الرئيس السوري يبحث مع رئيس المخابرات التركية المستجدات الإقليمية واتفاق قسد    أبراج السعودية تتوشح بعلمي المملكة وباكستان احتفاء باتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك    إعلام عبرى: "حكومة الدماء" تسعى لتحويل إسرائيل إلى أوتوقراطية دينية متطرفة    بريطانيا.. حفل خيري ضخم في ملعب ويمبلي دعما للفلسطينيين في غزة    التاريخ يكرر نفسه.. تورام يعيد ما فعله كريسبو منذ 23 عاما ويقود إنتر للتفوق على أياكس    مورينيو: من المدرب الذي سيقول لا لبنفيكا    محمود وفا حكما لمباراة الأهلي وسيراميكا.. وطارق مجدي للفيديو    تصريح بدفن جثة ربة منزل بعد ذبحها على يد زوجها بالعبور    وزير التعليم يعلن تفاصيل النظام الدراسي الجديد للصف الثالث الثانوي (العام البكالوريا) 2025 /2026    السيطرة على حريق شب داخل محل ألعاب أطفال بمدينة نصر    سعر الذهب اليوم الخميس 18-9-2025 بعد الارتفاع القياسي بالصاغة.. عيار 21 الآن بالمصنعية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    بعد تعرضه لوعكة صحية.. محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مركز ومدينة القصاصين الجديدة    جمال شعبان ل إمام عاشور: الأعراض صعبة والاستجابة سريعة.. و«بطل أكل الشارع»    مقتل 3 ضباط شرطة وإصابة اثنين آخرين في إطلاق نار بجنوب بنسلفانيا    تصدرت التريند بعد أنباء زواجها بشاب، ماذا قالت إيناس الدغيدي عن الطلاق (فيديو)    وزارة العمل: 50 فرصة عمل لسائقين بمرتبات 10 آلاف جنيه    محافظ شمال سيناء يتفقد أعمال تطوير بوابة العريش وبفتتح مقراة الصالحين لتحفيظ القران الكريم (صور)    فائدة 100% للمرة الأولى.. أفضل شهادة إدخار بأعلى عائد تراكمي في البنوك اليوم بعد قرار المركزي    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    "أوبن إيه.آي" تتجه لإنتاج شريحة ذكاء اصطناعي خاصة بها.. ما القصة؟    أسامة فراج بعد محمد محسوب .. ساحل سليم تتصدر قائمة التصفية خارج إطار القانون من داخلية السيسي    مكافحة الإدمان: علاج 100 ألف مدمن خلال 8 أشهر    لأول مرة.. ترشيح طالب من جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو 2025    محمد صلاح يتجاوز ميسي ومبابي ويكتب فصلًا جديدًا في تاريخ دوري الأبطال    أخبار × 24 ساعة.. الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية    تكريم أمينة خليل.. تفاصيل حفل إطلاق النسخة السابعة من مهرجان ميدفست مصر (صور)    عمرو منسي: مهرجان الجونة مساحة أمل للمواهب وصناعة السينما    الشاعر الغنائي فلبينو عن تجربته مع أحمد سعد: "حبيت التجربة وهو بيحكيلي عليها"    أحمد سعد مداعبا المؤلف الغنائي محمد الشافعي: "بكلم مامته عشان يألف لي"    محمد عدوي يكتب: الخفافيش تعميهم أنوار الشمس    مصفاة "دانجوت" النيجيرية تصدر أول شحنة بنزين إلى الولايات المتحدة    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    90.2 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نقيب المحامين يكرم400 طالب متفوق من أبناء محامي الإسكندرية    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    هتتفاقم السنوات القادمة، الصحة تكشف أسباب أزمة نقص الأطباء    أسباب الإمساك عند الطفل الرضيع وطرق علاجه والوقاية منه    حكم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا    موعد مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    بهاء مجدي يحدد مفتاح الزمالك للفوز على الإسماعيلي    سعر الموز والتفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 18-9-2025    إنتاج 9 ملايين هاتف محمول محليًا.. وزير الاتصالات: سنبدأ التصدير بكميات كبيرة    استشهاد 99 فلسطينيًا في غارات الاحتلال على غزة خلال يوم    عاجل| "الشعاع الحديدي": إسرائيل تكشف عن جيل جديد من الدفاع الصاروخي بالليزر    بريطانيا: زيارة الدولة الأمريكية جلبت 150 مليار باوند استثمارات أجنبية    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    رئيس جامعة طنطا يشهد حفل تخريج الدفعة ال30 من كلية الهندسة    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل ومصادر المياه
نشر في الشعب يوم 30 - 05 - 2014

حذرت التقارير المائية من تفاقم خطورة المشكلة المائية في منطقة الشرق الأوسط جراء الأطماع الإسرائيلية ومحاولتها الاستحواذ على القسم الأعظم من المياه ومواردها الرئيسية.
