[email protected] العهر السياسي تعبير يستخدمه بعض الساسة لوصف مواقف البعض الآخر، تعبير طالما سمعته وقرأته ولم أتوقف كثيراً عنده، لكني اليوم وفي ظل الهجمة الشرسة والوحشية والبربرية التي يتعرض لها شعبنا المرابط في فلسطين الشعب الشقيق في لبنان تذكرته بعد أن أصبح هذا العهر السياسي صفة ملازمة لأقوال وأفعال زمرة أبت إلا أن تكون كذلك، وبلغت بها درجات الكذب والخداع والتضليل والوقاحة مبلغاً يعجز القلم واللسان عن وصفه.
كان من المفترض أن يكون العدوان الإجرامي على الشعبين الفلسطيني واللبناني والمستمر منذ أسابيع سبباً في توحيد ورص الصفوف والالتفاف حول الشعب وصموده، وأن يكون سبباً في اتخاذ مواقف مشرفة كريمة تليق بعزة شعبنا، وأن يكون سبباً للترفع عن الأحقاد والنكايات والزعرنات السياسية والتربص بالآخرين، والأهم أنه كان من المفترض أن لا أضطر لكتابة ما أكتب اليوم وأن تكون أسلحتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والمعنوية وغيرها موجهة جميعها نحو العدو الواحد، لكن وبكل أسف فإن اصطفاف البعض من أبناء جلدتنا في خانة ومربع الأعداء لا يمكن السكوت عنه.
حرب داخلية يقودها طابور الكواهين الخامس في فلسطين وبوسائل متعددة، يقودها عبّاس وشلته وبوتيرة ثابتة وبوقاحة منقطعة النظير، عنوانها وظاهرها الحرص على المصلحة الوطنية التي يعتبرون أنفسهم وكلاؤها المعتمدون، وباطنها ضرب الجبهة الداخلية ومعنويات الشعب الفلسطيني عبر اشاعات واكاذيب وأفعال مشينة تسبب الإحباط و اليأس كما تزين لهم أنفسهم المريضة، وصولاً لرضى أسيادهم وأولياء نعمتهم.
لا مجال اليوم وشعبنا يتعرض لحرب إبادة جماعية لمهادنة أو مسايسة، ولا أسلوب إلا بفضح أذناب الإحتلال وأعوانه، ولا طريقة إلا كشفهم وتعريتهم بعد أن بات لعبهم على المكشوف، ووقاحتهم معلنة غير مستترة.
في إطار حملة الأكاذيب والشائعات المبرمجة أعلن قائد مجموعة الكواهين محمود عبّاس وعلى لسان مجموعة من أبواقه يتزعمهم نبيل شعث أنه تم الاتفاق بين الفصائل التي اسماها بالكبرى على وقف لإطلاق النار أو إطلاق الصواريخ، وكأننا نقصف بطائراتنا ودباباتنا وسفننا مدننا المحتلة عام 1948، ليثبت لاحقاً كذب ودجل عبّاس وأبواقه، ودون شك كان عبّاس وشعث وباقي الزمرة على يقين من كذب هذا الإدعاء لكنهم كانوا يعلنون بدأ حملة الشائعات والأكاذيب للنيل من إرادة الشعب الفلسطيني.
أيام قليلة يعلن بعدها عبّاس أيضاً بالأمس وخلال مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء إيطاليا رومانو برودي في روما نقلته وكالات الأنباء بالصوت والصورة أن الإفراج عن الجندي الأسير في غزة بات وشيكاً وليعلن عن أمله "أن يحصل عشرة آلاف أسير فلسطيني على الاهتمام نفسه"، أي أنه يريد إطلاق سراحه دون مقابل اللهم إلا الأمل والتعطف علينا، قال ذلك وهو يعلم قبل غيره أنه كاذب وأنه لا يملك قرار نفسه فكيف له أن يملك قرار الأسير، لكنه برنامج الشائعات وتحطيم المعنويات الذي يقوده عبّاس.
الغريب في الموضوع أن وقاحة هؤلاء لا حدود لها، فبعد انفضاح أمر عبّاس وبسرعة لم يتوقعها في نفس اليوم بعد نفي مجموعات المقاومة الآسرة للجندي، خرج صائب عريقات في محاولة لاستغفال ملايين المتابعين ممن شاهدوا وسمعوا تصريحات عبّاس ليقول على قناة الجزيرة "هناك لبس وخلط في فهم هذه التصريحات مؤكدا أن الرئيس قال أنه من السابق لأوانه الحديث عن حلا وشيكا لهذه الأزمة مشددا على أن الجهود مازالت تبذل لحل هذه القضية" - هل نكذب أنفسنا ونصدقك يا عريقات وأت تدحض كذب رئيسك بكذبة أكبر؟
تكذيب عريقات هذا ذكرني بوقاحة أخرى أطلقها عزام الأحمد الناطق باسم كتلة المعارضة البرلمانية يوم 29/6/2006 عندما خرج على شاشات الفضائيات ليقول: " نحن أمام فراغ قانوني وعلى الرئيس عباس التصرف وفق صلاحياته" ليعود وبعد ساعات لنفي أنه قال ذلك رغم أن الملايين شاهدوه صوتاً وصورة يصرّح ذلك التصريح!
