هذا ما حدث مساء السبت الماضى، اتصل وزير الخارجية الأمريكى " جون كيرى" برئيس الوزراء الإسرائيلى " نتنياهو"، وعرض عليه خدماته الجيدة الخاصة بالتوسط بين إسرائيل وحماس. ماذا اقترح كيرى على نتنياهو؟, فى هذه المرحلة بقيت تفاصيل اقتراح كيرى سرية لكن لا يتوجب على الإنسان أن يكون خبيرا مطلعا على الأسرار حتى يخمن ويقدر هوية الوسيط المقترح أمريكيا, فمن سيكون غير الشريك الاستراتيجى الأهم للولايات المتحدةالأمريكية، ويمتلك علاقات حميمية مباشرة مؤثرة مع حماس إنها بكل بساطة " قطر". بهذه المقدمة المكثفة استهلت الكاتبة والمحللة الإسرائيلية المعروفة " فيزين رابينا " مقالتها المطولة المنشورة اليوم " السبت " على موقع " nrg" أو " معاريف" سابقا" تحت عنوان "هناك سببا للقلق ،فأمريكا فى طريقها للاعتراف بحماس". قبل أسبوعين نشر موقع " nrg " وثيقة قيل إنها تسربت من الخارجية القطرية وثيقة تتكون من ثمان صفحات يتضح منها بأن حوارا يدور منذ فترة بين أمير قطر والإدارة الأمريكية يتعلق بهوية وشخصية وريث " أبو مازن" وأن خالد مشعل أحد ثلاثة أسماء مطروحة، وليس مجرد واحد من مجموعة بل يشكل اسما مفتاحيا فى هذا المخطط.
ووفقا للنموذج الأمريكى، فإن مشعل لم يكن الوريث الوحيد بل جزءا من قيادة جماعية تضم رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إلى جانب شخصيات أخرى مقربة من قطر مثل: جبريل الرجوب، لكن فى هذا الوضع الأسماء هى الشيء غير الهام بل إن بداية مشاركة حماس هو المهم؛ لأنه يؤشر إلى أفكار ورؤى تنضج حاليا فى أروقة البيت الأبيض. والسؤال الهام حاليا، هل تقرب الأزمة الحالية المتفجرة بين حماس وإسرائيل هذا اليوم الموعود يوما تسيطر فيه حماس على غزة والضفة الغربية؟، هل نشهد أمام أعيننا ولادة محور جديد يتكون من الولاياتالمتحدةوقطر وحماس؟ يبدو أن اقتراح كيرى ضم قطر للوساطة يؤشر إيجابيا إلى الجواب على هذه الأسئلة الهامة ويبدو أن الجواب على هذه الأسئلة، هو " نعم " خاصة وأن قطر ليست فقط حليفا للولايات المتحدة، بل هى الوسيط المفضل لدى حماس. يقيم خالد مشعل حاليا فى قطر ويحظى باحترام الملوك ويلتقى مع أمير البلاد ويجرى اجتماعات ولقاءات سياسية وأظهرت المرحلة الأولى من عملية " الجرف الصامد " " بين يومى السبت والإثنين " بأن قطر يمكن أن تكون وسيطا واقعيا محتملا أو يمكن القول بأن محور " تركيا- قطر " وأن خالد مشعل أمضى هذه الفترة متنقلا بين الدوحةوأنقرة ما عزز الشعور بأن القطرين شددوا قبضتهم على سير الأمور، وعززوا صورتهم، كوسيط محتمل مستغلة الفراغ الذى تركه غياب "الانقلابى السيسى"، الذى لاذ بالصمت وفضل البقاء على مسافة آمنة من العملية، وذلك على عكس الدور المصرى فى المرات السابقة حين قامت مصر دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، لكن هذه المرة خلق "الانقلابى السيسى" شعورا بأنه يفضل أن يجلس جانبا، وترك حماس تأكل من الطبخة التى ارتضتها لنفسها. وناسب الموقف المصرى إسرائيل التى كانت تبحث عن متسع من الوقت يتيح لها فرصة تدمير