عرفت مِصر المعونة الأمريكية فى أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت جيمى كارتر تقديم معونة اقتصادية، وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر والكِيان الصهيوني، تحولت منذ عام 1982 إلى مِنَح لا ترَد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية، وظلت المعونة الاقتصادية تتناقص تدريجيًّا حتى بلغت 250 مليون دولار فى العام الماضى 2011م. وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالى ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، سواء من الاتحاد الأوروبى واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالى الدخل القومى المصرى وفق وزارة التعاون الدولى. والواقع يكشف أن المعونة الأمريكية لمصر ما هى - فى حقيقتها - إلا معونة للولايات المتحدة، وليست لمصر؛ حيث يتم توجيهها وفقًا للسياسات الأمريكية لا المصرية؛ لذا لا يستفيد الاقتصاد المصرى، سوى بنحو 20% منها، و80% منها يعود للاقتصاد الأمريكى مرة أخرى. فهذه المعونة تشترط أن توجَّه أموالها لشراء آلات أو معدات أو سلع أمريكية يتم شحنها على سفن أمريكية، وتعتمد على خبراء أمريكان يصل عددهم نحو 26 ألف خبير برواتب مرتفعة، فضلاً عن ارتفاع أسعار تلك السلع والمعدات بنحو 50% عن السعر العالمى، وارتفاع تكاليف النقل البحرى بنحو 35% عن الأسعار العالمية، وما تتكلفه دراسات الجدوى للمشروعات المعدة بمعرفة مكاتب أمريكية من ملايين الدولارات. كما أن المعونة الأمريكية توجَّه فى أولوياتها إلى أنشطة ليس لها أولوية للمواطن المصرى، اللهم سِوى خدمة الإدارة الأمريكية، وهو ما ظهر جليًّا فى برامج تنظيم الأسرة، وما يسمى ببرنامج تطوير التعليم فى مصر، وبرنامج خصخصة التأمين الصحى. وهو ما يفرّغ المعونة على أرض الواقع من اسمها ومضمونها، ويجعل منها هباءً منثورًا ، فلسان حال أمريكا حين تمنحها يقول : بضاعتنا رُدت إلينا. ورغم ذلك مازلنا نجد المنتفعين والمهرولين، الذين لا يريدون لمصر استقرارًا ولا استقلالاً، يدافعون عن المعونة، ويشيعون أنه لا يمكن الاستغناء عنها؛ حتى لا نجوع ولا نعرى، وحتى لا يتمعَّر وجه السيد الأمريكى ويأخذ على خاطره منا! .. إن هؤلاء الذين يروجون لثقافة الجوع والخوف من أمريكا ليتهم تدبروا قوله تعالى : "فليعبدوا ربَّ هذا البيتِ الذى أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ" [قريش: 3-4]، "وإن خفتم عَيلةً فسوف يغنيكم اللهُ من فضلِه" [التوبة: 28].. وليتهم تفهَّموا أن المعونة الأمريكية لمصر لم تأتِ بخير، وأنها تصب فى صالح الولاياتالمتحدة، وأنها لو كانت وفقًا للمصالح المتبادلة وتساوى الرؤوس فلا حرج معها، وهذا بخلاف واقعها. إنه ليس بالمعونة تعيش الشعوب، بل بالمعونة تُنتهك سيادة الدول، وتعيش شعوبها عالة على غيرها .. ونحن لسنا من دعاة استعداء الغير علينا ، ولكن من حقنا أن نعتز بأنفسنا وكرامتنا، وألا نخضع لأى ابتزاز لنا. ولنعتمدْ على سواعدنا وخيرات بلادنا فى تنمية اقتصادنا. وإرجاع أموال مصر المنهوبة بفعل سِفَاح السلطة والثروة.. فمصر لا ينقصها موارد طبيعية أو رأس مال عينى أو بشرى، بل ينقصها القدوة ونظافة اليد، وحُسن استخدام الموارد، وعدالة التوزيع .. ولعل الدارس البصير لتجرِبة دول جنوب شرق آسيا وخاصة ماليزيا، يجد أنها اعتمدت فى نموها على مواردها. فرغم أن ماليزيا دولة ذات شعب متعدد الأعراق والأديان واللغات والمعتقدات قياسًا بمصر، إلا أنها بسواعد وأخلاق أبنائها أصبحت فى عداد الدول المتقدمة اقتصاديا.