شهد عام 2012 تحولا لافتا في ملف المقاومة الفلسطينية التي أثبتت كفاءة وفاعلية في صد العدوان الصهيوني بعد تفجر الوضع في قطاع غزة باغتيال طائرات الاحتلال الصهيوني قائد كتائب القسام أحمد الجعبري ومرافقه وسط مدينة غزة في 14 نوفمبر المنصرم. وكان منتصف نوفمبر الماضي شاهدًا على أيام من التصعيد السافر والعدوان الغاشم من قبل الكيان الصهيوني، وسط جهود مصرية لإبرام تهدئة سعت إليها الولاياتالمتحدة والكيان على حد سواء. وفتحت المقاومة الفلسطينية بردها الصارم مرحلةً جديدةً من الصراع باستخدامها صواريخ "فجر 5" و"أم 57" التي جرى تصنيعها محليا في القطاع، فوصلت إلى مدن تل أبيب والقدس للمرة الأولى منذ عام 1970. وأسفر العدوان الصهيوني هذه المرة عن استشهاد 180 فلسطينيًا وإصابة المئات وإحداث دمار واسع في الممتلكات الحكومية والخاصة والبنى التحتية. وتحول القطاع خلاله إلى محج لوفود عربية رفيعة المستوى من مختلف البلاد؛ لا سيما دول الربيع العربي. ورأى القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب أن "تكتيك المقاومة الجديد" فاجأ العدو رغم محاولاته خلال الأعوام الثلاثة الماضية اختبار قدراتها، "مما دفعه لاستجداء التهدئة التي فرضت الفصائل الفلسطينية فيما بعد شروطها". وقال شهاب إن هذا التطور حظي بالتفاف جماهيري كبير لم يكتف بالمسيرات والاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي على الحواجز بالضفة، بل تطور إلى إطلاق النار عليها وتفجير حافلة بتل أبيب في اليوم الثامن للعدوان، والذي شكل بدوره نقطة تحول لا تقل أهمية عن القصف بالصواريخ. حجارة السجيل بداية الطريق إلى القدس أكد "أبو عبيدة" المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس أن معركة (حجارة السجيل) لن تكون الأخيرة، بل هي بداية الطريق إلى القدس، وتحرير فلسطين. وقال أبوعبيدة: لأول مرة في تاريخ المقاومة، قمنا باستهداف الطيران الحربي الصهيوني الذي يشن العدوان على غزة، مؤكدًا: استهداف عدة طائرات حربية للعدو، وأن المقاومة نجحت في إسقاط طائرة حربية من طراز إف16، وقد سقطت الطائرة في بحر غزة ولا زال العدو يتكتم عن العملية. وأكد في إشارة إلى القبة الحديدية: القبة الورقية أصبحت وراء ظهورنا، مؤكدًا أن كتائب القسام لا تزال تحتفظ بقوتها، ولديها الكثير من المفاجآت، التي سترهق العدو الصهيوني. فشل القبة الحديدية مصداقا لكلام أبي عبيده اعترف وزير الجبهة الداخلية الصهيوني بفشل المنظومة في اعتراض عدد كبير من صواريخ غزة، فضلا عن حديثه حول تكلفة إطلاق الصواريخ الاعتراضية من منظومة القبة الحديدية خلال عملية عامود السحاب والتي بلغت 100 مليون شيكل، أي ما يعادل حوالي 27 مليون دولار وفي وقائع مؤتمر مغلق حضره ضباط الجبهة الداخلية وضباط شرطة ورؤساء الهيئات المحلية حول الدروس المستفادة من العدوان الأخير على غزة، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن "افي ديختر" قوله أنهم وضعوا بين اختيارين، بين سقوط أكثر من ألف إسرائيلي خلال السنوات القليلة الماضية وبين التصدي ل 1500 صاروخ أطلقت على إسرائيل وكلفتها 100 مليون شيكل، مشيرًا إلى أنهم فضلوا الخيار الثاني وصرح "ديختر" بأن القدرات العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس تتحسن ومعدل دقة صواريخهم يتزايد، وأكد أ، الهجمات على الجبهة الداخلية سيكون مصدرها لبنان أو غزة، وهو ما ينبغي مواجهته والتصدي له. وأفادت بيانات صادره عن سلاح الجو الصهيوني أنه تم إطلاق ألف و 506 صاروخ تجاه بلدات الكيان خلال عملية عامود السحاب. المقاومة في ظل الربيع العربي اختلافات جذرية بين عملية "عمود السحاب" وبين الحرب المفتوحة التي استمرت 22 يوماً عام 2008-2009 فيما سمي بعملية "الرصاص