سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 في أسواق الأقصر    البنك التجاري الدولي مصر يحقق 16.6 مليار جنيه صافي ربح خلال 3 أشهر    «البترول» تعلن فتح باب تقديم المستندات لصرف تعويضات طلمبات البنزين    وزارة الصحة تحذر: تغيرات في سلوك الطفل قد تشير إلى اضطرابات نفسية    قبل السفر للحج... وزارة الصحة تنشر دليلك الصحي الشامل للوقاية وسلامة الحجاج    في ذكرى فاطيما.. إيمان لا ينكسر وحادثة غيرت التاريخ    عيد ظهور العذراء مريم في فاتيما.. ذكرى روحية خالدة    الحكم على 18 متهما بقتل مواطن في الجيزة اليوم    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    وزارة العدل تعلن عن وظائف قيادية شاغرة.. تعرف على الشروط وطريقة التقديم    قانون تنظيم الفتوى، شروط بث ونشر الفتاوى الشرعية    طقس اليوم الثلاثاء.. ارتفاع مؤقت بالحرارة وأتربة وأمطار تضرب البلاد    215 شهيدا من الصحفيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    الزيارة التاريخية.. 10 ملفات تتصدر أجندة مباحثات ترامب وقادة دول الخليج    ستيف ويتكوف: حرب أوكرانيا وروسيا لم تكن لتحدث لو كان ترامب رئيسا في 2022    أبو الغيط عن قرارات الأمم المتحدة على إسرائيل: وزعوها أو اشربوا ميتها!    تزينها 3 منتخبات عربية، قائمة المتأهلين إلى كأس العالم للشباب    الخارجية الأمريكية تكشف تفاصيل وأهداف زيارة ترامب للشرق الأوسط    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام الزمالك في الدوري المصري    لا نحتفل وهناك إبادة جماعية، نجوم سينما يربكون افتتاح مهرجان كان برسالة مفتوحة عن غزة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»    كان يتلقى علاجه.. استشهاد الصحفي حسن إصليح في قصف الاحتلال لمستشفى ناصر ب خان يونس    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    3 شهداء وإصابات جراء قصف الاحتلال خيمة نازحين في خان يونس    تشكيل الأهلي المتوقع أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    للمرة الرابعة للأبيض والأولى للضيوف.. أحمد الغندور حكما لمباراة الزمالك وبيراميدز اليوم    صبحي خليل يكشف كواليس مشاركته في عدة أعمال بنفس الوقت منذ 3 سنوات    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    منظمة الصحة العالمية: تزايد خطر المجاعة في غزة في ظل الحصار المستمر    أبو زهرة يهنئ المنتخب الوطني للشباب تحت 20 عاما بعد فوزه المثير على غانا    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    «التضامن الاجتماعي» توضح شروط الحصول على معاش تكافل وكرامة    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    قناة السويس تجهز مفاجأة لشركات الشحن العالمية (تفاصيل)    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة سرقة المواطنين بالإكراه في بولاق    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    النصر يكتسح الأخدود بتسعة أهداف نظيفة في ليلة تألق ماني    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الأمريكى دانيال عبدالحى مور: الخواء الروحى دفعنى للبوذية فى الستينيات.. والصوفية طريقى لمحبة الله
لأول مرة فى الصحافة العربية..
نشر في الشعب يوم 08 - 12 - 2014

• محمود درويش شاعر عالمى والترجمة ظلمت رباعيات الخيام

• من المدهش مقارنتى بالصوفى الكبير النفرى
• لم يكن اعتناقى للإسلام قفزة فى الفراغ وتأثرت بحرب فيتنام
• والت ويتمان أهم شاعر أمريكى واستفدت منه كشاعر مسلم متصوف
كتبت- مها مصطفى
بين الشعر والدين جسور بلاغية، يقطعها المتصوفة بصمت الخرقة، وهى تطوف حول فكرة، ويقطفها الشعراء بفرحة الكشف.. فتأتى قصائدهم خرقة العهد بين الصمت والصراخ، همسا إلى الله عندما رأوه واكتشفوا طريقه عبر طريقة تطلع من صحراء خالية لكنها مشعة بالحنين، لا تعانى رغم كل خوائها من الخواء، فتصبح الصحراء لمن يبحث عن ملاذ قصيدة الملاذ.