لا تكتمل حملة الشائعات والأكاذيب إلا ببعض الديكورات كقبلات وأحضان عبّاس بعد كل مجزرة في البتراء وفي رام الله لزرع الإحباط في نفوس الناس والشعب، والتصريحات التي تكرر بالعربية ما يقوله أسياده بالعبرية، وهنا يتساءل الكاتب عبد الستار قاسم في مقاله "شفتا رايس على وجنتي عباس" ليقول "لا أدري فيما إذا كانت رايس قد دمغت عباس. لم أنتبه فيما إذا كانت تضع أحمرالشفاه أم لا، وفيما إذا كان، إن وجد، من النوع الثابت أم النوع الذي يطبع على
الوجنات. سأنتبه المرة القادمة التي آمل ألا تأتي"، وأقول لقد دمغ عبّاس نفسه ومن معه [احمر من نوع آخر هو دماء شعبنا التي يتاجر بها ويسعى جاهداً لتذهب رخيصة دون ثمن.
هذه التصريحات والتصرفات ليست عشوائية أو أخطاء غير مقصودة لكنها تأتي ضمن البرنامج اياه القاضي بضرب الجبهة المعنوية للشعب الفلسطيني، وتشكيكه بكل شيء ليعيش حالة من التخبط واللا ثقة بقيادة أو تنظيم ليسهل تطويعه بعد تجويعه وحصاره وقتله وتشريده، ولنا أن نتذكر ما قاله عبّاس في شهر نيسان/أبريل من العام الماضي عندما أعلن أنه نجح بنسبة 80-85% في وقف العمليات ضد الاحتلال، ويبدو أنه يطمع في نسبة 100%.
المؤامرة والوقاحة أيضاً لا تكتمل إلا بتحويل المجرمين إلى ضحايا، ولا أقصد هنا الاحتلال فقط بل مجرمي الشعب الفلسطيني من أمثال دحلان الذي اختفى تماماً كما تختفي الجرذان في جحورها، وهو رئيس لجنة الأمن والداخلية في التشريعي والمسؤول عن اتفاق معبر رفح العظيم الذي كرس الاحتلال للمعبر!، دحلان هذا والمبتعد عن هموم الشعب ومآسيه والمتمتع مع باقي عصلبة أوسلو بحرية الحركة والتنقل خلافاً لباقي الشعب أصبح شغله الشاغل مقاضاة من يقوم بتوثيق جرائمه وفضائحه في محاول للعب دور الضحية البريئة، وها هي آخر مسرحياته وهو يعلن مقاضاة كل من وليد محمد ناصف صاحب و رئيس مجلس إدارة دار الكتاب العربي و أسامة عبد الحق محمد رزق معد و موثق كتاب "عملاء اسرائيل و اسرار اغتيال عرفات و قادة المقاومة"، محاولاً التغطية على جرائمه وفساده الذي أزكم الأنوف.
التربص ليس بالأقوال فقط لكن بالأفعال أيضاً، ففي الوقت الذي يحتاج الشعب الفلسطيني لكل طاقاته لمواجهة الآلة الاعلامية والدبلوماسية الضخمة للإحتلال، تحول زمرة الفساد والافساد طاقاته لضرب الشعب اعلامياً عبر ما سبق، وكذلك من خلال محاولات على الأرض للسيطرة على الشؤون الخارجية، فقد أعلنت الخارجية الفلسطينية بالأمس أن هناك "محاولات انقلابية" يقوم بها بعض الموظفين ممن طالتهم هذه القرارات الذين وصفهم "بالتآمرين"، وأضاف "أنهم يريدون الاحتفاظ بمكاسب شخصية من خلال إصدار قرارات وتعليمات شفهية ومكتوبة للموظفين تتناقض مع التعليمات المباشرة لوزير الشئون الخارجية محمود الزهار والقيام بما يشبه انقلاب لسحب صلاحيات الوزير، يتم ذلك في أوج المعركة وحرب الإبادة دون خجل أو حياء.
قد يقول قائل هي دعاية مضادة من قبل حكومة حماس ضد رئيس السلطة وشلة أوسلو، لكن هذه الفرضية تتبدد عند قراءة ما نشر على أحد المواقع الأمنية المرتبطة بزمرة أوسلو على لسان عمر حلمي الغول بتاريخ 25/07/2006 تحت عنوان "ماذا تعني وظيفة مستشار لدى حركة حماس وحكومتها" وهو هنا يتحدث عن وزارة الثقافة وليكيل سيل من الاتهامات لمجرد تعيينه مستشاراً بالوزارة، وهذا حال باقي الوزارات مع برنامج التربص والتشكيك والشائعات.
وقاحة وكذب ودجل يشترك فيها رئيس السلطة ورئيس كتلته البرلمانية ورئيس لجنة الأمن والداخلية وكبير المفاوضين، أي كل رموز الصف الأول من الكواهين، فلا عجب بعدها أن ينبري بعض النكرات لطعن الشعب الفلسطيني في ظهره، ويكفي أن نقارن ما يجري في فلسطين مع ما يجري في لبنان، هناك استعفف أعداء المقاومة اللبنانية عن الطعن فيها وقرروا تأجيل المحاسبة لما بعد المواجهة وهم من هم من لوردات الحرب الأهلية، بينما تسعى زمرة الفساد والافساد في فلسطين جاهدة لاسقاط خيار الشعب وتحطيم ارادته وهو في خضم المواجهة.
أسلوب التذلل والتبرير والاستجداء لم يعد كافياً لهؤلاء، فقد اكتشفوا ان اسلوبهم ونهجهم المخادع والادعاء بالحرص والمصلحة والتباكي على القدس قبل الانتخابات وعلى الأسرى بعدها لم يحقق لهم اهدافهم ومصالحهم سقط وفشل، فانتقلوا لمرحلة الاستعباد وخدمة مخططات الأعداء علناً وبوقاحة سياسية وصفاقة، وضمن مخططات وبرامج ليس أقلها الكذب والشائعات والتربص، لكن كما عودنا شعبنا فسيكون مصيرهم كمصير غيرهم ممن باعوا الأرض والعرض وكان مصيرهم مزابل التاريخ.