يزعم المغرضون أن محمداً صلى الله عليه وسلم أقام دينه بالقوة والإكراه، ووضع السيف في يد أتباعه وقال للناس: أسلموا وإلا السيف على رقابكم، ويستدلون على ذلك ( بظاهر) بعض الآيات التي تحض على الجهاد، ويتناسون الحقائق والوقائع التاريخية التي تبرهن حقيقة الإسلام فهو يؤكد على أن: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم [ البقرة:256]، فهم يعلمون أن الجهاد لم يكن في يوم من الأيام لإكراه الناس على الدخول في الإسلام بالقوة، ولم يحدث في عصر النبوة ولا في عصر الخلفاء الراشدين ولا فيما بعدهما أبداً - أن خير المسلمون أهل مدينة فتحوها بين الإسلام أو السيف.. * بل كان محمد صلى الله عليه وسلم مجاهداً في سبيل الله كما كان نوح وموسى وهارون وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، ولم تكن الحرب عند أحدهم مطلوبة لذاتها أو للانتقام أو للإبادة أو الطرد والتصفية العرقية، وإنما الحرب مشروعة ( لاستبعاد الفتنة والظلم وكسر شوكة المعتدين ) قال تعالى - موجهاً خطابه لمحمد صلى الله عليه وسلم: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين"[ الأنفال:62،61 ]. * ولقد فرض الله تعالى الجهاد العادل الرحيم على المسلمين؛ للمحافظة على الكيان الإصلاحي للدعوة وإزالة العقبات والاعتداءات قال تعالى: " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير"[ التوبة:73،التحريم:9] .. ونلاحظ: أن لفظ الجهاد أو القتال لا يذكر في القرآن الكريم إلا وهو مقرون بعبارة( في سبيل الله)؛ ليدل على أن الغاية منه مقدسة ونبيلة، وهي إعلاء كلمة الله؛ لإصلاح البشرية ومنع الظلم والاستبداد، وليس السيطرة أو المغنم أو الاستعلاء في الأرض.. ولا ينكر أحد أن الجهاد والدفاع عن النفس حق أقرته جميع الشرائع السماوية على لسان جميع الأنبياء وهو وسيلة لرد الطغاة في الداخل والخارج، ووسيلة لإزاحة العقبات وتحقيق العدل كما أمر الله وليس غاية في حد ذاته... * إذ ليس القتل والتدمير والحرق مطلباً أبداً، بل يُتبع الأخف لدفع الشر والظلم إن أمكن، فإن لم يكن: فالجهاد مشروع وفرض والظلم فيه ممنوع !!... وقد جاهد موسى وهارون، وطالوت ويوشع بن نون، وداود وسليمان عليهم السلام( جهاداً عادلاً رحيماً) غير أن أحبار اليهود ينسبون إلى الأنبياء في أسفارهم التي كتبوها ووضعوها في التوراة- العهد القديم - مجازر وجرائم حرب وفظائع إرهاب طالت أطفال ونساء وشيوخ أعدائهم وبيوتهم وزرعهم حرقاً وتدميرا.. وضعوا بأيديهم عبارات العنف في أسفارهم؛ ليبرروا بها قسوتهم المفرطة مع خصومهم وأعدائهم؛ ليكون عنفهم بوجه مشروع .. * وهو ما حدث أيضاً في الإنجيل- العهد الجديد- (هناك الكثير من الأقوال المنسوبة للمسيح ظاهرها العنف !) .. فقد جاء في إنجيل متى ( 10/ 34- 36 ) : "لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى العالم، ماجئت لأحمل سلاماً بل سيفاً، جئت لأفرق بين الابن وأبيه والبنت وأمها والكنة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته"!! وفي إنجيل لوقا( 12/49 ) : " جئت لألقي ناراً على الأرض، وكم أتمنى لو اشتعلت" !! وفي ( 22/35- 36 ):" ثم قال لتلاميذه: عندما أرسلتكم بلا مال ولا كيس ولا حذاء، هل احتجتم إلى شيء ؟ قالوا: لا، فقال لهم: أما الآن فمن عنده مال فليأخذه، أو كساء فليحمله، ومن لا سيف عنده فليبع ثوبه وليشتر سيفاً؛ فقالوا: هو ذا هنا سيفان؛ فقال لهم: يكفي."[ 22/38].فكل هذه الأقوال المنسوبة للمسيح ظاهرها العنف، * وهنا يظهر الفرق الكبير... لقد تسرع المغرضون وزعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم أقام دينه بالقوة والإكراه والسيف!! دون فهم أو تمحيص أو دراية.. - فهل تسرعنا نحن المسلمين في الحكم على هذه الأقوال العجيبة! الموجودة في أسفارهم ؟ بالطبع لا – نحن لا نتسرع كما يتسرع غيرنا ونقول إن السيد المسيح عليه السلام يحب العنف ويدعو إلى الإرهاب، ويأمر بقطيعة الرحم والإساءة إلي الأقارب!، وإنما نقول: لو ثبت نقل هذا الكلام عن السيد المسيح؛ لكان يُطلب إعداد العدة لدفع الظلم والدفاع عن النفس وحفظ العرض فهذا جهاد مشروع أقرته جميع الشرائع .. ولكننا نُريث التفكير ونعتقد أنه عليه السلام ( دعا كسائر الأنبياء إلى صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب، وحض على إكرام الأبوين تماما كما جاء في القرآن الكريم؛ لأن الرسالات السماوية واحدة وتخرج من نفس المشكاة.