وزير الهجرة تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي لاستقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء    الدكتور أشرف غراب يكتب: حقوق الإنسان.. والادعاءات الزائفة    الهاني سليمان: فزنا على الزمالك رغم الغيابات.. ولعبنا جيدا بعد طرد حسام حسن    دمياط تستعد لاستقبال شم النسيم.. ورأس البر تتزين لاستقبال روادها    بعد خضوعه للعلاج ب «الكيماوي».. محمد عبده: "أنا بخير وفي مرحلة التعافي"    «ابعتها لحبايبك».. أفضل رسائل التهنئة ب عيد شم النسيم 2024    فيديو.. محمد عبده يبكي خلال حديثه عن إصابته بالسرطان: هذا من محبة الله    مجانا.. تقديم خدمات المبادرات الرئاسية بكنائس قنا خلال الأعياد    «لو منعناه هيتباع سوق سوداء».. «الصحة» تحذر المواطنين من الأسماك المملحة خاصة الفسيخ    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    10 مايو.. انطلاق ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربي بمركز الإبداع    نجل الطبلاوي: والدي كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم    نتنياهو:‫ الحرب في غزة ستنتهي بانتصار واضح.. ومصممون على إعادة المحتجزين    «جالانت» يحث «نتنياهو» بقبول صفقة التبادل ويصفها ب«الجيدة» (تفاصيل)    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    لوائح صارمة.. عقوبة الغش لطلاب الجامعات    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    والده مات بسببها منذ 10 سنوات.. خلافات على أرض زراعية تنهي حياة شاب في المنوفية    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على موقع صوت أوروبا لبثه دعاية مؤيدة لروسيا    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    «أنا أهم من طه حسين».. يوسف زيدان يوضح تفاصيل حديثه عن عميد الأدب العربي    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الأمريكى دانيال عبدالحى مور: الخواء الروحى دفعنى للبوذية فى الستينيات.. والصوفية طريقى لمحبة الله
لأول مرة فى الصحافة العربية..
نشر في الشعب يوم 08 - 12 - 2014

• محمود درويش شاعر عالمى والترجمة ظلمت رباعيات الخيام

• من المدهش مقارنتى بالصوفى الكبير النفرى
• لم يكن اعتناقى للإسلام قفزة فى الفراغ وتأثرت بحرب فيتنام
• والت ويتمان أهم شاعر أمريكى واستفدت منه كشاعر مسلم متصوف
كتبت- مها مصطفى
بين الشعر والدين جسور بلاغية، يقطعها المتصوفة بصمت الخرقة، وهى تطوف حول فكرة، ويقطفها الشعراء بفرحة الكشف.. فتأتى قصائدهم خرقة العهد بين الصمت والصراخ، همسا إلى الله عندما رأوه واكتشفوا طريقه عبر طريقة تطلع من صحراء خالية لكنها مشعة بالحنين، لا تعانى رغم كل خوائها من الخواء، فتصبح الصحراء لمن يبحث عن ملاذ قصيدة الملاذ.
هكذا عاش الشاعر الأمريكى دانييل مور ابن بيركلى المتمرد على ستينيات أمريكا، ضمن من تمردوا، رحلة المعراج إلى القصيدة متكئا حينا على صورة إنسانية رحبة للمسيح، وعلى التأمل جلوسا على طريقة «الزن»، قبل أن يرتحل إلى المغرب فيلتقى شيخ طريقة فيطوف معه ويعود مسلما إلى أرضه، وشاعرا ذاق نكهة الحقيقة فى الحب الإلهى
رحلة مع القلم..
فى الستينيات كان دانيال مور من أبرز شعراء «بيركلى» الحالمة بأمريكا أكثر إنسانية وعالم أكثر عدلا. وتعتبر دواوينه «رؤيا الفجر» و«القلب المحترق: مرثاة لموتى الحرب» و«جسد النور الأسود» و«حكمة المحارب»، ثورة فى حركة الشعر الأمريكى الحديث كما يقول الكاتب السورى الكبير منير العكش مؤسس مجلة جسور الثقافية بالولايات المتحدة كذلك كانت مسرحياته «اللوتس العائم» و«الحيتان المدماة» و«قيامة إبليس» التى عرضت لسنوات فى مسرحه الذى أنشأه هناك فى قلب كاليفورنيا مدرسة إبداعية وإنسانية. لكن الستينيات لم تمض على دانيال مور حتى زار المغرب وتعرف على الشيخ محمد بن الحبيب الفاسى ليعود إلى بيركلى مسلما يتوهج شعره بأسمى روحانية عرفها الشعر الإنجليزى المعاصر
ويقول العكش ان معظم مجموعاته الشعرية فى هذه المرحلة («الصحراء باب النجاة» و«حوليات الآخرة» و«صاح كما لم أصح من قبل» و«ورد» و«مولد») نشرت فى طبعات يدوية محدودة جدا من عمل الشاعر ذلك لأن ناشريه لم يرق لهم «دانيال مور» الجديد.
