د.غزوان الصنيب أشهد أن محمدا نبيه ورسوله ومصطفاه. إنه رسول الله الكريم وحبيبه من بدء الخليقة إلي يوم الدين، إنه السراج المنير، أحب إنسان إلي القلوب وأغلي مخلوق وأفضل بني البشر وأزكي العالمين. حمدت طباعه لأنها هذبت بالوحي. وتشرفت سجاياه لأنها صقلت بالنبوة. صاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود. أشرف من ذكر في الفؤاد، مبارك في كل عصر، معروف في كل دهر، مؤيد بجبريل، معصوم من التذليل، مذكور في القرآن والتوراة والإنجيل. صلوات ربي عليه والتسليم. ومن صفات رسول الله الحبيب محمد: محمد صلي الله عليه وسلم... رسولا. يقول الله تعالي: »وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل« »ال عمران: 441«. أرسله الله ليعبد الله وحده لا شريك له، أرسله الله ليوحد الله وليقال في الارض لا اله إلا الله محمد رسول الله. أرسله الله ليحق الحق، ويبطل الباطل، أرسله الله بالحجة البيضاء والملة الغراء، والشريعة السمحاء، والنبأ العظيم، والخير الهائل والشأن الكبير. يقول تعالي: »عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون« »النبأ: 1-3« أرسله الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، أرسله الله بالخير والسلام، والبر والصلاح والأمن والإيمان والسعادة والمحبة، أرسله الله بالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أرسله الله بمكارم الأخلاق ومحاسن الطباع، ومجامع الفضيلة ومعالي الصفات، أرسله الله لمحاربة الشرك وكسر الأوثان والاصنام وطرد الجهل ومحاربة الظلم وإزهاق الباطل وإبعاد الرذيلة. يقول تعالي: »يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون« »التوبة: 23«. يقول عليه الصلاة والسلام: »إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا« »أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها 12«. محمد صلي الله عليه وسلم... صادقا. يقول سبحانه في وصفه رسوله: »وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي« »النجم: 3، 4« يقول صلي الله عليه وسلم: »إن الصدق يهدي إلي البر، وإن البر يهدي إلي الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا« »أخرجه البخاري »6094« ومسلم »2607« عن عبد الله بن مسعود«. ورسول الله أصدق من تكلم، وأصدق من تحدث، وأصدق من قال. كلامه صدق وحق، ولم يعرف الكذب في حياته، بل حرم الكذب، وذم قائله، وقال عليه الصلاة والسلام: »إن المؤمن قد يبخل وقد يجبن، ولكنه أبدا لا يكذب، وحذر من الكذب في الجد والمزاح«. يقول رسول الله: »أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا« أبو داوود. ويكفي رسول الله صدقا أنه أخبر عن الله سبحانه وبلغ رسالة الله، وقرأ القرآن الكريم لم ينتقص منه حرفا ولم يزد عليه حرفا. يقول الله سبحانه: »يا أيها الوسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته« »المائدة:76«. كان صدوقا مع ربه، صادقا مع نفسه، صادقا مع الناس، صادقا مع أهله، صادقا مع أعدائه، ولو كان الصدق رجلا لكان محمدا. فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والصادق الأمين بعد الوحي والرسالة، كان قوله وعلمه وأفعاله مبنية علي الصدق. فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجده وهزله، وفراغه وشغله، وعقوده وعهده، ومواثيقه واتفاقاته، وقصصه وأحاديثه، وقوله ونقله، وبيعه وشرائه، وفي حله وترحاله. لقد عصمه الله من الكذب، فأقام لسانه، وسدد لفظه، وأصلح نطقه، وقوم حديثه، فهو الصادق المصدوق، لم يخالف ظاهره باطنه. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: »ماكان لنبي أن تكون له خائنة أعين« »رواه أبو داود »4359« والنسائي »4067«. هو الذي جاءه الصدق من عند ربه، فكلامه صدق، وسنته صدق، وضحكه صدق، وبكاؤه صدق، وغضبه صدق، ومنامه صدق، ويقظته صدق. يقول الله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين« »التوبة: 911«. وقال تعالي: »لسأل الصادقين عن صدقهم« »الأحزاب:8«. محمد صلي الله عليه وسلم... صابرا يقول سبحانه وتعالي: »فاصبر كما أولوا العزم من الرسل« »الأحقاق: 53«. لقد صبر رسول الله علي اليتيم والفقر، والجوع والحاجة، والتعب والحسد، وشماتة الأعداء، وغلبة العدو. صبر علي الطرد من الوطن والإبعاد عن الأهل والأحباب. صبر علي تكالب الأعداء، وسخرية الخصوم، وصلف المغرضين. صبر علي قسوة الأعراب، وجفاء البادية، ومكر اليهود، وخبث المنافقين، وكلام المشركين، وحبائل الماكرين. يقول سبحانه وتعالي: »فاصبر علي ما يقولون« »طه: 031«. ماتت أمه وهو طفل فصبر، ومات جده عبد المطلب فصبر، ومات عمه أبو طالب فصبر، وماتت زوجته خديجة فصبر، ومات ابنه إبراهيم فصبر، وقتل عمه حمزة