هكذا عاش الشاعر الأمريكى دانييل مور ابن بيركلى المتمرد على ستينيات أمريكا، ضمن من تمردوا، رحلة المعراج إلى القصيدة متكئا حينا على صورة إنسانية رحبة للمسيح، وعلى التأمل جلوسا على طريقة «الزن»، قبل أن يرتحل إلى المغرب فيلتقى شيخ طريقة فيطوف معه ويعود مسلما إلى أرضه، وشاعرا ذاق نكهة الحقيقة فى الحب الإلهى
رحلة مع القلم..
فى الستينيات كان دانيال مور من أبرز شعراء «بيركلى» الحالمة بأمريكا أكثر إنسانية وعالم أكثر عدلا. وتعتبر دواوينه «رؤيا الفجر» و«القلب المحترق: مرثاة لموتى الحرب» و«جسد النور الأسود» و«حكمة المحارب»، ثورة فى حركة الشعر الأمريكى الحديث كما يقول الكاتب السورى الكبير منير العكش مؤسس مجلة جسور الثقافية بالولايات المتحدة كذلك كانت مسرحياته «اللوتس العائم» و«الحيتان المدماة» و«قيامة إبليس» التى عرضت لسنوات فى مسرحه الذى أنشأه هناك فى قلب كاليفورنيا مدرسة إبداعية وإنسانية. لكن الستينيات لم تمض على دانيال مور حتى زار المغرب وتعرف على الشيخ محمد بن الحبيب الفاسى ليعود إلى بيركلى مسلما يتوهج شعره بأسمى روحانية عرفها الشعر الإنجليزى المعاصر
ويقول العكش ان معظم مجموعاته الشعرية فى هذه المرحلة («الصحراء باب النجاة» و«حوليات الآخرة» و«صاح كما لم أصح من قبل» و«ورد» و«مولد») نشرت فى طبعات يدوية محدودة جدا من عمل الشاعر ذلك لأن ناشريه لم يرق لهم «دانيال مور» الجديد.
بدأ دانيال مور بكتابة «سونيتات رمضان» فى أول ليالى رمضان 1406 (1986) ليكتشف صباح العيد أنه أنجز مجموعة كاملة من 62 قصيدة كانت كما يقول: «فضاء روحيا لتجربته الرمضانية وتصويرا شعريا لعالم الصيام والعالم من حول الصيام».
نقطة تحول
• هل كان اعتناقك الإسلام نوعا من رد الفعل أو التمرد النفسى والفلسفى على هزيمة مجتمع يحاول أن يخرج من مأزق حرب فيتنام؟
كل ما عشته فى حياتى له علاقة بإسلامى فلم يكن اعتناقى الإسلام قفزة فى الفراغ. قادتنى حياتى كشاعر يبحث عن مغزى للحياة، ومعنى للحقيقة إلى الإسلام. وقادنى عملى فى تأسيس مسرح لتقديم الصائد بطقوسية، وقادتنى رحلتنى مع البوذية التى تعلمتها على يدى معلمى الروحى الكبير وأستاذ فلسفة الزن فى الولايات المتحدة سينساى شونريو سوزوكى 1904-1971.
تأثرت كثيرا بتجربة فيتنام، كغيرى من الأمريكيين الذين كانوا يبحثون عن حل أو بديل لذلك النوع من الخواء الروحى الذى أدى بالبلاد إلى تلك الحرب القاسية عديمة الجدوى وما خلفته هذه الحرب.