وأحدهذه التقارير الذي اعتمد على دراسات لمركز الدراسات والأمن المائي العربي والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (اكساد) التابعين لجامعة الدول العربية
أن الأطماع الإسرائيلية في المياه ومواردها الرئيسية ستفاقم من خطورة المشكلة المائية في المنطقة ما يستوجب وضع سياسة مائية موحدة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على منابع المياه ونهبها.
وأضاف أنه رغم وجود ستة محيطات والكثير من البحار والأنهار على مستوى العالم فإن المشكلة الكبرى في أن نسبة كبيرة من هذه المياه لا تصلح للاستخدام الزراعي أو الآدمي بسبب نسبة الملوحةالعالية فيها فضلا عن أن 23 دولة تتقاسم ثلثي موارد المياه ، أما الباقي فيتوزع على دول العالم الأخرى ما يؤكد أن هناك دولاً غنية بهذه الموارد وأخرى تحت خط الفقر المائي لعدة عوامل منها موقع هذه الدولة أو تلك وقربها أو بعدها عن منابع المياه والمؤثرات البحرية إضافة إلى التضاريس التي تلعب دورًا مهمًا في هذه الاتجاه والعوامل
الديموغرافية والنمو السكاني .
وأشار التقرير إلى أن المحاولات الإسرئيلية للاستحواذ على القسم الأعظم من المياه وارتباط هذه المشلكة الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل هو أحد الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه المشكلة في العالم العربيوأشار التقرير إلى تحريض دول الحوض على السير في طريق التصادم مع مصر وتوزيع الحصص دون النظر للحقوق التاريخية والاتفاقات السابقة حيث تقوم بتنفيذ عدة مشاريع لسدود على النيل منها سد فنشا على النيل الأزرق ومشروع خور الفاشن شرق أثيوبيا وسنيت على نهر عطبرة وسد تنيكيزي وهذا ما يؤثر على حصة مصر من المياه بكمية تصل إلى نحو 16 مليار متر مكعب".
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل تقوم بسرقة مياه نهر الأردن وروافده من سوريا ولبنان والتي تعادل أكثر من 33 مليار متر مكعب عبر إقامة السدود والمضخات الضخمة لنقل المياه وحفر الآبار الأرتوازية عند الخط الفاصل بين هضبة الجولان وسوريا ونقل مياه مسعدة إلى المستوطنات الإسرائيلية جنوبالأراضي الفلسطينية المحتلة ومن هذه السدود المقام منها على نهر اليرموك وعلى نهر الدان القاضي وجر مياه أنهار أخرى إلى بحيرة طبرية".
وأشار التقرير إلى أن جميع هذه السياسات التي تقف وراءها إسرائيل تجعل منطقة الشرق الأوسط على حافة الولوج في مرحلة صعبة فيما يتعلق بمواردها المائية العالم العربي اتخاذ خطوات أحادية الجانب ومواجهتها عبر توثيق العلاقات الاقتصادية فيما بينها وخاصة في المشروعات التي تستهدف التقليل من هدر المياه.
وأشارت إلى العديد من تقارير التنمية التي تكشف أن هناك حوالي 1.1 بليون شخص في البلدان النامية لا يحصلون على المياه بشكل كافٍ، كما يصل عدد من يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية إلى 6. 2 بليون شخص ، كما أن هناك 15 بالمئة من سكان المنطقة لا يحصلون على المياه الصالحة وتتراوح أعدادهم بين اثنين بالمئة في مصر و حوالي 32 بالمئة في اليمن بينما يصل من يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي إلى 30 بالمئة من سكان المنطقة .