البنية التحتية لحماس، وكذلك لائم موقف " المتفرج". مصر التى أعلنت فى وقت سابق حماس، كحركة إرهابية فقامت بتدمير الأنفاق وأغلقت معبر رفح وأيضا لائم الموقف المصرى حركة حماس التى ترتاب وتشك بنوايا السيسى، ولا تثق به كوسيط وبالمقابل تعزز الشعور بأن قطر ترسخ موقعها كوسيط ويمكن ملاحظة هذا ليس فقط لأن القطريين عقدوا هذا الأسبوع صفقة أسلحة أمريكية بقيمة 11 مليار دولار بل يمكن ملاحظة هذا أيضا عبر تغيير نغمة قناة الجزيرة، وذلك خلافا لرئيس وزراء تركيا " أوردغان " الذى لم يتمالك نفسه وساوى هذا الأسبوع بين عضو الكنيست المتطرف " إيلت شاكيد "، وهتلر حولت الجزيرة من مسارها وتراجعت عن الحملة العنيفة التى شنتها بداية الحرب وطالبت فيها بتوسيع المواجهة لتشمل الضفة الغربية والقدس وتوقفت هذه الحملة، وهذا ما فسره بعض المختصين كشرط إسرائيلى أساسى، لقبول دور قطرى فى جهود الوساطة. متوج الملوك وفجأة انقلب كل شيء، حيث اجتمع يوم الإثنين الماضى وزراء الخارجية العرب فى القاهرة واستغل " السيسى " الذى جلس جانبا حتى تلك اللحظة الفرصة وحرق الأوراق جميعها وقدمت مصر لإسرائيل مقترحا أوليا، لوقف إطلاق النار كان من المقرر أن يتحول المقترح المصرى إلى قرار عربى صادر عن الجامعة العربية، وكان هذا ردا مصريا ذكيا. بدورها تصرفت إسرائيل أيضا بذكاء وحكمة، وأعلنت قبولها المقترح المصرى، وهنا وجدت حماس نفسها داخل الشرك وادعت بأنها علمت بالمقترح المصرى من وسائل الإعلام فقط وكانت الليلة الواقعة بين الإثنين والثلاثاء ليلة صعبة وقاسية على حماس؛ حيث تفجر داخل قيادتها جدالا عنيفا أعلن الجناح العسكرى فى نهاية الجدال رفضه للمقترح المصرى، وتجسيدا لهذا الرفض شن صباح اليوم التالى هجوما صاروخيا على إسرائيل فتح الطريق أمام المرحلة الثانية من عملية " الجرف الصامد". واتضح بعد فوات الأوان أن ادعاء حماس يحمل فى طياته الكثير من الحقيقة، وتبين بأن المقترح المصرى لم يكن سوى خطوة تكتيكية تتضمن كمينًا سياسيًا الهدف منها منح إسرائيل مزيدًا من الوقت، لمواصلة تدمير وضرب حماس تحت ستار من الشرعية الدولية وهذا الفهم بالضبط هو من أغلق الطريق أمام جون كيرى الذى كان فى طريقه للقاهرة للاجتماع بقائد الانقلاب السيسى، وعاد أدراجه إلى واشنطن بعد إطلاق المبادرة المصرية. هل هذه هى نهاية الوساطة القطرية؟ الأمر بعيد جدا عن هذا، بل يمكن القول بأن العكس هو الصحيح لأن تحرك " جون كيرى" تحرك بعيد المدى، إضافة إلى ذلك كانت الخطوة التالية التى قام بها" كيرى" بعد إعلان مصر أن اتصل هاتفيا بالعاصمة التركية أنقرة، حيث كان يعقد اجتماعا ضم وزراء خارجية قطروتركيا، وهمس فى آذانهما بأن اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يضم ويشمل جميع الأطراف. من ناحيتنا يمكن للتوتر الذى انفجر بين الجناح العسكرى لحركة (حماس وخالد مشعل وإسماعيل هنية) أن يشكل مع الوقت " تبييضا" محتملا لصورة خالد مشعل، استعدادا للمرحلة القادمة من المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس .