هاهى الثورة الليبية تواجه نفس السيناريو تقريبا الذى واجهته ثورة يناير فى مصر تواجه " ثورة الأنظمة على ثورة الشعوب " محاولة جديدة للانقلاب قام بها عسكرى هو اللواء " حفتر " وهى محاولة تم التجهيز لها إعلاميا / وتحظى بدعم اقليمى واضح وقد كان قائد الانقلاب فى مصر أكثر وضوحا فى تأييده لها والنغمة المتبادلة بينه وبين " حفتر " تكشف عن ذلك فقد نوَّه (السيسي) أكثر من مرة بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر الإرهاب في ليبيا، بينما رد (حفتر) معلناً رغبته في لقاء (السيسي)، ولم ينسَ أن ينفي تلقيه أي دعم من مصر. ولم ينجح (حفتر) في محاولته الانقلابية الثانية سوى على شاشات الفضائيات، فقد فوجئ الانقلابيون بقوات الثوار بالتعاون مع قوات الجيش الشرعي للبلاد وتتمكن من صدهم، ذلك رغم انحياز بعض كتائب الجيش للانقلاب. وهكذا باتت البلاد تقف في مواجهة طوفان منتظر لن يوقفه إلا حوار بين جميع الفرقاء إنقاذاً لبلادهم. في مدن ليبيا الكبرى، عاد مشهد آلاف القطع الحربية تملأ الشوارع، لاسيما العاصمة طرابلس، كما أن الحواجز الترابية والأسمنتية تعيق الحركة في شوارعها، أيادٍ على الزناد تنتظر ساعة الصفر، وأيادٍ ممتدة إلى السماء تدعو الله أن يجنب ليبيا شر القتال. بعد عقود طويلة من الاستبداد لم يعش فيها الليبيون، وما إن سقط حكم (القذافي) حتى رأى البعض نفسه أولى بقيادة البلاد، أضف إلى ذلك الخلاف حول جملة من القضايا المهمة والمصيرية، كقضية الأمن والإرهاب، ومراكز النفوذ والحقائب الوزارية، وقانون العزل الذي طال كل من عمل مع (القذافي)، وتحديداً ممن تقلدوا مناصب حساسة في ظل حكمه، وقد مثل المعطيان الأخيران؛ وهما الحقائب الوزارية، والعزل السياسي، المحرك والدافع الرئيس لمحاولة الانقلاب الأخيرة التي مثَّل فيها الجنرال المتقاعد «خليفة حفتر» رأس حربة . عقلية الانقلاب
يتربى العسكريون على إصدار الأوامر وتنفيذ الأوامر، وهي العقلية التي تربى عليها «خليفة حفتر» الذي قضى جل وقته في الخدمة العسكرية، حتى وهو ينقل من تشاد التي خسر فيها الحرب إلى فلوريدا الأمريكية التي قضى فيها 20 عاماً، وكان في خدمة الاستخبارات الأمريكية والتي استخدمته ضد (القذافي) منذ الثمانينيات، إلى أن حصلت المصالحة التي تمت بين الطرفين بعد تعويض (القذافي) ضحايا (لوكربي)، وشملت المصالحة «خليفة حفتر» الذي حصل بدوره على فيلا في القاهرة هدية من (القذافي)، وهو ما لم ينكره، وإن ذكر بأن أبناءه هم من تمتع بها، وتخلى بعد ذلك عن أفكاره التي سطرها في كتاب تحت عنوان (رؤية سياسية لمسار التغيير بالقوة)، والذي ساعده خبراء في الاستخبارات الأمريكية على إعداده عندما كان على رأس ما كان يسمى ب (الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا) عام 1987م، ثم تحولت الجبهة إلى مسمى آخر وهو (الجيش الوطني لإنقاذ ليبيا)، وأثناء ثورة 17 فبراير، طلبت منه الولاياتالمتحدة المشاركة في الثورة، واحتلال موضع قدم في مؤسسات الدولة الجديدة، وبالفعل حصل (حفتر) في نوفمبر 2011م على منصب قائد القوات البرية، ثم رأت قيادة الأركان إزاحته بعد بلوغه سن التقاعد، لكن (حفتر) وبشهادته لم يتوقف عن الاتصال بالضباط لاستمالتهم لصفه لا سيما وهو يحمل ذهب المعز، وعينه ترنو لسيفه من أجل تحقيق (الرؤية السياسية لمسار التغيير بالقوة) الذي انتهجه منذ نقلته الولاياتالمتحدةالأمريكية من تشاد إلى فلوريدا، ودأب عليه منذ نجاح ثورة 17 فبراير. وتعد المحاولة الانقلابية التي أعلن عنها في 16 مايو الجاري الثالثة من نوعها والثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، وقد أكد (خليفة حفتر) هذا المعطى المفسر، عندما أشار إلى أنه عمل لإيجاد هذا الوضع قبل سنتين من الآن، وأنه كان يطوف على المعسكرات لكسب ولاء العسكريين، ولا سيما كبار الضباط؛ أي أن واشنطن كانت تفكر في إحداث انقلاب عسكري في ليبيا عندما كانت تساعد الثوار على الإطاحة ب (القذافي)، وقد أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية - بدورها - أن واشنطن كانت على علاقة مع (حفتر) حتى أسبوع واحد فقط من إعلانه التمرد العسكري على السلطة الشرعية القائمة في ليبيا . خارطة المواقف الليبية
