السيطرة على الجيش المصري أهم أهداف المعونة : لنقرأ بعض نصوص تقرير استخباري لمعهد تابع للبنتاجون ( وزارة الدفاع الأمريكية ) : } مصر هي المسمار المحوري الذي يربط المشرق العربي مع المغرب العربي . دور مصر في الأمن الإقليمي مركزي بالنسبة للتدابير الأمنية الأمريكية في المنطقة { هذا التقرير صادر منذ 14 سنة ولكنه يتطابق مع تصريح أوباما الأخير بعد لقائه مع السيسي ( إن مصر بلد مهم للسياسة الأمريكية الأمنية ) !! الإستفادة العسكرية والإستراتيجية من موقع مصر لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة هي الهدف الجوهري للعلاقات وليس أي أهداف حضارية أو ديمقراطية أو إنسانية !! ولنتابع مع التقرير {مصر مرشحة لتكون المهندس المساعد للنظام الإقليمي الجديد}.. فهي تتعاون معنا في المسائل العسكرية الاستراتيجية بفاعلية لتحقيق السلام الدائم ومحاربة الإرهاب{أي نفس أهداف إسرائيل }. ويؤكد التقرير أن العلاقات العسكرية بين البلدين هي المكون الأقوى للعلاقات !! فالجيش المصري هو الجزء الأكثر مناصرة للولايات المتحدة في مصر . وهو المستفيد من معظم المعونة الأمريكية ، ونحن المصدر الرئيسي للمساعدة العسكرية والتسليح وتحديث الجيش المصري بعشرات المليارات . بالإضافة للتعاون المنتظم في التدريبات المشتركة كمناورات النجم الساطع ، وكانت مصر هي الأساس لنقل القوات الأمريكية في حرب 1991 ضد العراق وظهر خلال الحرب المستوى العالي من التنسيق والإنسجام بين القوات المسلحة الأمريكية والمصرية . وظلت مصر هي الأكثر تفهماً لمخاوف كل من أمريكا وإسرائيل . ويواجه مبارك كثيراً من النقد لشغفه الكبير بالتكيف مع المصالح الأمريكية} انتهى الإقتباس من تقرير معهد الدراسات الوطنية الإستراتيجية - كلية الدفاع الوطني - واشنطن دي سي - 7 يناير 2000 - التابعين للبنتاجون . ليست المعونة الأمريكية بالكارثة الكبرى في حد ذاتها ، فهي ليست بالمبلغ الكبير حتى في ذلك الزمان ( 2.3 مليار دولار ) ولكنها كانت كمسمار جحا ومدخل للتدخل في كل شئ في مصر ، فهناك آلاف من الموظفين يتابعون إنفاق هذه المعونة معظمهم يقيمون في مصر ولهم مبنى خاص مجاور للسفارة الأمريكية ، مقابل 3 موظفين فقط في إسرائيل رغم أنها تحصل على مبلغ أكبر ( 3.3 مليار دولار ) وتحصل عليه نقداً ، بينما تحصل مصر عليه عيناً وتصرف بعض بنوده نقداً من خلال الموطفين الأمريكيين . وكانت الكارثة في المبدأ بغض النظر عن حجم المبلغ فلا توجد دولة محترمة تأخذ معونة ، فالمعونات تكون عند حدوث زلازل وبراكين وكوارث طبيعية أو مجاعات .. الخ أما بدون ذلك فهي إهانة وفضيحة ، خاصة لبلد بحجم مصر ، ولكن كان لابد من إذلال مصر وكسر عينها ، وبدأنا نتعود على المعونة حتى ظن كثيرون داخل وخارج مصر أن مصر ستنهار إذا قطعت عنها المعونة !! والمصيبة الكبرى أن الرئيس السادات هو الذي بادر بطلب معونات لدعم الإقتصاد المصري في أول لقاء له مع الرئيس الأمريكي نيكسون وطلب مبلغاً معيناً ، فوافق نيكسون فوراً دون الرجوع للمؤسسات الديمقراطية !! على نصف المبلغ الذي طلبه السادات وقال له : أن يحصل على النصف الآخر من دول الخليج !! وهكذا بدأت مصر مشوار الشحاذة حتى قبل التوقيع على كامب ديفيد وهو مشوار مستمر حتى الآن ، والخلاف يكون هل نشحذ من قطر أم من الإمارات والسعودية ؟!! وكان أخطر ما في المعونة هو الشق العسكري الذي كان حوالي 60 % ( 1.3 مليار ) والذي ما يزال ثابتاً حتى الآن في حين تقلص الشق المدني إلى الربع من مليار إلى 250 مليون دولار سنوياً . أمريكا أستاذة في الهيمنة وفرض التبعية بطريقة لا تستدعي الإحتلال العسكري التقليدي . وكانت هذه هي طريقتها وهي ترث المستعمرات البريطانية والفرنسية والأوروبية عموماً ، وهو ما تم تسميته ( الاستعمار الجديد ) . وكان لابد لأمريكا أن تضمن المفصلة الأساسية في النظام المستهدف : وهي الجيش . ولأمريكا تجارب عديدة في ذلك خاصة في أمريكا اللاتينية ثم أفريقيا ثم آسيا . ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن الجنرالات وضباط الجيش كانوا يحكمون معظم دول أمريكا اللاتينية ثم أفريقيا ثم آسيا على الترتيب ولم يكن من قبيل الصدفة أن ظهرت ظاهرة الانقلابات العسكرية في هذه القارات أثناء عملية التبديل والتسليم والتسلم ( بين أمريكا وأوروبا ) . وبالمناسبة فالجيوش هي المفتاح والعمود الفقري الأساسي لكل دول العالم وليس للدول المتخلفة فحسب التي سميت ( العالم الثالث ) فالجيوش هي خط الدفاع الأخير عن كل النظم في الاضطرابات الداخلية ، وهي خط الدفاع الأول عن الأوطان في حالة العدوان الخارجي . ولكن الجيوش لا تكون ظاهرة في الحكم في البلدان الديمقراطية ، ولكنها تكون في الواجهة في البلاد الاستبدادية . والأمريكان يتعاملون مع هذا الواقع ففي كثير من الوثائق الرسمية والكتب شبه الرسمية ، وبعد الخلاف مع عبد الناصر ، كثر الحديث عن البحث عن ضابط آخر !! وتكرر ذلك مع صدام حسين حيث سعى الأمريكان للاتصال بضباط كبار بالجيش العراقي لتدبير انقلاب . وما حدث مع الجيش المصري في عهد كامب ديفيد هو نفسه ما حدث بالضبط مع جيوش أمريكا اللاتينية قبل أن تتحول إلى الديمقراطية الراهنة . فالتسليح أمريكي .. استجلاب كبار وصغار الضباط للكليات الحربية الأمريكية لأخذ شهادات وهم يختارون ( بالنسبة للصغار ) النابهين وفقاً لدرجاتهم في الكلية الوطنية – ثم التدريب والدورات ثم المناورات والتدريبات المشتركة – ثم تخزين السلاح الأمريكي في البلاد التابعة لاستخدامه في المناورات التالية – تأمين قطع الغيار للسلاح – تأمين الذخيرة – يمكن عمل صناعات عسكرية تقوم على تجميع أنواع من الأسلحة الأمريكية ( كمصنع الدبابات في مصر M1A1 ) – تقديم تسهيلات للجيش الأمريكي أو إقامة قواعد صريحة بحرية أو جوية أو برية – التسهيلات تكون قواعد متخفية – إتاحة استخدام المجال الجوي والبحري في أي وقت . وعندما يقوم الجيش المصري بعمله وفقاً لهذه المنظومة يتحول إلى فرع من الجيش