فى ضوء المعونات البترولية التى قدمتها السعودية لمصر، والسياحة السعودية بمصر، وتحويلات المصريين العاملين بالسعودية إلى ذويهم، يتصور البعض أن مصر مدينة للسعودية بالفضل، بينما تشير النظرة الاقتصادية الفاحصة إلى أن الاقتصاد السعودى هو المستفيد الأكبر من علاقته بالاقتصاد المصرى خاصة فى التجارة والسياحة. تتحدد علاقات الاستفادة المتبادلة بين مصر والسعودية فى وجود حركة تجارية سلعية وخدمية بين البلدين ، فكما أن هناك صادرات مصرية للسعودية هناك صادرات سعودية لمصر، كما أن هناك سياحا سعوديين يأتون لمصر، فهناك سياح مصريون يذهبون إلى السعودية . وكما توجد استثمارات للسعوديين بمصر، هناك استثمارات للمصريين بالسعودية، ومثلما توجد ودائع للسعوديين بالبنوك المصرية، فهناك ودائع للمصريين بالمصارف السعودية، وهكذا الأمر فى التحويلات فكما توجد تحويلات للمصريين لمصر، توجد تحويلات للسعوديين من مصر للمملكة . وحتى نترجم العلاقات الاقتصادية إلى أرقام محددة، فحسب جهاز الإحصاء المصرى كانت قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى السعودية بالعام الماضى 1 مليار و971 مليون دولار ، بينما بلغت قيمة الواردات لمصر من السعودية بنفس العام 3 مليار دولار و37 مليون دولار ، لتحقق السعودية فائضا فى تجارتها مع مصر خلال العام بنحو 1 مليار دولار و66 مليون دولار ، وهو فائض تكرر خلال السنوات الأخيرة لصالح السعودية . وحسب بيانات البنك المركزى المصرى بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة السعودية فى مصر ، خلال السنوات المالية الخمسة الأخيرة من 2008/2 2009 وحتى 2012/2013 ، نحو 1 مليار و476 مليون دولار ، بمتوسط سنوى 295 مليون دولار ، وعلى الجانب الآخر هناك استثمارات مباشرة لرجال أعمال مصريين بالسعودية ، لكنه لا توجد بالوثائق السعودية المنشورة بيانات محددة عن حجمها . ونفس الأمر مع غياب تحديد قدر ودائع السعوديين بالبنوك المصرية، فلا توجد بيانات سعودية محددة عن ودائع المصريين بالبنوك السعودية، وهى بالطبع ودائع ضخمة تمثل مدخرات نحو 1.3 مليون مصرى يعملون بالمملكة . ونفس الشىء لعدم إفصاح البورصة المصرية عن قيمة استثمارات السعوديين بها ، وعلى الجانب الآخر عدم إعلان الجانب السعودى لقيمة استثمارات المصريين بالأسهم السعودية عبر صناديق الاستثمار السعودية المسموح لغير المواطنين بالاستثمار من خلالها . وفى ضوء انقطاع البنك المركزى المصرى عن الإفصاح عن قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج ، حسب البلدان المختلفة منذ عام 2009 ، فإن قيمة تحويلات المصريين العاملين بالسعودية إلى مصر خلال السنوات الخمس السابقة على العام المالى 2008/ 2009، قد أشارت إلى بلوغ إجمالى تلك التحويلات من المملكة 4 مليارات و296 مليون دولار ، بمتوسط سنوى بلغ 859 مليون دولار خلال تلك السنوات . وبالطبع فإن السعوديين المستثمربن بمصر يحولون ريع استثماراتهم سواء فى الاستثمار المباشر أو فى الأسهم أو السندات أو أذون الخزانة أو من خلال صناديق الاستثمار المصرية ، أو فى الودائع أو فى العقار والأراضى إلى بلادهم ، مع الأخذ فى الاعتبار ارتفاع معدلات الفوائد على الودائع بالبنوك المصرية بالمقارنة لمعدل الفوائد سواء بالبنوك الغربية أو الخليجية . وتأتى السياحة كمجال حاسم لاستفادة الاقتصاد السعودى الأكبر من خلالها ، فإذا كان عدد السياح السعوديين الواصلين لمصر عام 2011 قد بلغ 198 ألف سائح ، وزاد عددهم عام 2012 إلى 242 ألف سائح سعودى، فإن عدد المصريين الذين يذهبون للمملكة فى رحلات الحج والعمرة أكثر من عدد السعوديين الواصلين لمصر ( بخلاف المصريين المقيمين هناك ) . والعبرة هنا ليست بالعدد ولكن بالإنفاق الذى ينفقه المصريون هناك ، فى ضوء ولع المصريين بسياحة المشتريات سواء للملابس والمفروشات والأجهزة المنزلية والكهربائية والذهب ، مما يساهم بشكل كبير فى انتعاش الحركة التجارية بالمملكة . وكانت مؤسسة النقد العربى السعودي قد أعلنت فى عام 2010 ، أن متحصلات المملكة من السياحة المصرية الواصلة للمملكة قد بلغت 10 مليارات و755 مليون دولار. وهو ما يمثل أكثر من أربعة أضعاف الدخل السياحى المصرى من سياحة السعوديين بمصر بنفس العام . فإذا أضيف لذلك قدر المشتريات والحركة التجارية التى يقوم بها حوالى مليون وثلاثمائة مصرى يعملون بالمملكة ، يتضح قدر مساهمة المصريين فى تنشيط الحركة التجارية هناك، إلى جانب التجانس ووحدة اللغة والدين والأمان الاجتماعى، الذى تمثله الجالية المصرية بالمملكة بشكل قد لا يتحقق بنفس الدرجة من قبل العمالة الآسيوية. والمعروف أنه بعد الانقلاب العسكرى بمصر قامت السعودية بإيداع 2 مليار دولار بالبنك المركزى المصرى ، ولم تقدم أية مبالغ مالية كمنحة لمصر ، ولكنها قدمت بترول خام ومنتجات بترولية فى شكل منحة بحوالى 1.5 مليار دولار ، ووعدت باستمرار تلك المنح النفطية حتى شهر أغسطس القادم . وهى قيمة لا تقارن بحجم الاستفادة التى تحصل عليها المملكة وجيرانها من دول الخليج ، نتيجة إخماد الربيع العربى، وعدم انتقال آثاره إليهم ، وبقاء عروشهم وسلطاتهم المسيطرة على الثروات الضخمة لتلك البلدان . وهكذا يشير العائد الاقتصادى الواضح لصالح السعودية فى التجارة السلعية بين البلدين، وفى الإيرادات السياحية، نتيجة ضخامة عدد المصريين الذاهبين للعمرة والحج وإنفاقهم الكبير، إلى جانب ما يحققه السعوديين من مكاسب كبيرة خلال استثماراتهم بالأراضى والعقارات والأوراق المالية المصرية. ________________ *خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين السابق