يذكر أن معظم البلدان العربية تعانى نقصًا حادًا في مصادر المياه وندرة الموارد المائية لأنها تقع في مناطق قاحلة أو شبه قاحلة وتتصاعد حدة هذا النقص بسبب التزايد المستمر في الاستهلاك نظرا للنمو السكاني والاقتصادى ، كما أن المنطقة قد دخلت طور فقر المياه في ضوء حصة الفرد من موارد المياه المتجددة والتي تصل إلى 265 مليار متر مكعب أو ما يعادل 1000 متر مكعب للفرد في حين أن حصته على الصعيد العالمي تعادل سبعة أضعاف هذه الكمية. كما أن تزايد طلب السكان على المياه سيؤدى إلى انخفاض نصيب الفرد بحلول عام 2025 إلى 460 مترًا مكعبا وهو دون مستوى فقر المياه المدقع وفق التصنيفات الدولية.
كما توضح الإحصائيات تعاظم مشكلة المياه فى البلدان العربية مع تناقص نسبة توافر المياه المتاحة لأكثر من الربع ، موضحة أن نصيب الفرد سينخفض بما يقارب 500 متر مكعب ، بينما سيعيش 90 بالمئة من سكان المنطقة في بلدان تعانى نقص المياه . ويقدر مخزون المياه الجوفية العذبة فى الأراضى العربية ب 7734 مليار متر مكعب في السنة، بينما لا تتعدى كمية المياه التي تعيد تغذية هذه المكامن 42 مليار متر مكعب سنويًا في مختلف المناطق ولا تتجاوز الكمية المتاحة للاستعمال إلا 35 مليارا في السنة .
وقد اتبعت إسرائيل سياسة تهدف في أساسها إلى تطويق مصر والسودان عن طريق صلاتها مع دول حوض النيل ، حيث كشفت صحيفة موشافوت الإسرائيلية عن إرسال إسرائيل بخبرائها في المياه إلى إثيوبيا، والذين ساعدوها على إنشاء 3 سدود على روافد النيل الكبرى التي تدخل على المجري الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب إثيوبيا ثم السودان ثم مصر، وقد أقرَّت إثيوبيا بهذه السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد)؛ بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود الخبراء الإسرائيليين هناك ، ناهيك عن قيام إسرائيل باللعب في جنوبالسودان حيث قامت بإيقاف مشروع قناة "جونجلي" التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً قدرها 5 مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت استراتيجية سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية وإبقاء المنطقة كلها في صراعاتٍ طائفيةٍ مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات منذ بداية عقد التسعينيات صراعات مسلحة أثمرت مذابح بشعة راح ضحيتها الآلاف من الأرواح،في رواندا وبورندي التي اشتعل افيها القتال هناك متأثرًا بما جرى في رواندا .
وبدأت الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية منذ المؤتمر الصيوني الأول في بازل بسويسرا ، وفي عام 1974م طرحت إسرائيل تخطيط لنقل مياه نهر النيل إليها عن طريق حفر ست قنوات تمر من تحت قناة السويس لنقل ما يقارب المليار م3 من المياه المصرية إلى صحراء النقب ، حيث صمم حينها المهندس الإسرائيلي (اليشع كيلي) لسحب مياه النيل لإسرائيل من خلال توسيع ترعة الإسماعيلة ، حتى يزيد معدل تدفق المياه داخلها وسحبها من أسفل قناة السويس .
وقد طرحت إسرائيل قضية مياه النيل أكثر من مرة وطالبت بحصولها على 10% من مياه النيل أي ما يقارب 8 مليارمتر مكعب سنويًا لحل مشكلة المياه فيها ، وهي تعمل ومنذ زمن أيضا على التغلغل بشكل كبير في دول حوض النيل وخاصة ( أوغندا ، تنزانيا ، كينيا ،وإثيوبيا) ، من خلال إرسال عشرات الخبراء في العديد من المجالات مثل الزراعة والري والخبراء العسكريين وغيرهم لهذه الدول ، ومن شأن تدخل إسرائيل الحالي في شؤون النيل تطويق مصر والسودان مائياً وتهديد أمنهما القومي والتسبب في نزاعات قد تتطور إلى خوض حروب على المياه بين دول المنبع والمصب في حوض النيل .
