المعونة الملعونة، معونة أمريكا الملغومة، باتت إحدى الذرائع للتدخل فى الشأن المصرى، برغم أنها لم تكن فى يوم من الأيام تهدف إلى سد رمق الاقتصاد المصرى أو لمساعدته على تلمس طريقه نحو الانطلاق لتحقيق الرخاء الاقتصادى للمواطنين بل على العكس كانت إحدى أدوات أمريكا لتفريغ الاقتصاد من روافده المالية والتنموية. وبرغم أن الأرقام لا تكذب، فإن أمريكا تجمل أرقامها وتضخمها حتى استطاعت معونتها التى تشبه شفرة الحلاقة، قلت الفيل الاقتصادى المصرى، وربما استمرأ المصريون لأسباب متعددة مشاغبات شفرة الحلاقة على جلد الفيل السميك. 39 مليار دولار مجموع ما قدمته أمريكا إلى الاقتصاد المصرى على مدار ثلاثة عقود متتالية، ثلث هذا المبلغ ذهب إلى وسائل النقل الأمريكية وفقاً للاتفاقية و 10 ٪ من المبلغ نفسه تضخ فى جيوب الأمريكان موظفى برنامج المعونة وباقى مبلغ المعونة يوظف فى أمور هى أبعد ما تكون عن مساعدة الاقتصاد المصرى على تحقيق أهداف تنموية شاملة للمصريين. ومبلغ المعونة مقسم إلى جزءين 1.3 مليار دولار للأسلحة والمعدات العسكرية و850 مليون دولار معونة اقتصادية بدأت فى التآكل حتى وصلت إلى نحو 250 مليون دولار حالياً، منها 50 مليون دولار للمنظمات الأمريكية التى تدعم عدم الاستقرار فى مصر تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وذلك بهدف زعزعة الوضع السياسى لدولة ضاربة فى جذور التاريخ قبل أن تخلق حضارة الدم الأمريكية بنحو 7 آلاف سنة، وربما كان عمر كوبرى أبوالعلا فوق نهر النيل أقدم وأطول من عمر أمريكا. وقد يسأل سائل: هل كل هذا المبلغ الذى دفعته أمريكا لم يسهم فى إقامة شىء جيد فى مصر؟ الإجابة ببساطة تكمن فى هذه الحكاية البسيطة الكاشفة ذات الدلالات العميقة وطلبت الدولة المصرية من برنامج المعونة الأمريكية أن يتم تخصيص مبلغ من المعونة للمساهمة فى البحوث المتعلقة ببرنامج مكافحة البلهارسيا، لكن البرنامج رفض وأكد أن أموال المعونة مخصصة لبرامج تنظيم الأسرة وأن البلهارسيا يكفيها إعلان الممثل عبدالسلام محمد «إدى ظهرك للترعة». وسؤال آخر إذا كانت العلاقات بين مصر وأمريكا بهذا الدفء ومصر تحصل على أموال دافعى الضرائب الأمريكان فما هو المقابل التى ستقدمه مصر لهؤلاء؟ أم أن الموضوع هو حسنة تقدمها أمريكا لمصر الجالسة على قارعة الطريق تستجدى دول العالم؟ الإجابة باختصار وبلغة الأرقام أن كل دولار دفعته أمريكا حصلت مقابله على نحو 60 دولاراً من المصريين ويكفى أن نعلم أن مصر استوردت ما قيمته 101 مليار دولار من البضائع الأمريكية، إضافة إلى دعم مصر للفلاح الأمريكى الذى يزرع القمح مقابل عدم دعم الفلاح المصرى برغم خطورة ذلك على الأمن القومى، ألا تتفق معى بأن المصريين كانوا كرماء حد العبط مع الفلاح الأمريكى!! وماذا عن المعونة العسكرية التى لم تتقلص حتى الآن منذ بداية توقيع اتفاقية كامب ديفيد؟ فالواقع يؤكد أن أمريكا لم تدعم الجيش المصرى عسكرياً بل حاولت على إخضاعه للهيمنة الأمريكية بغية ضمان أمن إسرائيل لأن إستراتيجية أمريكا كانت ومازالت تسعى إلى تفوق إسرائيل عسكرياً على حساب مصر والعرب. معنى ذلك أن أمريكا لم تدعم مصر فى يوم من الأيام، وبرغم ذلك تهدد بقطع معونتها لأن قط أمريكا دائماً جمل وبطولاتها كنمر من ورق وانتصاراتها العسكرية أوهام وسلاحها لم ينتصر قط فى معركة وأكتوبر 73 أكبر دليل على ذلك، وانحيازها لحقوق الإنسان حق يراد به باطل، يراد به استغلال ثروات الشعوب والاستيلاء على مقدراتهم الاقتصادية. وبعد كل ما سبق أتصور أنه آن الأوان لأن تتوقف مصر عن دعم أمريكا اقتصادياً بغلق السوبر ماركت المصرى أمام بضائعها وأن توقف مصر الجديدة معونة إسرائيل عسكرياً برفض المعونة الأمريكية، لأن أمن مصر القومى أغلى وأعز من أية شعارات أمريكية إسرائيلية لا سيما وأن الحرب بيننا وبينهم آتية لا محالة.