بدأ دانيال مور بكتابة «سونيتات رمضان» فى أول ليالى رمضان 1406 (1986) ليكتشف صباح العيد أنه أنجز مجموعة كاملة من 62 قصيدة كانت كما يقول: «فضاء روحيا لتجربته الرمضانية وتصويرا شعريا لعالم الصيام والعالم من حول الصيام».
نقطة تحول
• هل كان اعتناقك الإسلام نوعا من رد الفعل أو التمرد النفسى والفلسفى على هزيمة مجتمع يحاول أن يخرج من مأزق حرب فيتنام؟
كل ما عشته فى حياتى له علاقة بإسلامى فلم يكن اعتناقى الإسلام قفزة فى الفراغ. قادتنى حياتى كشاعر يبحث عن مغزى للحياة، ومعنى للحقيقة إلى الإسلام. وقادنى عملى فى تأسيس مسرح لتقديم الصائد بطقوسية، وقادتنى رحلتنى مع البوذية التى تعلمتها على يدى معلمى الروحى الكبير وأستاذ فلسفة الزن فى الولايات المتحدة سينساى شونريو سوزوكى 1904-1971.
تأثرت كثيرا بتجربة فيتنام، كغيرى من الأمريكيين الذين كانوا يبحثون عن حل أو بديل لذلك النوع من الخواء الروحى الذى أدى بالبلاد إلى تلك الحرب القاسية عديمة الجدوى وما خلفته هذه الحرب.
كنت أسعى دائما لأن أبقى فى الجانب الإيجابى للحياة، وأعثر على خير حقيقى أتمسك به. وكنت قد خلقت فى أعماقى شخصية ترتكز على شخصية المسيح كما يرسمها الشاعر الإنجليزى ويليام بليك (1757-1828). ولكن ذلك لم ينقذنى من الشعور بالفراغ بسبب حرب فيتنام التى اندلعت بجنون خلال عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وكانت عاملا حاسما فى حياة العديد من الناس. كانت الحرب أمرا مأساويا لمن خاضها وبالقدر نفسه بالنسبة لمن لم يخضها. وقد عكست الفنون جميعها من رسم وشعر وموسيقى هذه المأساوية والخواء الروحى للأمة وأنا كنت جزءا من ذلك العالم وجزءا من التمرد على هذه الحرب والقيم التى قادت إليها
وحشية أمريكا
كانت أمريكا فى عيوننا شرا مستطيرا، ووحشية وآلية، وكان قادتها ممن خلفوا الرئيس كنيدى أباطرة تلك الوحشية التى كنا نواجهها بالقصيدة. لكن كثيرا منا مع نهاية عقد الستينيات وبداية عقد السبعينيات كانوا يعيشون فى نوع من العالم البديل، وقد سئموا الطبيعة الوهمية الزائفة للوجود خارج طقوسنا الفنية والروحية. أما أنا فكان لقائى بمتصوف مغربى فى ذلك الوقت «دلوا» إلهيا معجزا تدلَّى فى بئرى الشخصية ليخرجنى من غيابات الجُبِّ إلى النور.. من الخواء إلى الامتلاء بالنور. كان كل شىء فى محله: البئر، والحبل، والدلو، وحتى سيور وبكرات الرفع كانت مشحمة وجاهزة. كل شىء لدى كان جاهزا لهذه اللحظة، ولذلك لم يكن إسلاميا قفز فى فراغ
المدنية الزائفة.
• فى كثير من قصائدك تشير إلى الصحراء كملاذ أو خلاص. هل هو الخلاص من المدنية الزائفة أم أن صحراءك نوع من المهرب الرومانتيكى إلى «يوتوبيا «خيالية؟
«الصحراء هى المهرب الوحيد».. هكذا كتبت فى عام 1984، وكانت الكتابة بسبب العودة إلى أمريكا الحضرية بعد زيارة طويلة للمغرب وانتابنى شعور بالحاجة إلى ذلك النقاء الشفاف لكل الأشياء التى تمثلها الصحراء وخاصة فى جانبها الدينى: الإسلام الأصلى للنبى وصحابته، والبيئة المختلفة التى اكتشفتها فى المغرب والجزائر، وذلك «الطهر» النسبى لأناس لم يتلوثوا بالمادية الغربية.