الأمريكي ، أي يتحكم الأمريكان في كل مفصلاته ، وبالتالي لا يستطيع التحرك بدون التنسيق والتفاهم التام مع الأمريكان . وبالفعل لم يتحرك الجيش المصري خارج الحدود في عهد كامب ديفيد إلا بطلب من أمريكا . ( 1 ) حرب الكويت . ( 2 ) البوسنة . ( 3 ) الصومال . ( 4 ) تيمور الشرقية . ( 5 ) دارفور . أو على الأقل بموافقتها . وهناك أقاويل الآن عن مشاركة مع حفتر في ليبيا وهذا يأتي في سياق السياسة الأمريكية أيضاً . ولا يمكن للجيش المصري بحالته الراهنة أن يحارب إسرائيل . فمن الناحية الفنية العسكرية فإن السلاح الأمريكي المعطى له أقل كفاءة من السلاح المعطى لإسرائيل . كذلك فإنه لن يتلقى أي ذخيرة أو أي استعواض عن أي خسائر في السلاح . ومن الناحية السياسية : توجد علاقات استراتيجية بين أمريكا وإسرائيل لا تسمح بذلك ، بل ستكون أمريكا مع إسرائيل بينما تحارب أنت بسلاح أمريكي لفترة قصيرة جداً لأنه سينفد . ولن تستطيع أثناء الحرب أن تغير أنماط تسليحك أو تقيم علاقات دولية مختلفة . والعلاقات الإستراتيجية بين البلدين قائمة على أساس سياسي استراتيجي فأمريكا تستهدف الهيمنة على المنطقة وترى أن إسرائيل هي ذراعها العسكري في هذا المخطط . ومن الناحية العقائدية يتحدث الطرفان عن حضارة يهودية – مسيحية وعن تفاهم عقدي حول فلسطين ، حيث يسعى اليهود للتجمع في فلسطين ويؤيد البروتستانت الأمريكان ذلك لانها علامة عودة المسيح ! ( راجع دراسة أمريكا طاغوت العصر ) . نحن أمام عقيدة توراتية – إنجيلية بتفسير معين آمن بها حقاً رؤساء أمريكا مثل ريجان وبوش الصغير والتزم بها الرؤساء الآخرون لأنها تعليمات كنيستهم ( المعمدانية الجنوبية ) . ومثلاً لقد أصيب الرئيس الفرنسي شيراك بالذهول عندما سمع بوش الصغير يحدثه في مكالمة هاتفية عن مواجهة يأجوج ومأجوج في العراق !! إن الذين يتحدثون عن استمالة أمريكا وكسبها وخطفها من إسرائيل ، لا يفهمون في السياسة ، وجهلاء وسذج ولا يقرأون ولا يتابعون شيئاً !! فلابد أن تحدث ثورة داخلية في أمريكا حتى يحدث هذا . لأن اليهود هم الذين يحكمون أمريكا الآن !! بالتعاون مع البروتستانت المتهودين الذين أسسوا أمريكا وأحفادهم الحاليين . تصوروا معي .. أن جيش أكبر دولة عربية .. المجاور لإسرائيل .. وخير أجناد الأرض يعتمد تسليحه على اليهود وحلفائهم من النصارى .. أليس في هذا الوضع استهزاء ( استغفر الله ) بالقرآن الكريم وكل تعاليم الإسلام . كيف يتأتى لإسلامي أن يقول لنا : دعنا نؤجل مسألة كامب ديفيد حتى نفرغ من صراعنا مع الانقلاب ونعود للصندوق . لقد أجلنا هذا الموضوع 30 سنة ولا يمكن أن نلقى الله بهذه الصحيفة السوداء . إذن المعونة العسكرية الأمريكية لمصر تستهدف شيئين لا ثالث لهما .. ( 1 ) تأمين السيطرة على الجيش ومن ثم السيطرة على أهم بلد في المنطقة الأهم في العالم . ( 2 ) تأمين إسرائيل . إذن لقد بعنا شرفنا بالرخيص حققنا لهم هذين الهدفين الكبيرين ب 1.3 مليار دولار ويا ليتنا أخذنا هذه