فى حوار دار بينى وصديقى (نور) الإماراتى عن القمة القادمة لأصحاب الفخامة والسعادة والسمو، سألت الصديق: ما انطباعك عن القمم العربية.. فاجأنى الصديق بقوله "القمم العربية تذكرنى بنكته قديمة تقول .. الفراغ هو أن تضع شريطا فارغا على جهاز التسجيل وتجلس لتستمع إليه.. والسخف هو أن تقلب الشريط لتستمع إلى الوجه الثانى.. أما الحماقة .. فهى أن ترجع إلى بعض المناطق فى الشريط لتعيد الاستماع إليها لأنها أعجبتك".. وكم كانت دهشتى حينما قارنت بين القمم العربية وهذه النكتة.. وكم إزدادت دهشتى حينما وجدت بعض الكتابات تدل على أن البعض يطالب بالتركيز على بعض المناطق فى الشريط الفارغ لقمم أصحاب الضخامة العرب!! فالعرب .. أعنى من يجلسون على مقاعد الحكم فى بلاد العرب.. لا يملكون رؤية سواء منفردة أو جماعية لمشاكل وطننا العربى، وهم مختلفون رغم ذلك على الارتهان بإرادة ورؤية هذا الطرف أو ذاك من أعداء أمتنا فى معالجة قضايانا، والمشاكل الأهم من وجهة نظرهم هى مشاكل العلاقات التجارية بين أبنائهم، وسادتنا لا يعرفون من أدوات التنسيق سوى الأمنية منها.. فنحن وطن واحد فقط حينما يتعلق الأمر بأمن نظم الحكم. يتفقون فقط على الصياغات التى تميع القضايا ولا تشمل إية آليات للتنفيذ.. مثلا على دعم الرئيس السودانى والعمل على تأجيل حكم الضبط والإحضار الصادر من عدالة المجتمع الدولى التى لا ترى ولا تسمع كل ما يقوم به الأمريكان والصهاينة فى أربعة أركان الأرض من جرائم وبشاعات.. يتفقون على صياغات فى المسألة الفلسطينية تؤكد على السلام مع العدو الصهيونى الذى يضرب كل يوم فى جزء من جسد الأمة، بل ويؤكدون على هذا المدعو (سلاما) كخيار وحيد، متعامين عن كل ما يتهدد شعوبنا وكل ما يعلنه الأعداء من خطط عدوانية قيد التنفيذ، أو تنفذ فعلا على الأرض فى فلسطين وخاصة القدس، وفى السودان ومصر ولبنان وسوريا والعراق والأردن. كل القمم العربية على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تكن سوى شريط كاسيت فارغ، وهذا هو أفضل ما يشرح حال النظام الرسمى العربى.. الفراغ.. وقد أمعن هذا النظام فى السخف فقلب الشريط عشرات المرات على وجهيه الفارغين وأعاد على أسماعنا فراغه المرة تلو المرة.. لم يعد لدى شعوبنا سوى التمسك بالخيار الاستراتيجى الوحيد الممكن، والذى أثبت قدرة عالية على دحر مخططات أعداء أمتنا.. المقاومة المعتمدة على قوة الشعوب.. وهى الظاهرة التى يجتمع أصحاب الفخامة الآن لتطويعها وتليين عريكتها، بعد أن فشلت هجمات أعداء الأمة فى كسر إرادتها فى لبنان والعراق وفلسطين والصومال والسودان، وليبقى عجزهم هو الطرح الوحيد القائم أمام شعوبنا، التى تتعرض لهجوم شامل على العقيدة والبنية الإجتماعية والاقتصادية والقيمية، بتعاون كامل من النظام الرسمى وأجهزته المحلية. لقد أمعن النظام الرسمى العربى فى الخواء والسخف، ويبدو أنه رغم الظروف الدولية المواتية لتضخيم أدوار القوى الإقليمية على الساحة الدولية، بعد لإنكسار الهجمة الصهيونية الأمريكية فى العراق ولبنان وأفغانستان، وبعد تغير الموازين الإقتصادية الدولية، وبعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى بدأت ومازالت تتصاعد فى الاقتصاد الرأسمالى عموما، وفى الغرب الصناعى المتقدم بشكل خاص.. رغم كل هذه التغيرات التى وعتها قوى إقليمية كالهند وتركيا وإيران، فبدأت التحرك لتعظيم دورها وتحسين شروط التعامل مع الغرب الاستعمارى.. نقول أنه رغم كل هذا فإن النظام الرسمى العربى ما يزال مصرا على تشغيل نفس الشريط الفارغ على وجهيه.. مؤكدا عجزه وخوائه التام، واستمراره فى طريق الإفلاس والسخف. ولكن.. الحماقة كل الحماقة أن ننتظر نحن الشعوب سماع نغمة جديدة حين يعاد علينا الشريط ذاته، أو أن نعتقد أن أى جزء من الشريط الفارغ للنظام العربى الرسمى المتحلل سوف يحمل صوتا يطرب أذاننا.. ويصل الحمق إلى حد العته، حينما يصدر من كاتب أو مراقب أو محلل سياسى مايزال يعتقد، أو مايزال يريد للناس أن يعتقدون، أن صوتا ما سيصدر إذا ما أدرنا الشريط للمرة الألف وواحد.