الليبيون منقسمون؛ شعبياً، وسياسياً، وعسكرياً، وأمنياً، فهناك مظاهرات مؤيدة للشرعية وأخرى مؤيدة للانقلاب، والساحة السياسية منقسمة؛ حيث أعلن رئيس الحكومة المقال علي زيدان تأييده للجنرال (حفتر)، ودعا إلى إزالة البرلمان ووصفه بالجسم العاجز، وهو مطلب (حفتر)، وما عبر عنه منسق العلاقات الليبية المصرية السابق أحمد قذاف الدم، بأن (حفتر) يسطر التاريخ ويقوم بإرجاع الكرامة للجيش الليبي. على صعيد المؤيدين والمعارضين، تنشط الآلة الإعلامية الكبرى التي تروج ل (حفتر) في تصوير الأمور على أنها في يد (حفتر) وذلك على غير الحقيقة، لكن دخول قوات درع ليبيا الوسطى التابعة لرئاسة أركان الجيش، يوم الخميس 22/5/2014م العاصمة الليبية طرابلس بهدف تأمينها استجابة لقرار رئيس المؤتمر الوطني العام، أربك المشهد وأثار دخولها رعباً في أوساط الانقلابيين، ووسائل الإعلام الموالية لهم التي زعمت في أخبار نشرتها أن هناك غضباً شعبياً من دخولها، وتتكون هذه القوات من ثوار مدينة مصراتة بشكل أساس، إضافة لثوار مدينتي زليتن وترهونة. ويأتي دخول قوات درع ليبيا إلى العاصمة، بعدما قامت ألوية القعقاع والصواعق المتمردة بالهجوم على العاصمة طرابلس، حيث قتلت مدنيين وألحقت أضراراً مادية بعدد من المؤسسات والمباني. الجدير بالذكر أن قوات الدرع هي قوات شكلتها هيئة أركان الجيش الليبي، وهي عبارة عن مجموعة كتائب الثوار التي قاتلت (القذافي)، ولها قواعد في بنغازي وطرابلس ومصراتة والجنوب الليبي. في الوقت نفسه، تناقل ناشطون تصريحات سابقة للواء الليبي المتقاعد (خليفة حفتر) يقول فيها: (حتى نبني جيشاً قوياً؛ يجب التعامل مع تونس ومصر وغيرهما من دول الجوار كأعداء؛ لأنهم فقراء ومحتاجون لثروتنا وطامعون في نفطنا وغازنا). وتابع في مقابلة متلفزة على إحدى القنوات الليبية بأن (علينا أن نبني جيشاً لنحمي ليبيا من مصر وتونس)، ويقصد بالجيش (الجيش الوطني الليبي)، الذي يرأسه. المسلمون في ليبيا، وهم أكثر المستهدفين من الفوضى، والإرهاب، والتمرد العسكري، ومن بعض التدخلات الإقليمية والدولية على حد سواء، عبروا عن رفضهم لكل ذلك، وأكد الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، الشيخ بشير الكبتي، أن الحوار هو الخيار الأفضل لحقن دماء الليبيين، وللتوافق على معالم المرحلة السياسية المقبلة، لكنه لم يُخفِ موقفه من خروج (حفتر) على الدولة والتسبب في سقوط ضحايا وسفك دماء، واصفاً ذلك ب (محاولة انقلابية واضحة المعالم) ، قائلاً: إن الإخوان المسلمين أبرياء من هذه المواجهات، وإنهم ضد العنف وضد استخدام السلاح، واتهم أطرافاً خليجية سماها بالوقوف وراء محاولات الانقلاب والفوضى التي تشهدها بلاده. وقال النائب في البرلمان الليبي عمر بوشاح: من الضروري إحداث توافق وطني بين مكونات الثورة ومواجهة الثورة المضادة وانتقام العسكر ورموز (القذافي) من ثورة 17 فبراير التي أطاحت ب (القذافي)بعد أكثر من 42 عاماً قضاها في الحكم بدون منازع، وكانت مواجهات دامية في بنغازي بين المتمرد (حفتر) والثوار خلفت عشرات القتلى والجرحى (75 قتيلاً، و136 جريحاً حتى يوم الثلاثاء 20 مايو الماضي). المؤسسة الأمنية والعسكرية منقسمة بدورها، فقد أعلنت الاستخبارات، ومديريات أمن، وقوات الجو، انضمامها ل (حفتر)، في حين أعلنت رئاسة الأركان للجيش الليبي أنها مع تحقيق أهداف ثورة 17 فبراير والتزامها بالشرعية في ليبيا الجديدة، واستهجانها للأعمال الإرهابية التي تستهدف منتسبي الجيش وغيرهم من المواطنين، ودعمها للثوار الحقيقيين الذين يعملون لصالح الوطن وتحقيق إرادة الشعب، وأنها ستتخذ إجراءات ضد العسكري