كنت أسعى دائما لأن أبقى فى الجانب الإيجابى للحياة، وأعثر على خير حقيقى أتمسك به. وكنت قد خلقت فى أعماقى شخصية ترتكز على شخصية المسيح كما يرسمها الشاعر الإنجليزى ويليام بليك (1757-1828). ولكن ذلك لم ينقذنى من الشعور بالفراغ بسبب حرب فيتنام التى اندلعت بجنون خلال عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وكانت عاملا حاسما فى حياة العديد من الناس. كانت الحرب أمرا مأساويا لمن خاضها وبالقدر نفسه بالنسبة لمن لم يخضها. وقد عكست الفنون جميعها من رسم وشعر وموسيقى هذه المأساوية والخواء الروحى للأمة وأنا كنت جزءا من ذلك العالم وجزءا من التمرد على هذه الحرب والقيم التى قادت إليها
وحشية أمريكا
كانت أمريكا فى عيوننا شرا مستطيرا، ووحشية وآلية، وكان قادتها ممن خلفوا الرئيس كنيدى أباطرة تلك الوحشية التى كنا نواجهها بالقصيدة. لكن كثيرا منا مع نهاية عقد الستينيات وبداية عقد السبعينيات كانوا يعيشون فى نوع من العالم البديل، وقد سئموا الطبيعة الوهمية الزائفة للوجود خارج طقوسنا الفنية والروحية. أما أنا فكان لقائى بمتصوف مغربى فى ذلك الوقت «دلوا» إلهيا معجزا تدلَّى فى بئرى الشخصية ليخرجنى من غيابات الجُبِّ إلى النور.. من الخواء إلى الامتلاء بالنور. كان كل شىء فى محله: البئر، والحبل، والدلو، وحتى سيور وبكرات الرفع كانت مشحمة وجاهزة. كل شىء لدى كان جاهزا لهذه اللحظة، ولذلك لم يكن إسلاميا قفز فى فراغ
المدنية الزائفة.
• فى كثير من قصائدك تشير إلى الصحراء كملاذ أو خلاص. هل هو الخلاص من المدنية الزائفة أم أن صحراءك نوع من المهرب الرومانتيكى إلى «يوتوبيا «خيالية؟
«الصحراء هى المهرب الوحيد».. هكذا كتبت فى عام 1984، وكانت الكتابة بسبب العودة إلى أمريكا الحضرية بعد زيارة طويلة للمغرب وانتابنى شعور بالحاجة إلى ذلك النقاء الشفاف لكل الأشياء التى تمثلها الصحراء وخاصة فى جانبها الدينى: الإسلام الأصلى للنبى وصحابته، والبيئة المختلفة التى اكتشفتها فى المغرب والجزائر، وذلك «الطهر» النسبى لأناس لم يتلوثوا بالمادية الغربية.
وعندما أقول «أناسا» فإننى فى الواقع أشير إلى أولئك الفقراء من أتباع الطرق الصوفية، الذين التقيناهم فى قرى صحراوية وفى مدن شمال أفريقيا أيضا، والذين يلخصون وجودهم فى اتباع تعاليم شيخ الطريقة، وفى القلب منها العشق الإلهى، وحب النبى صلى الله عليه وسلم.
رحلتي مع الإسلام
الحياة، كما رأيتها هناك، كانت تدور حول الطقوس الأساسية للإسلام، كالصلاة والصوم، والقيم المرتبطة بالدين والتى يطبقها هؤلاء كطقس يومى للحياة مثل الكرم، والبر، والتسامح الجميل، مع التركيز على القوة المركزية لذكر الله فى كل حين.
وعندما عدت إلى أمريكا بعد سفر طويل، رأيت من حولى حضارة حادت عن النقاء. رأيت هذا كأزمة للحضارة والروح فكانت الصحراء هى المهرب الحقيقى الوحيد فى رأيى من هذا المأزق الحضارى.. «إلى حيث الهواء أكثر شفافية» (مستعيرا هنا عنوان رواية المكسيكى الشهير كارلوس فوينتس التى كتبها فى العام 1958 وصارت أيقونة أدبية عالمية
شاعر أمريكا ...وشاعر الإسلام
• يصفك الباحث ألان جودلاس أستاذ علم الاديان فى جامعة جورجيا بأنك شاعر أمريكا وشاعر الإسلام، فأى أمريكا وأى إسلام تقدمهما فى شعرك؟
كانت مقدمة دكتور جودلاس لكتابى «سوناتات رمضان» قصيدة بحد ذاتها، ويبدو أنه كان يسائل نفسه بصوت عالٍ: كيف تتناسب تلك المجموعة الشعرية مع الإطار الإسلامى / أو الأمريكى، وتتحداهما معا لينفتحا على المفاجآت، والعمق، ويشير إلى أنواع من الطاقة والحيوية الموجودة فى قصائدى.
وكأمريكى أنا لست جزءا من النظام الحاكم، وكمسلم أدعو القراء لأن يسمحوا لأنفسهم بالانتشاء بالبهجة والإلهام والخيال وربما يكون فى هذا خرق للصورة النمطية عن المسلمين
ثقافة التمرد.
أنا أمريكى مغموس ومصبوغ بعمق فى هذه الثقافة وأدبها ونشوة الحركة الأدبية التى أعتقد أننى تغذيت عليها، فى الستينيات من القرن الماضى والتى اتسمت بالتمرد، لكنى آخذ كل تلك اللمحات التى اكتسبتها طوال مشوارى إلى رؤيتى الإسلامية، فأنا أيضا مسلم بعمق، وأعبر دائما عن حقائق إسلامية حتى فى أغرب قصائدى، ولا أجد تعارضا بين تركيبتى كشاعر أمريكى وكونى شاعرا مسلما متصوفا.
• الشاعر السورى المعروف أدونيس كتب «قبر من أجل نيويورك» ليدين توحش الحضارة الأمريكية التى تقول أنك رغم قسوتها تنتمى إليها.. كشاعر أمريكى كيف تقرأ أمريكا وتاريخها؟
فى الترجمة الأمريكية لكتاب أدونيس «كتاب التحولات والهجرة فى أقاليم النهار والليل»، والتى قدمها صمويل هازو، تحمل القصيدة التى أشرت إليها عنوان «جنازة نيويورك». وأنا أجد القصيدة، فى نسختها المترجمة، مشتتة ومناهضة للحداثة، ومناهضة للمدن الكبرى، ومناهضة للثقافة الأمريكية، لكنها لا ترقى إلى مستوى قصيدة جارسيا لوركا الشهيرة «شاعر فى نيويورك» أو قصيدة «عواء» للشاعر الأمريكى المعروف آلان جينسبرج، رغم أنى ألمس الضغط وأكاد أسمع طقطقة أسلاك إلهام ادونيس عالية الشحن، فى محاولة للحاق بهما
الإحباط مع أدونيس
وسأفترض أن القصيدة أفضل فى لغتها الأصلية – العربية – التى لا استطيع قراءتها بها، لكن على أى حال يبدو لى فى أعمال أدونيس نوع من «النبوءاتية» أو التبشير، يبدو فيه الشاعر وكأنه دائما فى منافسة مع الإسلام، أو القيم الاسلامية.
لقد شاهدته وهو يقرأ الشعر بنفسه وسمعته فى منتديات للحوار، وقرأت مقاله عن الشعر بعنوان «الشعر والثقافة غير الشعرية»، وأجدنى دائما مختلفا مع ما يتوصل إليه من نتائج، ومحبطا نوعا ما من قصائده التى يبدو فيها نوع من الحيادية التى تفتقر إلى التركيز،
ولا شك أن امريكا مكان مجنون. صحيح أنها بلد جديد وحضارة جديدة تأسست على مثل عليا ولها دستور يفترض أن يؤمن العدالة للجميع فى الحاضر والمستقبل، وكثير من قادتها القدامى كانت لهم صفات جيدة مثل النبل والأمانة واتساع الأفق، والرؤية الفكرية الثاقبة.. ولكن لا شك أيضا أن هناك دماء أريقت فى أنحاء العالم على أيدى أمريكا أو الأمريكيين، ولا يبدو فى الأفق نهاية تغسل يديها من هذه الدماء. كانت الدماء الأولى التى أريقت هى دماء السكان الأصليين، من يطلق عليهم (الهنود الحمر)، والمؤسف أن التاريخ يقول لنا أن الهنود قد قتلوا فعلا، وأحيانا لمجرد القتل من باب التسلية، وتم اقتلاعهم من أراضيهم ووضعهم فى ما يشبه السجون، تلك المعروفة باسم «المحميات».
استعباد الأفارقة
ولاشك ان استعباد الأفارقة سقطة أخرى فى تاريخنا الأمريكى، أدت إلى مشكلة عدم المساواة الاجتماعية والتى لم تحل أيضا بشكل كامل حتى الآن.
فى التاريخ الحديث، استطاعت أمريكا أن ترسم لنفسها صورة براقة كدولة ساعدت أوروبا فى مواجهة غزو الفاشية فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن هذه الصورة تم تلويثها بسبب حرب فيتنام، وازدواجية المعايير فى صنع نموذج للديمقراطية مع دعم الديكتاتوريات فى أنحاء العالم طالما كان هذا فى مصلحتها.
ثم جاءت كارثة حربى أفغانستان والعراق وتداعياتهما لتفسد صورة أمريكا فى العالم ولا ننسى هنا تأثير الدعم المادى والمعنوى الدائم لإسرائيل عبر عقود، رغم علمنا بأن إسرائيل ترتكب جرائم بحق السكان الأصليين (الفلسطينيين) مثلما فعلنا نحن بهنود أمريكا وهو ما يلوث صورة أمريكا أكثر وأكثر
أمريكا .. وشرورها
• ورغم ذلك تفخر بكونك أمريكيا؟
مع هذا كله أنا أمريكى، وأحمل فى داخلى الامتنان لكونى أعيش فى دولة «حرة» – كما يطلق عليها – وأتمنى أن تكون كذلك وتظل كذلك حقا، مثلما أحمل الشعور بالذنب لكونها القوة العظمى والتى تسىء استخدام قوتها فى الشر فى بعض الأحيان..
أما فى مجال الفن فهناك شىء من روح المغامرة والانطلاق والتحدى فى الفن الأمريكى، خاصة لدى الشعراء القدامى أو المعاصرين. هناك عبقرية وإثارة فى التعبير فريدة من نوعها وطازجة وأنا سعيد بكونى جزءا من هذه البيئة الاجتماعية والفنية، مع استيائى مما نفعله ببقية العالم من تأثير يشبه إبرة الوشم التى ترسم وشما مسموما على جسد خارطة العالم
التجربة الروحية مع الإسلام
• بعض النقاد يرون تشابها بين شعرك وشعر والت ويتمان، وان كان لشعرك نكهة التجربة الروحية لاعتناق الإسلام، كيف ترى تجربة ويتمان وإرثه الشعرى؟
تعرفت إلى شعر ويتمان عن طريق شعراء جيل ال Beats فى أمريكا.. (الجيل الذى بدأ الكتابة المتمردة انطلاقا من رواية الطريق لجاك كوراك والذى يرفض الوجه غير الحضارى لأمريكا ومن اهم كتابه الآن جينسبرج).. وقد قدر هؤلاء الشعراء إبداع ويتمان لصراحته وأيضا للمحة الملحمية عنده، ولجرأته فى التعبير عن نفسه وعن بلاده، وروحانيته الطبيعية وحسيته الرائعة. كان هناك شىء ما له قداسة فى شعره، وقد جذب هذا شعراء جيل ال Beat أيضا، مع اهتمامهم بالديانات الشرقية خاصة البوذية، وتعطشهم للتجارب التنويرية. وويتمان هو شاعر أمريكا الأول، وهو الذى يعطى المعنى والصوت للرؤية الروحية المتاحة للأمريكيين ولكنهم قليلا ما يلتفتون إليها أو يستخدمونها.. كما أنه اخترع لغة جديدة، نوعا من الكلام البسيط والمتسامى فى آن، والذى لم يستعمله أى من معاصريه، باستثناء إميلى ديكنسون.. فلم يستخدمه هنرى ميلفيل بشكسبيريته العبقرية، ولا إيمرسون بشعره الرائع الذى يخلو من تكثيف وملحمية و«ديمقراطية» رؤية ويتمان.
