدي": "تلك التيارات كانت ولاتزال سلطوية بامتياز.سلطوية ثقافة وحركة وتنظيما وسياسة.لا تستطيع ان تنفك عن السلطة ولا تلعب سوى مع القوى.ترفع من شعارات المدنية وحقوق الإنسان كوسيلة للحصول على الوجاهة الاجتماعية والسلطوية"، كما أشار"هويدي"أن تيارات الإسلام السياسى تتحمل المسئولية هي الآخرى عن إضعاف الثورة المصرية.وهذا هو نص ما جاء في المقال الذي كتبه الكاتب الصحفي "فهمي هويدي":
إذا كانت ثورة 25 يناير قد أبرزت بعض مكامن القوة فى المجتمع المصرى، فإن المرحلة التى تلتها كشفت عن مظاهر للضعف تستحق رصدا ودراسة.
(1)
فى عالم الرياضة يقسمون الفرق درجات بمعيار التفوق والكفاءة. وقد خطر لى أن اقتبس الفكرة فى التعليق على المباراة الجارية بالساحة السياسية المصرية، واضعا فى الاعتبار أن المباراة لم تنته بعد وأنها لا تزال فى شوطها الأول. من هذه الزاوية أزعم أننا بصدد فريق التحق حديثا بدورى السياسة، ولم يتحدد بعد موقعه وترتيبه بين الفرق الهابطة. أما اللاعبون فهم بين هواة دخلوا إلى الملعب مصادفة أو وجدوا أنفسهم فى قلبه فجأة. وبين لاعبين تجاوزوا بالكاد طور اللعب بالكرة الشراب، وقدموا من حوارى السياسة ليبدأوا رحلتهم مع الأندية. أعنى أننا بإزاء لاعبين من الفرز الثانى أو الثالث، بعضهم من متوسطى القدرة وبعضهم يستحقون العطف والرثاء ومنهم من ينصح بالبحث عن لعبة أخرى يؤديها. وجميعهم يحتاجون إلى مدربين ودروس خصوصية مكثفة. وما أدعيه ينطبق على القوى المدنية وعلى الإخوان والسلفيين. وجميعهم معذورون، لأنهم حديثو عهد بمثل هذه المباريات، التى حرموا منها طوال الستين سنة الماضية. لذلك أزعم أنهم مظلومون وظالمون. هم مظلومون لأنهم لم يمكنوا من النزول إلى الملعب فى السابق، وظالمون لأنهم تسابقوا على حمل عبء لم يكونوا قادرين عليه. ولم يدركوا أن مصر أكبر منهم مجتمعين، ناهيك عن أنها أكبر من أى فصيل مهما كان حجمه. ولا بد أن نعترف بأن الجميع فى مرحلة «الحضانة» السياسية ولا يزالون يتعلمون أبجديات اللعبة. وقد قصدت التعميم حتى لا يدعى أحد أنه أفضل من الآخر. وإذا عنَّ لفصيل أن يدعى أنه أقدم من غيره. فإننى أذكِّر بأن بقاءه طويلا على الشاطئ ليس دليلا على أنه بات يجيد السباحة. حتى إذا كان البعض فى السنة الأولى من الحضانة ووجدنا أن البعض الآخر فى السنة الثانية، فذلك لا ينفى أن الجميع لا يزالون فى الحضانة ولم يتجاوزوها.