وقالت تقارير إن المخابرات الإسرائيلية عملت على عقد اجتماعات أمنية مع بعض دول حوض النيل ، من أجل تحريضها والضغط على مصر لتعديل اتفاقية دول الحوض ، وخاصة بعد ما أدركت إسرائيل أن مخزونها الاستراتيجي من المياه بدء بالنفاد ، وخاصة مخزون المياه الفلسطينية في الضفة الفلسطينية المحتلة و قطاع غزة التي تسرقها منذ أربعين عامًا .
وكانت التحركات الأخيرة التي قام بها ليبرمان إلى إفريقيا من وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع دول حوض النيل بالإضافة إلى امدادهم بالخبرات العسكرية والفنية لإقامة السدود والمنشآت المائية جزءًا من السياسة الإسرائيلية أزاء العالم العربي فيما يخص الحرب السرية على منابع المياه .
وعلى الصعيد المصري ، فقد كان رد الفعل المصري هو قيام رئيس الوزراء المصري بزيارة إلى أثيوبيا استهدفت تعزيز الوجود المصري هناك في إشارة واضحة إلى غياب الاستراتيجية المصرية أزاء المصالح المصرية في دول حوض النيل ومحاولة تدارك هذا الغياب بأي شكل ممكن .
كما أن تردي الأوضاع السياسية الداخلية بعد ثورة 25 يناير، ألقت بظلالها على كل القضايا الشائكة التي تمس الأمن القومي، وعلى رأسها قضية الأمن المائي، فتناحر القوى السياسية بكافة طوائفها على تقسيم السلطات فيما بينها صرفت الأنظار عن مشكلة دول حوض النيل مع مصر واتفاقية "عنتيبي"، للحد الذي بلغ معه الأمر إلى إعلان جنوب السودان أنها ستوقع على الاتفاقية التي تهدد مصر والسودان في حصتهما من مياه النيل دون حراك على المستوى السياسي من الجانب المصري واعتباره تحصيل حاصل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن حصة مصر من المياه آمنه و لا مساس بها، بالإضافة إلى انتهاز أثيوبيا فرصة التخبط الداخلي لمصر وشروعها في بناء سد الألفية الذي يمثل خطرًا شديدًا على أوجه عدة، خاصة بالسد العالي وتوليد الكهرباء ...
إن الأزمة لها جذور تاريخية تبدأ مع إصرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على بنائه للسد العالي، بالرغم من معارضة الدول الكبرى آنذاك لهذا المشروع؛ لأن اتجاهاتهم كانت تهدف إلى بناء السد "بأثيوبيا"، إلا إن عبد الناصر فضل أن يقوم بتأمين المياه داخل الحدود المصرية، وهذا الإصرار المصري قوبل برفض البنك الدولي لتمويل مشروع بناء السد مما دفع ناصر إلي إصدار قرار تأميم القناة، الأمر الذي قوبل من الدول الكبرى بشن العدوان الثلاثي على مصر بالإضافة إلى تقدم إثيوبيا ولأول مرة بشكوى رسمية للأمم المتحدة ضد مصر والسودان لإلغاء اتفاقية 1959، بجانب قطع العلاقات الكنسية المصرية الأثيوبية، التي استمرت على مدار 1623عامًا.
كما أخذت الأزمة تتصاعد فحين لوحت أثيوبيا ببناء سدود على نهر النيل؛ هدد الرئيس الراحل أنور السادات بقيامه بتوجيه ضربة عسكرية لهدم هذه السدود، وزادت شدة المعارك الكلامية بين الطرفين؛ مما ترتب عليه سوء علاقة مصر بدول حوض النيل، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى عصر الرئيس السابق حسني مبارك الذي أخذ قرار بالبدء في مشروع ترعة السلام الذي قامت في مقابله أثيوبيا بتهديد مصر بتحويل مجرى نهر النيل، بالإضافة إلى هدم أي منشأ في هذا الشأن.