هذا الاتساع بالنسبة لى كشاعر مسلم متصوف، خاصة فى الجانب الصوفى لويتمان، يجعل صاحب «أوراق العشب» وطاقته الشعرية الهائلة ملهما لى. وربما كانت كلمة الطاقة هى التعبير الذى كنت أبحث عنه هنا.. الطاقة الأمريكية والحيوية التى تفرض نفسها، وأجدها تغيب فى ثقافات أخرى ولغات شعرية أخرى..
وقد عثرت على هذه الطاقة لدى ويتمان واستخدمتها للتعبير عن نفسى ومحبة الحياة، والالتزام من القلب، والعشق الإلهى ومحبة النبى الكريم. وهذا العشق له تأثير ملحمى بحد ذاته
رحلتي الشعرية مع الخيام وإقبال
• بعض النقاد يقارنوك أيضا بالشاعر الباكستانى محمد إقبال، وآخرون قارنوا بين رحلتك الشعرية وبين عمر الخيام. والبعض يقارن بعض قصائدك بالمواقف والمخاطبات للنفرى..
فكرة أن يقارن أحد شعرى بمواقف ومخاطبات الصوفى الكبير محمد عبدالجبار النفرى أمر مدهش بالنسبة لى، وهو ليس سوى هدف روحى أسعى إليه، وأطمح له فى لحظات «الشطح» اللاعقلانية.. أما عن إقبال فأنا لست خبيرا بعمله لأن معظم ترجمات أعماله تعانى من تلك اللغة الانجليزية الفيكتورية القديمة التى أتصور أنها لا تنقله بشكل جيد للمتلقى الغربى.
وقد قرأت أعمال الخيام فى ترجمة فيتزجيرالد الجليلة والتى ربما كانت مغلوطة، حيث تقدم الخيام من وجهة نظره الاستشراقية، رغم أن رباعيات الخيام ترجمة إدوارد فيتزجيرالد من درر الشعر الانجليزى، بغض النظر عن أمانتها من عدمه فى نقل النص الأصلى.
• لك تجربة خاصة مع الشاعر الفلسطينى محمود درويش، كيف ترى شعره؟ وهل تصنفه كشاعر فلسطينى يتعامل مع قضية شخصية، أم شاعر إنسانى يتعامل مع قضايا العالم؟
عرفت محمود درويش من خلال مجلة جسور التى يصدرها الباحث السورى منير العكش – صاحب كتاب أمريكا والإبادة الجماعية – وتصدر فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لجأ إلى لتحرير الترجمات الشعرية للشعراء العرب والمسلمين ليقدمهم إلى الجمهور الأمريكى.
وكان العكش هو الذى يقوم بدور همزة الوصل بين الكتاب العرب والأمريكيين..
درويش وشعر النضال
أعمال محمد درويش واسعة جدا، من بدايات شعره النضالى، وكان الأكثر بلاغية وشعبية، إلى شعره الأحدث الأكثر تكثيفا ورمزية والأكثر غنائية وأحيانا ملحمية، والذى يتسم بملامح من السوريالية والرمزية، والمتشح دوما بالحنين للوطن المفقود، والحنين للتفاصيل الصغيرة التى تعنى له كفلسطينى الكثير مثل رائحة القهوة وأشجار الزيتون، وبعض أوقات النهار والمواسم. وقد أجاد فى التقاط هذه التفاصيل وصنع منها أعمالا ملحمية غنائية.
ربما بدأ كشاعر بالتعامل مع قضايا شخصية، رغم أن فقد الوطن والأرض والمعاملة الوحشية من قبل القوى الاستعمارية الإسرائيلية، تنقل الشخصى إلى مستوى العام. لكنه بعد سنوات من الكتابة صار شاعرا عالميا بكل معنى الكلمة، مشغول بآمال وانكسارات القلب الإنسانى
منقول عن الشروق
" "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.