فصبر، وأبعد عن مكة فصبر، ورميت زوجته الطاهرة فصبر، وكذب من قومه وعشيرته فصبر. صبر حيث: أخرجوه، وآذوه وشتموه، وحاربوه وهددوه، وتوعدوه وأدموه، وبالحجارة رشقوه. وفي كل مرة كان يتوج صبره يقول الله سبحانه: »فصبر جميل والله المستعان« »يوسف:81«. محمد صلي الله عليه وسلم... جوادا كريما يقول محمد صلي الله عليه وسلم: »من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه« »أخرجه البخاري »6018« ومسلم »47« عن أبي هريرة«. وقال عليه الصلاة والسلام: »كل امرئ في ظل صدقته حتي يفصل بين الناس« »أخرجه ابن خزيمة 2431 وابن حبان »331« وأبو نعيم«. كان رسول الله أكرم خلق الله، وأجود بني البشر، أمر بالإنفاق والكرم، والبذل والعطاء، والجود والسخاء، وذم البخل والإمساك. يقول عليه الصلاة والسلام: »ما نقصت صدقة من مال« »أخرجه مسلم »2588« عن أبي هريرة«. هو أسرع بالعطاء والخير من الريح المرسلة ولم يقل »لا« لطالب حاجة. كان يعطي مع العدم وينفق مع الفقر، ويجمع الغنائم ويوزعها في ساعة، لا يأخذ منها شيئا، يعطي الجائع، ويؤثر المحتاج، ويواسي الفقير، كان يعطي لا يرجو الثناء إلا من الله. يقول سبحانه: »وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون« »البقرة: 272«. لم يذكر عنه أنه تبرم من ضيف، أو تضجر من سائل، أو تضايق من طالب. كان آية في الكرم والجود، ورمزا رائعا في العطاء، وقدوة حسنة في الإنفاق، ومنارة مضيئة في السخاء، ومثالا طيبا في الإحسان، دون منة أو شكور، أكل اليهود علي مائدته، وجلس الأعراب علي طعامه، وحف المنافقون بسرفرته، وغمر أصحابه وأحبابه بإحسانه وجوده وكرمه. جاءته الكنوز من الذهب والفضة فأنفقها في مجلس واحد ولم يدخر منها درهما واحدا ولا دينارا ولا قطعة، وكان أسعد في عطائه من السائل. محمد صلي الله عليه وسلم... شجاعا يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: »والذي نفسي بيده، لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل« »أخرجه البخاري »36«، »2897« عن أبي هريرة«. كان رسول الله أشجع الناس نفسا وأثبتهم قلبا، وأكثرهم إقداما، يعرض روحه للمنايا في سبيل الله، ويقدم نفسه لنصرة الحق، غير هائب ولا خائف، لم يفر من معركة ولم يتراجع عن قتال، لا يكترث للعدو، ولو كثر علاه، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه. لقد فر الناس من حوله يوم حنين، وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه، ونزل عليه قوله تعالي: »فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين« »النساء: 48«. وفي غزوة بدر قاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت فيها بروحه الشريفة، دون تردد أو تراجع، كيف لا، وهو الذي حث علي الجهاد وأمر به. وفي غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق تكالبت عليه الأحزاب من كل مكان، وضاق الأمر، وحل الكرب، وبلغت القلوب الحناجر وظن الناس بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، فقام رسول الله يدعو الله ويستغيث مولاه، حتي نصره ربه ورد كيد عدوه، حيث أرسل الله عليهم ريحا وجنودا، وباؤوا بالخسران والهوان. محمد صلي الله عليه وسلم... قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس« »أخرجه ابن ماجة »4102«، والطبراني »10522«، والحاكم »7833«. وقال عليه الصلاة والسلام: »كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل« »أخرجه البخاري«. لقد زهد رسول الله في الدنيا، لسرعة زوالها وقلة زادها، وقصر عمرها، ولأنها فناء، وعمل للآخرة لأنها دار البقاء والعطاء، فيها ما أعده الله لأوليائه من نعيم مقيم، وأجر عظيم وخلود دائم. كان بيته من طين، وينام علي الحصير حتي أثرت في جنبه الشريف، وما شبع من خير الشعير ثلاث ليال متتالية رهن درعه عند يهودي لثلاثين صاعا من شعير، كل ذلك تطهيرا لنفسه من أدران الدنيا، وتهذيب لروحه في طاعة الله، ويبقي أجره كاملا عند مولاه الذي وعده بقوله: »ولسوف يعطيك ربك فترضي« »الضحي: 5«. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم واصفا الدنيا بقوله: »مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا، كمثل رجل في ظل شجرة ثم قام وتركها« »أخرجه أحمد »3701«، والترمذي »2377«، وابن ماجه »4109«. لقد راودته جبال الدنيا عن نفسه أن تكون ذهبا وفضة، فآثر الزهد والكفاف، يشبع يوما فيشكر الله، ويجوع يوما فيسأل الله. لم يدخر مالا، ولم يكن له كنز، ولم يكن له جنة يأكل منها، ولم يخلف بستانا ولا مزرعة، ولم يترك متجرا أو حانوتا ولا رصيدا ولا عقارا. وهو القائل: »نحن الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة«. من كتاب محمد صلي الله عليه وسلم سجاياه ومعجزاته