الأموال لنشتري بها السلاح كما نريد ، بل نأخذها في صورة أسلحة أمريكية هم الذين يحددون مستواها وكمها وسعرها ، والسعر مهم لأنه سيترتب عيه كم الأسلحة التي تأخذها لأنك مقيد بمبلغ ثابت . بالنسبة للنقطة الأولى فقد أحكمت أمريكا السيطرة على مصر من جديد بعد سقوط مبارك من خلال المجلس العسكري ، بل لم تنقطع الاتصالات بين الطرفين ولا التنسيق ولا العمل المشترك . وارتضى الإخوان أن يكونوا طرفاً ثالثاً في المعادلة على أمل أن ينفردوا بالسلطة مع الأيام .. وكانت هي السذاجة بعينها ، فالسيناريو التركي لا يصلح للتنفيذ في مصر لأسباب سنشرحها لاحقاً . كما أن تركيا ليست مثالاً يحتذى تماماً ، فهي لا تزال عضواً بالناتو وعلى أرضها قاعدة عسكرية أجنبية وحجم تعاملها مع إسرائيل عسكرياً يصل إلى 5 مليارات دولار ( تصنيع حربي ) وحجم التبادل التجاري بينهما بقيمة مماثلة .. وقد قال وزير الاستثمار الإخواني (يحيى حامد) في حديث للجزيرة أن السفيرة الأمريكية كانت تنصح مرسي بالاستجابة لكل ما يريده العسكريون المصريون . ومع ذلك فإن الإخوان حتى الآن لا يعلنون أن العدو الأول لمصر هو أمريكا . أما تأمين إسرائيل فهو من خلال هذا التسليح المضروب لأكبر جيش عربي بالإضافة لضوابط السيطرة عليه التي أشرنا إليها . ولكن بالإضافة لذلك فهناك نزع سلاح سيناء بحيث تتحول إلى منطقة عازلة عميقة وطويلة تمنع أي مفاجأة عسكرية لمهاجمة إسرائيل ، في حين تملك إسرائيل أن تحتل سيناء في 24 ساعة كما قال الفريق الشاذلي رحمة الله عليه ، لأنها شبه خالية من القوات . ومع ذلك فإن إسرائيل لا تترك أي شئ للصدفة وتسد كل الاحتمالات . لذلك فإن من الشروط غير المعلنة لكامب ديفيد هو تعهد مصر بعدم تعمير سيناء وعدم توطين مواطنين مصريين فيها من الوادي حتى تظل خالية أو خفيفة الكثافة السكانية ( حوالي نصف مليون فيتو أمريكي إسرائيلي على تعمير سيناء: لا يتساءل الناس ولا يسألون أنفسهم عن السبب الحقيقي لعدم تعمير سيناء رغم عودتها لمصر منذ 32 عاماً ! وعقدت مئات الندوات وكتبت آلاف المقالات وبرامج تلفزيونية على مدار هذه العقود الثلاثة . والكل يتساءل لماذا لا نعمر سيناء ؟!! ويقول المسئولون : إن شاء الله قريباً ! في أواخر عهد مبارك كانت المخابرات العامة تظهر بعض شخصياتها للعلن للتعبير عن وجهة نظر الجهاز وكان من بينهم اللواء صلاح الدين سليم رحمة الله عليه .. وفي حديث خاص بيني وبينه سألته مرة عن لغز عدم تعمير سيناء ( وأنا أعرف ولكن أريد أن استوثق ) فقال لي : أن هناك خطة متكاملة وتفصيلية لتعمير سيناء في مختلف المجالات وشاركت فيها كل الوزارات وتستهدف توطين ما بين 3 إلى 5 ملايين مصري في سيناء . وهي مطبوعة في مجلد وكأنها دليل تليفونات ، فقلت له : عظيم لماذا لا تنفذ ؟ قال : هناك فيتو أمريكي يعطل المشروع . قلت له : تقصد فيتو إسرائيلي - أمريكي ! لا أتذكر بماذا رد ربما غمغم علامة الموافقة . الأمر كان واضحاً فمسألة تعمير الصحراء مطروحة ، ووصل النظام إلى توشكى وهي مكان غير مناسب للتوطين ، كما أن توطين المصريين في سيناء هو حماية لها من الاحتلال فلا تستطيع إسرائيل أن تحتلها وبها 3 أو 4 أو 5 ملايين لينضموا إلى عدد مماثل من الفلسطينيين ويصبح اليهود قلة صغيرة فالعرب تجاوزوا 51 % من سكان فلسطين منذ سنوات منذ سنوات وعرب 1948 20 %من المتوقع أن يصلوا وحدهم بدون الضفة وغزة إلى 33 % من سكان إسرائيل عام 2020 . وإذا تواجدت منظمة مسلحة كفدائيي سيناء الذين دربتهم الصاعقة في حرب الاستنزاف وأرهقوا العدو الصهيوني ، فإن إسرائيل لن تفكر في الإحتلال ، خاصة إذا أخذنا خبرات المقاومة اللبنانية والفلسطينية . المهم قبل أن نستطرد لنؤكد أن أمريكا وإسرائيل يحكمان مصر ويتحكمان في القرارات الإستراتيجية تذكروا أن إسرائيل كانت وراء وقف مشروع جسر يربط مصر بالسعودية وقد كان مهماً جداً لإزدهار العلاقات بين البلدين وربط المشرق العربي بالمغرب العربي مما يزيد من أهمية مصر الإستراتيجية . فلا يقولن أحد دعكم من موضوع أمريكا وإسرائيل ، إن إسرائيل تمنعنا من تعمير سيناء وهي بمساحة 60ألفا و865 كيلو مترا مربعا وهي أكبرمن مساحة فلسطين عدة مرات !! . تمنعنا من استغلال ثرواتها المعدنية وكنوزها التي لا أول لها ولا آخر ، وتمنعنا من تسكين المصريين فيها ، وهي كلها أمور سيادية وتدخل في صميم أي مشروع للتنمية ولكن العلمانيين والإسلاميين والعسكر يقولون : لا داعي لفتح ملف أمريكا وإسرائيل !! وأذكر أنني قلت للرئيس مرسي في إجتماع مخصص لأحوال سيناء ، قلت له معترضاً : كيف تخصص 2 مليار فقط في الميزانية لسيناء ، هذا مبلغ زهيد ، وبالفعل فهذا المبلغ كان مخصصاً لمشروعات متناثرة للبنية التحتية . ونحن لا نحاسب مرسي على إنجازات مادية في فترة حكمه القصيرة ولكن نحاسبه على الرؤية والتصور . أما مشروع القناة فليس هو تعمير سيناء لا مشروع مرسي ولا مشروع السيسي وسنأتي لذلك . ما يهمنا في هذا السياق أن نقدم مثلاً فاقعاً وكبيراً عن أن أمريكا وإسرائيل يحكمان مصر منذ 3 عقود بمعنى أن القرارات الإستراتيجية الكبرى تحتاج لموافقتهما ، كموضوع تعمير سيناء . إذن تأمين إسرائيل له شقان .. شق عسكري صريح في نزع سلاح سيناء ، ثم في جعلها مفرغة من السكان قدر الإمكان ، الشق العسكري منصوص عليه في المعاهدة ، أما عدم تعمير سيناء فلا شك أنه في بنود سرية مكتوبة ومن الصعب أن يكون اتفاقاً شفوياً . ومن قصص ألف ليلة وليلة بل وأشد غرابة منها أن أمريكا أفرجت عن وثيقة تؤكد وجود 10 آلاف بند سري بين مصر وإسرائيل ، فمن ضمن مكر اليهود أنهم طلبوا عقد اتفاقية موازية غير معلنة تتضمن كل الاحتياطيات الضرورية لضمان عدم حدوث حرب بين مصر وإسرائيل ، وقد تفاوض حولها الجمسي مع وايزمان لعدة شهور ، ولكن الجمسي الوطني ولكن الموظف لم يستطع أن يوقع عليها واعتذر في النهاية ، ووقع عليها السادات : اتفاقية من 10 آلاف نقطة لم تعرض على الشعب المصري . وبالتأكيد فإن عدم تعمير سيناء من بينها . لذلك