وعندما أقول «أناسا» فإننى فى الواقع أشير إلى أولئك الفقراء من أتباع الطرق الصوفية، الذين التقيناهم فى قرى صحراوية وفى مدن شمال أفريقيا أيضا، والذين يلخصون وجودهم فى اتباع تعاليم شيخ الطريقة، وفى القلب منها العشق الإلهى، وحب النبى صلى الله عليه وسلم.
رحلتي مع الإسلام
الحياة، كما رأيتها هناك، كانت تدور حول الطقوس الأساسية للإسلام، كالصلاة والصوم، والقيم المرتبطة بالدين والتى يطبقها هؤلاء كطقس يومى للحياة مثل الكرم، والبر، والتسامح الجميل، مع التركيز على القوة المركزية لذكر الله فى كل حين.
وعندما عدت إلى أمريكا بعد سفر طويل، رأيت من حولى حضارة حادت عن النقاء. رأيت هذا كأزمة للحضارة والروح فكانت الصحراء هى المهرب الحقيقى الوحيد فى رأيى من هذا المأزق الحضارى.. «إلى حيث الهواء أكثر شفافية» (مستعيرا هنا عنوان رواية المكسيكى الشهير كارلوس فوينتس التى كتبها فى العام 1958 وصارت أيقونة أدبية عالمية
شاعر أمريكا ...وشاعر الإسلام
• يصفك الباحث ألان جودلاس أستاذ علم الاديان فى جامعة جورجيا بأنك شاعر أمريكا وشاعر الإسلام، فأى أمريكا وأى إسلام تقدمهما فى شعرك؟
كانت مقدمة دكتور جودلاس لكتابى «سوناتات رمضان» قصيدة بحد ذاتها، ويبدو أنه كان يسائل نفسه بصوت عالٍ: كيف تتناسب تلك المجموعة الشعرية مع الإطار الإسلامى / أو الأمريكى، وتتحداهما معا لينفتحا على المفاجآت، والعمق، ويشير إلى أنواع من الطاقة والحيوية الموجودة فى قصائدى.
وكأمريكى أنا لست جزءا من النظام الحاكم، وكمسلم أدعو القراء لأن يسمحوا لأنفسهم بالانتشاء بالبهجة والإلهام والخيال وربما يكون فى هذا خرق للصورة النمطية عن المسلمين
ثقافة التمرد.
أنا أمريكى مغموس ومصبوغ بعمق فى هذه الثقافة وأدبها ونشوة الحركة الأدبية التى أعتقد أننى تغذيت عليها، فى الستينيات من القرن الماضى والتى اتسمت بالتمرد، لكنى آخذ كل تلك اللمحات التى اكتسبتها طوال مشوارى إلى رؤيتى الإسلامية، فأنا أيضا مسلم بعمق، وأعبر دائما عن حقائق إسلامية حتى فى أغرب قصائدى، ولا أجد تعارضا بين تركيبتى كشاعر أمريكى وكونى شاعرا مسلما متصوفا.
• الشاعر السورى المعروف أدونيس كتب «قبر من أجل نيويورك» ليدين توحش الحضارة الأمريكية التى تقول أنك رغم قسوتها تنتمى إليها.. كشاعر أمريكى كيف تقرأ أمريكا وتاريخها؟
فى الترجمة الأمريكية لكتاب أدونيس «كتاب التحولات والهجرة فى أقاليم النهار والليل»، والتى قدمها صمويل هازو، تحمل القصيدة التى أشرت إليها عنوان «جنازة نيويورك». وأنا أجد القصيدة، فى نسختها المترجمة، مشتتة ومناهضة للحداثة، ومناهضة للمدن الكبرى، ومناهضة للثقافة الأمريكية، لكنها لا ترقى إلى مستوى قصيدة جارسيا لوركا الشهيرة «شاعر فى نيويورك» أو قصيدة «عواء» للشاعر الأمريكى المعروف آلان جينسبرج، رغم أنى ألمس الضغط وأكاد أسمع طقطقة أسلاك إلهام ادونيس عالية الشحن، فى محاولة للحاق بهما
الإحباط مع أدونيس
وسأفترض أن القصيدة أفضل فى لغتها الأصلية – العربية – التى لا استطيع قراءتها بها، لكن على أى حال يبدو لى فى أعمال أدونيس نوع من «النبوءاتية» أو التبشير، يبدو فيه الشاعر وكأنه دائما فى منافسة مع الإسلام، أو القيم الاسلامية.
لقد شاهدته وهو يقرأ الشعر بنفسه وسمعته فى منتديات للحوار، وقرأت مقاله عن الشعر بعنوان «الشعر والثقافة غير الشعرية»، وأجدنى دائما مختلفا مع ما يتوصل إليه من نتائج، ومحبطا نوعا ما من قصائده التى يبدو فيها نوع من الحيادية التى تفتقر إلى التركيز،
ولا شك أن امريكا مكان مجنون. صحيح أنها بلد جديد وحضارة جديدة تأسست على مثل عليا ولها دستور يفترض أن يؤمن العدالة للجميع فى الحاضر والمستقبل، وكثير من قادتها القدامى كانت لهم صفات جيدة مثل النبل والأمانة واتساع الأفق، والرؤية الفكرية الثاقبة.. ولكن لا شك أيضا أن هناك دماء أريقت فى أنحاء العالم على أيدى أمريكا أو الأمريكيين، ولا يبدو فى الأفق نهاية تغسل يديها من هذه الدماء. كانت الدماء الأولى التى أريقت هى دماء السكان الأصليين، من يطلق عليهم (الهنود الحمر)، والمؤسف أن التاريخ يقول لنا أن الهنود قد قتلوا فعلا، وأحيانا لمجرد القتل من باب التسلية، وتم اقتلاعهم من أراضيهم ووضعهم فى ما يشبه السجون، تلك المعروفة باسم «المحميات».
استعباد الأفارقة
ولاشك ان استعباد الأفارقة سقطة أخرى فى تاريخنا الأمريكى، أدت إلى مشكلة عدم المساواة الاجتماعية والتى لم تحل أيضا بشكل كامل حتى الآن.
فى التاريخ الحديث، استطاعت أمريكا أن ترسم لنفسها صورة براقة كدولة ساعدت أوروبا فى مواجهة غزو الفاشية فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن هذه الصورة تم تلويثها بسبب حرب فيتنام، وازدواجية المعايير فى صنع نموذج للديمقراطية مع دعم الديكتاتوريات فى أنحاء العالم طالما كان هذا فى مصلحتها.
ثم جاءت كارثة حربى أفغانستان والعراق وتداعياتهما لتفسد صورة أمريكا فى العالم ولا ننسى هنا تأثير الدعم المادى والمعنوى الدائم لإسرائيل عبر عقود، رغم علمنا بأن إسرائيل ترتكب جرائم بحق السكان الأصليين (الفلسطينيين) مثلما فعلنا نحن بهنود أمريكا وهو ما يلوث صورة أمريكا أكثر وأكثر
أمريكا .. وشرورها
• ورغم ذلك تفخر بكونك أمريكيا؟
مع هذا كله أنا أمريكى، وأحمل فى داخلى الامتنان لكونى أعيش فى دولة «حرة» – كما يطلق عليها – وأتمنى أن تكون كذلك وتظل كذلك حقا، مثلما أحمل الشعور بالذنب لكونها القوة العظمى والتى تسىء استخدام قوتها فى الشر فى بعض الأحيان..
أما فى مجال الفن فهناك شىء من روح المغامرة والانطلاق والتحدى فى الفن الأمريكى، خاصة لدى الشعراء القدامى أو المعاصرين. هناك عبقرية وإثارة فى التعبير فريدة من نوعها وطازجة وأنا سعيد بكونى جزءا من هذه البيئة الاجتماعية والفنية، مع استيائى مما نفعله ببقية العالم من تأثير يشبه إبرة الوشم التى ترسم وشما مسموما على جسد خارطة العالم
التجربة الروحية مع الإسلام
• بعض النقاد يرون تشابها بين شعرك وشعر والت ويتمان، وان كان لشعرك نكهة التجربة الروحية لاعتناق الإسلام، كيف ترى تجربة ويتمان وإرثه الشعرى؟
تعرفت إلى شعر ويتمان عن طريق شعراء جيل ال Beats فى أمريكا.. (الجيل الذى بدأ الكتابة المتمردة انطلاقا من رواية الطريق لجاك كوراك والذى يرفض الوجه غير الحضارى لأمريكا ومن اهم كتابه الآن جينسبرج).. وقد قدر هؤلاء الشعراء إبداع ويتمان لصراحته وأيضا للمحة الملحمية عنده، ولجرأته فى التعبير عن نفسه وعن بلاده، وروحانيته الطبيعية وحسيته الرائعة. كان هناك شىء ما له قداسة فى شعره، وقد جذب هذا شعراء جيل ال Beat أيضا، مع اهتمامهم بالديانات الشرقية خاصة البوذية، وتعطشهم للتجارب التنويرية. وويتمان هو شاعر أمريكا الأول، وهو الذى يعطى المعنى والصوت للرؤية الروحية المتاحة للأمريكيين ولكنهم قليلا ما يلتفتون إليها أو يستخدمونها.. كما أنه اخترع لغة جديدة، نوعا من الكلام البسيط والمتسامى فى آن، والذى لم يستعمله أى من معاصريه، باستثناء إميلى ديكنسون.. فلم يستخدمه هنرى ميلفيل بشكسبيريته العبقرية، ولا إيمرسون بشعره الرائع الذى يخلو من تكثيف وملحمية و«ديمقراطية» رؤية ويتمان.
