كتب أحد مستشاري الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش»، الذي اتخذ قرار غزو العراق، مقالاً طويلاً في مجلة «بوليتيكو» الأمريكية مطلع الأسبوع الجاري بعنوان: «الرجل الذي كسر الشرق الأوسط». لم يكُن «إليوت برامز» يقصد «بوش الابن» الذي صك مصطلح «الحرب على الإرهاب» وانتهى عهده بوجود حوالي 20 ألف جندي أمريكي حول العالم، معظمهم في العراقوأفغانستان، وإنما قصد «أوباما»، الذي اتهمه بإفساد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، واعتماد سياسة سلبية أدت إلى دعم حركات الإرهاب والتطرف الذي كان «صنيعته».
لم يكُن «برامز» السياسي أو المسؤول الأمريكي الوحيد الذي منحته أزمة العراق الأخيرة فرصة الدفاع عن قرارات إدارة «بوش» المتتالية منذ 11 سبتمبر 2001 حتى نهاية ولايته الثانية في 2009، وتبييض وجه إعلان الحرب على «الإرهاب» في الشرق الأوسط، الذي وصل بشعبية «بوش» مع نهاية ولايته إلى أدنى مستوياتها، وجاءت ب «أوباما» رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية بعد وعده بإنهاء الحرب وسحب القوات الأمريكية من العراقوأفغانستان.
ديك تشيني
قضى نائب الرئيس الأمريكي السابق «ديك تشيني» الثلاثة أشهر الأخيرة في ظهور إعلامي واجتماعي مكثف، حاول فيه تهميش أثر قرارات إدارة «بوش» في تفجير أزمات العراق والشرق الأوسط بشكل عام، وكتب مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» اتهم فيه الرئيس «أوباما» ب «إضعاف موقف الولاياتالمتحدة عالميًا عن قصد»، وهو ما يساوي اتهامًا خفيًا بالخيانة العظمى؛ حتى انتقده محللون وسياسيون ديمقراطيون وجمهوريون على حد سواء، مُعتبرين أن «تشيني من الأفضل له أن يصمت ولا يلقي محاضرات عن العراق».
ويُعد«تشيني» أحد أبرز اللاعبين في قرار غزو العراق، وبذل مجهودًا كبيرًا لإقناع الرأي العام الأمريكي وأعضاء الكونجرس بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل تُهدد أمن أمريكا وحليفتها إسرائيل؛ لتصل شعبيته قبل تركه المنصب إلى 13% فقط من الأمريكيين، وشعبية «بوش» إلى 25%.
وأثارت تعليقات «تشيني» وكتاباته غضبًا واسعًا، حتى بين السياسيين الجمهوريين الذين ينتمي إليهم «بوش»، وقال السيناتور «راند بول» إنه يتفق مع أوباما في سياسته الخارجية، وإنه «ربما فعل كل ما يُمكن فعله في أزمة تبدو بلا حلول».
كوندوليزا رايس
في احتفال شهدته وزارة الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي، بوضع صورة «كوندوليزا رايس»، مستشارة الأمن القومي في فترة «بوش» الأولى ووزيرة الخارجية الأمريكية في فترته الثانية، في إحدى قاعات الوزارة، أعادت «كوندوليزا» قول «بوش»: «التاريخ سيحكم على ما اتخذناه من قرارات» دون أن تذكر العراق أو أفغانستان في حديثها.
على عكس «تشيني»، لم تهاجم أول وزيرة خارجية أمريكية من أصل أفريقي إدارة «أوباما» بشكل مباشر، لكنها قالت: «يجب أن نصبر لإعطاء دول الشرق الأوسط فرصةً ليجدوا طريقًا إلى ديمقراطية مستقرة».
لكن ظلال موقف «كوندوليزا» من العراق لم تتركها طوال الخمسة أعوام الماضية، فلاحقها نشطاء أمريكيون وطلاب جامعات معترضين على إلقائها خطابات في عدة جامعات أمريكية، وواجه موقع «دروب بوكس» للتخزين السحابي حملة مقاطعة بسبب انضمام «كوندوليزا» إلى مجلس إدارته في شهر إبريل الماضي، حيث وصفت وزيرة الخارجية السابقة بأنها «مجرمة حرب».
مهندسو حرب أم خبراء سياسة؟
غضب نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق «بول وولفويتز» من وصفه أثناء مقابلة تليفزيونية بأنه «أحد مهندسي حرب العراق»، ورد بأنه لو كان مهندسًا للحرب لسارت الأمور بشكل مختلف في حرب قُتل فيها أكثر من نصف مليون عراقي، و4900 جندي أمريكي.
لكن رجال إدارة «بوش» وداعمي حرب العراق – المستشارين والموظفين السابقين ورجال أجهزة المخابرات –يُقدمون الآن في القنوات التليفزيونية الأمريكية بصفتهم الوظيفية الجديدة: خبراء سياسيين في شؤون الشرق الأوسط، بحكم عملهم في المراكز البحثية الأمريكية.
«وولفويتز» ليس الوحيد، فقد انتقد المرشح الرئاسي الجمهوري السابق السيناتور «جون ماكين» أداء إدارة «أوباما» لأزمات الشرق الأوسط، ووصف غزو العراق بأنه «انتصار» فرّط فيه «أوباما».
ولا يخالفه الرأي «بول بريمر»، رئيس الإدارة المدنية للعراق بعد الغزو، و«كينيث بولاك»، رجل المخابرات الأمريكية السابق الذي دعم غزو العراق بقوة، و«ويليام كريستول»، المُحلل السياسي الذي كتب تحليلات وكتبًا أرست مبررات الغزو؛ فوجّهوا انتقادات لاذعة للإدارة الأمريكية الحالية، ودعوا إلى دور أكبر (إرسال قوات) لأمريكا في الدولة التي احتلتها لتخليصها من «ديكتاتورية صدام» وإرساء الديمقراطية بها، لا بصفتهم مسئولون عن قرار الحرب، أو مشاركون في صناعة الأزمة الحالية، أو حتى سياسيون سابقون، بل «خبراء» و«محللون» محايدون.
ليس ثمة رابحين كُثُر من الأزمة المتفجرة في العراق وتهديدات تقسيمه، لكن رجال «بوش» السابقين الذين وقفوا خلف قرار الغزو وإدارة العراق بعده يبدون سعداء بقدرتهم على كيل الاتهامات للإدارة الأمريكية الحالية، وإلقاء تصريحات يدور معناها حول: «أرأيتم؟ لقد كنا على حق».