و الجدير بالذكر أن اتفاقية 1959 قامت بتعديل اتفاقية 1929 وزيادة حصص مياه مصر والسودان من المياه المهدرة في البحر المتوسط، إذ نصت اتفاقية 59 التي أطلق عليها "اتفاقية الاستغلال الكامل للنهر"، على احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل، وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً، وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنوياً، بالإضافة إلى موافقة السودان على إنشاء السد العالي على أن توزع الفائدة المائية من بناء السد والتي تبلغ 22 مليار متر مكعب سنويًا على البلدين بحيث تحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالي ما تحصل عليه مصر55.5 مليار متر مكعب، وما تحصل عليه السودان أصبح 18.5 مليار متر مكعب، دون الالتفات لباقي دول حوض النيل.
وأيضاً أصبح الشغل الشاغل لكل دولة من دول حوض النيل بعد حصولها على الاستقلال الذي كان لمصر الدور الأول فيها، هو البحث عن التنمية ورضوخا للتوجهات الشعبية التي ارتفعت أصواتهم بأن نهر النيل ينبع من بلادهم فكيف لا يكون لهم حصة بها يستخدموها في التنمية أو يقوموا "ببيعها لمصر"، وأكبر مثل على ذلك دولة تنزانيا التي حصلت على استقلالها عام 1961، وكان أول قرار لها إلغاء جميع الاتفاقيات والتي تم توقيعها أثناء الاحتلال و الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل، وعلى رأسها اتفاقية 1929، وحذت جميع دول الهضبة الاستوائية حذو تنزانيا التي أطلق عليها آنذاك "مبدأ ميراري" نسبة لأول رئيس تنزاني.
لماذا تفجرت مشكلة تقسيم المياه وإصرار دول حوض النيل على ما أطلقوا عليه الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل "اتفاقية عنتيبي" بشكل تعنتي منذ عام 2010 ؟
بعد ظهور أزمة الغذاء العالمية عام 2005، وأصبح المنتج من الغذاء أقل من احتياجات الشعوب، اتخذت الدول الغنية قررًا بالاستثمار الزراعي في دول منابع الأنهار الإفريقية وأمريكا اللاتينية، وكان لنهر النيل النصيب الأكبر من الاستثمارات الأوروبية والخليجية وأمريكا وكندا ودول شرق آسيا "كوريا والهند والصين" وإيران، مشترطين على الدول المستثمر فيها توفير مصدر دائم للري، لتعظيم عائد الزراعة، مما شجع دول حوض النيل؛ للمطالبة بحصص مائية لاستخدامها في الري، بالإضافة إلى إقامة مشروعات لتوليد الكهرباء لاستخدامها في التنمية الصناعية والزراعية.
دور الكيان الصهيوني في سوء العلاقات المصرية بدول حوض النيل
من المؤكد أن إسرائيل لها تواجد بدول حوض النيل، ومن مصلحتها حصار مصر من قبل الدول التي تمثل لها بعد استراتيجي، ومن أهم الأدوار التي تلعبها إسرائيل هو حصار مصر مائيًا، طبقًا للمقولة الانجليزية "من يتحكم في نهر النيل يتحكم في مصر وقراراتها ومصيرها"، للضغط على مصر في شريان الحياة، بالإضافة إلى قيامها بالعبث "الديموجرافي" عن طريق تكوين جبهة من دول حوض المنبع ضد مصر والسودان لخلق الأزمات، ولم تكتف بذلك بل تقوم بإنشاء قواعد عسكرية بهذه الدول بالاشتراك مع قوى غربية بالإضافة إلى تسليحها.
وتعد أثيوبيا من الدول القوية في المنطقة والتي تتصارع مع مصر سياسيًا على الدور الريادي بدول حوض النيل والقرن الإفريقي، ولذلك يجب على الجانبين تقسيم الأدوار، والاتفاق على حل مشكلة النيل بشكل سياسي لان استخدام القوة ليس في صالح البلدين ولا المنطقة بأكمالها.
