توقفت عدة صحف جزائرية عن النشر بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 17 إبريل الماضى، ومن بينها يومية "الجزائر نيوز" بطبعتَيها العربية والفرنسية؛ بسبب عجزها عن سداد ديونها للمطبعة. وقال وزير الإعلام الجزائرى، حميد قرين: "إن توقف الصحف يعود لأسباب تجارية محضة"، بينما نفى المدير العام ليومية "الجزائر نيوز"، أحميدة عياشى هذا الأمر، وقال للجزيرة نت: "إن التوقيف جاء لأسباب سياسية؛ وذلك بسبب موقف الجريدة المستقل من تغطية الانتخابات الرئاسية، فقد انتقدت الجريدة خيار العهدة الرابعة وأعطت مساحات لكل الأطراف المتنافسة". أوامر عليا : وأوضح "عياشى" أن مراحل التوقيف التى وصفها "بالغامضة"، والتى بدأت يوم 16 إبريل الماضى بوقف الإعلانات من "الوكالة الوطنية للنشر والإشهار" الحكومية، ووقف إعلانات شركة الهاتف النقال الخاصة جراء الضغط عليها، ثم افتعال مشكلة تجارية تتعلق بديون الجريدة للمطبعة، وقد تمت تسوية الديون، ولكن الجريدة لم تطبع. وقال "عياشى": "إن المدير العام للمطبعة أخبره "بأنه ينتظر أوامر عليا"؛ فحوّل يوميته إلى جريدة أسبوعية، وطبع العدد الأول والوحيد منها فى مطبعة خاصة، فأقيل مديرها، وبعدها توقفت الجريدة نهائيا فى مايو الماضى دون كتاب رسمى يحدد الجهة المسئولة عن التوقيف، فوجّه "عياشى" رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، ووزير الإعلام عبر العدد اليتيم من أسبوعية "الجزائر نيوز"، ولكن دون جدوى. وأشار أحميدة عياشى، صاحب إصدارات روائية وفكرية، أن "الإعلانات، والمطابع، والتوزيع؛ فضلا عن هيمنة السلطة على الجو العام، تقلص من حرية التعبير، وتدخل متطفلون على الصحافة من المال الفاسد، الأمر الذى يضع عراقيل أمام حرية الإعلام فى الجزائر". نقابة الصحفيين : وبتوقف الجريدة توقف قرابة 150 صحفيا وموظفا عن العمل، وهو ما انتقده رئيس نقابة الصحفيين الجزائريين كمال عمارنى، الذى اعتبر أن "قطع أرزاق 150 عائلة غير مقبول؛ فضلا عن خسارة منبر إعلامى مستقل." وأضاف عمارنى للجزيرة نت "تابعنا قضية الجزائر نيوز منذ توقف الإعلانات عنها التى تعدّ الممول الرئيسى للصحف، لكن الإعلانات الرسمية توزع حسب الخط الافتتاحى للجريدة، فصحف، ك: الوطن، والخبر، ولوسوار دالجيرى (مساء الجزائر)، محرومة من الإعلانات الرسمية منذ 16 عاما؛ لأنها لا تساند السلطة، فلا توجد معايير شفافة فى توزيع الإعلان الرسمى الذى تتحكم فيه جهات خفية." من جانبها تقول "حدة حزام"، المديرة العامة لجريدة "الفجر" المستقلة التى توقفت سابقا لأسباب تجارية: "إن حقيقة توقف جريدة الفجر كان سياسيا؛ لأنها انتقدت العهدة الرابعة، وتحدثت عن مرض الرئيس." سيف مسلط : وأضافت "حدة" للجزيرة نت، أن "السلطة تجعل من المطابع والإعلان سيفا مسلطا على الصحف التى تغرد خارج السرب، بينما هناك صحف لا تباع فى الأكشاك، وتحصل على حصة كبيرة من الإعلانات، وديونها أضعاف ديون الفجر أو الجزائر نيوز، ولا تطالبها المطابع بتلك الديون. من جهته قال مدير مطبعة الوسط، القادر مشاط فى تصريحات صحفية: "ليس طبيعيا أن تموّل صحف قنوات تلفزيونية، ولا تستطيع تسديد ديونها للمطبعة." يذكر أن قيمة الإعلانات الرسمية تعادل 173 مليون دولار، حسب وزير الإعلام السابق عبد العزيز رحابى الذى قال للجزيرة نت: "إن هذا المال كاف للتضييق على الصحافة المارقة فى غياب الشفافية والمعايير فى توزيع الإعلانات". حرية كاملة : وأضاف "رحابى": "إن السلطة تستعمل الإعلانات، والمطابع، والتوزيع، ومنح التراخيص، والاعتماد، كآليات ضغط للخارجين عن طوعها"؛ معتقدا أن تضييق السلطة على الصحافة حاليا يتعلق بترتيبات الفترة المقبلة، وهذا اعتراف بتأثيرها على الرأى العام. أما المحامى فاروق قسنطينى، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها -وهى هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية- فقال للجزيرة نت: "إن توقف الصحف غير مقبول ما لم تكن له أسباب منطقية تبرره، فالصحف حرة ولا يجوز توقيفها فى ظل الديمقراطية، ومن حق الصحفى العمل بحرية كاملة، باستثناء السب والقذف."