(2)
النص أعلاه ورد فى مقالة لى نشرت فى 11/12/2012 كان عنوانها «فى انها مباراة بين الهواة فى ملعب السياسة». وفيها عرضت تقييمى للخمسة أشهر الأولى من حكم الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسى، ومما قلته فيها «إن الإخوان إذا كانوا قد نجحوا فى قيادة وتنظيم الجماعة، فإنهم لم ينجحوا فى قيادة سفينة الوطن». وما يهمنى فى المقالة انها حاولت وقتذاك ان تسلط الضوء على أحد مواطن الضعف فى الساحة السياسية المصرية، التى تكشفت بعد الثورة. وهى التى تمثلت فى غياب القيادات والأحزاب السياسية الأمر الذى كان مفهوما فى ظل موت السياسة وحالة الجذب والتصحر التى خيمت على ذلك المجال طوال العقود الأربعة السابقة على الأقل. وحين قلت ان جميع اللاعبين بمختلف اتجاهاتهم مجرد هواة «من الفرز الثانى أو الثالث». مشيرا ضمنا إلى أنه ليس بينهم سياسى من الطراز الأول، فإننى أزعم اننا مازلنا نقف عند نفس النقطة فى عام 2015. لست أقلل من قدر الأشخاص الذين أسجل لهم حقهم فى الاحترام، لكننى أتحدث عن حظهم من الاجماع الشعبى ورصيدهم فى الشارع المصرى.
لقد أصبح الفراغ عنوانا رئيسيا للحالة السياسية. هو ما أدركناه أثناء الانتخابات الرئاسية التى جرت فى عام 2012، وما نلمسه بصورة أوضح الان فى البلبلة والتجاذبات المخيمة على الإعداد للانتخابات التشريعية. ومن أهم العوامل المحركة لها إدراك الأحزاب السياسية انها لا وجود حقيقيا لها فى الشارع وانها لا تستطيع أن تغامر بخوض الانتخابات إلا فى إطار تحالفات تحملها إلى البرلمان القادم.
غياب القيادات والقوى السياسية لا يعبر عن ضمور الأحزاب وهشاشتها فقط ولكنه أيضا من أعراض ضعف المجتمع. ذلك ان الأحزاب السياسية تعد فى مقدمة الأوعية التى تمثل اتجاهات الرأى العام. وهناك أوعية أخرى لها أهميتها مثل النقابات المهنية والعمالية والتعاونيات والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدنى باختلاف انشطتها. هذه الكيانات ظل دورها غائبا خلال السنوات الأربع الماضية. فبعضها تم حله ووضعه تحت الحراسة، والبعض الآخر جرى تهميشه أو خضع للحصار والملاحقة. وإذا أضفنا إلى القائمة مؤسسات أخرى جرى إلحاقها بالسياسة بصورة أخرى، فى مقدمتها القضاء والجامعات والإعلام، فسوف نكتشف ان الأزمة أكبر من الأحزاب، وان المجتمع ذاته أصبح مغيبا بدوره ومنزوع العافية، وكانت النتيجة ان السلطة بأذرعها البيروقراطية والأمنية أصبحت هى الطرف الأقوى الذى لا يبارى أو ينازع.
لست أتحدث فى الوقت الراهن عن أوعية تعارض السلطة أو تتحداها. وهو ما تسمح به النظم الديمقراطية طالما تم ذلك بالطرق السلمية، لكننى أتحدث عن كيانات أو مؤسسات تحفظ التوازن فى مواجهة السلطة، فتقاوم تغولها وتسهم فى كبح جماحها بما يحول دون تسلطها وانفرادها بالتحكم فى مصير المجتمع. ولأن تلك المؤسسات لم تقم فإن المجتمع فقد أحد أهم حصاناته، ومن ثم احتلت تلك الثغرة رأس قائمة مظاهر الضعف فيه.
(3)
صحيح أن تيارات الإسلام السياسى تتحمل المسئولية عن إضعاف الثورة. إلا أن السكوت على الأدوار الانتهازية التى لعبتها الأطراف الأخرى، خصوصا أولئك المنعوتون زورا وبهتانا بالمدنيين والليبراليين يقلل من عمق تحليل المشهد. فتلك التيارات كانت ولاتزال سلطوية بامتياز. سلطوية ثقافة وحركة وتنظيما وسياسة. لا تستطيع ان تنفك عن السلطة ولا تلعب سوى مع القوى. ترفع من شعارات المدنية وحقوق الإنسان كوسيلة للحصول على الوجاهة الاجتماعية والسلطوية. بينما هى فى حقيقة الأمر قوى رجعية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية ولا بقيم حقوق الإنسان، فقط قلة عبرت عن تلك القيم ودفعت كثيرا جراء مواقفها الثابتة.. لكنها مازالت تبحث عن ونبحث معها عن النضوج.
الفقرة السابقة ليست لى. ولكنها مقتبسة من مقالة نشرتها جريدة «الشروق» فى 22/1 لكاتب جاد هو الدكتور أحمد عبدربه أستاذ العلوم السياسية، أثار فيه بعض الملاحظات المهمة حول ما سماه «المسكوت عنه فى أربعة أعوام»، من عمر ثورة يناير. وقد أغنتنى شهادته عن التفصيل فى تحرير «أزمة النخبة»، التى اعتبرها ضمن مظاهر الضعف التى تكشفت خلال السنوات الأربع الماضية، والتى أسهمت فى تشويه الإدراك العام وتشجيع الانقلاب على على الديمقراطية، كما غذَّت الاستقطاب المروع الذى ضرب الاجماع الوطنى، وأدى إلى معالجة الأخطاء بأخطاء أخرى مضاعفة. لى فقط ملاحظتان على شهادته. الأولى أنه فى إشارته إلى أطراف الأدوار الانتهازية تحدث عن المدنيين والليبراليين ولم يشر إلى دور اليسار الذى ساهم بنفس القدر وربما بحماس أكبر فى كل ما حدث من انتكاسات، باستثناء فئة قليلة بطبيعة الحال. الملاحظة الثانية ان الصراع والاصطفاف السلبى الذى انحازت إليه تلك القوى لم يستهدف فقط الحصول على الوجاهة الاجتماعية والسلطوية، كما ذكر الدكتور عبدربه. ولكنه أيضا كان يعمد إلى تصفية حسابات الخلاف الأيديولوجى من خلال عقد التحالفات التى يراد بها إقصاء الآخر من خلال قوة السلطة وأدواتها، ومن ثم إلحاق الهزيمة به على الصعيدين السياسى والأيديولوجى.
الشاهد انه خلال السنوات الأربع الماضية فإن أغلب عناصر النخبة انحازت إلى موقف السلطة بأكثر مما عبرت عن ضمير المجتمع وأشواقه. وفى حين أنها تخلت عن قيمها فإنها اختارت ان تقوم بدور التابع أو المحلل وليس الطليعة. كما بنت مواقفها انطلاقا من حساباتها ومصالحها الخاصة، وليس اهتداء بالمصالح الوطنية العليا.
(4)
فى كتاباته الأخيرة التى ندرت، ما برح المستشار طارق البشرى يدق الأجراس منبها ومحذرا من بعض مظاهر الضعف التى أصبح يعانى منها الواقع المصرى. ففى مستهل أحدث كتبه «جهاز الدولة وإدارة الحكم فى مصر»، تتبع إعلانات حالة الطوارئ منذ إقرار دستور عام 1923 وحتى الآن. وخلص من هذا الرصد إلى أنه «خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير عشنا فى مصر فى حالة طوارئ ثابتة اعتاد عليها جهاز إدارة الدولة، وتشكلت فى إطارها تجاربه ومهاراته وأساليب إدارته للشئون العامة وللتعامل مع المواطنين، بمعنى أنه فى «ثقافته» الإدارية وبحكم تجاربه وخبراته لم يستطع الحكم ولاممارسة عمله فى التعامل مع المواطنين إلا فى ظل ما انتجته «حالة الطوارئ» من سلطات وقدرات غير مقيدة. أى فى إطار سلطات طليقة من القيد هذه الخلفية جعلته يعبر عن شكوكه فى أن امكانية الحكم وإدارته فى مصر، لم تعد تنفصل عن خبرة الاستبداد ومعارفه وعادات تعامله، واعتبر ان ذلك إحدى المشاكل التى واجهتها ثورة 25 يناير وما تعرضت له من انتكاسات بعد ذلك.
فى دراسة أخرى عنوانها «مصر بين الأمس واليوم» نشرتها صحيفة السفير البيروتية على ثلاث حلقات ابتداء من 8 يناير الحالى، أثار المستشار البشرى قضية أخرى فى تفسير ظاهرة الوهن الذى أصاب المجتمع المصرى وجرده من عافيته، بحيث أصبح عاجزا عن النهوض وتقديم نموذجه الحضارى. وهو يرجع ذلك إلى ظاهرة تآكل انهيار الطبقة الوسطى، مستعيرا فى ذلك عنوان الكتاب الذى أصدره الدكتور رمزى زكى بالصيغة ذاتها. وقصد بالطبقة الوسطى مختلف الشرائح الاجتماعية من الرواتب المكتسبة فى الحكومة والقطاع العام ومن الخدمات والمهن الحرة. واستشهد فى عرض رؤيته بما فعله السلطان العثمانى سليم الأول بعد فتح مصر عام 1517، حين ألحقها بدولته، وقضى فى الوقت ذاته على التشكل الحضارى الذى كانت تمثله فى العلوم والفنون والصنائع. فنقل إلى الاستانة أجمل ما أبدعته مصر، واستجلب إلى عاصمة ملكه عناصر النخب الثقافية والفنية والحرفية من المصريين، وهؤلاء هم الذين مثلوا الطبقة الوسطى فى ذلك الزمان وكانوا أعمدة نهوض البلد، وبسبب تفريغ مصر من طاقاتها الإبداعية وعمالتها الماهرة فإنها شهدت انهيارا حضاريا أفقدها اشعاعها ومكانتها. وهو ما لم تستطع مصر أن تعوضه إلا فى عصر محمد على باشا، أى بعد نحو 300 سنة من الفتح العثمانى.
رأى المستشار البشرى ان الهجرة واسعة النطاق إلى دول الخليج منذ السبعينيات فرغت بدورها مصر من طاقاتها الإبداعية وعمالتها الماهرة، الأمر الذى أوصلها إلى حالة شبيهة بما كانت عليه بعد غارة السلطان سليم الأول. وهو ما أسهم فى النتيجة التى تكشفت معالمها بعد الثورة. إذ أصابت الجميع حيرة جعلتهم عاجزين عن طرح مشروع حضارى متكامل الأركان وطنيا واجتماعيا واقتصاديا. الأمر الذى يكشف عن وجه آخر من أوجه الضعف الذى عانت منه مصر بعد الثورة، وباتت بحاجة إلى جهد خاص للتعافى منه.
(5)
غنى عن البيان ان ما سبق ليس حصرا لعوامل الضعف التى تكشفت خلال السنوات الأربع التى أعقبت الثورة، بقدر ما هو دعوة إلى فتح الملف وإدارة الحوار حول موضوعه بجدية ومسئولية. علما بأننى لست أشك فى أن هناك عوامل أخرى كشفت عنها خبرة تلك السنوات تحتاج إلى مناقشة (منها مثلا القيود والالتزامات التى تكبل حركة مصر فى المجال الخارجى، خصوصا ما تعلق منها بالعلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل). فى كل الأحوال فليس المطلوب كشف العورات ولا جلد الذات، لأن الأهم هو ان تصوب الرؤى ويعاد ترتيب الأولويات بما يعالج الثغرات. علنا نتوصل إلى وفاق وطنى يجدد الالتزام بالحرية والديمقراطية ويدرك حجم الخسارة الفادحة التى تتحملها مصر وتدفع ثمنها من عافيتها ودورها جراء استمرار العبث بالديمقراطية والتهليل والنفخ فى الذات لتضليل الناس وتسويق أوهام العافية لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.