كتب الشاعر والناشط السياسى عبد الرحمن يوسف، فى منتصف التسعينات من القرن الماضى اتخذت أمريكا قرارًا بتولية "أو عدم الممانعة فى تولية" أبناء الرؤساء العرب مقاليد الحكم فى بلدانهم. بدأ تنفيذ القرارفى عام 2000 بتولية بشار نجل الرئيس السورى حافظ الأسد، وبعد ذلك كانت مصر فى انتظار تولية جمال نجل رئيس مصر "فى ذلك الوقت" محمد حسنى مبارك. وجهة نظر الأمريكان أن الأبناء سيكونون امتدادا لآبائهم، وسيستمر بهم عهد جديد من رعاية المصالح الأمريكية، ومن التعاون المخابراتى الفعال، ولن يجدوا أفضل من أبناء الرؤساء لكى يقدموا لهم فروض الولاء والطاعة والإذعان الكامل. لو تولى السيد جمال مبارك خلفًا لأبيه لتولى غالبية أبناء الرؤساء العرب (وغير العرب من دول العالم الثالث) السلطة بعد آباءهم، فاليمن والجزائر وتونس كلها أنظمة كانت لها ترتيبات لتوريث السلطة إلى أحد أقرباء الرئيس. التجربة المصرية فاجاءت الجميع، فاندلعت ثورة يناير، وبدلا من تولى جمال مبارك خلفًا لأبيه، سقط مبارك الأب نفسه، وبدا المشهد مربكًا للجميع، للدولة المصرية العميقة، ولكل الأنظمة الإقليمية التى يهمها الشأن المصرى، وللأمريكان وسائر دول العالم. التجربة الأمريكية فى السيطرة على الأنظمة (الحليفة) واضحة، و(الكتالوج) الأمريكى يتعامل مع جميع الحالات، وهم يطبقونه بحذافيره فى دول العالم كلها. الأمريكان يحبون الديمقراطية، ولكنهم يحبونها لأنفسهم فقط، أما مع حلفائهم فستجدهم يفضلون الحكام الخونة، يصنعونهم على أيديهم، إنهم حكام (هاند ميد)، يفعلون ما يريده السيد الأمريكى دون ضغط، يعرفون الخطوط الحمراء جيدًا، ولا يمكن لأى واحد فيهم أن يتصور نفسه وقد داس على خط أحمر رسمته أمريكا، فضلا عن أن يعبره، ناهيك عن أن يتجاوزه ! خلاصة تجربة الأمريكان أن أفضل الأنظمة التى تخون شعوبها وتحقق المطالب الأمريكية هى الأنظمة العسكرية، يليها الأنظمة الملكية. لقد خلق الأمريكان أنظمة عسكرية لكى تحفظ مصالحهم فى عشرات الدول، فى أمريكا اللاتينية، وفى إفريقيا، وفى آسيا، وفى الدول العربية بالطبع. الوصفة معروفة، محفوظة، مكررة، هات جنرالا، ويَسِّرْ له الانقلاب على من هو فى السلطة، واعترف به مقابل أن يخدمك. إذا قامت ثورة، رحب بها، وبدأ بتفريق الثوار، وفى الوقت نفسه تحالف مع جنرالات الجيش سرًا، وخلق القيادة المناسبة لعمل انقلاب عسكرى، دعم الانقلاب، بوضع قائده فى سدة الرئاسة بانتخابات، ثم خذ منه ما تريد، وإذا فشل كن مستعدًا، ودبر انقلابًا آخر على قائد الانقلاب، وهكذا. هكذا يفكر الأمريكان ! ما الذى يحاك للمنطقة الآن؟ يقولون لك (أحسن من سوريا والعراق وليبيا)، والحقيقة أن ما يحاك لكل هذه الدول سيناريو واحد، وخلاصته، أن تخضع سائر هذه الدول لأنظمة عسكرية لكى يتحقق عهد جديد من الاستبداد. بانقلابات عسكرية؟ لا مانع، بحروب أهلية؟ لا مانع، بتدخل عسكرى مباشر؟ لا مانع ... المهم أن يتم خلق أنظمة عميلة لأمريكا، تؤمن إسرائيل، وتقمع الشعوب. (الأمريكان وأذنابهم من العسكر وأتباعهم) يحلمون بعهد طويل من الاستبداد يخيم على سائر الدول العربية، عهد يحقق لهم أمن إسرائيل، والقضاء على سائر المعارضين لمشاريع الحلف الصهيوأمريكى، وتحجيم قدرات التيار الإسلامى، وتقليم أظافر أى طامح فى صياغة مشروع وطنى استقلالى. داعش؟ ليست أكثر من صنيعة مخابراتية، هدفهم أن تصبح بعبعًا كبيرًا، يتم به تخويف الشعوب، ومن الممكن أن يستغل بعد ذلك فى إشعال حروب مباشرة، أو حروب بالوكالة. هل يعلم المنضمون لداعش ذلك؟ لا يهم ! وهل علم الذين فجروا برجى التجارة فى نيويورك فى أحداث 11/سبمتبر أنهم قد وقعوا (وأوقعونا) فى فخ مخابراتى لعين؟ لقد أثبت العلم استحالة انهيار البرجين بارتطام الطائرتين فيه، وأن عملية سقوط البرجين كانت عملية منظمة تمامًا، وأن المتفجرات قد زرعت فى قلب المبنى ليسقط بهذه الطريقة الدراماتيكية، لكى تتمكن الإدارة الأمريكية الموتورة من شن ما تشاء من الحروب فى أفغانستان والعراق وغيرها ! داعش عمل مخابراتى منظم، مخترق من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، يستغل فيه نوايا كثير من الطيبين، وعواطف كثير من المتدينين، ولكنها فى النهاية قطعة صغيرة على رقعة شطرنج كبيرة، والهدف من خلق داعش هو سيطرة الاستعمار على دول المنطقة. ما يحاك للمنطقة الآن لن ينجح ! إنهم يخططون فى مكاتبهم، ولكنهم دائمًا يفاجؤون بما يحدث على الأرض، فتراهم قد خططوا لتولية أبناء الرؤساء، ثم تقوم ثورات تخلع الرؤساء، ويخططون لتأمين إسرائيل باتفاقيات تكبل الجيوش، فترى الأمة قد اخترعت وسائل مقاومة فذة تتجاوز خططهم، تراهم يمولون انقلابات عسكرية فى دول شتى، ثم تدور الأيام وتسقط هذه الانقلابات سقوطًا مدويًا، وتبدأ هذه الدول عهودًا جديدة من الحرية، ويأتى إلى الحكم قيادات وطنية مستقلة، تقف أمام أمريكا والقوى الإمبريالية رأسًا برأس، كما حدث فى البرازيل والأرجنتين وتركيا وفنزويلا وغيرها. ما يحاك للمنطقة يستغل سائر الأنظمة العسكرية والملكية العميلة لكى يُخلق جيلٌ عربى جديد، يتعايش مع الاستبداد ويرضى به، ولكنهم لا يعرفون أن جيل ثورات الربيع العربى يخبئ لهم مفاجآت لا يتصورونها. ستتحرر مصر، وبتحررها سيسقط المخطط الإبليسى كله، وسيسقط سائر الحكام الخونة، وسيقود الأمة جيل جديد، جيل لا يرضى إلا باستقلال الإرادة الوطنية استقلالا كاملا. نجاح الثورة فى مصر سيمتد أثره إلى سائر الدول العربية، وسيغير مستقبل المنطقة كلها. إنها معركة فاصلة، وآن لنا أن نعد لها عدتها.