إعلان جنوب السودان عن نيتها لتوقيع اتفاقية "عنتيبي" وتأثيره على مصر
أن توقيع جنوب السودان وهي إحدى دول المصب لاتفاقية "عنتيبي" يمثل خطورة شديدة على مصر ويضر بمصالحنا الإستراتيجية، حيث أن دولتي السودان يعدان الامتداد الجغرافي لمصر، والبوابة الجنوبية لمصر، وعلى الرغم من إنشاء سدين بجنوب السودان "سد البردانه – سد الرميله"، للاستفادة من حصتها بالكامل، إلا أن مصر لم تبد أي اعتراض بهذا الشأن، لأنه بالتعاون المشترك بين دولتي السودان ومصر من الممكن استقطاب عشرات المليارات من المياه الغير مستغلة، حيث أن مشاريع استقطاب فواقد المياه تقع معظمها بدولتي السودان التي تتمثل في تجفيف المستنقعات والبرك والتي من الممكن أن تصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا، حيث أن السودان يسقط عليها أمطار تمثل تلت الأمطار التي تسقط على دول حوض النيل بالكامل، كما أن السدود السودانية لا تمثل أي خطر على مصر في الوقت الحالي، ولكن يجب الانتباه ومتابعة سحوبات المياه طبقا لاتفاقية 59.
استخدام مشروعات استقطاب فواقد المياه كمحاور رئيسية للتنمية
يجب إعادة النظر في مشروعات استقطاب فواقد المياه بحيث تساهم بدور فعال في التنمية ، كحفر قناة تصب فيها مياه الفواقد تقام على جوانبها طرق سريعة لربط التجارة بين البلدين وإنشاء سكة حديد لنقل البضائع ، تشجيعا للسكان بالإضافة إلى إنشاء مخارج للمياه لإنشاء مزارع، ولذلك يجب على الحكومة أن تقوم بالتفاهم مع جنوب السودان لإقامة هذه المشروعات وإقناعهم بأهمية المشروعات التي ستعمل على تنمية المجتمع وستعود بالنفع على الجانبين، حيث أن السودان تعد سوق واعد للمنتجات والصناعات والأدوية والعمالة المصرية، كما أن السودان بها موارد طبيعية كالبترول والمعادن وكل الدول الغنية قد تنبهت لهذه الثروات وبدأت في الاستثمار بالسودان، فكيف لا نحذوا حذوهم ونعمل على توطيد العلاقات بين مصر وجنوب السودان وبذل كل غالي ونفيس للحيلولة دون توقيعهم على اتفاقية "عنتيبي".
ما هي أوجه اعتراض الجانب المصري على اتفاقية "عنتيبي"
نعترض على نقاط ثلاث تضر بالمصالح المصرية، أولها أن الاتفاقية لا تقر بالحقوق المصرية السودانية في حصص المياه، بل هي تقوم على فلسفة أعادة توزيع الحصص المائية على دول حوض النيل العشر، كما أنها لا تقر بمبدأ الإخطار المسبق عن المشاريع التي تقوم بها دول المنبع مثل ما حدث مع سد النهضة، الذي لم تعلم مصر عنه شيء إلا بعد وضع حجر الأساس، وأخيرًا أن الاتفاقية تنص على بند يسمح بتعديل بنود الاتفاقية وملاحقها بالأغلبية وليس بالتوافق، ولذلك هذا البند يحرم كلا من مصر والسودان بتعديل أي بند حيث أن دول المنبع يملكون الأغلبية.
لماذا سارعت أثيوبيا في إنشاء سد النهضة دون انتهاء اللجنة الثلاثية من تقييم المشروع
استغلت أثيوبيا تردي الأوضاع السياسية الداخلية لمصر بعد قيام ثورة 25 يناير وتغافل المسئولين عن الخطر الذي يداهم مصر من إنشاء سد النهضة، وبدأت في بناء السد، على الرغم من أن الجهات المانحة وجميع المملوين "ايطاليا – البنك الدولي" رفضت تمويله.
فكيف تم البدء في بناء السد دون تمويل
لجأت أثيوبيا إلى مشروع الصكوك الذي أمن 50 مليون دولار، وقامت بتدبير التمويل اللازم من الميزانية المحلية، بالإضافة إلى تمويل صيني بمقدار 1.4 مليار دولار لتمويل خط نقل الكهرباء من السد إلى أثيوبيا والتي ستقوم بدورها بتصديره إلى مصر والسودان، وحديثا كشف صندوق النقد في رسالة لأثيوبيا تحذرها من عدم الاستمرار في توظيف المنح والهبات الدولية في بناء السدود بدلا من استخدامها في تقديم المساعدات للشعب ورفع مستوى معيشتهم.
