تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة المواجهة بين فصائل العمل المقاوم في غزة وعلى رأسها حماس وبين الكيان الصهيوني، ومع تصاعد التسخين الميداني تصاعدت حدة التهديدات المتبادلة بين الطرفين، سيما بعد عملية الخليل ومقتل المستوطنين الصهاينة الثلاثة، واتهام الكيان الصهيوني لحماس بشكل مباشر، وبات المشهد في حالة ترقب وحذر شديدين من احتمالات شن الكيان الصهيوني لعدوان واسع النطاق على غزة. ما هي دوافع الكيان الصهيوني لشن عدوان على غزة؟ ما هي خيارات الكيان الصهيوني للعمل على جبهة غزة في المرحلة الراهنة؟ وما هي احتمالات شن عدوان واسع النطاق على غزة بهدف تغيير الواقع على الأرض؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه خلال السطور القادمة بإذن الله تعالى. أولاً: دوافع الكيان الصهيوني لشن عدوان على غزة هناك عدة عوامل ضاغطة ومشجعة للكيان للتحرك للعمل العسكري ضد جبهة غزة في الوقت الراهن منها: 1. الرد على الإهانة والضربة الأمنية التي تلقاها الكيان خلال عملية الخليل ومقتل جنوده الثلاثة، وكذلك الرد على صواريخ غزة التي لم تتوقف منذ فترة في ظل تآكل التهدئة المعلنة بين حماس وبين الكيان الصهيوني. 2. استغلال التحولات التي حدثت في البيئة الاستراتيجية الإقليمية والتي أصبحت مهيأة بشكل أكبر لتقَبُّل أي عدوان على غزة، واقتناص الفرصة للقضاء على المقاومة وإزالة المُهددات والمخاطر الأمنية الناتجة عنها. 3. ضغط الشارع واليمين الصهيوني باتجاه الانتقام لمقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل، واستمرار سقوط صواريخ المقاومة على مغتصبات غلاف غزة. 4. محاولة ترميم قوة الردع المتآكلة للجيش الصهيوني. ثانياً: خيارات الكيان الصهيوني للعمل على جبهة غزة في المرحلة الراهنة يمكن حصر الخيارات الصهيونية بشكل عام للتحرك ضد جبهة غزة في البدائل الثلاثة التالية: 1. شن عدوان واسع النطاق ينتهي باحتلال كامل لقطاع غزة وتغيير الواقع الموجود واستئصال المقاومة. 2. تنفيذ ضربات قوية ومركزة ضد أهداف محددة للمقاومة تشمل مجموعة من الاغتيالات والتوغلات المحدودة، بهدف تثبيت مبدأ الانتقام وتعزيز قوة الردع وتقليص قدرات المقاومة. 3. تنفيذ ضربات انتقامية محددة، تحافظ على الوتيرة التقليدية للتصعيد، وقد تُفضي الى إعادة تثبيت التهدئة بين الطرفين. ثالثاً: احتمالات شن عدوان واسع النطاق على غزة بهدف تغيير الواقع على الأرض يظل هذا الاحتمال في اللحظة الراهنة وفي الأفق المنظور، مطوقاً بمجموعة من الاعتبارات تبرز أمام دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني، مُشَكِّلة عوامل كابحة لجماح العدو في المضي قدماً في توسيع نطاق عدوانه تجاه غزة، وصولاً الى تقويض حكم حماس والقضاء على المقاومة، وهذه الاعتبارات هي: 1. خشية العدو من قدرات المقاومة وما ينتج عنها من كُلفة عالية قد لا يستطيع العدو تحملها، وربما الإخفاق التام، سيما في حالة دخوله في بيئة معبأة بالسلاح مثل حواري وأزقة قطاع غزة، مع توقع أن تكون معظم أراضي الكيان تحت مرمى صواريخ المقاومة. 2. الخشية من زيادة اشتعال جبهة الضفة المشتعلة أصلاً سيما في القدس، الأمر الذي يُنذر باندلاع انتفاضة عارمة، تقوض أو تضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، وبالتالي تُعزز فرص المقاومة، وهذا الوضع يمثل كابوساً أمنياً لدولة الاحتلال. 3. حالة الاضطراب الشديدة الحادثة في الإقليم وضعف الأنظمة المركزية، سيما في دول مثل مصر والأردن، واستمرار الحراك الثوري في المنطقة، يزيد من خشية الكيان الصهيوني من انعكاس أي عملية عسكرية كبيرة ضد غزة من تقلص فرص نجاح الثورات المضادة، وزيادة الزخم الثوري الشعبي، ما يؤثر بالسلب على البيئة الاستراتيجية للكيان، وارتفاع وتيرة التهديديات ضده. 4. لا يمكن للكيان الصهيوني شن عدوان واسع النطاق دون الحصول على الغطاء الأمريكي، الذي يبدو أنه غير متوفر حتى الآن، خوفاً من تداعيات وانعكاسات خطوة بهذا الحجم على شبكة المصالح والتحالفات للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة. 5. تفضيل "إسرائيل" للعمل وفق خيار العقوبات الناعمة والمتمثل في استمرار وتشديد الحصار على غزة، كونه أقل كُلفة وأكثر نجاعة من وجهة نظر الأطراف المحاصِرة. 6. "ماذا بعد احتلال غزة" سؤال دائم ومُلِحّ في العقلية الصهيونية، فتحمل العبء الخدماتي للسكان، وتحمل تكلفة احتلال جديد بتبعاته السياسية والأمنية والاقتصادية خيار لا يفضله الصهاينة، وهم أيضاً غير مستعدين لخوض معركة بالوكالة عن أحد، يخسروا فيها من جنودهم. 7. الخوف من ردود الأفعال والإدانة الدولية الواسعة لدولة الاحتلال، جراء سقوط ضحايا من المدنيين وارتكاب ما قد يعتبره المجتمع الدولي جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية، الأمر الذي يتسبب في زيادة عزلة "إسرائيل" في العالم. بعد تفحص الخيارات العامة للعدو في ظل المعطيات الموجودة في اللحظة الراهنة، ومن خلال ميزان الربح والخسارة في الحسابات الصهيونية، وترجيح قوة ومدى التجاذب والتأثير بين العوامل الضاغطة والعوامل الكابحة لشن عدوان على غزة، يمكن اعتبار الخيار الأول أضعف الاحتمالات. أما الخيار الثاني فدرجة المخاطرة فيه كبيرة جداً، وذلك من باب امكانية انزلاق الأمور الى مواجهة شاملة قد لا يكون مرغوباً فيها في المرحلة الحالية، ومع ذلك يبقى احتمالاً قائماً له حظه من الترجيح. أما الخيار الثالث فهو أرجح الاحتمالات والمتمثل في تنفيذ ضربات انتقامية محددة، تحافظ على الوتيرة التقليدية للتصعيد، قد تُفضي الى إعادة تثبيت التهدئة بين الطرفين. أخيراً لا بد من القول أن هذا الكلام يبقى في إطار التحليل والتوقع مع افتراض ثبات العوامل المؤثرة على مجريات الأمور، سيما التطورات والمتغيرات الميدانية منها، مع عدم استبعاد عنصر المفاجأة والغدر من قبل العدو، ما يفرض على المقاومة البقاء على أعلى درجات الجهوزية والاستعداد لأسوأ الاحتمالات.