لقد كانت مسخرة أنه طوال 32 سنة لم يتم بناء إلا مصنعين أسمنت في سيناء ، واحد لحسن راتب رجل الأعمال الملتصق بالأمن ، والثاني للقوات المسلحة ، ويصدر أسمنت مصنع حسن راتب لإسرائيل ويستخدم في بناء المستوطنات بالقدس والضفة ، ويقال أن المصنع الثاني يسير على نفس الدرب ! أما المشروعات الجديدة الأخرى فهي تكاد تنحصر في المنشآت السياحية في جنوبسيناء ( من طابا إلى شرم الشيخ ) وذلك للسياحة الإسرائيلية أو تحت السيطرة الإسرائيلية من خلال الأفواج التي تجمع بين زيارة إسرائيل وسيناء . ومن حق الإسرائيلي ( وهذا اتفاق مكتوب ) أن يدخل سيناء بدون تأشيرة مسبقة لمدة أسبوعين . كذلك فإن إسرائيل لا تخشى من الأفواج السياحية الأوروبية أو الآسيوية التي تأتي لسيناء ، فهذا النوع من النشاط لا يؤدي إلى توطين عدد كبير من المصريين من خارج سيناء ، إذن فيما عدا شرم الشيخ وما حولها من فنادق ومنتجعات فإن سيناء خاوية على عروشها كما كانت منذ عشرات السنين .. ترعة السلام التي كانت تستهدف توصيل مياه النيل لإسرائيل لم يستفد بها لأن الحركة الوطنية تمكنت من إحباط هذا المخطط . في حين أن المياه لأنها كانت متجهة لإسرائيل من طريق الساحل فقد وصلت إلى منطقة غير صالحة للزراعة ( سهل الطينة ) بسبب شدة الملوحة ،وكان من المفترض أن تتوجه إلى وسط سيناء حيث الأراضي الصالحة للزراعة إذا كانت النية هي تعمير سيناء ، ولم تكن هي النية !! وكل هذه السياسات اللاوطنية ، التي كانت موجهة لخدمة إسرائيل ، أدت إلى زيادة مشكلات أهالي سيناء لأنها حدت من أي إمكانية لتوافر فرص العمل للأجيال الشابة ، وكانت من أهم أسباب تنشيط التهريب بكل أنواعه لأنه يمثل فرص العمل المتاحة !! كما عمقت أزمة الثقة بين أهل سيناء والحكومة ، وزاد الطين بلة عمليات القبض والتعذيب وانتهاك الأعراض والقتل العشوائي في عهد مبارك التي عمقت الهوة وأصبح هناك نوع من الثأر بين قطاعات من أهل سيناء والشرطة ثم أصبح مع الجيش . وحتى بالنسبة للمجموعات الإرهابية فلابد من التعامل السياسي معها وليس اعتماد الأسلوب الأمني وحده ، خاصة إذا كانت في البداية متوجهة بعملياتها ضد إسرائيل وليس ضد الجيش المصري كما أعلن بعضها مراراً وتكراراً. ومن ضمن السياسات التي تعمق الهوة بين أهل سيناء والنظام منذ أيام مبارك وحتى الآن مسألة منع السيناوية من تملك الأراضي ، بحجة أنهم قد يبيعونها لإسرائيليين ، وهذا طعن مباشر في وطنيتهم ولا يفيد أمنياً في واقع الأمر . فمن يريد أن يتعاون مع إسرائيل سيتعاون في كل الأحوال . والإنسان أخطر وأهم من الأرض !! وقد شعرت في زيارتي الأخيرة لسيناء وكتبت ذلك أن كل السياسات المتبعة من قبل النظام وأجهزته الأمنية تخدم إسرائيل ومخططاتها تجاه سيناء ، ليس بترك سيناء مفرغة من الكثافة السكانية بل وأيضاً معزولة عن مصر ، فأصبح الدخول والخروج من سيناء أصعب من الحدود بين الدول . مما يجعل المصري يعزف عن زيارة سيناء أو شراء شالية أو شقة للمصيف وهذا حدث بشكل كامل في العريش حيث هبطت أسعار العقارات إلى أدنى مستوى وأصبحت شاليهات المصيف خاوية ، وكل ذلك حدث قبل الأحداث الأخيرة ، حدث في عهد مرسي ، ومرسي لم تكن له أي سيطرة على سيناء . ولكنه لم يدرك أن هذه أحد أفخاخ كامب ديفيد التي وافق عليها الإخوان . في هذه الزيارة الأخيرة وكانت في عام 2013 شكا لي قادة سيناء الشعبيون من تجاهل مشروعات كثيرة لتعمير سيناء كزراعة أنواع من الأشجار لا تحتاج لكثير من المياه ، بل هي تصل إلى المياه الجوفية بنفسها وهي شبيهة بالنخيل ، وتصلح لتكون مصدراً للوقود الحيوي . وقالوا لي أن القرارات في يد الأجهزة الأمنية وهي تستمع ولا تسهل تنفيذ هذه المشروعات . وبطبيعة الحال هم ملتزمون بهذا الاتفاق السري : عدم تعمير سيناء . ولكن لماذ تريد إسرائيل سيناء شبه خالية من السكان ؟! ليس من أجل ما ذكرناه من قبل حول صعوبة إحتلال منطقة كثيفة السكان واحتمالات المقاومة الشعبية . ليس من أجل هذا فحسب رغم أهميته ، ولكن أيضاً لتوفير عمق استراتيجي للكيان الصهيوني . فنظرية الأمن الإسرائيلية قائمة على تجنب حدوث حرب على أرض الكيان بل لابد من نقل الحرب فوراً خارج الحدود وحسمها خارج الحدود أيضاً . وقد ظهر هذا في حرب أكتوبر 1973 حيث حاربت إسرائيل في الجولان السورية وسيناء المصرية . فالكيان الصهيوني صغير جداً لا يوجد فيه عمق يمكن الارتداد إليه ، كما يوجد الصعيد في مصر إذا احتلت الدلتا مثلاً . بل يتركز اليهود في مثلث القدس - حيفا - تل أبيب وهو جزء صغير من فلسطين نفسها أما أطراف إسرائيل فهي من العرب ( الجليل شمالاً - النقب جنوباً - الضفة شرقاً ) فإسرائيل صنعت من سيناء عمقاً أمامياً ، والأصل أن العمق يكون في الخلف ، ولكن لا يوجد عند إسرائيل سوى البحر!! ولذلك فإن سيناء الخالية من القوات المصرية ( توجد قوات رمزية حوالي 3 ألوية في المنطقة أ الملاصقة لقناة السويس وهي بعيدة عن الحدود ) تسمح بالإنذار المبكر ولا يمكن مفاجأة إسرائيل بالحرب ، بل تحول الإنذار المبكر إلى مسألة مادية من خلال أجهزة القوات الدولية الأمريكية على الحدود . إذن إسرائيل أصبح لديها 180 كيلو متر على الأقل من قناة السويس حتى حدود فلسطين منطقة حرام Bufferzone تمنع أي هجوم مصري مفاجئ. في حين أن إسرائيل يمكن أن تدخل سيناء في دقائق !! إذن من أجل راحة إسرائيل وإحساسها بالأمان لتذهب مصالح مصر وسيادتها إلى الجحيم ، ولتبقى صحراء سيناء جرداء ، رغم أن اليهود هم الذين شنوا كل الحروب ولم نبادر نحن إليها : حرب 1948 ، حرب 1956 ، حرب 1967 ، أما حرب أكتوبر 1973 فكانت لتحرير الأرض المصرية المحتلة . وصل الأمر أن إسرائيل تتحكم في تنقل المصريين داخل وطنهم وهو الأمر الذي يكفله الدستور المصري في كل طبعاته ، ولكن كما قلنا في العنوان فإن كامب ديفيد فوق الدستور ، كما هي فوق القرآن والسنة . من أجل كل ما سبق .. وما سوف نكشفه في موضوعات متفرقة قادمة إن شاء الله.. نطالب بإسقاط .. بإلغاء .. معاهدةكامب ديفيد .