هذا الاتساع بالنسبة لى كشاعر مسلم متصوف، خاصة فى الجانب الصوفى لويتمان، يجعل صاحب «أوراق العشب» وطاقته الشعرية الهائلة ملهما لى. وربما كانت كلمة الطاقة هى التعبير الذى كنت أبحث عنه هنا.. الطاقة الأمريكية والحيوية التى تفرض نفسها، وأجدها تغيب فى ثقافات أخرى ولغات شعرية أخرى..
وقد عثرت على هذه الطاقة لدى ويتمان واستخدمتها للتعبير عن نفسى ومحبة الحياة، والالتزام من القلب، والعشق الإلهى ومحبة النبى الكريم. وهذا العشق له تأثير ملحمى بحد ذاته
رحلتي الشعرية مع الخيام وإقبال
• بعض النقاد يقارنوك أيضا بالشاعر الباكستانى محمد إقبال، وآخرون قارنوا بين رحلتك الشعرية وبين عمر الخيام. والبعض يقارن بعض قصائدك بالمواقف والمخاطبات للنفرى..
فكرة أن يقارن أحد شعرى بمواقف ومخاطبات الصوفى الكبير محمد عبدالجبار النفرى أمر مدهش بالنسبة لى، وهو ليس سوى هدف روحى أسعى إليه، وأطمح له فى لحظات «الشطح» اللاعقلانية.. أما عن إقبال فأنا لست خبيرا بعمله لأن معظم ترجمات أعماله تعانى من تلك اللغة الانجليزية الفيكتورية القديمة التى أتصور أنها لا تنقله بشكل جيد للمتلقى الغربى.
وقد قرأت أعمال الخيام فى ترجمة فيتزجيرالد الجليلة والتى ربما كانت مغلوطة، حيث تقدم الخيام من وجهة نظره الاستشراقية، رغم أن رباعيات الخيام ترجمة إدوارد فيتزجيرالد من درر الشعر الانجليزى، بغض النظر عن أمانتها من عدمه فى نقل النص الأصلى.
• لك تجربة خاصة مع الشاعر الفلسطينى محمود درويش، كيف ترى شعره؟ وهل تصنفه كشاعر فلسطينى يتعامل مع قضية شخصية، أم شاعر إنسانى يتعامل مع قضايا العالم؟
عرفت محمود درويش من خلال مجلة جسور التى يصدرها الباحث السورى منير العكش – صاحب كتاب أمريكا والإبادة الجماعية – وتصدر فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لجأ إلى لتحرير الترجمات الشعرية للشعراء العرب والمسلمين ليقدمهم إلى الجمهور الأمريكى.
وكان العكش هو الذى يقوم بدور همزة الوصل بين الكتاب العرب والأمريكيين..
درويش وشعر النضال
أعمال محمد درويش واسعة جدا، من بدايات شعره النضالى، وكان الأكثر بلاغية وشعبية، إلى شعره الأحدث الأكثر تكثيفا ورمزية والأكثر غنائية وأحيانا ملحمية، والذى يتسم بملامح من السوريالية والرمزية، والمتشح دوما بالحنين للوطن المفقود، والحنين للتفاصيل الصغيرة التى تعنى له كفلسطينى الكثير مثل رائحة القهوة وأشجار الزيتون، وبعض أوقات النهار والمواسم. وقد أجاد فى التقاط هذه التفاصيل وصنع منها أعمالا ملحمية غنائية.
ربما بدأ كشاعر بالتعامل مع قضايا شخصية، رغم أن فقد الوطن والأرض والمعاملة الوحشية من قبل القوى الاستعمارية الإسرائيلية، تنقل الشخصى إلى مستوى العام. لكنه بعد سنوات من الكتابة صار شاعرا عالميا بكل معنى الكلمة، مشغول بآمال وانكسارات القلب الإنسانى
منقول عن الشروق
" "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.