المصبوب". الفرق الجوهري هو أن المقاومة هذه المرة كانت في ظل أنظمة مختلفة عن تلك التي تحالفت مع الاحتلال في السابق، ولعل توقيت "عمود السحاب" جاء في وضع عربي أكثر حساسية ورهافة وأكثر احتضاناً للفلسطينيين، خصوصاً مصر بعد الثورة، فضلاً عن صعود قيادات جديدة بعد الثورات العربية مختلفة عن سابقاتها التقليدية . من جهة أخرى أظهرت "عملية عمود السحاب" والعدوان على غزة مفاجآت فلسطينية لم تكن بالحسبان، وهكذا وصلت صواريخ حماس إلى القدس بعد صواريخها وصواريخ حركة الجهاد إلى "تل أبيب" وإصابة عدد من الطائرات الصهيونية. واستطاعت حماس استيعاب الضربة الأولى، ونقلت جزءاً من الرعب إلى داخل بلدات ومدن الكيان لاسيما باستخدام صاروخي جديد، وبات نحو ثلثي سكان الكيان الصهيوني داخل الملاجئ، وانكشفت المواقع العسكرية الصهيونية لتصبح تحت خط نيران المقاومة، وهو الأمر الذي دعا تل أبيب إلى الاعلان عن بدء تجنيد 75 ألف جندي إضافي. إن قصف "تل أبيب"، ومحيطها بعشرات الصواريخ ومن ثم قصف القدس، أدخل الردع الصهيوني في مأزق، وتخطى الأمر عملية اغتيال أحمد الجعبري ورد الفعل إزاءها. ترحيب دولي باتفاق التهدئة توالت ردود الفعل الدولية الواسعة المرحبة بالاتفاق على وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية بقطاع غزة, والذي تم برعاية مصرية، ففي الولاياتالمتحدة شكر أوباما نظيره المصري محمد مرسي ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على جهودهما لإنجاز الاتفاق. كما أعربت الأممالمتحدة عن ترحيبها بالاتفاق، وكذلك مجلس الأمن الدولي والمفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان. وينص اتفاق التهدئة على أن توقف تل أبيب "كل الأعمال العدائية على قطاع غزة برا وبحرا وجوا، بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص"، وتقوم الأطراف الفلسطينية بوقف كل عملياتها من قطاع غزة تجاه الكيان الصهيوني، "بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود". كما نص الاتفاق كذلك على "حصول مصر على ضمانات من كل الأطراف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه"، وعلى "التزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك". الفصائل تثمن الدور المصري في التهدئة اعتبرت فصائل المقاومة الفلسطينية أن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة جاء تتويجاً لنجاح إستراتيجي لقوى المقاومة الفلسطينية، مؤكدةً أن الاتفاق هو إعلان انتهاء جولة أخرى من جولات الصراع وسيتبعها جولات حتى تحرير الأرض والإنسان. وقال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والنائب في المجلس التشريعي إسماعيل الأشقر إن "الفضل في التوصل لاتفاق لوقف النار بالشروط التي ارتضتها المقاومة الفلسطينية يعود لله أولاً ومن ثم للربيع العربي الذي غيّر الطواغيت الذين أذاقوا شعوبهم سوء العذاب وتلذذوا بعقابهم". وأضاف الأشقر أن "رضوخ الاحتلال لشروط وقف إطلاق النار" جاء نتيجة تلاحم وصمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في كل أماكن تواجده، مهدياً نصر غزة للشعب الفلسطيني وللمقاومة ولمصر الثورة وتركيا وقطر والجامعة العربية وسائر الأمة العربية والإسلامية. ومن جانبه، قال المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين داود شهاب، إن اتفاق وقف إطلاق النار جاء تتويجاً لإنجاز كبير للشعب الفلسطيني، ليس فقط بسبب إفشال هذا العدوان، وإنما إثباتاً لنجاح جولات سابقة من المواجهة أوهم الاحتلال نفسه بأنه حقق نصرا فيها. وأضاف أن نجاح المقاومة في هذه الجولة بهذه الطريقة هو إعلان بأن كافة الحملات العسكرية من بداية الانتفاضة لم تنجح في منع المقاومة من الوصول بالعمليات التفجيرية إلى العمق الصهيوني.