التزمت سلطات الانقلاب الصمت، إزاء ما وصفه خبراء طاقة ب "فورة" إسرائيلية في اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، متهمين سلطات الاحتلال بمواصلة السطو على حقول الغاز المصرية في المياه العميقة. وكانت شركة "إسرائيل أبورتيونيتي" وهي شريك في مجموعة للتنقيب عن الغاز، أعلنت يوم الأحد الماضي، أن حقلا جديدًا للغاز الطبيعي يقع على بعد 150 كيلومترًا قبالة الساحل على الحدود البحرية مع مصر وقبرص، قد يحوي 3.2 تريليونات قدم مكعبة من الغاز، وذلك بعد إجراء مسح سيزمي ثلاثي الأبعاد للمنطقة. وأثار إعلان الشركة الإسرائيلية، موجة جديدة من الاتهامات من جانب خبراء الطاقة والاقتصاد، للحكومة المصرية بالاكتفاء بموقف المشاهد لاكتشافات الغاز الإسرائيلية، بينما تعاني مصر نقصًا حادًا في إنتاج الغاز الطبيعي، وتتجه لاستيراده من إسرائيل، بعد أن كانت تصدره لها قبل نحو ثلاثة أعوام. وقال خبير الطاقة المصري، رمضان أبو العلا، وفق لما جاء ب"العربي الجديد" في القاهرة، إن الحقل الجديد الذي أعلنت عنه إسرائيل يقع في المياه الاقتصادية المصرية، ويأتي ضمن سلسلة الاستفزازات، والسطو الإسرائيلي على الثروات المصرية. وأضاف "أبو العلا"، أن "وزارة البترول المصرية، تكتفي بدور المشاهد دون أن تتخذ أي خطوات حال التحركات الإسرائيلية؛ بحجة أن الأمر من اختصاص اللجنة العليا للحدود، التي بدورها لم تحرك ساكنًا تجاه السطو الإسرائيلي المستمر على المياه المصرية". وأحدثت اكتشافات إسرائيلية في 2009 و2010 بحقلي "تمار" و"لوثيان" العملاقين القريبين من الحقل الجديد، طفرة بأنشطة التنقيب في مياه البحر؛ حيث يحوي الحقلان السابقان نحو 33 تريليون قدم مكعبة، حسب بيانات شركات التنقيب. وقال خبير الطاقة المصري إبراهيم زهران، في تصريح خاص "حتى الآن لا يوجد أي إجراءات حكومية ملموسة لحفظ حق مصر في ثروات شرق البحر المتوسط"، مشيرًا إلى أن الحكومة تتباطأ في دخول هذه المنطقة؛ بحجة ارتفاع قيمة الاستثمارات التي تحتاجها فضلًا عن نقص الخبرات التكنولوجية المتوفرة لمصر. وحكوميًّا، اعتبر مسؤول بارز في وزارة البترول المصرية، طلب عدم ذكر اسمه، أن "عدم اتخاذ مصر خطوات حيال الاكتشافات الإسرائيلية يرجع إلى أنه لا يمكنها توقيع أي اتفاقية لترسيم الحدود مع إسرائيل في الوقت الحالي، حتى لا يضر ذلك بحقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على ثرواته في مياه البحر المتوسط". لكن منسق حملة لا لبيع الغاز لإسرائيل، إبراهيم يسري، قال إن الحكومة المصرية تتهاون في حقوق الشعب المصري في غاز المتوسط. وأضاف "يسري" في تصريحات خاصة، أن اسرائيل استولت على 3 حقول في المياه الاقتصادية لمصر، وهناك دعاوى قضائية محلية مرفوعة ضد حكومة مصر لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عمليات السطو على ثروات المصريين. ورفض وزير البترول الأسبق، أسامة كمال، التعليق على تأثر الاقتصاد المصري باكتشافات الغاز الإسرائيلية، قائلاً: "هذا الموضوع خطير، وفيه جانب يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين". وتأتي اكتشافات الغاز الإسرائيلية المتواصلة في مياه البحر المتوسط، في وقت تعاني فيه مصر من تراجع الإنتاج، ونقص حاد في إمدادات الطاقة، دفعها إلى إبرام صفقات للاستيراد من الخارج، من بينها إبرام اتفاقات عبر شركات عالمية ومحلية؛ لشراء الغاز من إسرائيل. وحسب تصريحات صحافية لوزير البترول، شريف إسماعيل، نهاية أكتوبر الماضي، فإنه "من الناحية السياسية لم يعد محرمًا أن يعمل عبد الفتاح السيسي والحكومة بشكل مباشر مع إسرائيل". وبدأ تحالف يضم مستثمرين وشركات من القطاع الخاص المصري في نوفمبر الماضي، مفاوضات مع الشركة صاحبة الامتياز في حقل "تامار"، لاستيراد كميات من الغاز، وسط ترويج إعلامي محلي لأهمية استيراد الغاز من إسرائيل، لكن محللين حذروا من أن هذا الاتجاه سيضر بالاقتصاد المصري. وكان موقع "كالكليست" الإخباري الاقتصادي الإسرائيلي، قد ذكر نهاية أكتوبر الماضي، أن خطاب النوايا الذي تم توقيعه بين الشركة صاحبة امتياز حقل "تامار" والتحالف المصري، يقضي بتوريد 2.5 مليار وحدة حرارية يوميًّا لمدة عامين بكميات إجمالية لا تقل عن 5 مليارات متر مكعب خلال 3 سنوات، في صفقة تبلغ قيمتها 500 مليون دولار سنويًّا. وسبق أن وقعت شركتا "بريتش جاز" البريطانية و"يونيون فينوسا" الإسبانية أيضًا، مذكرة تفاهم مع الشركة المسؤولة عن حقل "تامار" لتوريد كميات من الغاز للجانب المصري لمدة 20 عامًا في صفقة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار. يشار إلى أن الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزراء، ورجال أعمال محسوبين على نظامه تعرضوا لملاحقات قضائية، تتهمهم ببيع الغاز المصري إلى إسرائيل بثمن بخس وإهدار المال العام. وكانت الحكومة المصرية قد وقعت اتفاقية عام 2005 تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا لإسرائيل لمدة عشرين عامًا بثمن يراوح بين سبعين سنتًا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة في ذلك الوقت إلى 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية المسؤولة عن عمليات التصدير، على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية، لمدة ثلاث سنوات من 2005 إلى 2008. وأوقفت مصر تصدير الغاز إلى إسرائيل في أعقاب عمليات تفجير متكررة لخط التصدير الرئيسي في سيناء شمال شرق مصر منذ فبراير 2011، وتعرضت البلاد كذلك لنقص حاد في الإنتاج؛ بسبب عزوف الشركات العالمية عن ضخ استثمارات جديدة في أعمال التنقيب والإنتاج؛ لتراكم مستحقاتها لدى الحكومة المصرية، التي وصلت إلى 4.9 مليارات دولار في نهاية سبتمبر الماضي، بحسب بيانات وزارة البترول.