هل من الممكن أن تقوم دولتي مصر والسودان بشراء الكهرباء المتولدة من سد النهضة؟
على الجانب السياسي في كلا من دولتي المصب " مصر – السودان " استغلال تسويق الكهرباء ضد أثيوبيا، بمقاطعة الكهرباء الأثيوبية وبذلك يتم الضغط عليها لتقليل السعة التخزينية للسد وبالتالي سيقتصر إنتاج الكهرباء على الاستهلاك المحلي.
ما هي الآثار السلبية التي ستتعرض لها مصر نتيجة بناء سد النهضة ؟
أن مشاكل مصر مع السد تبدأ منذ مرحلة ملأه والذي يحتاج إلى 75 مليار متر مكعب من المياه على مدار خمس سنوات حيث سيقلل من حصة مصر سنويا بمقدار 15 مليار متر مكعب سنويا، و هذا يعني أن تفقد مصر 3مليون فدان من أجود أراضيها الزراعية ، بالإضافة إلى انخفاض الناتج من الكهرباء بمقدار 35 %، وتقليل منسوب المياه لجوفية ولن يقتصر الأمر على ذلك فقط بل سيمتد إلى تداخل مياه البحر مع الخزان الجوفي الساحلي مما سيعمل على ملوحة المياه الجوفية في عدة مناطق بمصر " كفر الشيخالدقهلية "، وزيادة ملوحة البحيرات الشمالية مما سيؤثر على الثروة السمكية وعلى الحياة الطبيعية بالبحيرات ككل ومن أثار السد السلبية أيضا التأثر على السياحة النيلية والنقل النهري لانخفاض المنسوب المائي به ، وحرمان محافظا الصعيد من مياه الشرب لانكشاف مآخذ المياه المتواجدة على طول نهر النيل.
هل يستطيع السد العالي التعامل مع انخفاض منسوب المياه الواصل إليه بعد بناء سد النهضة؟
أن قدرة تعامل السد العالي مع سنوات منخفضة الفيضان في ظل انخفاض حصة مصر من المياه عن 55.5 مليار متر مكعب ستكون منعدمة تمامًا حيث أنه تم تصميمه ليستوعب سنوات الفيضان المرتفعة والمنخفضة بحيث أن منسوب المياه لا يقل عن 178 متر مكعب سنويا وإذا زاد في فترة الفيضانات المرتفعة يصرف ما يزيد عن هذه الكمية في مفيض توشكي وذلك للحفاظ على جسم السد ولكن بعد بناء السد لن نحافظ على هذا المنسوب وراء السد في فترة الفيضانات المنخفضة ، ولذلك سينعدم دور السد العالي ونعود مرة أخرى إلى فترة ما قبل بناء السد العالي ونعاني من الجفاف بسبب نقص المخزون بمقدار 18 مليار متر مكعب ونقص دائم بكهرباء السد.
المقترحات لحل الأزمة التي تهدد الأمن القومي لمصر؟
مما لاشك فيه أن الأمن المائي هي قضية امن قومي، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نقف حائلا ضد دول تريد أن تنمي مجتمعاتها، ولكن يمكن أن نقلل بشكل كبير الآثار السلبية المترتبة على قراراتهم، ولن يتأتى ذلك إلا بعد قيام الحكومة المصرية بمكاشفة ومصارحة الشعب بما يهدد أمننا المائي، ليحدث تكاتف بين كافة قوى الشعب من أحزاب سياسية وحركات، ويقفوا وراء النظام للحفاظ على حصة مصر المائية للأجيال القادمة، بالإضافة إلى توحيد الرؤى مع دولتي السودان والتمسك باتفاقية 1959، وطرح مبادرة على الجانب الأثيوبي لوقف العمل بالسد حتى تنتهي أعمال اللجنة الثلاثية وتقديم تقريرها الخاص بالآثار السلبية له، هذا بجانب طرح بدائل أخرى على الأجانب الأثيوبي لتحقيق التنمية المحلية بجانب تقليل السعة التخزينية لسد النهضة إلى الحد الذي لا يسبب ضررًا ملموسا لدولتي المصب بحيث لا يتعدى 14 ملي متر مكعب مثل أنشاء سدود صغيرة بديلة تحقق أهداف التنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.